ما سر نجاح الشراكات الإبداعية؟

4 دقائق
الشراكات التكافلية
إينتا/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يضمّ عالم الأعمال الكثير من الأمثلة التي شكّلت فيها الشراكات التكافلية أساس مشاريع ناجحة واستثنائية. ويوضح مؤلفو هذه المقالة التي تستند إلى دراسة أُجريت على قطاع السينما الإيطالية العناصر التي تحدد نجاح هذه العلاقات.

 

لا يُعزى النجاح في مجالات العمل الاستثنائية إلى شخص واحد فقط، بل غالباً ما يكون الشريك أو الفريق الصغير الراسخ جزءاً لا يتجزأ من ذلك النجاح الاستثنائي. وينطبق ذلك خصوصاً على المساعي المرتكزة على المشاريع مثل صناعة الأفلام، حيث يحتاج الشخص المبدع إلى شريك يهتم بجانب الإنتاج.

وغالباً ما يتطلّب تحقيق التميّز وجود تجاذب غامض، لكن بحثنا يشير إلى وجود أنماط مميزة تتسم بها أي علاقة تكافلية ناجحة في أثناء العمل على مشروع ما، وتكون غالباً ركيزة شراكة طويلة الأمد.

ووجدنا في بحثنا الذي جمع بين دراسة مراجعة ومقابلات كمية حول الشراكات التكافلية والعلاقات المهنية التكافلية في قطاع الأفلام ودراسة كمية لما مجموعه 235 فيلماً من إنتاج 105 مخرجين إيطاليين و65 منتجاً 4 عوامل تنبئ بالنجاح:

1. وجود رؤية مشتركة تتجاوز الطموحات الشخصية

أخبرنا المنتج الحائز جائزة الأوسكار لفيلم “الجمال العظيم” (The Great Beauty)، نيكولا جوليانو، في إحدى المقابلات: “ينطوي العامل الأهم على امتلاك المخرج والمنتج نفس الرؤية والنية، ألا وهي صنع أفضل فيلم على الإطلاق”. وقد تتجاوز هذه الرؤية موضوع المشروع المعني عندما يكون المخرج شاباً. وأضاف: “نحن لا نعمل على مجرد صناعة فيلم، بل على بناء مسار مهني”.

2. أداء أدوار متميزة

يرى جوليانو أن المنتج الذي تتمثل مهمته في التعامل مع التفاصيل المرتبطة بصناعة فيلم، يؤدي دوراً متميزاً وثانوياً مقارنة بدور المخرج. “ولن ينجح المنتج الجيد في صناعة فيلم جيد دون عبقرية المخرج. ومن المهم أن يكون المنتج شخصاً عملياً وأن يعرف ماهية دوره ويؤديه بتفانٍ، وأن يعتبر نفسه محظوظاً لأدائه العمل الذي يحبه، فهي نعمة عظيمة”. ويقول مخرج فيلم “الجمال العظيم”، باولو سورينتينو، إن جوليانو يساعده في فصل نفسه عن العالم الخارجي وتقليل الأعباء التي تقع على عاتقه.

3. وجود علاقات صادقة

هناك ميزة أخرى تشترك فيها مجالات العمل القائمة على العلاقات التكافلية الناجحة، لا سيّما في القطاعات الإبداعية، وهي أن الشريكين غالباً ما يصبحان نواة تجمع الموظفين. على سبيل المثال، شكّل صانع الأفلام الإسباني بيدرو المودوفار وشقيقه المنتج أغوستين المودوفار في شركة الإنتاج إل ديسيو (El Deseo)، فريقاً متماسكاً يربطه الإخلاص المشترك لرؤية بيدرو الفنية ومستوى عميق من الثقة بين جميع أعضائه. باختصار، تشكّل العلاقة التكافلية القوية بين المخرج والمنتج مثالاً يحتذى به لأعضاء الفريق الآخرين، ما يعزز الثقة الضرورية لتحقيق التعاون اللازم للتغلب على التحديات الحتمية التي تنشأ في أثناء عملية صناعة الأفلام الطويلة.

4. تمتع الشريكين بسمعة قوية

تتمتع الفِرق التي يشتهر فيها كل من المنتج والمخرج بمزايا سمعة مهمة. ويشير تحليلنا لقطاع السينما الإيطالية بين عامي 2010 و2014 إلى أن الشراكات التي يتمتع فيها كل من المنتج والمخرج بسمعة قوية تكون أكثر نجاحاً في جذب الدعم مقارنة بالشراكات التي يتمتع فيها شخص واحد فقط بسمعة قوية.

ومن المثير للاهتمام مع ذلك أن كلاً منهما يجتذب أنواعاً مختلفة من الدعم. فقد وجدنا في سياق قطاع الأفلام الإيطالية أن السمعة التجارية للمنتج كانت مهمة في جذب الدعم المالي من المستثمرين، في حين كانت السمعة الفنية للمخرج مهمة في كسب الدعم الثقافي لفكرة الفيلم من خلال التقييمات الإيجابية لسيناريو الفيلم من المجلس الإيطالي للأفلام، وهو وكالة تابعة لوزارة التراث الثقافي الإيطالية. (التقييم الإيجابي مهم للحصول على دعم حكومي. كما أنه يشير إلى مدى جودة السيناريو ويضع احتمالات وجود سوق للفيلم، ما يساعد بدوره على جذب استثمارات إضافية خاصة).

وكلما توضّحت لنا أهمية هذه العلاقات التكافلية بين المنتج والمخرج، أدركنا أهميتها في المجالات الأخرى المرتكزة على المشاريع أيضاً، سواء كان المشروع عبارة عن تصميم كرسي أو سيارة أو ابتكار لقاح جديد، فالشراكة القوية تقلّل احتمالات الفشل.

على سبيل المثال، كان الفصل الواضح بين الأدوار وتعيين شريك بصفته المتحدّث الرسمي للفريق السر وراء نجاح تشارلز وراي إيمز، اللذين صمّما كرسي إيمز الشهير والعديد من الأعمال المتميزة المعاصرة منتصف القرن. وكانا في استوديو لوس أنجلوس شريكين متكافئين، لكن كاريزما تشارلز وقدرته على التحدث جعلته المتحدّث الرسمي للفريق. وكما قال أحد الموظفين الراسخين في مكتب إيمز للصحفيّة في واشنطن بوست، سارة بوث كونروي: “كان هو الشخص الذي يحضر اللجان ويُلقي الخطب”.

وبالمثل، طُوّرت علامة موستانغ (Mustang) الشهيرة في شركة فورد موتور عندما تخلى كل من المسؤول التنفيذي ورجل الأعمال الشهير لي أياكوكا والمصمم الشهير بتصميماته الفنية كارول شيلبي عن طموحاتهما الشخصية لصالح تحقيق رؤية مشتركة. ويتذكر شيلبي قائلاً: “اتصل بي أياكوكا ذات ليلة وقال: “لا تقل لي إنك لا تستطيع تصميم سيارة موستانغ رياضية. فقلت له إنني أستطيع، لكنني لا أعرف إذا ما كان تصميمها مجدياً، أو إن كانت ستحقق أي أرباح. فقال: لا تهمني الأرباح”.

كما تشير المهنة القصيرة التي امتدت إلى ثلاث سنوات لكريستوفر بول بيلي بصفته رئيساً تنفيذياً ومديراً إبداعياً لشركة بربري (Burberry) إلى أن الفصل بين الأدوار هو قاعدة مهمة في عالم الموضة والأفلام على حدٍ سواء. وقد أفاد المحللون بالفعل أن أداءه كلا الدورين أسفر عن تعطيل قرارات الأعمال والتصميم.

في المقابل، عندما تم ابتكار لقاح كوفيد-19 بايونتك-فايزر، اعترفت مؤسِسة شركة بايونتك، أوزليم توريدجي، أن علاقتها بزوجها المؤسس المشارك، أوغور شاهين، تتجاوز علاقة العمل الجماعي قائلة: “علاقتنا تكافلية، وأعتقد أن هذا هو سر نجاحها. فأنا أركز على المجالات التي يغفل عنها والعكس صحيح، كما أننا نتبنّى القيم والمعايير نفسها بشأن أهداف عملنا. وعلى الرغم من أننا متزوجان، فإننا قادران على فصل الأدوار والعمل بكفاءة معاً”.

ويمكن تلخيص معنى العلاقة التكافلية الناجحة، سواء في الأفلام أو في أي مجال آخر بمصطلح واحد استخدمه جوليانو كثيراً في مقابلاتنا وهو الجدلية، وهو مصطلح عام يعني أن الأفراد يمثّلون مختبرات لتقييم أفكار بعضهم لبعض. واستخدم جوليانو المصطلح لوصف ضرورة بقاء الأفراد على تواصل حتى في أثناء العمل على المشاريع، بغض النظر عن التقلبات التي يواجهونها.

قال جوليانو: “نعمل جميعاً من أجل تحقيق هدف واحد، وهو صناعة أفضل فيلم على الإطلاق. أنا مستعد للبقاء حبيس غرفة التحرير لمدة 10 أيام للجدال مع المخرج حول فكرة معينة، ويعرف المخرج الذي يعمل معي بالفعل أنه إذا لم نتوصّل إلى اتفاق حول فكرة ما في النهاية، فأنا الذي أتخذ القرار النهائي لأنني أعتقد أن للمنتج الكلمة الفصل في النهاية (أي النسخة النهائية المعدلة من الفيلم). وأنا أؤمن بالحوار”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .