من الذكاء أن تكون علاقتك قوية بكل من مديرك ومدير مديرك، ولكن عندما يكون هناك صراع بينهما، فستكون غالباً في موقف صعب. إذاً، ما أفضل طريقة للتعامل مع هذا الموقف؟ هل يجب أن تنحاز لمن له أكبر تأثير على وظيفتك وحياتك المهنية؟ وكيف يمكنك أن تتحلى بأكبر قدر ممكن من الشفافية دون المخاطرة بعلاقاتك؟

ما الذي يقوله الخبراء؟

ليس من الممتع أن تكون عالقاً بين مديرك ومدير مديرك. تقول رئيسة شركة كارير استراتيجيز (Career Strategies) للاستشارات ومقرها في مدينة بوسطن، بريسيلا كلامان، وهي من المساهمين في “دليل هارفارد بزنس ريفيو لنيل الوظيفة المناسبة” (HBR Guide to Getting the Right Job): “الأمر أشبه بالوضع عندما كنت طفلاً وكان والداك يتشاجران، وتشعر أنك عالق بينهما”. وتقول أستاذة كرسي ديفيد بوتروك للإدارة في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، نانسي روثبارد، إن الموقف ليس “محرجاً وغير مريح” فحسب، بل يمكن أيضاً “أن يستهلك الكثير من الوقت. فأنت تتعامل مع أشخاص مختلفين وتحاول القيام بذلك دون أن تغضبهم”. فيما يلي 3 سيناريوهات شائعة قد تجد أنها مشابهة لوضعك، إضافة إلى أفكار حول كيفية التعامل مع هذه الصراعات في مكان العمل.

السيناريو الأول: يطلب منك مدير مديرك القيام بمهمات دون أخذ الإذن من مديرك

تقول كلامان: “إذا كان مدير مديرك يريدك أن تتولى مشروعاً، فيجب أن يتحدث مع مديرك، ومن ثم يجب أن يتحدث مديرك معك. فهذه هي القواعد المتبعة، ولكن الأمر لا يسير دائماً بهذه الطريقة”. عندما تتعرض لهذا الموقف، تنصح روثبارد بأن تعبِّر عن انزعاجك. كن صريحاً ومباشراً، يمكنك أن تقول شيئاً من قبيل: “هذا يضعني في موقف حرج مع مديري، فبماذا تنصحني؟”. اعتماداً على علاقتك مع مدير مديرك، يمكنك أيضاً أن تطلب منه “التدخّل” حتى تتولى المهمة بحرية أكبر. ربما يمكنه استخدام سلطته و”العثور على شخص آخر للمساعدة، أو الاستعانة بشخص آخر” ليكون عبء العمل متوازناً.

السيناريو الثاني: يشارك أحدهما معلومات معك دون إطلاع الآخر عليها

تقول كلامان: “إذا أخبرك مديرك بشيء شخصي، مثل أنه سيستقيل في غضون شهر، فمن الأفضل الحفاظ على سرية هذه المعلومات”، ولكن “إذا أخبرك مدير مديرك بشيء يجب أن يعرفه مديرك” أو العكس، مثل المعلومات المتعلقة بالعمل، “فهذا موقف أصعب”. تقول روثبارد: “إذا أخبرت مديرك أو مدير مديرك، فسيكون من الواضح أنك أنت مصدر المعلومات. في مثل هذه الحالات، عندما تشعر أن الأخبار التي أُخبِرت بها يجب أن تكون معلومة لمزيد من الأشخاص، ركز على الاستماع وطرح الأسئلة بدلاً من إبداء رأي حاسم”. ساعد مدراءك على التفكير ملياً خلال عمليات صنع القرار من خلال طرح هذه الأسئلة: هل تعتقد أن هناك أشخاصاً آخرين يجب أن يعرفوا هذه المعلومات؟ هل ستكون هناك أي مخاطر إذا لم يتم إخبارهم بها؟

السيناريو الثالث: العلاقة بين مديرك ومدير مديرك وصلت إلى طريق مسدود

إذا كنت قريباً من كلا الطرفين ولديك “معرفة قوية باهتمامات كليهما”، فأنت “في وضع فريد يتيح لك الجمع بينهما”، كما تقول روثبارد. توصي كلامان بجدولة اجتماع مع الاثنين وزملاء آخرين لمحاولة التوصل إلى توافق في الآراء. وتقترح أن تقول شيئاً على غرار: “لا أعتقد أننا متفقون، هل يمكننا الاجتماع معاً، وربما يمكننا أيضاً دعوة لوسي وإدوارد لتحديد أولوياتنا؟”. وتضيف: “دعوة أشخاص آخرين توسع نطاق المسألة وتخفف [أي عداوات] قد تكون موجودة بينهما”.

ولكن بغض النظر عن السيناريو الذي وجدت أنه مشابه لموقفك…

حاول ألا تنحاز إلى أي جانب

عندما تتعامل مع شخصيتين مختلفتين، من الطبيعي أن “تميل” إلى أحدهما على الآخر، كما تقول كلامان. ربما عملت لفترة أطول مع مديرك، أو ربما أنت ببساطة أكثر توافقاً مع مدير مديرك. لكن الانحياز الشديد إلى أي منهما قد يكون خطيراً. تقول كلامان: “عليك توخي الحذر الشديد بشأن الانحياز إلى أي جانب”. وتتفق روثبارد مع ذلك، إذ تقول: “حاول أن تكون على الحياد”، وعندما يكون هناك خلاف واضح بين الاثنين، “لا تقل الكثير”. تذكّر أن التدخل أكثر من اللازم في ديناميات السلطة قد يضر بحياتك المهنية. بدلاً من ذلك، انظر إلى نفسك “على أنك منفصل عن الأشخاص ولكنك مرتبط بالعمل”.

إذا كان عليك الاختيار بينهما، ففكّر جيداً

إذا اضطررت إلى الانحياز إلى أحد الجانبين، في معظم السيناريوهات، فعليك أن تعطي الأولوية “لعلاقتك مع مديرك“، كما تقول روثبارد. فبعد كل شيء، هذه العلاقة “مهمة مادياً لحياتك العملية اليومية؛ فهي تؤثر على الزيادات في الراتب والترقيات التي ستحصل عليها وأيضاً المهمات التي ستُكلَّف بها”. وتؤيد كلامان ذلك، إذ تقول: “ينبغي ألا تتخلَّ عن مديرك أبداً”. وإذا قررت الانحياز إلى مدير مديرك، فاتخذ الاحتياطات اللازمة. تقول روثبارد: تأكد من أن “مدير مديرك لديه مكان آخر يمكن أن يضعك فيه. إذ يجب أن تكون لديك خيارات”.

اعرف حدودك

من الشاق والمرهِق أن تكون عالقاً في وسط المشاحنات المكتبية، لذلك، من أجل الحفاظ على سلامتك العقلية، ابذل قصارى جهدك لكي تبقى بعيداً عنها. تقول روثبارد: “لا تضع نفسك في موقف ضعف أمام أي شخص في العمل”. ولا تسمح لسياسات بيئة العمل أن تُنهكك. وتضيف كلامان، تذكّر أن “هذه علاقات عمل، وأن هؤلاء الأشخاص ليسوا من أفراد عائلتك أو أصدقائك المقربين. فيجب أن تحافظ على حياتك الشخصية”.

مبادئ عليك تذكُّرها

ما يجب أن تفعله

  • اطرح أسئلة. فهذا مهم بوجه خاص إذا كان أي من المديرَين يريدك أن تحفظ سراً متعلقاً بالعمل وترى أن المدير الآخر يجب أن يكون على عِلم به.
  • اجمع مديرك ومدير مديرك معاً. حدد موعداً لعقد اجتماع معهما ومع زملاء آخرين للتوصل إلى توافق في الآراء.
  • ابتعد عن المشاحنات في مكان العمل، ولا تَنْحَز بشدة إلى مديرك أو مدير مديرك.

ما يجب ألا تفعله

  • الإحجام عن اتخاذ إجراء. إذا وضعك أي من المديرَين في موقف محرِج، فعبِّر عن انزعاجك.
  • إغضاب مديرك، إذ يجب أن تكون علاقتك مع مديرك على رأس أولوياتك.
  • إغفال حقيقة أن هؤلاء الأشخاص زملاؤك. اندمج في عملك، ولا تنشغل للغاية بمتابعة نتيجة الخلاف بين زملائك في العمل.

دراسة حالة رقم 1: فكّر في العواقب الأوسع نطاقاً المترتبة على حفظ سر مدير

عمل جمال في بداية حياته المهنية في وكالة علاقات عامة صغيرة مقرها مدينة نيويورك. وقد تعرّف جمال على أحد مؤسسي الشركة، داوود، في وظيفة سابقة. ولم يكن لديه تاريخ طويل من العمل مع مديره المباشر، بلال، الذي كان مرؤوساً مباشراً لداوود. (غُيّرت الأسماء في هذه القصة).

يقول جمال: “لم تكن الوكالة تتبع نهجاً رسمياً أو قائمة على التراتبية بدرجة كبيرة، لذلك كنت أنا وداوود وبلال مقربين للغاية بوصفنا زملاء في العمل”.

في أحد الأيام، حضر جمال اجتماعاً مع عميل محتمل مع داوود. وخلال الاجتماع، أدرك جمال أن داوود كان يعرض أسعاراً أقل بكثير من الأسعار التي تُقدَّم للعملاء الآخرين، ما أثار قلقه.

يقول: “اعتقدت أن هذه قد تكون مشكلة، لذلك بعد الاجتماع تحدثت مع داوود عن مخاوفي. طرحت أسئلة استقصائية لأنني أردته أن يرى الصورة الأكبر ويفهم سبب سؤالي”.

علم جمال أن لا أحد من المدراء الآخرين، بما في ذلك بلال، يعلم بهذا الفرق في عروض التسعير. ويتذكر قائلاً: “كانت وجهة نظر داوود هي أننا شركة خاصة وأن من حقه القيام بذلك. ولكن في الوقت نفسه، لمَّح إلى أنه لا يريدني أن أخبر مديري”.

شعر جمال بالحيرة؛ فهو لا يرغب في فقدان ثقة داوود، لكنه كان قلقاً بشأن سلامة الشركة. يقول جمال: “قررت أنني بحاجة إلى التحلي بالشفافية والصراحة. لذا، ذهبت إلى بلال وأخبرته بالموقف. قلت له إنني أتطلع إلى نجاح الشركة على المدى الطويل وأعتقد أنه من المهم أن نتحدث نحن الثلاثة”.

بعد فترة وجيزة، أجرى جمال وبلال وداوود محادثة حول أفضل الممارسات لتحصيل الرسوم من العملاء. وبعد الكثير من النقاش، أصبحوا متفقين في الرأي.

يقول جمال: “أثنى كل من بلال وداوود لاحقاً على الطريقة التي تعاملت بها مع الموقف. فقد رَأيَا أنني لا أفعل ذلك لأن لديّ أي خطط. أعتقد أن كليهما أدركا أنني وسيط صادق”.

دراسة حالة رقم 2: تجنَّب الانحياز إلى أي جانب إذا كان بإمكانك ذلك

آلاء هي أستاذة في التمويل في كلية صغيرة، ولكن في بداية حياتها المهنية، عندما كانت مستشارة إدارية، مرّت بتجربة كانت عالقة فيها بين مديرها ومدير مديرها. (غُيِّرت الأسماء في هذه القصة أيضاً).

في ذلك الوقت، كانت آلاء تعمل في الشركة منذ 12 عاماً وتعرف معظم مدراء الإدارة العليا، بما في ذلك مدير مديرها، هاني، الذي يدير أعمال الشركة في الولايات المتحدة. تقول آلاء: “كان هاني في الأصل مديري عندما انضممت إلى الشركة بوصفي محللة. وارتقى كلانا السلم الوظيفي؛ فأصبح شريكاً وأنا وصلت إلى الإدارة الوسطى. ولكن خلال السنوات الفاصلة بين تلك الأحداث، حصلت على ترقية إلى مكتب لندن ثم حصلت على ترقية أخرى إلى مكتب نيويورك”.

عندما عادت آلاء إلى الولايات المتحدة، كان لديها مدير جديد، تامر، الذي كان مرؤوساً مباشراً لهاني. تقول آلاء: “كان تامر قد عُيِّن حديثاً في الشركة، ولم يكن بنى علاقات راسخة، وبالتأكيد لم تكن بيننا العلاقة نفسها التي بنيتها مع هاني على مدار 12 عاماً”.

بسبب علاقة آلاء بهاني، غالباً ما تكون مطلعة على المعلومات الداخلية التي لم يكن تامر يعلمها بعد. على سبيل المثال، ذات مرة شارك هاني بعض المعلومات السرية للغاية حول أداء الفريق دون إعلام أي من كبار المدراء الآخرين. تقول آلاء: “كان من المحرج وغير المريح معرفة هذه المعلومات”.

لكنها لم ترغب في خيانة ثقة هاني، لذلك حافظت على سرية هذه المعلومات. تقول آلاء: “كنت أخطط للتظاهر بأنني أجهلها، إذا لزم الأمر، لتجنب الوقوع في موقف محرِج. وكان هدفي هو تجنب الحديث في هذا الموضوع. وافترضتُ أن الموقف سيُحَل من تلقاء نفسه إذا تمكنت من تجنُّب التورط في هذا النزاع، وهذا هو ما حدث بالفعل”.

تقول آلاء إن العنصر الأساسي لإدارة العلاقة كان “مواصلة التعامل مع تامر بصدق واحترام” مع الحفاظ على علاقتها القوية بهاني. تقول آلاء: “لم أكن متأكدة إذا ما كان تامر سينجح في الشركة. لكنني أعرف أن هاني يعمل فيها منذ فترة طويلة، وكنت مخلصة له، فقد كان داعماً لي على مدى سنوات عديدة. كنت أعرف أنه إذا كان هناك جانب يجب أن أنحاز إليه، فسيكون هو جانب هاني”.