كيف يمكن أن تتوسع مؤسسة ذات هيكل تنظيمي مُسطح بنجاح؟

4 دقائق
الشركات الموجهة ذاتياً
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: اعتمدت شركات ناشئة عديدة نموذجاً قائماً على “التوجيه الذاتي”. إذاً، الشركات الموجهة ذاتياً هي شركات ناشئة تعتمد على هياكل تنظيمية مسطحة وتسلسل هرمي بسيط وتطبيق الإدارة الذاتية مع التركيز على التمكين الإداري. عندما تكون هذه الشركات صغيرة، فإن هذا النموذج يمنحها جميع أنواع المزايا، ولكن عندما تنمو وتتوسع، يصبح من الصعب عليها الالتزام به. بيد أن بعض الشركات نجحت في ذلك، وهي مجموعة من الشركات الرائدة الموجهة ذاتياً وتتخذ من منطقة هلسنكي الكبرى في فنلندا مقراً لها. درس المؤلفون هذه الشركات ولخصوا في هذه المقالة ما تعلموه عن أسرار نجاحها.

شهدنا في السنوات الأخيرة تزايد عدد الشركات التي تعتمد عملياتها على الهياكل التنظيمية المسطحة والتسلسل الهرمي البسيط والإدارة الذاتية والتمكين الإداري. وقد تَبين أن هذا “التوجيه الذاتي” يحقق فوائد مثل المرونة وسرعة التعلم والقدرة على التكيف، كما أنه عادة ما يجعل الشركات أكثر ديمقراطية وشمولاً.

ما هي الشركات الموجهة ذاتياً؟

غالباً ما تتبنى الشركات الناشئة، على وجه الخصوص، نهجاً قائماً على التوجيه الذاتي، ولكن عندما تنمو وتتوسع، تصبح الكثير منها “عادية” نوعاً ما؛ وهذا يعني زيادة عدد الدرجات في الإدارة الوسطى بها ووضع أنظمة بيروقراطية وتسلسلات هرمية كبيرة بشكل متزايد. وتتعرض الشركات الموجهة ذاتياً لهذه المخاطر نفسها عندما يتم الاستحواذ عليها، كما كان الحال عندما اشترت “أمازون” شركة “زابوس” (Zappos). بالنظر إلى أن هذه التحديات كبيرة، كيف يمكن للشركات الموجهة ذاتياً وضع استراتيجيات وآليات تنسيق جديدة في أثناء توسعها، مع الاحتفاظ بثقافتها وقيمها وأخلاقياتها؟

للإجابة عن هذا السؤال، درسنا مجموعة مذهلة من الشركات الموجهة ذاتياً في فنلندا تتميز بأنها تحافظ على صدارتها. ومن بين هذه الشركات: شركات متخصصة في تطوير الألعاب وهي “سوبر سيل” (Supercell) و”فيوتشر بلاي” (Futureplay)، وشركات تقدم استشارات تكنولوجية وهي “فيوتشرايس” (Futurice) و”فينشت” (Vincit)، وشركة “وولت” (Wolt) التي توصل المنتجات إلى المستخدم النهائي، وجميعها يقع مقرها في منطقة هلسنكي الكبرى. فهذه المنطقة، التي يُشار إليها أحياناً باسم “وادي سيليكون الشمال”، قدمت في السنوات القليلة الماضية العديد من الشركات الموجهة ذاتياً التي حققت نجاحاً دولياً باهراً مع استمرارها في الابتكار للاحتفاظ بقيمها الموجهة ذاتياً المتمثلة في المساواة والتمكين الإداري.

العوامل الست الأساسية لاحتفاظ الشركات بتميزها وريادتها في أثناء نموها

درسنا حالة شركة “فيوتشرايس” (حيث عملت آني “من ضمن مؤلفي المقالة”) باعتبارها مثالاً توضيحياً، ووجدنا أنها، مثل الشركات الأخرى في مجموعتنا، ركزت على العوامل الستة الآتية بوصفها العوامل الأساسية للاحتفاظ بتميزها وريادتها في أثناء نموها.

تصميم عضوي متعدد الوحدات

التوسع يعني أن تصبح الشركة أكبر حجماً، وهذا عادة ما يعني وجود تسلسلات هرمية وآليات رقابة جديدة، ما يقلل من سرعة الحركة والمرونة. لتجنب هذه المشكلة، يمكن للشركات تقسيم نفسها إلى وحدات أصغر. نفّذت “فيوتشرايس” هذا من خلال تحويل الفِرق وأجزاء من هيكلها إلى “مجموعات منعزلة” (قبائل) تتمتع بدرجة عالية من الاستقلالية. واتخذت شركات أخرى في مجموعتنا خطوات مماثلة.

التنسيق من خلال وضع آليات تمكينية

يخلق النمو حاجة إلى التنسيق، ما قد يؤدي بسهولة إلى تقويض الاستقلالية. ولكن يمكن للشركات التغلب على هذه المشكلة من خلال وضع آليات تمكينية. إحدى هذه الآليات المستخدمة في “فيوتشرايس” هي إطار عمل 3×2 المصمم لدعم صناعة القرارات الاستراتيجية في جميع أنحاء المؤسسة وعبر القبائل.

الفكرة بسيطة: لك الحرية في اتخاذ أي قرار ما دمت واثقاً من أنه سيعود بالنفع على “عملائك وزملائك والأرقام” (رقم “3” في إطار عمل 3×2)، وأنه سيفعل ذلك “اليوم وفي المستقبل” (رقم “2” في إطار العمل نفسه). تحدد الشركة بشكل جماعي الأهداف والنتائج الرئيسية ولكنها تمنح قبائلها درجة عالية من الحرية في اكتشاف كيفية تحقيقها. فالقواعد والعمليات الرسمية لم تعد تُستخدم. وبدلاً من ذلك، لمشاركة التعلم والمعلومات عبر الفِرق والوظائف، تشجع الشركة على الحوار النشط من خلال برنامج “سلاك” (Slack) وفي التجمعات المجتمعية، وهو نهج بسيط للتنسيق تشير إليه العديد من الشركات في مجموعتنا على أنه “عملي” أو “بلا مبالغات”.

الشفافية

المؤسسات الموجهة ذاتياً قائمة على الثقة والتوقعات المتعلقة بالمساواة والإنصاف، وجميعها تتطلب التحلي بالشفافية. في “فيوتشرايس”، جميع المعلومات المالية، المتعلقة بالرواتب والإيرادات والتوقعات، في متناول الجميع. كما أنه يمكن لأي شخص حضور الاجتماعات الأسبوعية المتعلقة بالمبيعات والماليات، وتقدم الإدارة العليا معلومات آنية في الاجتماعات المتعلقة بالاستراتيجية. ويحصل جميع الموظفين على بطاقة ائتمان ويمكنهم استخدامها بحرية، والقيد الوحيد هو أن كل فرد في المؤسسة يمكنه رؤية ما ينفقه الآخرون، بما في ذلك الرئيس التنفيذي.

استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز تبادل المعرفة

الاستقلالية في مؤسسة آخذة في النمو قد تجعل من الصعب مشاركة المعلومات والمعارف. تُعد الحلول التكنولوجية والذكاء الاصطناعي، خاصة في شركات التكنولوجيا، من الأدوات الشائعة المستخدمة في تيسير التنسيق وتحقيق الشفافية، ولكن قد يكون من الصعب اعتمادها ويمكن أن تحد من الاستقلالية. قدمت شركة “فيوتشرايس” الذكاء الاصطناعي بشكل مدروس بوصفه وسيلة لتحديد الخبرة والكفاءات والمعرفة، أي تحديد ما يعرفه كل فرد. ولتجنب القيود الناجمة عن تقديم التقارير أو الأعمال الورقية بتنسيق معين، صممت الشركة محرك بحث يستند إلى مناقشات في العديد من مصادر البيانات الحالية، من بينها برنامج “سلاك” والمستندات والأحداث المدرجة في جدول الأعمال. وتستخدم الشركة طريقة مماثلة لتتبع تطوير الأفكار والمبادرات الاستراتيجية وتنفيذها مع مرور الوقت.

التعلم المرن

ينطوي التوسع على إجراء تغييرات، ما يمكن أن يتحدى الاعتقادات والأفكار المتعارف عليها التي جعلت الشركة تنطلق في البداية. في “فيوتشرايس” لاحظنا ثقافة التعلم المؤسسي المستمر التي تتضمن اغتنام الفرص مع تقبُّل الفشل في المشاريع الجديدة، بل وحتى الاحتفاء به. ويبدو أن معظم الشركات في مجموعتنا ملتزمة بمبدأ “الفشل السريع”.

نشر قصص حية

من السهل أن تنسى الشركة أفكارها وقيمها التأسيسية في أثناء نموها؛ فهي تتحول من شركة تضم حفنة من الموظفين المتشابهين في التفكير إلى شركة تضم مئات أو آلاف من الموظفين. للحفاظ على تلك الأفكار والقيم، ولتعزيز الإحساس بالهوية المشتركة، فإن “فيوتشرايس” والشركات الأخرى التي درسناها تعمل جاهدة على تذكير الجميع بقصص بداياتهم ومشاركة قصص حول كيفية تطورها كمؤسسات، بشيء من الفكاهة والسخرية. ولاحظنا أيضاً أن هذه الشركات لا تعود بالزمن إلى الوراء لخلق شعور بالهوية المشتركة فحسب، بل إنها تروي أيضاً “قصصاً حية” عن الثقافات الجديدة التي تتطور، وما يفعله الموظفون الجدد ويمرون به، والمشاريع الجديدة التي يأملون في النجاح فيها.

على الرغم من أن كل شركة من الشركات التي درسناها كانت فريدة من نوعها، ولها مجموعة خاصة بها من التحديات والفرص، فقد أتاحت لنا دراسة هذه الشركات استخلاص 4 مبادئ عامة يمكن أن تسترشد بها الشركات الموجهة ذاتياً في أثناء نموها.

أولاً، التوجيه الذاتي هو شيء يمكن فقدانه بسهولة ما لم يتم الحفاظ عليه وتعزيزه بصورة فعالة. وهذا يتطلب أن تتوصل الشركات إلى حلول للتحديات الجديدة التي تظهر في أثناء نموها (على سبيل المثال، من خلال تصميم وحدات متكاملة) وأن تعمل جاهدة على الحفاظ على جوهرها وقيمها (على سبيل المثال، من خلال القصص التي تعزز الشعور المشترك بالهوية).

ثانياً، الكيفية التي يتم بها تنظيم التنسيق وممارسة الرقابة مهمة. فعادة ما يتطلب هذا مزيجاً من الآليات التمكينية التي تقوم بالمهمة دون تقويض التوجيه الذاتي.

ثالثاً، تحتاج المؤسسات الموجهة ذاتياً إلى مشاركة المعلومات بطرق تخلو من التسلسل الهرمي. يتطلب ذلك أن تأخذ الشركات الشفافية على محمل الجد وأن تستخدم الذكاء الاصطناعي لمشاركة البيانات بطرق جديدة على نطاق الإدارات الموزعة.

أخيراً، الشركات الموجهة ذاتياً التي تنجح في أثناء نموها هي تلك التي تستثمر في التعلم والاحتفاء بالنجاحات والإخفاقات وتحديث هوياتها من خلال نشر قصص حية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .