التوسُّع في استخدام الذكاء الاصطناعي

14 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

لا تحاول تغيير كل شيء دفعة واحدة، ولكن ابدأ بشيء مهم. يدرك معظم الرؤساء التنفيذيين أن الذكاء الاصطناعي يمتلك القدرة على تغيير طريقة عمل المؤسسات بصورة جذرية. وبإمكانهم رسم تصور محدد لمستقبل تستطيع فيه مؤسسات تجارة التجزئة، على سبيل المثال، تقديم منتجات تلائم الاحتياجات الفردية للعملاء، حتى قبل أن يطلبوها، بل وربما في اليوم نفسه الذي يتم فيه تصنيع هذه المنتجات. قد يبدو هذا السيناريو ضرباً من الخيال العلمي، لكن حدوثه على أرض الواقع بات وشيكاً بفضل الذكاء الاصطناعي المتاح فعلياً.

غير أن العقبة التي تقف في طريق هذا المستقبل هي عجز الشركات عن اكتشاف أنسب الأساليب لتغيير نفسها بطريقة تلبي متطلباته. ولكي نكون منصفين، فلم تتوان الشركات في معظم الأحيان عن بذل جهود حثيثة لدمج تقنيات التكنولوجيا الرقمية، وعملت في بعض الحالات على تغيير الطريقة التي تخدم بها عملاءها وتُصنِّع بها منتجاتها.

لكن إذا أرادت الشركات تحقيق الاستفادة الكاملة من الذكاء الاصطناعي، فعليها أن تضع تصوراً جديداً لنماذج عملها وطريقة تنفيذ العمل بها. إذ لا يصح أن تكتفي بربط الذكاء الاصطناعي بعملياتها الحالية بغرض أتمتتها أو إضافة رؤى ثاقبة. وعلى الرغم من إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي بصورة موضعية عبر عددٍ من الوظائف الموجودة في قائمة طويلة من الاستخدامات المنفصلة (تُعرَف باسم حالات الاستخدام)، فإن هذا النهج لن يترتب عليه تغيير مؤثّر في عمليات الشركة أو صافي مبيعاتها. كما أن هذا الإجراء يزيد صعوبة التوسُّع في استخدام الذكاء الاصطناعي ويجعله أكثر تكلفة لأن كل فريق واسع الانتشار سيكون مضطراً لإعادة اختراع العجلة فيما يتعلق بكسب تأييد الأطراف المعنية وتدريبهم وإدارة التغيير ومعالجة البيانات والتقنيات التكنولوجية، وما إلى ذلك.

لكن هذا لا يعني بحال من الأحوال أن الشركات مطالبة بمحاولة إصلاح المؤسسة بأكملها من خلال دمج الذكاء الاصطناعي في كل مكوناتها دفعة واحدة، فمثل هذه المحاولات محكوم عليها بالفشل في معظم الأحيان. وتعد عملية التغيير الكامل عملية معقدة للغاية لأنها تنطوي على الكثير من المتغيرات وأصحاب المصلحة والمشاريع اللازمة لتحقيق أثر ذي مغزى على جناح السرعة.

فكرة المقالة باختصار

المشكلة

لا تهيء معظم الشركات نفسها لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من الذكاء الاصطناعي، وذلك لأنها تركز على تطبيقه في حالات الاستخدام المنفصلة، وبالتالي لا يحقق سوى تغيير تدريجي ويتطلب توسيع نطاقه بذل مزيد من الجهد.

الحل

تصل المؤسسات إلى قمة النجاح عندما تضع تصورات جديدة لإجراءات عملها أو رحلتها أو وظيفتها الأساسية المدعومة بالذكاء الاصطناعي من البداية إلى النهاية. وهكذا تسمح لكل جهود الذكاء الاصطناعي بالبناء على المحاولات السابقة، ما يؤدي إلى إطلاق دورة متكاملة من التغيير.

كيف تحقق ذلك؟

يجب على القادة مساعدة مؤسساتهم على تحديد مجالات الأعمال التي يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي فيها لإحداث فارق كبير وأن يستهدفوا مجالاً أو اثنين لإجراء إصلاح شامل. ويتضمن ذلك نشر التكنولوجيا الجديدة وإعادة تصميم العمليات التشغيلية وتغيير أسلوب عمل الأشخاص معاً، بل وإعادة النظر بصورة جذرية في نماذج العمل.

وقد خلصنا إلى أن النهج الصحيح يتمثل في تحديد قطاع محوري من الشركة ووضع تصور جديد له بالكامل. إذ يمكن تحقيق تحسن كبير في مستوى الأداء من خلال إدخال بعض التغييرات على إجراءات العمل أو الرحلة أو الوظيفة الأساسية بأكملها، فيما نطلق عليه “المجال”، وهو ما لا يمكن تحقيقه من خلال التطبيقات الموضعية المعزولة. كما أنّ هذا سيمكّن كلاً من مبادرات الذكاء الاصطناعي من البناء على المبادرة السابقة من خلال إعادة استخدام البيانات، مثلاً، أو تطوير قدرات المجموعة المشتركة من أصحاب المصلحة. وقد لاحظنا أن هذا النهج يتسبب في انطلاق دورة متكاملة من التغيير داخل المجالات، حتى يؤدي في النهاية إلى تكوين حالة من الزخم المحفّز على استخدام الذكاء الاصطناعي على مستوى أوسع في مختلف أفرع المؤسسة بعد أن يرى قادة الشركة والموظفون أثره الإيجابي. علاوة على ذلك، فإن هذا النهج يعزز عقلية التحسين المتواصل في قوة العمل، وهو أمر بالغ الأهمية لأن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تتقدم بسرعة، ما يوجب على المؤسسات النظر إلى تحوّلات الذكاء الاصطناعي باعتبارها جهوداً متواصلة وليست عملاً يُنفَّذ لمرة واحدة وانتهى الأمر.

وأخيراً، فإن الشركات التي تعجز عن تحقيق الاستفادة الكاملة من الذكاء الاصطناعي ستتخلف عن الركب وتخرج من المنافسة على يد الشركات التي تستغل الذكاء الاصطناعي بكل إمكانياته، وهو ما نلاحظ حدوثه فعلياً في الكثير من القطاعات، مثل صناعة السيارات والخدمات المالية. وما يبعث على التفاؤل أن الكثير من الشركات (حتى الشركات ذات القدرات التحليلية المحدودة) بدأت على مدار العام الماضي تطوير المهارات المطلوبة لاستغلال الفرص التي يتيحها الذكاء الاصطناعي، وذلك بعد أن أرغمتها أزمة فيروس “كوفيد-19” على تغيير الطريقة التي تؤدي بها عملها بين عشية وضحاها. ويتجسّد التحدي الماثل أمامنا الآن في تطبيق تلك المهارات لإطلاق مبادرات أكبر.

وسنعتمد في هذا المقال على خبرتنا المستمدة من العمل مع مئات العملاء، بما في ذلك بعض أكبر المؤسسات في العالم، لتعريف الشركات على الخطوات الواجب اتباعها للتوسُّع في استخدام الذكاء الاصطناعي.

ستضطر في البداية إلى ضخ بعض الاستثمارات لإعداد النموذج الأولي أو النموذجين الأوليين، ولكنك ستستطيع بمرور الوقت تنفيذ المشاريع الجديدة اعتماداً على المشاريع السابقة، ما يقلل بشكل كبير من الوقت اللازم لتطوير خطط المشاريع وتكلفتها.

الخطوة الأولى

تحديد الاستراتيجية

قد يكون تحديد نطاق مبادرات الذكاء الاصطناعي بالشكل الصحيح أمراً محفوفاً بالمصاعب. وننصح الرؤساء التنفيذيين هنا باستهداف مجالات العمل التي سيُحدِث فيها الذكاء الاصطناعي فارقاً كبيراً خلال فترة زمنية معقولة، بحيث يكون من السهل نسبياً العثور على رعاة وكسب تأييد أصحاب المصلحة وتشكيل فريق عمل، وبحيث يُتاح الكثير من الأنشطة والفرص المترابطة لإعادة استخدام أصول البيانات والتكنولوجيا. (لمعرفة ما سيحدث في حال عدم تحديد نطاق مبادراتك بالشكل الصحيح، راجع الموضوع الجانبي بعنوان “المؤشرات الدالة على أنك تبالغ في التوسع في تطبيق الذكاء الاصطناعي أو تحصره في نطاق ضيق للغاية”).

الأثر المحتمل. يجب أن تكون المجالات الحيوية المختارة كبيرة بما يكفي لتحسين صافي مبيعات الشركة أو لتحسين تجارب العملاء أو الموظفين بشكل ملحوظ. وقد توصلت إحدى شركات الطيران إلى 10 مجالات عمل رئيسية ينطبق عليها هذا الوصف، ممثلةً فيما يلي: خدمات الشحن وطاقم العمل وإدارة الإيرادات والتجارة الإلكترونية وخدمة العملاء والمطارات والصيانة وتخطيط الشبكات والعمليات التشغيلية والموهبة. لكنها بدأت بخدمات الشحن، حيث استقرت على مجموعة من مبادرات الذكاء الاصطناعي التي يمكن إتمامها خلال ما يقرب من 18 أسبوعاً. ستحقق المبادرة الأولى أرباحاً إضافية تقدر بنحو 30 مليون دولار من خلال تحسين دقة توقّع أحجام الشحنات ووزنها واستغلال الطاقة الاستيعابية للشحن على الوجه الأمثل.

واختارت إحدى شركات الاتصالات في حالة أخرى إعادة تصميم عمليتها من أجل إدارة القيمة المضافة للعملاء (التي تغطي كافة الطرق التي تتفاعل بها الشركة مع عملائها) باستخدام الذكاء الاصطناعي لفهم الاحتياجات الفريدة لكل عميل ومعالجتها. سرعان ما أدى هذا العمل إلى تقليل الوقت المستغرق في تنفيذ الحملات التسويقية بنسبة 75% ومكّن الشركة من خفض معدل خسارة العملاء بمقدار ثلاث نقاط مئوية. وتتوقع الشركة أن تضيف هذه التحسينات 70 مليون دولار إلى صافي مبيعاتها بنهاية عام 2021.

الأنشطة المترابطة. تشمل المجالات الحيوية الواعدة مجموعة واضحة من الأنشطة التجارية التي يمكن أن تؤدي إعادة تقويمها إلى حل المشكلات المنهجية، مثل أوجه القصور المزمنة (مثل طول فترات الموافقة على القروض) وشدة التفاوت (ممثلاً في سرعة تقلب الطلب من قِبَل المستهلكين) وكثرة الفرص الضائعة (ممثلة في صعوبات توصيل المنتجات للعملاء). وقد تعالج حلول الذكاء الاصطناعي في كثير من الحالات الأسباب الجذرية لهذه المشكلات، إما من خلال الرؤى المقدمة أو من خلال التحسينات التنظيمية.

استقرت شركة الطيران على ستة أنشطة متداخلة إلى حدٍّ بعيد في مجال الشحن، ممثلة فيما يلي: التفاوض على الأسعار، وتخصيص المساحات وحجز الأرضيات وتوثيق الشحنات وإدارة العمليات الأرضية والتسليم وإعداد الفواتير. كان كلٌ من رضا العملاء والتسعير يعتمدان على عوامل مثل إتاحة المساحة بأسرع ما يمكن والقدرة على تتبع الشحنات في الوقت الحقيقي وسرعة التسليم. وعند إعادة هيكلة الأنشطة الستة بحيث يمكنها تغذية البيانات في منصة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، استطاعت الشركة تقليل الهدر المنهجي بشكل كبير مع تحسين تجربة العملاء إلى حدٍّ بعيد، وتعزيز هوامش أرباحها وسمعتها في الوقت نفسه.

الرعاة والفريق. يمكنك تحديد ما يلي بسهولة في المجالات الواعدة:

نموذج يُحتذى به على المستوى الداخلي مسؤول عن سلسلة القيمة الكاملة المعنية (تَمثَّل هذا النموذج في نائب رئيس شركة الطيران لشؤون الشحن).

كبار موظفي الشركة المتفانين في أداء عملهم (شملت هذه القائمة في شركة الطيران كلاً من المدير الأول للشحن واثنين من مرؤوسيه المباشرين) الذين يمكنهم أداء أدوار “مسؤولي المنتج” (الشخص المسؤول عن تنفيذ الحلول) والمترجم (الذي يربط بين حقول التحليلات المحوسبة والأعمال التجارية) وقيادة التغيير (المسؤول عن جهود إدارة التغيير).

فريق من خبراء الذكاء الاصطناعي المتمرسين، مثل خبراء علم البيانات وهندستها، والمصممين، ومحللي الأعمال، وخبراء منهجية سكرم التعاونية (يمكن أيضاً اختيار هؤلاء الخبراء من أحد الفرق المركزية في المؤسسة).

مجموعة من المستخدمين في الخطوط الأمامية أو موظفي المعرفة المسؤولين عن الأنشطة اليومية (شملت قائمة هؤلاء الأشخاص في شركة الطيران 250 وكيل مبيعات وحجز عبر الأميركيتين وآسيا والمحيط الهادي وأوروبا).

وحينما يجري إعداد الموظفين من مختلف جوانب دورة حياة المجال (بغض النظر عن موقعهم السابق في المؤسسة) وتحميلهم مسؤولية العمل، فإن هذا سيعزز مستويات الإقبال على تنفيذ المبادرات ويخلق حالة من الإثارة والزخم. ولهذه العوامل أهمية كبيرة لتشجيع الموظفين على التفكير فيما وراء العمل بالطرق المعتادة من أجل التوصل إلى حلول مبتكرة والإسهام في تخليص المشروع من العقبات غير المتوقعة التي لا مفر منها.

التكنولوجيا والبيانات القابلة لإعادة الاستخدام. من المهم أيضاً تحديد المجالات التي تتداخل فيها البيانات والمكونات التكنولوجية اللازمة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، لأن المسألة ستغدو أسهل كثيراً عندما لا تضطر الفرق إلى البدء من الصفر في كل مرة وحينما تستطيع إعادة استخدام البيانات أو التعليمات البرمجية التي تم إعدادها فعلياً للذكاء الاصطناعي. صحيح أنك ستضطر في البداية إلى ضخ بعض الاستثمارات لإعداد النموذج الأولي أو النموذجين الأوليين في إطار المجال المحدد، ولكنك ستستطيع بمرور الوقت تنفيذ المشاريع الجديدة اعتماداً على المشاريع السابقة، ما يقلل بشكل كبير من الوقت اللازم لتطوير خطط المشاريع وتكلفتها. وغالباً ما تتضمن موارد البيانات المشار إليها هنا كلاً من المكتبات المشتركة وتعريفات البيانات الوصفية، فيما تتضمن الموارد التكنولوجية كلاً من النصوص البرمجية لتعلم الآلة، وواجهات برمجة التطبيقات (APIs) التي تستخلص البيانات من الأنظمة القديمة وقدرات التصور البصري للبيانات.

ويحدد مسؤولو الفرق التنفيذية عادةً ما بين 8 إلى 10 مجالات حيوية يمكن استغلال الذكاء الاصطناعي فيها لإحداث تغيير في شركاتهم. وبمجرد اتخاذ هذه الخطوة، نوصي بتقليص القائمة إلى مجال واحد أو مجالين اثنين على أساس الجدوى والقيمة التجارية.

وقد عقد الرئيس التنفيذي ومرؤوسوه المباشرون في شركة الطيران سلسلة من الاجتماعات الاستراتيجية على مدار 12 أسبوعاً، ناقشوا خلالها كيف استطاعت الشركات في مختلف القطاعات تشجيع الابتكار باستخدام الذكاء الاصطناعي، ووضعوا رؤية محددة لاستخدام الذكاء الاصطناعي لمضاعفة الأرباح التشغيلية خلال 15 شهراً، وحددوا أولويات المجالات الحيوية التي يجب البدء بها، وخصصوا الموارد اللازمة للمضي قدماً. طلب المسؤولون التنفيذيون من الخبراء، كل في مجاله التخصصي، تحديد ما يمكن أن تسهم به مجالاتهم بشكل مختلف للوصول إلى الهدف الربحي وتقدير القيمة المحتملة وجدوى توصياتهم. فحدد ثلاثة من كبار قادة الشركة في مجال الشحن، جنباً إلى جنب مع موظفي تكنولوجيا المعلومات والماليات، الفرصة المتاحة لاستغلال مساحات الشحن المتاحة على الطائرات بشكل أفضل، والعوائد المتوقعة جراء اتخاذ هذه الخطوة، وإمكانية تطبيقها على أرض الواقع لتحقيق هذا الهدف من حيث توافر البيانات والتكنولوجيا والموهبة، وما إلى ذلك.

الخطوة الثانية

العمل على هيكلة الفريق

يجب أن يضم الفريق المسؤول عن مبادرات الذكاء الاصطناعي في كل مجال كافة الأشخاص الضروريين لتصميم طرق العمل الجديدة وتنفيذها ودعمها، بدايةً من المتخصصين في الأعمال الإدارية والرقمية والتحليلية وتكنولوجيا المعلومات. وبمجرد أن يعرف مسؤولو فرق المجال هدفهم النهائي ويحصلوا على الموارد اللازمة، فسوف ينظمون عملهم بأنفسهم إلى حد كبير باستخدام الممارسات المرنة.ويتمثل دور الإدارة، بخلاف إنشاء فرق العمل، في التأكد من أن أي موظفين ينضمون إلى هذه الفرق من أيٍّ من أقسام الشركة الأخرى قادرون على التكامل التام مع زملائهم وإزالة أي عراقيل تنظيمية قد تعيق نجاح الفرق.

وكان معظم أعضاء الفريق اللازمين في العديد من الحالات التي درسناها يعملون بالفعل في المجال المستهدف، ولم يكن على القادة سوى أن ينقلوهم بكل بساطة إلى المشروع، ثم يجلبوا المواهب الفنية اللازمة من أقسام أخرى من الشركة. وقد شارك موظفو المبيعات وخدمة العملاء والعمليات والماليات في إحداث تغيير جذري في مجال الشحن بشركة الطيران، وكان معظمهم يعمل تحت إشراف قسم إدارة الأعمال منذ البداية. وكان قد تم تعيين خبراء الذكاء الاصطناعي، مثل علماء البيانات ومهندسي البيانات، في الفريق من مركز التميز للذكاء الاصطناعي التابع للشركة طوال مدة العمل، وعملوا تحت الإشراف المباشر للمدير الإداري لقسم الشحن الذي كان يتولى مسؤولية المنتج للذكاء الاصطناعي الجديد.

ويتعين على الشركات في بعض الحالات إعادة تعيين الموظفين في مراكز أخرى غير فنية بعد استجلابهم من أقسام مختلفة من المؤسسة وضمهم إلى الفريق. ولك أن تنظر، مثلاً، إلى شركة مرافق الطاقة التي سعت أيضاً إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لرفع كفاءة إدارة القيمة المضافة للعملاء، بما في ذلك تحديد العملاء المستهدفين والعروض المقدَّمة إليهم والقنوات المستخدمة في هذا الخصوص وكيفية اختبار الأفكار الجديدة. كان على الشركة أن تنتقي خبراء حملات التسويق الذين كانوا يعملون في السابق بمعزل عن بعضهم في قنوات وفرق مختلفة، ثم تنقلهم رسمياً بحيث يعملون تحت مظلة واحدة. كان من الممكن أن تؤدي محاولة تنسيق عملهم عبر صوامع منعزلة إلى حدوث بعض التأخيرات وسد قنوات التواصل فيما بينهم بسبب نقل طلبات المدخلات والموافقات من قسم إلى آخر. كان من شأن هذه الخطوة أيضاً إجبار الأفراد المعنيين على محاولة التوفيق عبثاً بين فئتين مختلفتين من الالتزامات.

وكثيراً ما تلجأ الشركات إلى تشكيل مجموعة واحدة تختص بمشاريع الذكاء الاصطناعي بكل بساطة، بحيث يضطلع الفريق بأكمله بتنفيذ كل المهمات الموكلة إليه بمفرده. ولكن عندما يتسع نطاق هذه المهمات نسبياً، وتستلزم عمل أكثر من 12 شخصاً، فسيكون من الصعب للغاية تشكيل فريق واحد. وسيكون من المنطقي في هذه المواقف تقسيم الفريق إلى عدة مجموعات مع تكليف مجموعة واحدة بتوفير القدرات المشتركة. وقد قسمت شركة الاتصالات فريق القيمة المضافة للعملاء الجديد إلى أربعة مجموعات عمل، بحيث تركز إحداها على عملاء الدفع المسبق، وتركز الثانية على عملاء الدفع الآجل، وتركز المجموعة الثالثة على استقطاب العملاء، فيما تركز المجموعة الرابعة والأخيرة على استبقاء العملاء. وأسندت إلى كل مجموعة مهمة محددة تتمثل إما في تقليل خسارة العملاء أو تحسين البيع المتقاطع بنسبة 20% في آخر العام. وتم تشكيل مجموعة خامسة من مهندسي البيانات ومطوري البرمجيات تحت مسمى “مجموعة دعم البيانات” لدعم المجموعات الأربع الأخرى من خلال إعداد التقنيات التكنولوجية والأصول التي يمكن إعادة استخدامها من قِبَل كل مجموعة ومن خلال تطوير نماذج جديدة للتحليلات المحوسبة المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

الخطوة الثالثة

وضع تصور جديد للأعمال باستمرار

أشرنا في السابق إلى أن تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الذكاء الاصطناعي يتطلب إعادة ابتكار نماذج العمل والأدوار والمسؤوليات والعمليات التشغيلية، باستخدام طرق جديدة للتفكير وممارسة العمل. ونلاحظ عادةً أن أفضل منهجية يمكن اتباعها من قِبَل الشركات هي تطبيق المبادئ الأساسية أو أساليب التفكير التصميمي والعمل انطلاقاً من هدف أو تحدٍّ رئيسي. فعلى سبيل المثال، يمكن للشركات وضع تصور للشكل الذي ستبدو عليه تجربة العملاء الممتازة، ومن ثم تتعرّف على كافة التفاصيل المؤدية إلى تحقيق هذه الغاية.

وقد بدأ فريق الشحن في شركة الطيران بإجراء مقابلات شخصية مع وكلاء المبيعات والحجز حول كيفية تخصيصهم لمساحة الشحنات على طائرات الركاب ومعايير قبول طلبات الشحن أو رفضها. كيف يتحقق الوكلاء من توافر مساحة الشحن؟ وما المعلومات الأخرى التي يعتمدون عليها، وكيف يوازنون بين المعلومات المختلفة التي يجمعونها؟ وما المخاوف التي تنتابهم عند صناعة القرارات؟

لاحظ الفريق أن النهج القديم يفتقر إلى دقة التوقّعات بالصورة اللازمة وأن الوكلاء يضطرون إلى التخمين في محاولة منهم لتقدير الإلغاءات المحتملة. (فليست هناك عقوبات مقررة على إلغاء حجوزات الشحن، على عكس حجوزات الركاب، لذا كثيراً ما تبدو الطائرة محجوزة بالكامل ولكنها تغادر المطارات وعلى متنها مساحات شحن فارغة بسبب إلغاء بعض الشحنات). كما كان وكلاء حجز الشحنات يتخوفون أيضاً من تأثر رضا العملاء سلباً في حال كانت المساحة المخصصة لشحن البضائع ممتلئة عن آخرها. ولتجنب النزاعات، غالباً ما ينتظر الوكلاء حتى يوم إقلاع الرحلة لحجز مساحة الشحن لعملائهم، وهو ما كان يؤدي إلى عدم استغلال الطاقة الاستيعابية على الوجه الأمثل وضياع الفرص.

يجب على الفرق مراعاة الأثر المحتمل لمبادرات الذكاء الاصطناعي على عمليات المنبع والمصب واتخاذ التدابير اللازمة لمعالجته.

وبعد تحديد المشكلات المتعلقة بالعمليات الحالية وفهمها بدقة، حدد الفريق الشكل الأمثل لعملية حجز مساحات الشحن، بما في ذلك المعلومات التي سيحتاجها الوكلاء لتحديد ما إذا كان يجب عليهم إقرار الحجز من عدمه ومقدار الحجز الآمن وإلى أي مدى يسمحون بالحجز مقدماً ومدى اختلاف الأدوار. ثم عكف الفريق لبضعة أسابيع على تطوير نموذج أولي تجريبي للوحة المتابعة المدعومة بالذكاء الاصطناعي والتي من شأنها أن توفر المعلومات اللازمة للوكلاء، وعملوا معهم عن كثب لدمج معطيات نماذج التوقّع التي تم تطويرها بالتوازي. اختبر الفريق لوحة المتابعة مع وكلاء الشحن المسؤولين عن 12 خط سير تمثل الشبكة العالمية للشركة التي تضم 1,500 خط سير. وقارنت بين تباين استغلال مساحات الشحن والأرباح المتولدة عنها في خطوط سير الوكلاء الذين اتبعوا توصيات النظام من جهة ومجموعة الضبط التي استخدمت العمليات التقليدية من جهة أخرى. ولإرساء الثقة في النظام الجديد، أزال المسؤولون التنفيذيون أي تداعيات قد يواجهها الوكلاء عادةً في حال لم تستطع الرحلة استيعاب الحجوزات.

بات بإمكان جميع الوكلاء الآن الوصول إلى لوحات المتابعة البسيطة التي توضّح بصرياً الرحلات الجوية التي لا تستغل المساحة المتاحة بشكل كافٍ. إذ يمكنهم إلقاء نظرة سريعة لاستعراض البيانات حول كيفية تحقيق الإيرادات من شحنات البضائع في الرحلات الجوية الأخيرة. وتعمل حلقات التغذية الراجعة المتكاملة على تمكين أنظمة الذكاء الاصطناعي من التعلم باستمرار من الوكلاء عندما يقررون ما إذا كانوا سيقبلون طلبات الشحن من عدمه، اعتماداً على خبرتهم في التعامل مع أحجام الشحنات وأوزانها ومعرفتهم بالتغييرات في سلاسل التوريد لدى العملاء وخطوط السير التجارية، وغيرها من العوامل ذات الصلة. وتزود هذه الأدوات الجديدة الوكلاء بالمعلومات التي تمنحهم الثقة لحجز مساحة الشحن قبل مواعيد المغادرة بوقت طويل.

الخطوة الرابعة

التكيف مع التغيير المؤسسي والتكنولوجي

ستكون التغييرات المؤسسية المهمة، مثل اعتماد التعاون المتبادل بين مختلف التخصصات والعقليات المرنة، مطلوبة في معظم الحالات لدعم العمليات والنماذج الجديدة القائمة على الذكاء الاصطناعي. وقد أثبت بحثنا في واقع الأمر أن الشركات التي تحقق أعلى العوائد نتيجة تطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أكثر إقبالاً على ترسيخ المنهجيات الفاعلة في إدارة التغيير، مثل حث القادة على أن يكونوا قدوة يُحتذَى بها في تجسيد السلوكيات المرغوبة، وأثبت بحثنا أيضاً أن هذه الجهود تؤتي ثمارها على نحو أفضل عندما يشرف عليها الرؤساء التنفيذيون وكبار المسؤولين التنفيذيين.

انظر مجدداً إلى شركة مرافق الطاقة. فقد استثمرت الشركة في صقل مهارات الموظفين حتى يتمكنوا من العمل معاً بفاعلية في السياق الجديد والاضطلاع بمسؤولياتهم القيادية الجديدة، وذلك من خلال إعادة هيكلة أهداف أعضاء فريق مشروع الذكاء الاصطناعي وحوافزهم بما يتناسب مع مسؤولياتهم الجديدة، إلى جانب سد فجوة المسؤوليات في الأقسام التي اضطر أعضاء الفريق إلى مغادرتها.

ورغم أن الشركات ستحتاج إلى تحديث تقنياتها التكنولوجية لدعم الذكاء الاصطناعي، فإنها لن تحتاج إلى إجراء عملية جراحية كبرى في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات أو بنية البيانات قبل أن تبدأ. وننصح الشركات بالتركيز بدلاً من ذلك على التكنولوجيا التي من شأنها تمكين تطوير الذكاء الاصطناعي وتسريعه، ثم تحديد أولويات الاستثمارات الإضافية وفقاً لأولويات الفرق. ويمكن أن تسهم منصات البيانات القائمة على السحابة الإلكترونية واستخدام واجهات برمجة التطبيقات والخدمات المصغرة وغيرها من عمليات التطوير الحديثة، على سبيل المثال، في مساعدة الشركات على تطوير قدرات أعمال جديدة بوتيرة أسرع مرتين إلى ثلاث مرات.

وقد أعدّت شركة الاتصالات منصة قائمة على السحابة الإلكترونية للبيانات الأولية المستمدة من أنظمة المعاملات وخدمة العملاء الحالية بحيث يمكن استخدامها بسهولة من قبل مهندسي وعلماء البيانات مقارنة بالبيانات المستمدة من النظام القديم لتخزين البيانات. كما نفذت الشركة أيضاً نظاماً جديداً للتحليلات المحوسبة ساعد علماء البيانات على تدريب النماذج الجديدة ونشرها بشكل أسرع، واستخدمت أدوات تعمل على تبسيط جمع البيانات وتحليلها وبناء النماذج لنظام إدارة القيمة المضافة للعملاء الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي. سمحت لها هذه التحركات بالبدء في استخدام البيانات غير المنظمة وتطبيق نهج أكثر تعقيداً والعمل بكفاءة أكبر.

عند تحديد أولويات ضخ استثمارات إضافية في التقنيات التكنولوجية، يجب على الفرق تحديد القدرات والبيانات والموارد (مثل الروبوتات والاستدلالات البيولوجية وأجهزة الاستشعار ومنصات التواصل) التي سيحتاجونها وتوقيتها، ثم تنفيذ كل جزئية حسب الحاجة. وعند تصميم نظام إدارة القيمة المضافة للعملاء، أدرك فريق شركة الاتصالات أنه سيحتاج إلى تكنولوجيا جديدة تعمل تلقائياً على إرسال الرسائل المباشرة الصادرة وتمنح مندوبي المبيعات إرشادات في الوقت الحقيقي حول المحادثة التالية التي يجب إجراؤها مع العملاء.

يجب على الفرق أيضاً مراعاة الأثر المحتمل لمبادرات الذكاء الاصطناعي على عمليات المنبع والمصب واتخاذ التدابير اللازمة لمعالجته. وقد طور فريق الذكاء الاصطناعي في شركة الطيران، على سبيل المثال، أداة لرفع التقارير للمدراء الذين يشرفون على تحميل الشحنات وتفريغها حتى يتمكنوا من دعم الأحجام الكبيرة التي تنتجها عملية البيع والحجز الجديدة بشكل فاعل.

تأثير الدومينو

ما إن يصل الذكاء الاصطناعي إلى مراحل متطورة داخل المجالات الأولية، وتتعود المؤسسات على وضع تصورات جديدة لمكونات العمل، فإنها تكون على أهبة الاستعداد حينئذٍ للتوسع. وسيسهم الأساس التكنولوجي الذي أرسته هذه المؤسسات والمهارات التي تعلمتها في تسريع جهودها في المجالات الأخرى نتيجة اكتسابها الخبرة في التخلص من ظاهرة الصوامع المنعزلة في العمل، مثلاً، وصناعة القرارات في بضع ساعات بعد أن كانت تستغرق أسابيع كاملة وإنشاء المزيد من الفرق التي تعتمد على البيانات.

تستطيع الشركات في هذه المرحلة متابعة مجالات متعددة بالتوازي. ونعود ونكرر أن الفكرة الأساسية هي البناء على العمل السابق. قد يدفع هذا الشركات إلى تحديد أولويات المجالات التي تتميز بوجود بيانات ومهارات مشتركة، مثل سلسلة التوريد والخدمات اللوجستية، أو قد يشجعها على متابعة المجال نفسه في وحدات العمل الأخرى. وترى شركة مرافق الطاقة أنه بإمكانها إعادة استخدام ما يقرب من 80% من العمل المنجز لتحسين إدارة القيمة المضافة للعملاء في أحد الأقسام (الذي أدى إلى تحقيق نمو قياسي خلال بضعة أشهر فقط، بما في ذلك زيادة أرباح العملاء بنسبة 12% وزيادة معدلات استبقاء العملاء بنسبة 20%) في العديد من وحدات العمل الأخرى وتسريع نموها أيضاً.

صحيح أن جميع الشركات المذكورة في هذه المقالة لا تزال في المراحل الأولى من جهودها نحو التحوّل الكامل لتطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، لكنها على أعتاب حقبة جديدة. فقد تذوقت طعم المكاسب الممكنة، وأسفرت خياراتها الجريئة عن عوائد كبيرة في المجالات التي استهدفتها واكتساب قدرات جديدة ما كان لها أن تكتسبها في حالات الاستخدام المنفصلة. لقد وضعت هذه الشركات دليلاً إرشادياً للمنهجيات والبروتوكولات التي يمكنها الرجوع إليها مرة بعد أخرى. ومع انتقالها إلى مجالات أخرى، ستتسارع وتيرتها، وستتراكم قدرات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها بسرعة، وستجد أن المستقبل الذي تخيلته أقرب مما تتصور.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .