دليل الرئيس التنفيذي للنجاح في التحول الرقمي

7 دقائق
الرؤساء التنفيذيون
رسم توضيحي: جوي فولتن
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: لا يمكن بحال من الأحوال اعتبار التحول الرقمي غاية في حد ذاته؛ لأنه أمر يتطور باستمرار. وبالتالي لا يصح أن يكون هدفك بصفتك الرئيس التنفيذي هو أن تصبح شركتك رقمية، بل أن تستغل هذا التحول الرقمي في تحقيق قيمة ملموسة لشركتك. ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا إذا اضطلع الرؤساء التنفيذيون بدور الرعاة الرقميين لتحوّل شركاتهم، وكانوا واضحين بشأن أفضل الطرق التي يمكنهم اتباعها لإحداث تغيير يضمن دمج التكنولوجيا الرقمية في صلب عمل مؤسساتهم. ومن السمات الحاسمة للرؤساء التنفيذيين الرقميين الناجحين أنهم يستطيعون التراجع خطوات إلى الوراء بما يكفي لإعادة النظر في الجوانب التي يمكن من خلالها تحقيق قيمة تحوّلية، وليست قيمة تدريجية. وتستعرض هذه المقالة دليل النجاح، حيث تحدد 5 مجالات يمكن للرؤساء التنفيذيين تركيز طاقاتهم عليها لتسريع التحول الرقمي الناجح.

 

يُعتبر التحول الرقمي مهمة منوطة بالرئيس التنفيذي، فلا يستطيع أحدٌ سواه إجراء التغييرات الأساسية المطلوبة لتحقيق تحوّل ناجح؛ لأن إعادة ابتكار نموذج العمل يتطلب استحداث وظائف مختلفة عبر المؤسسة وتفاعلها معاً بطرق جديدة، ولا يمكن أن يحدث هذا إلا من خلال ضخ استثمارات هائلة وإجراء تغييرات واسعة النطاق تبدأ من القمة إلى القاعدة.

يعد هذا أمراً صعباً، لأسباب ليس أقلها أن الأغلبية الكاسحة من الرؤساء التنفيذيين لا يمتلكون خبرة واسعة في قيادة التحول الرقمي، وبالتالي يفتقرون إلى القدرة على إدراك الأنماط المرتبطة بأهم الإجراءات الحاسمة. وقد ثبت لنا من واقع خبرتنا العملية مع أكثر من 100 شركة كبيرة قائمة لتنفيذ التحول الرقمي على مدى السنوات العشر الماضية أن هناك دليلاً إرشادياً للنجاح. ويمكن للرؤساء التنفيذيين تسريع التحول الرقمي الناجح من خلال تركيز طاقاتهم على 5 مجالات في الدليل الإرشادي.

إعادة النظر في القيمة الرقمية وإزالة الغموض عنها

لا يصح أن يكون هدفك من التحول الرقمي هو أن تصبح شركة رقمية، بل يجب أن تستغل هذا التحوّل في تحقيق قيمة ملموسة لشركتك.

ومن السمات الحاسمة للرؤساء التنفيذيين الرقميين الناجحين أنهم يستطيعون التراجع خطوات إلى الوراء بما يكفي لإعادة النظر في الجوانب التي يمكن من خلالها تحقيق قيمة تحوّلية، وليست قيمة تدريجية. ونلاحظ أن هؤلاء الرؤساء التنفيذيين يقضون الكثير من الوقت في إجراء زيارات تفقدية للشركات والبقاء على اطلاع دائم بكيفية تحقيق قيمة مضافة من خلال الاتجاهات الجديدة. يساعدهم ذلك على النظر إلى أصول شركاتهم من زوايا مختلفة ومعرفة الجوانب التي يمكن من خلالها توليد قيمة جديدة.

ويرى ستيف تيم، رئيس شركة “كولينز أيروسبيس” (Collins Aerospace)، أن القيمة التحوّلية تتحقق من خلال القدرة على إعادة النظر في نموذج العمل بشكل مدروس. وقد قال لنا خلال مقابلة شخصية أجريناها معه: “يمتلك الكثير من الرؤساء التنفيذيين خبرة واسعة في مجالات عملهم ولا يريدون أن يتزحزحوا بعيداً عن هذه المجالات، ولا يفكرون مجرد التفكير في إعادة صياغة البنية الهيكلية أو بيئة العمل بشكل أوسع. ونحن بحاجة إلى إعادة تعريف الحدود حتى نتلمس خطانا نحو الجوانب التي يمكن أن تأتي منها القيمة المضافة”.

وعند وضوح نموذج العمل الذي تم إنشاؤه، بدا أن استهداف مجال معين، كاستهداف عملية إجرائية أساسية كاملة أو رحلة المستخدم، كان عنصراً حاسماً لتركيز الطاقات في التحول الرقمي. وقد ثبت لنا من واقع خبرتنا أن ما يصل إلى 80% من التدخلات الناجحة في عملية تحوّل متعثرة تستند إلى إعادة تركيزها على المجالات ذات الأولوية. ويجب أن يكون النطاق كبيراً بما يكفي ليكون ذا قيمة للشركة، ولكنه يجب أن يكون صغيراً أيضاً بما يكفي بحيث يمكن تنفيذ جميع التغييرات اللازمة من البداية إلى النهاية، مثل العملية الكاملة لفتح حساب أو شراء منزل.

ولك أن تنظر مثلاً إلى حالة تشاك ماغرو، الرئيس التنفيذي السابق لشركة “نيوترين” (Nutrien)، الذي قاد عملية التحول الرقمي خلال مدة عمله في الشركة. فقد صرّح لنا ماغرو خلال مقابلة شخصية أجريناها معه، قائلاً: “كان هناك الكثير من المبادرات والتطبيقات الرقمية قيد التنفيذ في العمل فعلياً، لكنها كانت مفكّكة في واقع الأمر. وحينما اهتممت برعاية التحول الرقمي، تمكنت من رفع المستوى الرقمي وتركيز جهودنا على أفضل طريقة لخدمة مزارعينا [العملاء] من خلال إنشاء منصة واحدة تدمج كافة خدماتنا”.

تقديم أسباب مقنعة تشجّع المواهب المتميزة على العمل لديك

يعد تعيين المواهب الجديدة من أسرع الطرق لتسريع التحول الرقمي. ويلعب الرؤساء التنفيذيون الناجحون دوراً أساسياً في تركيز المؤسسة على على الجوانب التي تحفّز أفضل المواهب وتعديل ثقافة الشركة ونهجها لاستقطابهم.

وقد بذل تيد دوهيني، رئيس شركة “سيلد أيير” (Sealed Air) ورئيسها التنفيذي، جهوداً كبيرة لجلب الخبراء والشركاء الرقميين. وقال لنا دوهيني: “يستلزم التحول إلى شركة تقوم على التكنولوجيا الرقمية أن نتصرف كشركة ناشئة بقيمة 5 مليارات دولار تحاول زعزعة السوق وقطاعنا وأعمال شركتنا. وقد أنشأنا شركة “سي فنتشرز” (SEE Ventures) للاستثمار في التكنولوجيات والأعمال المزعزعة بالتوازي مع الدخول في شراكة مع “برنامج التعاون الصناعي” التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا(إم آي تي) (MIT) وآخرين. لم تسهم هذه التحركات في نمو إجمالي الإيرادات على الفور، لكنها أسهمت بكل تأكيد في خلق ثقافة تعزز مستقبلنا الرقمي”.

ويعد التعريف بالغرض الأسمى أمراً مهماً أيضاً. ولا يصح أن يكتفي الرئيس التنفيذي بإسناده إلى مدير التسويق، بل يجب أن يلعب الرئيس التنفيذي دوراً حاسماً في صياغة الرسالة وإيصالها. على سبيل المثال: على الرغم من الضغوط الهائلة التي مورست من قبل الكثيرين لإقناع شركة “نيوترين” بفتح فرع لها في سان فرانسيسكو، فقد أصر الرئيس التنفيذي، ماغرو، على البقاء في مقرهم الرئيسي في لوفلاند بولاية كولورادو، والتركيز بدلاً من ذلك على هدفهم الرئيسي المتمثل في “الإسهام في إطعام العالم”. وقد صرّح لنا ماغرو، قائلاً: “لقد تحدثت إلى عشرات الموظفين الذين جاؤوا للعمل لدينا في كولورادو لأنهم يستطيعون إخبار أطفالهم بأنهم يسهمون في إطعام العالم”.

ولتوضيح الصورة بشكل ملموس، فإننا نرى أن الرؤساء التنفيذيين الرقميين الذين يعملون من كثب مع الرئيس التنفيذي لشؤون الموارد البشرية في شركاتهم لإنشاء مسارات مهنية مرنة ينعم فيها الموظفون الموهوبون بفرص للتقدم والتعلم وتنمية مهاراتهم. ويجب أن يرصد الرؤساء التنفيذيون مقاييس “رضا” المواهب الهادفة، مثل مواعيد الترقيات والنسب المئوية للمواهب المشاركة في المجتمعات التكنولوجية، تماماً كما يرصدون مقاييس التعيين.

وضع التكنولوجيا والبيانات على رأس الاهتمامات

في حين أن الرؤساء التنفيذيين غير مطالبين بأن يكونوا خبراء في التكنولوجيا، فإن أكثر الرؤساء التنفيذيين نجاحاً هم من يعطون الأولوية للتكنولوجيا والبيانات بطريقتين:

أولاً، يركزون على كيفية استغلال التكنولوجيا والبيانات لحل مشاكل العمل أو اكتشاف الفرص السانحة. على سبيل المثال: صرّح لنا رام كريشنان، الرئيس التنفيذي السابق لشركة “فاينال كونترولز” (Final Controls)، الذي يشغل الآن منصب نائب الرئيس التنفيذي ورئيس العمليات في شركة “إيمرسون” (Emerson)، قائلاً: “تتمثل البنية التكنولوجية الأساسية اللازمة لتحقيق قيمة مضافة في امتلاك منصة استشعار موسّعة قادرة على توليد البيانات وتجميعها ومن ثم استخدام الذكاء الاصطناعي، علاوة على برنامج يقوم على تكنولوجيا تعلم الآلة لتحويلها إلى رؤى قابلة للتنفيذ”. ودعماً لفلسفته، خصّص كريشنان ما يقرب من 50% من نفقاته الرأسمالية لتحسين التكنولوجيا. ويعد تخصيص جزء من الميزانية للإنفاق التكنولوجي مؤشراً رئيسياً يجب على الرؤساء التنفيذيين مراقبته لضمان نجاح الأعمال على الصعيد الرقمي.

وعلى المنوال نفسه، يتجه ستيف تيم، رئيس شركة “كولينز”، نحو إنشاء بيئة عمل مترابطة تجمع بين مختلف القدرات لإجراء التحليلات المحوسبة في الوقت الحقيقي بغرض تحسين عمل الطائرات وصيانتها. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، استحوذوا مؤخراً على شركة “فلايت أوير” (FlightAware)، المتخصصة في تحليل بيانات الطيران، في إطار جهودها لدمج الحزمة التكنولوجية لتزويد الشركة بمنصة لنشر أنظمة الطائرات المتصلة بالإنترنت.

ثانياً: يحرص الرؤساء التنفيذيون الناجحون على إجراء تغييرات مؤسسية كبيرة لضمان دمج التكنولوجيا والبيانات في صلب عمل شركاتهم. ومن أهم العوامل التي تميز الشركات الرقمية الناجحة قوة العلاقة بين خبراء التكنولوجيا الرقمية وإدارة الشركات التي يعملون بها. وهذا يعني التخلي عن البنية التنظيمية للهيكل الثلاثي التقليدي الذي يتكوّن من الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للشؤون المالية والرئيس التنفيذي لشؤون الموارد البشرية وتطبيق نموذج الهيكل الرباعي الذي يشمل وجود رئيس أعلى لشؤون التكنولوجيا والبيانات يختص باتخاذ القرارات الماسة بتخصيص الموارد المالية وصياغة الخطط الاستراتيجية والتصميم التنظيمي وتحديد المخاطر. ويحرص الرؤساء التنفيذيون الرقميون الناجحون على إدماج قادة التكنولوجيا ضمن الدائرة الداخلية لأصحاب المناصب التنفيذية العليا وجعلهم يعملون تحت إشرافهم المباشر.

إعادة بناء النموذج التشغيلي بما يلائم سرعة التكنولوجيا

لقد وجدنا أن أفضل الشركات أداءً يتبع ممارسات محدّدة وحاسمة، مثل مراجعة البيانات ومشاركة النتائج وإعادة توزيع المواهب، أكثر من أقرانها. ويختص الرئيس التنفيذي بأداء دور فاعل في تحديد إيقاع التغيير. ويتمثل العمل الجاد الذي يجب على الرئيس التنفيذي أداؤه لتسريع هذا الإيقاع في تغيير الهياكل التنظيمية الراسخة لتغذية ثقافة تُعطي الجهات التنفيذية قيمة أعلى من الجهات الإدارية، وتُعطي الفرق الصغيرة قيمة أعلى من الهياكل التنظيمية العملاقة.

وينجح الرؤساء التنفيذيون في تطوير نموذج العمل المشار إليه ها هنا عندما يقومون بتبسيط العمليات الأكثر أهمية (مثل التمويل المرتبط بالأهداف الرقمية) وتوضيح الحوكمة لتقليل الغموض في صناعة القرار وتقليل عدد المدراء والاحتفال بتقدم الفريق. ويحرصون بالقدر نفسه من الأهمية على بناء ثقافة التعلم حتى تتمكن الشركة من التكيف بسرعة. وقد صرّح لنا آلان بجاني، الرئيس التنفيذي لمجموعة ماجد الفطيم، قائلاً: “يمثل [التحول الرقمي] رهاناً كبيراً على مستقبل أي عمل تجاري، ومن ثم نمضي قدماً ونتعلم ونتكيف على طول الطريق. وتعتبر الأخطاء مهمة للغاية عندما تبذل قصارى جهدك، لا سيما عندما يتعلم الأفراد منها حتى لا يكرروا ارتكاب الخطأ نفسه مجدداً”.

الالتزام بتبني الحلول الرقمية بالقدر نفسه من شغف الالتزام بالاستراتيجية

يُوصَف الرئيس التنفيذي الرقمي بأنه شخص مشغوف بتبني الحلول الرقمية بقدر شغفه بالاستراتيجية. وعلى الرغم من ذلك، فالتوسع في “الالتزام” بتطبيق التكنولوجيا الرقمية أمرٌ بالغ الصعوبة، بسبب التأثيرات الهائلة للمنصات الرقمية على المدى البعيد والحاجة إلى إعادة تحديد المقاييس وإعادة هيكلة نظام العمل بأكمله باستمرار للحصول على كافة المكاسب.

على سبيل المثال: عندما تُقدِم شركة على استحداث ‎تكنولوجيا الصيانة التنبؤية في أقسامها، فإنها تحتاج إلى تحديث كيفية إدارة مخزونها وكيفية إرسال أطقم العمل وكيفية إعادة تخصيص الوفورات للأولويات الأخرى. وللمساعدة على تنفيذ هذه الإجراءات، فإن معظم الرؤساء التنفيذيين الناجحين الذين رأيناهم لديهم رؤية واضحة للمقاييس التي يجب رصدها وكيفية رصد التقدم نحو تنفيذها. على سبيل المثال: يعمل الرئيس التنفيذي لأحد البنوك الكبرى وفق 3 مقاييس: أ) المبيعات الرقمية كنسبة مئوية من إجمالي المبيعات، ب) النسبة المئوية للمعاملات التي تتم في الفروع، ج) درجات صافي نقاط الترويج. وإذا وجد أن هناك أوجه خلل في أي منها، فإنه يستعين بقادة البنك المعنيين الذين يستطيعون معرفة السبب.

وأحد الأخطاء التي نلاحظها هو أن الشركات لا تولي اهتماماً كافياً لقضايا تبني الحلول التكنولوجية والتوسع فيها حتى يتم التحول الرقمي على قدم وساق. في المقابل، يستثمر الرؤساء التنفيذيون الناجحون الوقت مقدماً. ويصرون، مثلاً، على تشكيل فرق رقمية تعمل بشكل وثيق ليس فقط مع رعاة الشركة، وإنما مع العاملين في الخطوط الأمامية أيضاً. يقول ماغرو: “أردنا أن نتأكد منذ البداية من قبول المؤسسة لما نعمل على تطويره وإعجابها به. لذا حرصنا على إنشاء منصة رقمية تلبي احتياجاتهم، مثل السماح لمهندسينا الزراعيين برؤية كل حساب لديهم بسهولة. وخلال أقل من عامين، صرنا نعالج طلبات بأكثر من مليار دولار [من خلال القنوات الرقمية]”.

لا يمكن بحال من الأحوال اعتبار التحول الرقمي غاية في حد ذاته، وذلك لأنه أمر يتطور بصفة دائمة. ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا إذا عمل الرؤساء التنفيذيون كرعاة رقميين لتحوّل شركاتهم، وكانوا واضحين بشأن أفضل الطرائق التي يمكنهم اتباعها لإحداث تغيير يضمن دمج التكنولوجيا الرقمية في صلب عمل مؤسساتهم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .