كيف يمكن أن يقلل استخدام الذكاء الاصطناعي في غرفة الفحص من إرهاق الأطباء؟

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إن الطفرة التي طالت منتجات الرعاية الصحية الجديدة – بدءاً من أجهزة مراقبة صحة المستهلك القابلة للارتداء، وانتهاء بالخوارزميات التشخيصية التي تعد بتحسين النتائج والتكاليف الطبية عن طريق تقنية الذكاء الاصطناعي – تدفع الأطباء والمسؤولين التنفيذيين في المستشفيات إلى طرح سؤال جوهري: “هل تحل هذه التقنيات المشكلات الصحيحة؟”.

هناك تطوران حاليان يضفيان أهمية وإلحاحاً على هذا السؤال الخطير. التطور الأول هو تهافت الشركات التكنولوجية التي تتطلع للاستحواذ على حصة من سوق تكنولوجيا المعلومات في مجال الرعاية الصحية، هذه السوق التي من المتوقع أن تتجاوز 390 مليار دولار بحلول عام 2024، وفقاً لشركة “ماركيتس آند ماركتس” البحثية. أما التطور الثاني فهو ما تسميه الجمعية الطبية العالمية “وباء إرهاق الأطباء”، الذي ينجم عن العبء الهائل من الأعمال الكتابية الإلكترونية لتوثيق رعاية المرضى والمطلوبة من أجل التغطية التأمينية والسداد المالي وحماية المسؤولية الطبية القانونية. يُبلّغ أكثر من نصف الأطباء عن شعورهم بالإرهاق نتيجة الحلقة المفرغة من مهمات التوثيق وملء التقارير التي تتطلب في العادة قضاءهم ساعتين أمام الكمبيوتر مقابل كل ساعة يقضونها في رعاية المرضى. في عام 2019، ذكرت دراسة نُشرت في دورية “حوليات الطب الباطني” تقديراً متحفظاً للتكاليف السنوية الناجمة عن ارتفاع معدل استبدال الأطباء وانخفاض الإيرادات نتيجة تراجع عدد ساعات رعاية المرضى، بلغ 4.6 مليارات دولار.

من الضروري تطوير تقنيات تساعد الأطباء كي يستطيعوا العودة إلى ممارسة ما تدربوا على عمله ويحبونه. ولا يقل عن ذلك أهمية أن نرد إلى المرضى انتباه أطبائهم الكامل لهم.

وبناء على ذلك، يجب أن يبدأ تطوير تكنولوجيا المعلومات في مجال الرعاية الصحية بفهم عميق للكيفية التي يحتاج الأطباء إلى العمل بها ويريدونها، ثم تطبيق قدرات تقنية الذكاء الاصطناعي في ظل هدف واضح يتمحور حول التأقلم مع كيفية تقديمهم الرعاية الصحية ومساندة ذلك. ولعل أحد الأساليب الواعدة في هذا الشأن هو الذكاء الإكلينيكي المحيطي.

استعادة العلاقة بين الأطباء والمرضى

مثلما يوحي الاسم، فإن تقنية الذكاء الإكلينيكي المحيطي ليست جهازاً بقدر ما هي مجموعة من القدرات التي تفرض نفسها ووجودها بشكل غير ملحوظ في غرفة الفحص، تماماً مثل الضوء والصوت. أفضل طريقة لتخيل هذه التقنية هي تصوُّر غرفة الفحص العادية بشاشة مسطحة على الحائط تعرض المعلومات المطلوبة، بينما تسجل ميكروفونات غير مرئية تفاعل المريض بدقة، بغض النظر عن حركة المتحدثين أو مكانهم. ليست هناك حاجة إلى وجود جهاز كمبيوتر في غرفة الفحص، لأن عملية الحوسبة وإدخال البيانات تحدث في الخفاء عبر نظم حاسوبية سحابية.

يعتمد الذكاء الإكلينيكي المحيطي على تقنية التعرف على الأصوات التي درج الأطباء على استخدامها طوال العشرين عاماً الماضية. كما يستعين أيضاً بالمقاييس الحيوية الصوتية – وهي باختصار طريقة للتعرف على الأفراد من خلال أصواتهم – للتأكد من هوية المستخدمين الإكلينيكيين، وغيرها من التقنيات للتمييز بين الطبيب والمريض وأي شخص آخر داخل غرفة الفحص. وهو يدمج أيضاً بين الذكاء الاصطناعي التحادثي والتعلم الآلي وتوليد الصوت آلياً وفهم اللغات الطبيعية والحوسبة السحابية لتوفير التوجيه التشخيصي والذكاء الإكلينيكي. وهذا يشمل الإشارة إلى التشخيصات المحتمل إغفالها بناء على تاريخ المريض وأعراضه، بالإضافة إلى التفاعلات الدوائية الممكنة والأدوية البديلة الموصى بها. يستجيب النظام فوراً حين يطلب الطبيب رؤية تاريخ المريض أو نتائج اختباراته الطبية، كما يصف الأدوية المناسبة، ويطلب إجراء الاختبارات الصحية اللازمة، ويرتب مواعيد زيارات المتابعة. وبمجرد انتهاء زيارة المريض، يقوم النظام بإنشاء ملف للمريض بملخص الزيارة، وتحديث سجله الطبي، وإدخال رموز الفواتير المناسبة كي يراجعها الطبيب ويصححها ويرسلها إلى السجل الصحي الإلكتروني.

تعتبر خصوصية المريض جزءاً لا يتجزأ بالضرورة من تقنية الذكاء الإكلينيكي المحيطي امتثالاً لقانون إخضاع التأمين الصحي لقابلية النقل والمحاسبة، وحفاظاً على فاعلية النظام الوظيفية، وضماناً لقبول المستخدم. لا بد من تشديد الحماية على بيانات المريض التي تجمعها تقنية الذكاء الإكلينيكي المحيطي، وتخزينها بموافقة المريض، ولا يُعاد استخدامها في أغراض أخرى إلا في صورة مجهولة ولأغراض إكلينيكية محددة بوضوح.

تجارب تحت الاختبار

هناك حالياً مجموعة من مقدمي الخدمات – بما في ذلك شركة “نيوانس” (التي يشغل منصب مديرها التكنولوجي جو بيترو، أحد المشاركين في تأليف هذه المقالة)، وشركة “مايكروسوفت” (التي تعاونت مع نيوانس لتسريع وتيرة تطوير تقنية الذكاء الإكلينيكي المحيطي واستخدامها)، بالإضافة إلى “جوجل” و”أمازون” و”آبل” – وكل تلك الشركات تعمل على تطوير نسخها الخاصة من هذه التقنية.

وقد بدأ اثنان منا (د. آش وراب) استخدام نسخ تجريبية من نظم “نيوانس” داخل مؤسساتنا في وقت سابق من هذا العام. بدأنا بتوفير تقنية الذكاء الإكلينيكي المحيطي لخمسة أطباء كحد أدنى، كل منهم في تخصصات تتسم بالزيارات المنظّمة والأمور المتوقعة، بما في ذلك: تقويم العظام والأنف والأذن والحنجرة والجراحة وأمراض الجهاز الهضمي وأمراض القلب. إن هذا النهج الخاضع للقياس يتيح لنا ولأطبائنا إدخال تحسينات على التقنية والتأقلم مع سير العمل الذي يصبح فجأة مختلفاً (من حيث طريقة استخدامنا للتكنولوجيا) ومألوفاً (من حيث طريقة تقديمنا الرعاية إلى المرضى بشكل طبيعي).

لقياس أداء تقنية الذكاء الإكلينيكي المحيطي، نسجل المقاييس المرتبطة بالهدف الرباعي المكون من: تحسين تجارب المرضى وتحسين الصحة العامة وتقليل التكاليف وتحسين الحياة العملية لمقدمي الرعاية الصحية. تشمل هذه المقاييس استبيانات منفصلة لقياس رضا المرضى، وبيانات السجلات الصحية الإلكترونية التي تشير إلى توثيق مدة كل زيارة والتوثيق بعد ساعات العمل، ومتوسط عدد الزيارات لكل طبيب، وتقييمات نوعية من الأطباء للمقارنة بين تقنية الذكاء الإكلينيكي المحيطي واستخدام ناسخين فعليين أو افتراضيين عن بُعد، ومتى لا تكون هناك حاجة إلى استخدام ناسخ.

لا يزال من المبكر جداً الإعلان عن أي استنتاجات كمية نهائية حول النتائج الإكلينيكية أو المالية. ومع ذلك، كانت البيانات الأولية والإفادات الشخصية من الأطباء الذين يستخدمون تقنية الذكاء الإكلينيكي المحيطي مشجعة. على سبيل المثال: 95% من المرضى الذين استخدم أطباؤهم هذه التقنية خلال الزيارة أقروا بموافقتهم على التسجيل، كما أن الوقت المطلوب كي تستكمل التقنية ملء التقارير في السجلات الصحية الإلكترونية قد انخفض بنسبة 50% عما كنا نتوقع.

أكثر النتائج وضوحاً حتى اليوم هي النتائج النوعية، لاسيما فيما يتعلق برضا الأطباء الذي نُبلّغ به مباشرة وينتشر بالدعاية الشفهية من الأطباء الذين يستخدمون تقنية الذكاء الإكلينيكي المحيطي إلى أطباء آخرين لم يجربوها بعد. وقد أفاد أحد الأطباء قائلاً: “على الأرجح كنت أقضي ما بين 6 إلى 8 ساعات أسبوعياً في عملية التوثيق. أعتقد أن هذا الوقت قد انخفض إلى النصف، إن لم يكن إلى الثلثين. إن قضاء خمس دقائق إضافية مع كل مريض – إذا كان يأتيك 30 أو 35 مريضاً – يعتبر وقتاً طويلاً، ويمكنك إيجاد أشياء كثيرة لتفعلها بساعتين إضافيتين كل يوم”.

وبشكل أعم، علَّق أحد الأطباء بأن تقنية الذكاء الإكلينيكي المحيطي “تجعل زيارة المريض تسير على النحو المفترض لها”. ولعل أحد أكثر التعليقات إثارة للدهشة هو الذي أفاد به طبيب كان متردداً في البداية حيال استخدام هذه التقنية، نظراً لأن التقنيات السابقة فشلت في الوفاء بوعودها لتخفيف الأعباء الإدارية. وهو حالياً من مؤيدي هذه التقنية “لأنها تتيح لي العودة إلى ممارسة دوري كطبيب بدلاً من أن أكون مسجل بيانات، كما تتيح لنا عمل ما كنا نريد عمله بطريقة لا تفصم العلاقة بين المريض والطبيب”.

يمكن أن تساهم تقنية الذكاء الإكلينيكي المحيطي وغيرها من تقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة في تطوير مجال الرعاية الصحية. إلا أن التطورات التكنولوجية وحدها لا يمكنها أن تحقق التحسينات التي ننشدها فيما يتعلق بالتكاليف والجودة والنتائج العلاجية. لن يحدث هذا إلا بابتكار تقنية تساند الأطباء الذين يساهمون في نجاح منظومة الرعاية الصحية ويهتمون بمصلحتنا ومصلحة أسرنا.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .