لا تزال الشركات تواجه صعوبات في العثور على المواهب واستقبائها على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة الحالية، ويظهر ذلك جلياً في نتائج أحدث تقرير لمكتب إحصاءات العمل في الولايات المتحدة الذي يشير إلى أن عدد الوظائف الشاغرة لا يزال أعلى من 10 ملايين وظيفة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022. وقد أكدت نتائج عملنا هذا الاتجاه: في أغسطس/آب من العام 2022، أفاد أكثر من 95% من أصل 800 من كبار قادة الشركات الذين استقصيناهم بأن توظيف المواهب واستبقاءها كان إحدى أولوياتهم الثلاث في سعيهم نحو تنفيذ استراتيجياتهم بنجاح. لكن هذه الاحتياجات لا تقتصر على الاعتبارات القصيرة المدى، إذ أفاد أكثر من ثلثي القادة الذين استقصيناهم أن شغل الوظائف ذات الأجر المنخفض أو المرتفع عامل حاسم للحفاظ على تنافسية مؤسستهم ونجاحها، سواء على المدى القصير (12-18 شهراً) أو الطويل (3-5 سنوات).

لكن قادة الشركات لا يبذلون جهداً كافياً لتقديم حلول مبتكرة لمواجهة تحدي جذب الموظفين الموهوبين. إذ يعتمدون على استراتيجيتين أساسيتين لجذب الموظفين ذوي الأجور الأعلى: زيادة التعويضات (خيار بديهي إلى حد ما) وتضمين نماذج العمل عن بُعد/الهجين (استجابة منطقية لتأثيرات جائحة كوفيد-19). بالإضافة إلى ذلك، لا يبذل قادة الشركات جهداً كافياً لجذب العمال ذوي الأجور المنخفضة واستبقائهم، حيث أفاد أقل من نصف المستجيبين في استقصائنا أنهم يغرونهم حتى بالمزايا الأساسية، مثل الرعاية الصحية وزيادة التعويضات.

يعود ذلك بشكل رئيسي إلى نقص الوعي بالممارسات المبتكرة لجذب المواهب. لقد أفاد العديد من القادة الذين تم استقصاؤهم أنهم ببساطة لا يعرفون ما هي الخيارات الأخرى المتاحة أمامهم، وأقروا بأنها مشكلة تواجه مؤسساتهم: لم يذكر سوى أقل من 20% من القادة أن مؤسساتهم تتبع استراتيجيات ناضجة لإدارة المواهب.

إذاً، كيف يمكن تمكين المزيد من الممارسات المبتكرة للمواهب وقياس تأثيرها؟ بناءً على نتائج استقصائنا، يجب أن تتبنى المؤسسات مجموعة واسعة من الممارسات لتعزيز قدرتها على توظيف المواهب واستبقائها، لذلك أنشأنا قائمةً للمساعدة تحتوي على نحو 40 استراتيجية صنفناها في 7 فئات لتحسين عملية التوظيف أو جعل عرض الشركة أكثر جاذبية. بعض هذه الممارسات مألوفة ولكنها غير مستغلة على النحو الأمثل، في حين أن بعضها الآخر أكثر حداثة وابتكاراً.

تعزيز عملية التوظيف

الإعلان عن الوظائف وعملية الاختيار

تعتمد شركات كثيرة على استراتيجيات التوظيف التقليدية لتحديد المرشحين الذين يستوفون قائمة طويلة من المتطلبات. قد يكون من الصعب في الواقع العثور على مرشحين يحققون كل متطلبات القائمة، وحتى إذا وجدت أحدهم، فقد لا يكون الشخص المناسب للوظيفة في الواقع. ولكن يمكن للشركات تحسين عملية البحث عن المواهب الملائمة لها من خلال تبنّي نهج أكثر انفتاحاً في عملية التوظيف والاختيار. فيما يلي بعض الممارسات المبتكرة التي يجب أخذها بالاعتبار:

  • تحديد المهام التي يجب إنجازها بالفعل وتعديل الوصف الوظيفي لإعطاء الأولوية للمهارات والجوانب الأكثر أهمية لتلك المهام بدلاً من الاعتماد على المؤهلات التعليمية العامة أو الخبرة العملية.
  • ابحث عن المرشحين الذين يحققون 70-80% من المهارات الأكثر أهمية للوظيفة، وابتكر مناهج تعليمية لتزويدهم بباقي المهارات.
  • قدّم “تدريباً داخلياً بسيطاً” -مثل مشاريع ممولة قصيرة الأمد- أو دورات تدريب مهني متاحة للمرشحين الجدد للسماح لأصحاب العمل والمرشحين بتقييم الملاءمة الوظيفية قبل الالتزام بالوظيفة بدوام كامل.
  • استضافة هاكاثونات مفتوحة لتقييم المواهب وتسهيل تعيين المرشحين على دفعات.
  • ضع في اعتبارك إمكانية تعيين المرشحين الذين يتمتعون بعدة مهارات عالية متداخلة في عدة أدوار مختلفة في نفس الوقت.
  • استفد من تقييمات المواهب القائمة على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لتقييم المهارات الفنية أو مهارات التعامل مع الآخرين.
  • استخدم لغة شاملة ومحايدة في الوصف الوظيفي لجذب مجموعة متنوعة أكثر من المرشحين.

تحديد الأفراد الموهوبين وتوظيفهم

في ظل المناخ الحالي الذي يتسم بالمنافسة الشديدة على جذب أفضل المواهب، من الضروري تنويع أساليبك في البحث عن المرشحين المحتملين. فيما يلي بعض الممارسات التي يجب مراعاتها:

  • زيادة فرص تنقّل أصحاب المواهب داخل المؤسسة (مثل النقل الجانبي للوظائف والعمل الداخلي المستقل) بالاستناد إلى مهارات الموظفين وطموحاتهم كأساس للتنقل ودعم استبقاء الموظفين.
  • تبنّي منصات العمل الفورية ومنصات العمل المستقل لزيادة مرونة القوى العاملة (حتى للموظفين ذوي الأجور المرتفعة) وتسريع الوقت اللازم لطرح الخدمة وتمكين الابتكار.
  • العمل على جذب الخريجين الذين يمتلكون معرفة مؤسساتية قيّمة للعودة إلى العمل في مؤسستك.
  • إعداد قائمة داخلية بالموظفين السابقين الذين كان أداؤهم مميزاً ويمكن أن يكونوا مرشحين لوظائف شاغرة في المستقبل.
  • الاستفادة من الفئات “غير المرئية”، مثل المتقاعدين والذين يتمتعون بالتنوع العصبي والموظفين ذوي السجل الجنائي السابق.
  • الاستحواذ على شركات تضم أفضل المواهب أو إبرام اتفاقيات معها لتبادل أصحاب المواهب.

استراتيجية القناة

يمكن للشركات دمج قنوات جديدة ومبتكرة في استراتيجية إدارة المواهب لتوظيف المواهب المهمة والمطلوبة بشكل أفضل للسنوات القادمة. ضع في اعتبارك توسيع خياراتك من خلال دمج الأساليب الآتية:

  • استخدِم أصحاب المواهب التي يوفرها الشركاء الذين يتبعون نهج “وظّف-درّب-انشر” في البحث عن المرشحين ذوي الإمكانات العالية وزودهم بالمهارات ذات الصلة باحتياجاتك.
  • استخدم المنصات الرقمية لتعزيز العنصرين الآلي والشخصي في عملية التوظيف (مثل استخدام رموز الاستجابة السريعة والرسائل النصية).
  • إقامة شراكات مع المؤسسات التعليمية والمؤسسات المجتمعية، بما في ذلك مراكز التوظيف والكليات المجتمعية، لتوفير مناهج دراسية مخصصة وخبرات عملية في أثناء الدراسة لخلق خط إمداد أصحاب المواهب ذات الصلة.
  • تبني طرق جديدة لتحديد المواهب على منصات التواصل الاجتماعي (مثل النظر في قوائم التسريح ومنشورات لينكد إن).
  • تطوير برنامج إحالة أكثر فعالية وتسويقه، لا سيما للوظائف المطلوبة.

تعزيز العرض

التعويضات والمزايا

هل أنت أحد أصحاب العمل الذين يلجؤون إلى رفع الرواتب للتنافس على أصحاب المواهب؟ لقد أفاد نصف المستجيبين في استقصائنا أنهم يزيدون التعويضات لموظفيهم، وذكر نحو 75% من أصحاب العمل أن نقص المواهب هو العامل الرئيسي في زيادة ميزانية الرواتب. لكن هناك طرائق أخرى لتعزيز حزمة التعويضات والمزايا بخلاف زيادة التعويض. ابدأ بتجربة بعض هذه الممارسات:

  • قدِّم مزايا مبتكرة، مثل برامج دعم مقدمي الرعاية وخدمات رعاية الأطفال وامتيازات العافية الإضافية.
  • إنشاء مجموعة مزايا مخصصة للمواهب التي يصعب جذبها.
  • تقديم الحوافز، مثل منح مكافآت أعلى خلال العمل في ساعات الذروة والترقية المتدرجة، لا سيما للموظفين ذوي الأجور المنخفضة.
  • ضمان مزايا الرعاية والإجازات الصحية الملائمة لكل قوة العمل.
  • الحد من التقلبات من خلال ضمان أجور ثابتة ومتوقعة، لا سيّما للموظفين ذوي الأجور المنخفضة.

تصميم العمل

لقد غيّرت جائحة كوفيد-19 طريقة تفكيرنا في العمل بشكلٍ جذري. ازدادت أهمية المرونة في العمل على نحو كبير منذ بداية الجائحة، وبات بعض الموظفين يعتبرونها أكثر أهمية بالنسبة لهم من زيادة الراتب 10% مثلاً. من خلال إعادة تصميم العمل، يمكن تحسين جذب الموظفين واستبقائهم، وبالإضافة إلى ذلك، زيادة الإنتاجية وتركيز قدرات الموظفين على المهام ذات القيمة الأعلى. يمكنك استخدام الاستراتيجيات التالية للبدء بإعادة تصميم العمل:

  • قسِّم العمل إلى أجزاء أصغر لتسهيل توزيع المسؤوليات على أفراد الفريق أو الموظفين المستقلين، واعمل على تحسين نهجك في البحث عن المصادر.
  • استخدم المواهب بشكل أكثر ديناميكية من خلال إنشاء شبكات مواهب محتملة قائمة على المهارات يمكن تكليفها بالمهمات ذات الأولوية بشكل فوري.
  • استخدم جداول زمنية مبتكرة وأعِد تصميم ورديات العمل لمنح موظفي الأجور المنخفضة مرونة أكبر بالتنقل أو تبديل الورديات مع ضمان توفير تغطية مناسبة.
  • جرب نماذج عمل مختلفة، مثل أسابيع العمل المضغوط وتقسيم العمل بين عدة موظفين بدوام جزئي و/أو جدولة تقسيم الورديات لتغطية “ساعات الذروة”.
  • إعادة تصميم العمل من خلال إلغاء المسؤوليات الأقل أهمية أو إعادة تعيينها أو أتمتتها.
  • دمج التكنولوجيا التي تسهل العمل، مثل توفير المساعدات اللغوية والأدوات التي يمكن أن يستفيد منها الموظفون الأكبر سناً.

التطوير المهني

يمكن أن يساعد توفير فرصٍ لتولي الموظفين مهام إنمائية في تطوير الموظفين واستبقائهم. وفقاً لمركز بيو للأبحاث، يقول أكثر من 60% من الموظفين الأميركيين إن الفرص المحدودة للنمو المهني كانت عاملاً رئيسياً في قرارهم ترك وظائفهم. لتوسيع نطاق خيارات التطوير الوظيفي في مؤسستك، ضع في اعتبارك دمج بعض هذه الممارسات المبتكرة:

  • توفير مزايا التعليم المرتبطة بخطط تنمية المهارات الفردية (مثل سداد الرسوم الدراسية).
  • تطوير برامج التعلم والتطوير المستهدفة لدعم عملية إعداد الموظفين الجدد وتحسين المهارات وصقل المهارات الشخصية والتقنية.
  • تصميم برامج الإرشاد والرعاية وأنظمة تدريب الأقران.
  • تحسين مهارات المدراء ليكونوا قادة أفضل للأشخاص وتحميلهم مسؤولية أكبر لتطوير الفِرق.

ثقافة الشركة

يجب أن تتمتع الشركات بثقافة جذابة لتعظيم الارتباط والإنتاجية واستبقاء قوة العمل الحالية. لقد أصبحت ثقافة الشركة في السنوات الأخيرة العامل الأكثر أهمية للرضا الوظيفي، حيث تبين أن ثقافة الشركة لها تأثير أكبر بمقدار 10 أضعاف على قرار الموظف بالبقاء مع الشركة. فيما يلي بعض الممارسات المبتكرة للمساعدة في بناء ثقافة هادفة:

  • تضمين غاية الشركة واستراتيجيتها وقيمها في ممارسات التشغيل والأداء وعملية التقييم، وتدريب القادة ليكونوا مثالاً يُحتذى به لثقافة الشركة.
  • تصميم برامج قوية تبني الانتماء والإرشاد خلال عملية إعداد الموظفين الجدد.
  • إفساح المجال للمشاريع الشخصية القائمة على الشغف من خلال توفير الفرص لها وتخصيص من 10 إلى 20% من قدرة الموظف لهذا الهدف.
  • تعزيز الانتماء من خلال تطوير مجموعات المصالح ومجتمعات الممارسة.
  • مراقبة ميول الموظفين بانتظام لتحديد المجالات التي تحتاج إلى تحسين بسرعة.
  • تطوير قنوات اتصال شفافة ثنائية الاتجاه لإدخالات الموظفين ومشاركتهم.

تنطوي أفضل استراتيجية لإدارة المواهب في مؤسستك على تحديد مجموعة الممارسات المناسبة التي تلبي احتياجاتك والاستثمار بشكل معقول في تنفيذها حتى في ظل الظروف الاقتصادية غير المؤكدة. لقد أدركت شركات كثيرة من مختلف القطاعات أهمية المواهب لنجاح أعمالها التجارية وبدأت بالفعل باتباع ممارسات مبتكرة تستند إلى الاحتياجات المستهدفة لموظفيها. على سبيل المثال، حذفت شركة آي بي إم شرط الحصول على درجة علمية من نصف وظائفها الشاغرة في الولايات المتحدة لتوسيع نطاق شبكتها من المواهب المحتملة، وتعرض وول مارت على موظفيها في الخطوط الأمامية دفع كامل الرسوم الدراسية ومسارات مهنية متسارعة بعد التخرج، وتقدم بعض شركات المحاماة خدمات الرعاية الشخصية لدعم أفراد الأسرة المسنين لموظفيها.

لا يتعين عليك بالضرورة الالتزام بكل ما ورد في قائمتنا السابقة لتطوير استراتيجية ناجحة لإدارة المواهب، ولكن يجب عليك تحديد أين يمكنك بذل المزيد من الجهد للتنافس بشكلٍ أفضل عليها. قيّم الأنشطة الحالية لمؤسستك، ثم انظر بعناية في مكامن الضعف في استراتيجيتك لإدارة المواهب واستكشف كيف يمكنك الاستفادة من اقتراحاتنا. وضع في اعتبارك أنك قد تضطر إلى تصميم استراتيجية خاصة لإدارة المواهب بحيث تتلاءم مع احتياجات الموظفين في شركتك. من خلال تجربة ممارسات مبتكرة جديدة ووضع أنظمة التقييم المناسبة، يمكنك تطوير استراتيجية مستدامة تساعدك على توظيف أفضل المواهب المتاحة واستبقائها وتطويرها.

شكر وتقدير: نود الإعراب عن شكرنا وامتناننا للشريكة كولّين ماكدونالد والمستشارة كريستينا لي اللتين تعملان في بوسطن كونسلتينغ غروب (Boston Consulting Group) لمساهمتهما في هذه المقالة.