ما هو التغيير الذي ستحدثه الروبوتات في قطاع التجزئة؟

5 دقائق
التغيير الذي ستحدثه الروبوتات في قطاع التجزئة
shutterstock.com/MONOPOLY919
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

اقتحمت الروبوتات عالم قطاع التجزئة، بداية من الآلات حرة الحركة التي يبلغ طولها 185 سم والمسؤولة عن اكتشاف السوائل المسكوبة في سلسلة متاجر “جاينت فودز ستورز” (Giant Foods Stores) للأغذية، وصولاً إلى روبوتات فحص الرفوف ذاتية الحركة المسؤولة عن تنظيم مخزون السلع في “وول مارت”، وتستخدم سلسلة متاجر “لوز” المتخصصة في تجديد المنازل روبوت “لو بوت” (LoweBot) في بعض متاجرها للإجابة عن الأسئلة البسيطة، مثل مكان العثور على السلع، ويمكنه كذلك المساعدة في مراقبة المخزون. تسهم هذه الروبوتات في تخليص العاملين من المهمات الروتينية، وبالتالي فمن المفترض أنها تمنح البشر مزيداً من الوقت للتفاعل مع العملاء – لكن هذه مجرد بداية.

حيث تتمثل الفائدة الحقيقية لروبوتات قطاع التجزئة في إتاحة الفرصة للحصول على المزيد من البيانات الدقيقة حول المنتجات الموجودة على الرفوف وأنماط شراء العملاء، وهو ما يمكن أن يرفع مستوى الكفاءة والدقة في إدارة المخزون. ويكمن السر في استخدام روبوتات قطاع التجزئة كأدوات لجمع البيانات ضمن تقنية إنترنت الأشياء التي يُفضّل اعتبارها شبكة معقدة من الأجهزة والأجسام وأجهزة الاستشعار المتصلة إلكترونياً والمسؤولة عن جمع البيانات الضخمة ثم تحليلها في السحابة الإلكترونية أو بحوسبة الحافة التي تستخدم الخوادم القريبة لتقليل زمن الوصول. ويعمل إنترنت الأشياء على إنشاء بيئة عمل رقمية ذكية في عدد من المجالات من التصنيع إلى النقل والمواصلات والآن البيع بالتجزئة. وهكذا تسهم تقنية إنترنت الأشياء في تحقيق وعود الثورة الصناعية الرابعة بتغيير طريقة عيشنا وعملنا وإدارة أعمالنا وشراء السلع والخدمات التي نريدها ونحتاج إليها.

لقد أدى تشغيل الروبوتات في المتاجر إلى إتاحة الفرصة أمام تجار التجزئة لوضع أقدامهم على بداية الطريق نحو التوصل إلى حل شامل لإنترنت الأشياء. وقد طرحت شركة “أوشان رتيل برتغال” (Auchan Retail Portugal) الأوروبية المعروفة في قطاع التجزئة والبقالة، على سبيل المثال، تقنية ذاتية الحركة لمراقبة الرفوف باستخدام الروبوتات في محلات السوبر ماركت والهايبر ماركت، حيث تلتقط الروبوتات خلال تحركها في المتاجر صوراً لكل رف وممر، ثم يتم رقمنتها وتحويلها إلى مقاييس ورؤى ثاقبة حول البضائع غير المتوفرة وأسعارها.

تعتبر هذه البيانات التفصيلية ذات قيمة لا تقدر بثمن في مجال البيع بالتجزئة، وذلك لأن فهم طلبات المستهلك وتوقعها يمثلان ضرورة ملحة. وتستغل شركة “ستيتش فيكس” (Stitch Fix)، المتخصصة في توفير خيارات ملابس مخصصة للمتسوقين في المنازل، على سبيل المثال، علم البيانات الخاص بها في جوانب متعددة من نموذج عملها، بداية من التوصية بالمنتج وصولاً إلى إدارة المخزون وتصميم الأزياء، لكن مجرد تتبع ما يشتريه المستهلكون لا يرسم الصورة بأكملها بالنسبة لمتاجر التجزئة التقليدية لأن الميزة التنافسية الحقيقية لمتاجر التجزئة تكمن في معرفة ما لم يستطع المستهلكون شراءه ولكنهم أرادوا ذلك، وهنا يأتي دور الروبوتات في الممرات.

جمع البيانات في الجزء العلوي من قُمع التسويق

تعمل الروبوتات المتجولة في المتاجر على جمع البيانات في “الجزء العلوي من القمع” بناء على ما هو موجود وغير موجود على الرفوف، وتوفر عمليات الفحص المستمرة نظرة أكثر شمولية لتجارب العملاء في قطاع تجارة التجزئة، حيث تكشف قوائم جرد الموجودات على الرفوف، على سبيل المثال، السلع المتوافرة بكميات كبيرة والسلع التي تتضاءل كمياتها في العرض كما تكشف السلع غير المتوافرة، وكلها عناصر تشير إلى تفضيلات المستهلك وسلوكه.

قد تتمكن الروبوتات في المستقبل القريب من القيام بأكثر من مجرد الإبلاغ عن مستويات المخزون والتحقق من الأسعار لضمان الدقة والاتساق. ولننظر معاً إلى هذا السيناريو الافتراضي لروبوت بقطاع التجزئة يجري مسحاً لممرات متاجر البقالة ويكتشف أن المعروض من زبدة الفول السوداني الخالية من السكر يتناقص بضعف معدل تناقص زبدة الفول السوداني العادية، ثم يؤدي هذا الاكتشاف في الوقت الحقيقي إلى طلب مؤتمت لإرسال المزيد من زبدة الفول السوداني الخالية من السكر إلى متجر معين، وهكذا يتمكن الروبوت من الاستجابة بسرعة دون تدخل بشري من خلال اكتشاف التغيرات المفاجئة وغير المتوقعة في المخزون. لا يختلف هذا في شيء عما يحدث في التداول عالي التكرار في الأسواق المالية والذي يستخدم الخوارزميات لاكتشاف التباين الصغير واللحظي في أسعار الأسهم والاستفادة منه، وهو ما يمكن أن يؤدي بدوره إلى تحقيق أرباح ضخمة بمرور الوقت.

وبالحديث عن متاجر التجزئة، فإن الأرباح الحقيقية الآن تكمن في تلافي هذه الاضطرابات في المخزون التي تؤدي إلى نفاد المعروض، والتي تُقدَّر تكلفتها بنحو 1 تريليون دولار في جميع أنحاء العالم، وفقاً لتقديرات القطاع، حيث يشعر العملاء بخيبة الأمل بسبب نفاد المعروض، ما قد يؤدي إلى تضاؤل ولاء المتسوقين، ناهيك عن ضياع فرص البيع.

وقد نفد المعروض من المستلزمات المنزلية، مثل ورق التواليت والمنظفات، على نطاق واسع خلال جائحة “كوفيد-19″، حتى اضطر تجار التجزئة في النهاية إلى فرض قيود على عمليات الشراء في كل زيارة، ولكنهم لم يلبثوا أن وجدوا رفوف متاجرهم فارغة بصورة دائمة، ولكن ماذا لو تمكن تجار التجزئة من الحصول على مؤشر مبكر للمشتريات الجماعية لبعض المنتجات مثل ورق التواليت؟ فلو أن روبوتاً في الممر اكتشف انخفاضاً غير متوقع في المعروض من ورق التواليت، فلربما أدى ذلك إلى إدارة المخزون على نحو أفضل في وقت مبكر، مع زيادة الشحنات من المستودعات وفرض قيود على المشتريات لمحاربة ظاهرة الاكتناز القهري.

استخدام إنترنت الأشياء لتحسين القطاعات الأخرى

يمكن أن يسهم الاكتشاف المسبق لانخفاض المخزون ونفاد المعروض من السلع في رفع مستوى الكفاءة وتحسين تجارب العملاء في القطاعات الأخرى، مثل قطاع الطيران، فقد تؤدي الصيانة غير المتوقعة للطائرات، على سبيل المثال، إلى تأخير مواعيد الرحلات ليس فقط بسبب الحاجة المفاجئة لإجراء عملية الإصلاح، ولكن أيضاً بسبب عدم توافر بعض قطع الغيار أو المكونات المطلوبة. ومن شأن استخدام نهج إنترنت الأشياء في صيانة الطائرات أن يؤدي إلى إدارة مخزون قطع الغيار وغيرها من المكونات بصورة أفضل، وربما أدى إلى تحسين قدرة الطائرة نفسها على إطلاق إشارات تفيد حاجتها إلى الإصلاح أو الاستبدال قبل خروجها من الخدمة. ويجري حالياً استكشاف إمكانية استخدام أجهزة الاستشعار والذكاء الاصطناعي في النمذجة التنبؤية والصيانة في عدد من المجالات كالتصنيع وأنظمة المياه.

دخلت الروبوتات في العديد من القطاعات منذ سنوات، بداية من خطوط تجميع السيارات وصولاً إلى الأذرع الآلية المختصة برفع الأشياء الثقيلة في المستودعات، كما تُستخدَم الروبوتات في حمل الأمتعة واستقبال النزلاء كحارس رقمي في بعض الفنادق. ودخلت الروبوتات إلى المستشفيات في الآونة الأخيرة بسبب الجائحة، وكان دخولها من بوابة الاستخدامات غير الجراحية مثل تعقيم الممرات والغرف وتوصيل المستلزمات، بما في ذلك عينات الدم المطلوب اختبارها في المختبرات الطبية، وتشق روبوتات النظافة ذاتية الحركة طريقها أيضاً إلى الأماكن التجارية كالمباني المكتبية والمطارات.

عملت الروبوتات حتى وقت قريب في قطاع البيع بالتجزئة وراء الستار في أغلب الأحيان، حيث تستخدم “أمازون”، على سبيل المثال، الروبوتات في مراكز تلبية الطلبات الخاصة بها لرفع مستوى الكفاءة بالإضافة إلى تعزيز السلامة (فالروبوتات لا تتأذى عند تحريك البالات الثقيلة) وتقول “أمازون” إن الروبوتات ساعدتها على تخزين كمية أكبر من السلع بنسبة 40% في مراكزها. وفي الوقت نفسه، استحدثت “كروغر”، أكبر متاجر البقالة بالتجزئة في الولايات المتحدة، شبكة من المستودعات الآلية التي تستخدم الروبوتات والتكنولوجيا الرقمية لتحسين قدرتها على تلبية طلبات العملاء.

عودة إلى قطاع تجارة التجزئة

يجب على تجار التجزئة مواصلة الابتكار والاعتماد على التكنولوجيا لتمييز أنفسهم وتحسين فرصهم في الاستمرار في هذه الصناعة شديدة التنافسية والتي تشهد ضغط هوامش الأرباح بين المنافسين التقليديين والشركات المنافسة عبر الإنترنت والمنافذ متعددة قنوات البيع. وكانت التجارة الإلكترونية واحدة من أولى موجات ابتكار التجزئة، وعلى الرغم من أنها لا تشكل اتجاهاً جديداً الآن، فقد استطاعت التجارة الإلكترونية تحقيق المزيد من التقدم بسبب الجائحة، وذلك لأن الكثير من المتسوقين اضطروا إلى البقاء في المنزل والشراء عبر الإنترنت بوتيرة أكبر. في الواقع، ربما عجَّل الوباء بالتحول من المتاجر الفعلية إلى التسوق الرقمي بما يصل إلى 5 سنوات.

كما قام المبتكرون في قطاع التجزئة أيضاً بإعادة النظر في الأساليب التقليدية لعرض المنتجات وإعطاء المستهلكين فرصة لتجربة عروض جديدة. وتتمثل الخطوة الأخيرة الآن على الطريق نحو مزيد من الابتكار في تشجيع تجار التجزئة على التعمق بصورة أكبر في مجال إنترنت الأشياء لرفع كفاءة إدارة المخزون وتحسين النمذجة التنبؤية.

ويجب على تجار التجزئة أن يصبحوا أكثر مرونة في تحديد الاتجاهات الدقيقة في سلوك المستهلك في ظل تسريع دورات المنتجات، حتى يتمكنوا من إنتاج السلع والخدمات التي يريدها العملاء في الوقت الحالي وتوزيعها وتوريدها. قد يكون تجوال الروبوتات بحرية تامة هو الحل السحري لتحقيق ذلك كله، بحيث تجلب البيانات من نقطة اتصالها بالمستهلك في ممرات المتاجر إلى أنظمة إدارة البيانات في السحابة الإلكترونية. وربما يكون هذا هو التغيير المنتظر الذي ستحدثه الروبوتات في قطاع التجزئة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .