كيف تتعامل مع خوفك من تقلّد منصب قيادي؟

4 دقائق
مخاوف السمعة
shutterstock.com/FOTOGRIN

ملخص: أظهرت الدراسات أن تخيّل المرء نفسه قائداً هي الخطوة الأولى الحاسمة لتوليه دوراً قيادياً. ومع ذلك، لا يتقبّل كثير من الناس فكرة التصرف كقادة. ما الذي يجعلهم مترددين حيال ذلك؟ على الرغم من وجود العديد من العوامل التي تثني الموظفين عن التصرف كقادة، يسلّط البحث الأخير الذي أجراه المؤلفون الضوء على مخاوف السمعة بصفتها أحد العوامل الرادعة. وعلى وجه التحديد، وجدوا أن مخاوف الموظفين في مجموعة متنوعة من أماكن العمل والأوساط الأكاديمية والمتمثّلة في اعتبارهم أشخاصاً مستبدين أو مختلفين أو غير مؤهلين جعلتهم أقل رغبة في التصرف كقادة، ما قلّل من احتمالية توليهم مناصب قيادية وقلل من وصفهم كأشخاص قياديين من قبل الآخرين. ومن الجيد أن المؤلفين حددوا العديد من الاستراتيجيات التي يمكن للمدراء استخدامها للمساعدة في تقليل التأثير السلبي لتلك المخاوف، بما فيها وصف القيادة بأنها دور قليل المخاطر وتحدّي الصور النمطية السلبية المتعلقة بالقيادة بشكل صريح، والتأكيد من خلال الكلمات والأفعال أن القيادة هي مهارة يمكن لأي شخص تطويرها بدلاً من اعتبارها قدرة فطرية.

 

تُعدّ الهوية الذاتية مهمة عندما يتعلق الأمر بالقيادة. وأظهرت البحوث أن اعتبار المرء نفسه قائداً هي الخطوة الأولى المهمة في سبيل تولّيه مناصب قيادية، في حين أن الإحجام عن ذلك قد يقف عائقاً في وجه تولّي الأفراد الأكفاء تلك المناصب. لماذا لا يتقبّل الموظفون تخيّل أنفسهم كقادة إذاً؟

على الرغم من وجود العديد من العوامل التي تبرر مشاعرهم تلك، أظهرت البحوث السابقة أن المخاوف المتعلقة بالسمعة قد تؤدي دوراً رئيسياً في ثني الموظفين عن السعي لتحقيق أهدافهم في العمل بشكل استباقي. وكنا مهتمين على وجه الخصوص بمعرفة التأثير الذي تُحدثه المخاطر المتصورة المرتبطة بسمعة الموظفين على إحساسهم بهويتهم بصفتهم قادة، وعلى رغبتهم في تولي مناصب قيادية. وأجرينا لاستكشاف الإجابة عن هذا السؤال سلسلة من الدراسات مع أكثر من 1,700 مشارك، بمن فيهم الموظفون بدوام كامل وطلاب الماجستير في إدارة الأعمال وطلاب القوات الجوية في الولايات المتحدة ، ووجدنا أنه كلما زاد عدد الأشخاص القلقين بشأن مخاطر السمعة المرتبطة بتولي مسؤوليات قيادية، قلّ احتمال تصرفهم كقادة.

وركزنا على وجه التحديد على ثلاثة مخاوف مشتركة تتعلق بالسمعة تمنع الموظفين من اعتبار أنفسهم قادة:

الخوف من الظهور كشخص مستبد

أعرب العديد من المشاركين في دراستنا عن قلقهم من الظهور كأشخاص متسلطين أو مستبدين عند توليهم مناصب قيادية. وعلى حد تعبير أحد المشاركين: “لا أريد أن أبدو انتهازياً، أو شخصاً يستغل الموظفين الضعفاء، أو شخصاً متلبّد المشاعر. وعلى الرغم من البحوث الكثيرة حول استخدام كلمات الازدراء مثل “التسلط” لوصف القائدات، وجدنا في دراساتنا أن الرجال والنساء على حد سواء كانوا يخشون أن يصفهم الآخرون بتلك الصفات.

الخوف من الظهور كشخص مختلف

تمثّل الشاغل الثاني المشترك في أن التصرف كقائد سيؤدي إلى تلقي الموظف كثيراً من الاهتمام لاعتباره شخصاً مختلفاً عن الآخرين، حتى لو كان ذلك الاهتمام إيجابياً. وشرح أحد المشاركين قائلاً: “لا أريد أن أكون شخصاً يُبدي له الآخرون الاحترام والتقدير. أنا لا أواجه أي مشكلات في القيادة، لكني أرغب في الوقت نفسه أن أكون متساوياً مع الآخرين”. ويخشى كثير من الناس من فكرة التضحية بإحساسهم بالانتماء إلى المجموعة إذا أصبحوا قادة.

الخوف من الظهور كشخص غير مؤهل

قال العديد من المشاركين إنهم يخشون أن يعتبرهم الآخرون أشخاصاً غير مؤهلين لتولي مناصب قيادية، بغض النظر عما إذا كانوا يعتبرون أنفسهم أشخاصاً مؤهلين بالفعل أم لا. وكما قالت إحداهن: “غالباً ما يفترض الناس أن المناصب القيادية مخصصة للرجال، وهو ما يجعلني قلقة. وأخشى إن سعيت إلى تولي مناصب قيادية في مجال عملي ألا يأخذني الموظفون على محمل الجد”.

ومن المؤكد أن هناك تجارب واقعية تُثبت تلك المخاوف، خاصةً بالنسبة للفئات الناقصة التمثيل، مثل النساء وأصحاب البشرة الملونة. ومن المهم أن نفهم تأثير تلك المخاوف على نظرتنا لأنفسنا، سواء كانت مبررة أم لا. ووجدنا من خلال دراساتنا أن الأشخاص الذين أبلغوا عن مستويات أعلى من المخاوف حول مخاطر السمعة تلك كانوا أقل رغبة في اعتبار أنفسهم قادة. وكانوا أقل رغبة نتيجة لذلك للتصرف كقادة، كما قلّ احتمال أن يعتبرهم مشرفوهم قادة أيضاً.

قد تبدو تلك المخاوف أمراً غير بديهي للوهلة الأولى. فلماذا قد تؤثر المخاوف المتصورة على هويتنا المتأصلة فينا بعمق؟ إن هذا التأثير ليس مفاجئاً على الإطلاق من وجهة نظر نفسية، فلا أحد يحب أن يكون موجهاً بالمخاوف، فضلاً عن أن القيادة غالباً ما تنطوي على تحديات كبيرة. لذلك، عندما يكون السعي وراء المناصب القيادية أمراً محفوفاً بالمخاطر، يُعيد الموظفون بشكل لا شعوري تعريف هوياتهم لتبرير تجنبها. فمن المرضي أن تبرر عدم رغبتك في القيادة بأن تقول لنفسك أنك “لست قائداً”، بدلاً من أن تعترف بأنك خائف من نظرة الآخرين عنك.

والخبر السار هو أن بحثنا كشف أيضاً عن العديد من التدخلات النفسية التي يمكن للمدراء استخدامها لتقليل فاعلية تلك المخاوف وتأثيرها، وتمكينهم من تشجيع مزيد من الموظفين على التصرف كقادة وتولي مناصب قيادية في المستقبل. أولاً، يشير بحثنا إلى إمكانية التأثير على تصورات الموظفين عن مخاطر السمعة. ووجدنا في إحدى الدراسات أن المشاركين الذين استمعوا إلى مدونة صوتية (بودكاست) وصفنا فيها القيادة بأنها دور محفوف بالمخاطر كانوا أقل احتمالاً للتصرف كقادة مقارنة بأولئك الذين استمعوا إلى مدونة صوتية وصفت القيادة بأنها دور منخفض المخاطر. وبالتالي، يمكن للمدراء مساعدة الموظفين على تقبّل المناصب القيادية من خلال التأكيد أنها أدوار قليلة الخطورة وتنطوي على مخاطر أقل (كالتوضيح أن أخطاء القيادة متوقعة وأنها لن تؤثر على سجل أداء الموظف).

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمدراء أيضاً اتخاذ خطوات لمعالجة مخاوف الموظفين المتعلقة بالسمعة بشكل صريح. فمن المؤكد أن الموظفين لا يرغبون في الارتباط بهوية نمطية تصفهم بأنهم أشخاص مهيمنون أو مختلفون أو غير مؤهلين، وعلى المؤسسات أن تُثبت لموظفيها من خلال الكلمات والأفعال قدرة أي شخص على أن يصبح قائداً، وأن تولي المناصب القيادية يُعتبر مساهمة إيجابية.

ولن ينجح أي تدخل في إزالة مخاوف السمعة تماماً بالطبع. لكن ساعدنا استقصاء أجريناه على فرق استشارية في مجال ماجستير إدارة الأعمال على وضع استراتيجية تمكّن المدراء من الحد من التأثير السلبي لتلك المخاوف، فقد وجدنا أنه عندما ينظر الطلاب إلى القيادة بصفتها قدرة فطرية، ستقلل مخاطر السمعة من هويتهم الذاتية بصفتهم قادة، أما بالنسبة للطلاب الذين اعتبروا القيادة مهارة يمكن صقلها، فلم يكن لتلك المخاوف أي تأثير عليهم، وذلك لأن الأشخاص الذين يعتبرون القيادة مهارة قابلة للتعلم يتقبّلون الانتكاسات، في حين يفترض أولئك الذين يعتنقون وجهات نظر ثابتة أن أي أخطاء يرتكبونها كقادة تضر بسمعتهم بشكل دائم وتشير إلى ضعف مهاراتهم القيادية ببساطة. وعلى هذا النحو، يمكن للمدراء تقليل تأثير مخاوف السمعة على الهوية من خلال تحدي الفكرة القائلة بأن القادة “يولدون موهوبين بالفطرة”. وذلك يعني تزويد الموظفين بالتوجيه والفرص لتطوير مهاراتهم القيادية، والاعتراف بتقدمهم في تطوير تلك المهارات (حتى عندما لا تكون النتيجة إيجابية تماماً)، ومشاركة قصص الفشل في القيادة إلى جانب قصص النجاح بشكل علني.

كتب المؤلف والمعلّم والناشط، باركر بالمر: “القيادة مفهوم يواجه كثيراً من المقاومة، فالجميع يفترض أن اعتبار أنفسهم قادة هو سلوك أناني. وبما أننا خُلقنا لخدمة المجتمع، فالقيادة هي مهمة الجميع، في حين يمثّل رفضها وسيلة الهروب. وعندما نعيش في بيئة عمل مترابطة تدعى المجتمع، سيكون الجميع تابعاً وقائداً على حد سواء”. إن خلق ثقافة تقدّر القيادة وتتيحها للموظفين، بغض النظر عن الجنس أو العرق أو العمر أو أي هوية أخرى، قد يساعد الجميع على تقبّل أنفسهم كقادة وتولّي مناصب قيادية أيضاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .