التضخم يهدد رفاهة الموظفين: كيف يمكن للمؤسسات الحدّ من ذلك؟

4 دقائق
shutterstock.com/Evgenyrychko
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لقد عملت في قطاع الرفاهة لأكثر من 10 سنوات حتى الآن وشهدت العديد من التطورات خلال هذه الفترة. الشيء الوحيد الذي لم يتغير كثيراً هو أن أمي، وهي بالمناسبة طبيبة، ما زالت تسألني عما أفعله؟ لندع المزاح جانباً، لقد نما هذا القطاع بشكل هائل في السنوات العشر الماضية. وفقاً لتقرير لشركة ديلويت (Deloitte) حول مستقبل الصحة لعام 2040، فإن 75% من الإنفاق على الصحة سيكون منصباً على الرفاهة. ويكشف تقرير مؤسسة ماكنزي حول موضوع الصحة أيضاً، الذي صدر الشهر الماضي، أن للرفاهة أولوية قصوى بالنسبة لـ 50% من الأميركيين. ويُظهر هذه المعدل، الذي ارتفع بنسبة 8% مقارنة بعام 2020، إلى أين يتجه هذا القطاع. لقد شهدنا العديد من الاتجاهات التي سيطرت على قطاع الرفاهة في العقد الماضي ثم خفت نجمها فيما بعد. لنتذكر أبرزها واحداً تلو الآخر: اليوغا والتأمل واليقظة الذهنية ثم الصحة العقلية. لا بد أن هذه الكلمات كانت أول ما يتبادر إلى ذهننا عندما نتحدث عن الرفاهة خلال فترة ازدهار كلّ منها، وقد انتشر الحديث عنها في الصحف والأخبار كثيراً. ولكن ماذا أتى بعد ذلك؟

كما قد خمنت ربما، سأفترض أنها الرفاهة المالية. تصدرت الرفاهة المالية جدول الأعمال خلال السنوات العشر الماضية، ولكنها لم تحظَ بالانتشار الواسع؛ لماذا؟ تعاني المملكة المتحدة معدل تضخم غير مسبوق بلغ 6.2%، وتواجه الإمارات العربية المتحدة معدل تضخم وصل إلى 7% وزيادة في الديون المعيشية لكل أسرة بنسبة 26%. وفي تركيا من ناحية أخرى، ارتفع الاقتراض الأسري 138 مرة منذ عام 2005 متجاوزاً العتبة الحدية وسيتراجع تدريجياً. تشير جميع مؤشرات الاقتصاد الكلي هذه إلى أن الموظفين سيلجؤون إلى اختصاصيي تطوير الموارد البشرية بحثاً عن حلول لمساعدتهم. كيف يمكن إيجاد حل للاحتياجات المستقبلية إذاً؟

سأناقش في هذه المقالة أنا وزميلتي مديرة الثقافة وتطوير الموظفين في شركة ويلبيز (Wellbees)، تانسو أبايدين، هذا الموضوع مفترضين أن الشركة تقدم تعويضات تنافسية وتمثل حالات دراسة للرفاهة المالية وفقاً لهذا الافتراض. يدور الكثير من الجدل والنقاش حول التعويضات هذه الأيام. فوفقاً لدراسة أجرتها شركة الاستشارات الإدارية كورن فيري (Korn Ferry)، تعدّل الشركات رواتب موظفيها بما يتوافق مع ظروف السوق، ولكي تحافظ على استمراريتها وجودة خدماتها، تميل الشركات إلى تعديل الرواتب بفواصل زمنية أقصر بدلاً من زيادتها بانتظام سنوياً. سنركز أيضاً على الراتب القائم على المهارات أو مراجعات المكافآت، وسنسلّط الضوء على المجال الأول، العلاوات القائمة على المهارات، على وجه الخصوص لأنه يمنح المتخصصين في تطوير الموظفين وإدارتهم المرونة للدفع لبعض المواهب الرئيسية رواتب أكثر حتى من مدرائهم بناءً على مهاراتهم.

استناداً إلى بيانات عام 2022، فإننا نشهد تغييرات في العوامل التي تؤثر على استبقاء الموظفين. ووفقاً لتقرير الاتجاهات العالمية للينكد إن، فإن عامل المرونة في مكان العمل وتشجيع استقلالية الموظفين من خلال تطبيق هذه المرونة قد تغلّب لأول مرة ربما على عامل الراتب التنافسي. وبحسب التقرير، فإن 83% من الموظفين يرغبون بمزيد من المرونة في العمل، و59% قالوا إن المرونة أهم من الراتب. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت فرص الإجازات والتأمين الصحي الآن على رأس جدول الأعمال مقارنة بما كان عليه الحال قبل عام 2020. ومن النتائج التي خلص إليها التقرير أيضاً هي أنه عندما يقارن الموظفون رواتبهم مع رواتب أصدقائهم وغيرهم من الأفراد الذين يقومون بوظائف مماثلة في حال كانوا يتقاضون نفس الراتب تقريباً، فإنهم يعطون الأولوية للمزايا وظروف العمل وفرص التعلم والتطوير. وهناك اتجاه مثير آخر يتمثل في أن حزم المزايا الإجمالية المخصصة بدأت تصبح القاعدة. على سبيل المثال، لنفترض أن موظفة لديها طفل وتكافح من أجل دفع تكاليف رعايته اليومية، أو أن موظفاً آخر يحتاج إلى الدعم لإنهاء برنامج الماجستير الذي بدأه. سيكون الدعم المالي المباشر أو الإبداعي في مثل هذه الحالات، مثل السماح للموظف بأخذ ساعات وأيام الإجازة على نفقة الشركة، أمراً ضرورياً جداً.

وفقاً لنتائج استقصاء مزايا الوظائف الذي نشره المعهد المعتمد لتطوير الموظفين (CIPD) في أبريل/نيسان عام 2022، يتحسن أداء الموظفين إذا ما كان لدى الشركة سياسة رفاهة مالية مكتوبة ومعلن عنها. باختصار، في حين أن المزايا هي موضوع اليوم، فإن النتيجة الأولى التي يخلص إليها هذا التقرير فيما يتعلق بالرفاهة المالية لا يعني المسارعة إلى وضع بعض المزايا وتطبيقها بل نشر جميع سياساتنا المالية والتعريف بها بطريقة بسيطة. من الأسئلة التي كانت شائعة حول الرفاهة العاطفية قبل عشر سنوات “هل أنا مجنون كي أتلقى دعماً مالياً للصحة العقلية؟”، وهنا نشهد نفس الاتجاه بالنسبة للرفاهة المالية. في الواقع، يتعرض الناس لضغوط مستمرة متعلقة بالإنفاق والديون ويشعرون بالخجل من الحديث عنها، ما يقودهم إلى القلق من فكرة “أنا فاشل” معتقدين أن المشكلات التي يعانون منها خاصة بهم فقط. وينطبق الأمر نفسه على اختصاصيي تطوير الموظفين وإدارتهم- إذ نفترض أنه من الأفضل ترك المسائل المالية دون المسّ بها معتقدين أن مشكلات موظفينا المالية تنفرد بها مؤسستنا وهي مسؤوليتنا بالكامل. لكن لن يكون بمقدورنا إزالة هذه الضبابية حول السياسات المالية إلا من خلال الإعلان وفتح النقاش حولها فقط. قد يكون الإعلان عن سياساتنا المالية الخطوة الأولى الأفضل لإبقاء هذه القضية قابلةً للنقاش. ويمكن أن يتم ذلك ببساطة من خلال نشر تفاصيل سياستنا المالية مثلاً عندما يتم تحويل الراتب إلى الحساب المصرفي إذا لم يكن لدينا حالياً أي شيء آخر. فيمكن إضافة كل شيء آخر لاحقاً.

وهناك نهج آخر، نستعيره هنا بالكامل من مديرة الموارد البشرية في شركة ماسافي (Masafi)، إيما ديفيز، يمكن مقاربته بسهولة وعملي. في أثناء الجائحة، سألت ديفيز جميع الموظفين كيف يمكن للشركة تسهيل حياتهم من خلال تحسين رفاهتهم المالية. من المثير أن العديد من الردود كانت في نفس الاتجاه. كان 80% من موظفي شركة ماسافي من الهنود، ويذهبون في اليوم التالي من قبض رواتبهم إلى البنك لإرسال المال إلى عائلاتهم التي تعيش في بلدهم الأم مقابل عمولات تحويل عالية. عندما أدركت ديفيز ذلك، استقصت عن عمولات التحويل في مختلف البنوك التي تعاملت معها واختارت أنسبها، وطلبت من ممثل هذا البنك الحضور إلى المكتب في اليوم الثاني من كل شهر لتحويل أموال الموظفين إلى عائلاتهم. ماذا كانت النتيجة؟ سُرّ الموظفون كثيراً لأنهم باتوا يدفعون عمولة أقل لتحويل الأموال، ولم يعودوا مضطرين إلى أخذ جزء من اليوم كإجازة أو الذهاب إلى البنك بطريقة قد تعرّض صحتهم للخطر. يقول ستيف كرونين الذي يعمل على تحسين الرفاه المالي في المنطقة، إن المشاعر المتعلقة بالمال متداخلة مع الشعور بالذنب، ويشير إلى أن الطريقة الوحيدة للتغلب على هذه المشكلة هي الانفتاح على الموظفين والتحدث معهم. كل ما فعلته إيمّا كان التحدث إلى الموظفين وفهم حاجاتهم ببساطة. يسميها البعض تجربة الموظف في العمل، ونحن ندعوها حبّ الاستطلاع.

تتخذ الشركات التي ترغب في الانتقال إلى المستوى التالي إجراءات مختلفة في هذا الصدد بالإضافة إلى الوضوح وبدء المناقشات. بالنسبة لشركتنا ويلبيز، فإننا نرى أن بعض الشركات تحرز تقدماً من خلال التدخل على مستويات مختلفة. تشمل هذه التدخلات، على سبيل المثال لا الحصر، مسابقات الادخار ونوادي المستثمرين والتدريب على الرفاهة المالية وتوفير مدربين داخل الشركات.

هل ستحتل الرفاهة المالية جدول الأعمال على غرار الاتجاهات السابقة ثم ستختفي من حياتنا؟ بالتأكيد، وذلك عندما تتحسن الظروف الاقتصادية الحالية ويتم تلبية جميع الاحتياجات، ولكن قبل حدوث ذلك، ستؤثر على جميع مناحي حياتنا. ما سيبرز في هذا المجال هي التطبيقات التي تحقق القيمة وبالطبع الشركات التي تنشئها. نتطلع إلى الشركات التي ستغير العالم من أجل موظفيها وتطبيقاتهم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .