أيها المدراء: أنتم مرعبون أكثر مما تظنون

5 دقائق
shutterstock.com/Stock-Asso
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يعتقد معظم المدراء أنهم ودودون مع موظفيهم بشكل يسهل على الموظفين التحدث إليهم. ففي استبانة أجريناها على 4 آلاف موظف، قال ثلثا المشاركين إنهم يعتقدون أن مرؤوسيهم لا يرونهم مخيفين على الإطلاق أو أن ذلك نادر الحدوث.

بل إنهم واثقون بدرجة أكبر أنهم ودودون مع مَن يتساوون معهم في التراتبية داخل المؤسسة أو مع رؤسائهم. ورداً على سؤال عما إذا كان زملاؤهم ومدراؤهم يجدونهم مخيفين، قال 75% من المشاركين إن ذلك مستبعد للغاية في حالة الزملاء، وزادت النسبة إلى 80% في حالة المدراء.

ومع ذلك فإننا نعلم من اتجاهاتنا البحثية الأخرى خلال السنوات الخمس الماضية أن الكثيرين يفكرون مرتين قبل إبداء آرائهم في مؤسساتهم لأنهم يجدون الزملاء مخيفين. كما تظهر أبحاث أخرى أن المدراء على وجه الخصوص يحتاجون إلى تقبل فكرة أن الموظفين يرونهم مخيفين بدرجة أكبر مما يدركون، وهو ما يضر بأعمالهم.

على سبيل المثال، أخبرنا رئيس العمليات الودود في أحد البنوك الدولية أنه استغرق سنوات قبل أن يدرك أن الاقتراحات البسيطة التي كان يقدمها أثناء سيره في قسم تداول الأسهم كانت تتسبب في حدوث فوضى. حيث اعتبر زملاؤه أن كل اقتراح قدمه كان بمثابة تعليمات صارمة وطبقوها حرفياً لخوفهم منه، ولم يجرؤ أحد منهم على إبلاغه بذلك. وهو بدوره لم يتخيل أبداً أنهم لن يقصدونه في حال وجود مشكلة.

بالطبع هناك أوقات قد يرغب فيها المدراء أن يُنظر إليهم باعتبارهم مخيفين، مثلما يحدث عند مواجهتهم سلوكاً غير مقبول. لكن معظم الوقت، يحتاج المدراء إلى أن يكونوا ودودين. فإذا خشي الموظفون التحدث والتعبير عن آرائهم، سيتأثر اندماجهم في المؤسسة، وستفوتهم لحظات التعلم، وسيمر سوء السلوك دون مساءلة، ولن تكون هناك ابتكارات.

يمكن لمخاطر التزام الصمت أو الامتثال غير المفند أن تكون أكثر خطورة: انظر إلى “بوينغ” (Boeing) وفشل إجراءات السلامة على متن طائرة “ماكس 737” (737 Max)، وفضيحة فساد “صندوق التنمية الماليزي” (1MDB) التي تورطت فيها شركة “غولدمان ساكس” (Goldman Sachs). في كلتا الحالتين، كان من المحتمل أن يطرح بعض الموظفين أسئلة أو يقدمون ملاحظات من شأنها أن تساعد على تفادي هذه الأزمات.

من المهم إذن ألا نقلل من شأن رهبتنا من الآخرين، وفي الوقت نفسه يجب أن نعي وجود هذه الرهبة ونتعلم كيف يمكن أن نقلل من وطأتها عند الحاجة.

اعرف مسمياتك

ابدأ بفهم ما يجعلك مخيفاً للآخرين. غالباً ما يكون صعباً على المدراء أن يروا كم هم مخيفون لأن الإخافة تجربة علائقية وليست سمة شخصية. أن تكون مخيفاً هو أمر شخصي (يعتمد على تصور الشخص لك)، وسياقي (يعتمد على الموقف)، وغالباً ما يكون خارجاً عن إرادتك. مثل رئيس عمليات البنك، يمكنك أن تكون ودوداً وحسن النية، لكن بعض المسميات التي توصف بها يمكن أن تطغى على تلك السمات وتحدد طبيعة العلاقة بينك وبين الآخرين.

قد تكون هذه المسميات وظيفية، مثل “مدير” أو “مدير الموارد البشرية” أو “رئيس تنفيذي”. يمكن أيضاً أن تكون سمات مثل “طويل القامة” أو “واثق من نفسه” أو “ذو إمكانات عالية”، والتي تُظهر غالباً مستوى مرتفع نسبياً من الحظوة والسلطة. حتى مع تفاخر المؤسسات بأنها غير تراتبية، فإن هذه الشرائح الاجتماعية ما تزال قائمة. وكلما ارتفعت حظوة مسمياتك، زاد قلق الآخرين بشأن ما تفكر فيه وحاولوا تجنب إزعاجك. أن يخافك الآخرون، هو بمثابة رادع لهم يجعلهم يترددون قبل التحدث معك.

والأدهى أنه من المحتمل أن يكون التحدث بحرية أسهل بالنسبة لمن يحملون مسميات تشير إلى وضعهم المتميز نسبياً. فبسبب “عمى المزايا (advantage blindness)”، وهو تحيز يفترض فيه أصحاب المناصب المتميزة أن الآخرين يمرون بمواقف مماثلة لما يمرون بها، فإنهم لا يستطيعون تخيل أن الآخرين قد يجدون هذا الأمر صعباً. وفقاً لبحثنا الاستقصائي الأخير، فإن المدراء يجدون أن التعبير عن آرائهم أصبح سهلاً عندما يصبحون أعلى مقاماً، وذلك لأنهم يتوقعون نتائج إيجابية. في الوقت نفسه، فإن ثقتهم في أنفسهم تعني أنهم غالباً ما ينسون كيف يكون الأمر لمن هم أدنى منهم في المناصب الوظيفية، حيث تكون الجوانب السلبية للتعبير عن الآراء أكثر وضوحاً.

لذا انظر إلى المسميات التي تنطبق عليك، واسأل نفسك: ما هو عامل التخويف الذي يمثله لقبك المهني؟ وما هي سماتك التي تمنحك قوة محسوسة نسبياً، مثل الطول أو الثقة، حتى وإن لم يتضمنها وصفك الوظيفي؟ ومن قد يعتبرها مخيفة؟

وعدم مراعاة هذه الأسئلة يعني أنك من المحتمل أن تستمر في التفاعل مع الآخرين بالطريقة نفسها. أما إدراك عواقب الوضع المتصور والاختلافات في السلطات، يسمح لك باختيار طريقة مختلفة للتواصل مع الآخرين. تقدم الخطوات التالية بعض الاقتراحات في هذا الصدد.

راقب تعبيرات وجهك

كثدييات، نحن مجبولون على تفسير إيماءات الآخرين، وغالباً ما يرسل المدراء إشارات غير لفظية دون أن يدركوا تدعو إلى “التزام الصمت” وليس “التعبير عن الرأي والتحدث بصراحة”. فلنتناول حالة قائد نعرفه، وهو ذو إمكانات عالية وفي الثلاثينيات من عمره. بعد الترقي السريع، شعر أنه لا يمكنه مواكبة متطلبات دوره الجديد. وقد بذل قصارى جهده لإخفاء ضعفه ومشاعره، وحرص أن يحافظ على ملامح وجهه الهادئة حتى عند شعوره بالتوتر. وشعر بالصدمة عندما علم أن زملاءه فسروا تحديقه الفارغ على أنه تهديد لهم. فقد افترض أنه هو نفسه مَن كان يشعر بالخوف والتهديد!

افهم ما توصله حركات وجهك وتعبيراتك من معانٍ بين الفينة والأخرى. تصف نانسي كلاين، مؤلفة كتاب “وقت للتفكير” (Time to Think) ذلك باستخدام مصطلح “افهم وجهك”. عندما تفكر بعمق، قد تميل إلى تقطيب وجهك، لكن الآخرين يفسرون ذلك بسهولة على أنه استنكار واستهجان، وخاصة من هم أقل منك في المرتبة الوظيفية. قد تكون ابتسامتك تبدو للآخرين وكأنها متكلفة. وربما أيضاً كنت تعاني من أن “وجهك ذو ملامح غاضبة بطبيعته”.

إدراك هذه التعبيرات غير المقصودة والوعي بها يتطلب منك تنبهاً وتركيزاً أثناء تفاعلاتك. قلل من التشتت عند تحدثك مع الآخرين حتى تتمكن من التفكير في الرسالة التي تبعثها للآخرين حقاً. واعتزم أن تشجع الآخرين وتدعمهم وتتعلم منهم.

ومع ذلك، فإنه من الصعب تغيير إيماءاتك الخاصة التي اعتدت عليها دفعةً واحدة، خاصةً تحت الضغط، لذا عليك إدارة توقعات الآخرين. وقد أوضح أحد المدراء الذين قابلناهم في ورشة عمل مؤخراً أنه أصبح مدركاً لميله إلى تقطيب وجهه بعمق عند التفكير. ولذا قال لفريقه: “أعلم أنني أفعل ذلك، لكن تأكدوا أن هذا لا يعني اختلافي معكم!”.

لطّف ردود أفعالك

كيف كان رد فعلك في آخر مرة تحداك فيها أحدهم؟ (إذا لم تستطع تذكر هذا الماضي البعيد، فاعتبر نفسك مخيفاً!).

إذا كنت تشغل منصباً ذا نفوذ، فسوف يدرس الآخرون ردود أفعالك بدقة. حيث إن رد فعلك السلبي تجاه تحدٍ وُضعت فيه، متمثلاً في إبداء غضب صريح أو رفض أو عدم اكتراث، يعني أنك ستواجه تحديات أقل في المستقبل. والإصرار على وجوب طرح الآخرين للحلول بدلاً من عرض المشكلات، يعني أن البعض قد يلتزم الصمت عندما تكون المشكلة التي لاحظوها معقدة على نحو خاص أو غريبة. كما أن مطالبة الشخص الذي طرح فكرة جديدة تلقائياً بقيادة عملية تنفيذها، تعني أن الآخرين سوف يفكرون مرتين قبل اقتراح أي فكرة مبتكرة.

مؤخراً، عملت أحدنا (ميغان) مع فريق قيادة مر بتجربة إعادة هيكلة تنطوي على تسريحات متعددة للعمال. على الرغم من أن الرئيس التنفيذي أراد من الفريق المضي قدماً والالتفات إلى المستقبل، سرعان ما اتضح أن أعضاء الفريق ما زالوا يشعرون بالخيانة والصدمة من جراء هذه التجربة. لكن عندما عبّر أحد أعضاء الفريق عن مشاعره السلبية المرتبطة بما حدث، رفض الرئيس التنفيذي ما قيل بغضب. وفي محادثة لاحقة مع الفريق، صار من الواضح أن رد فعل الرئيس التنفيذي قلل من احتمال تعبير أعضاء الفريق عن آرائهم وأفكارهم في المستقبل بحرية.

بدلاً من ذلك، أوجد ثقافة الأمان النفسي بحيث يمكن للموظفين أن يتحدثوا بحرية عن الأخبار السيئة. فكر في كيفية استجابتك عادة للأخبار السيئة أو الآراء المختلفة. وتساءل: هل يمكن لهذا الرد أن يردع الآخرين عن التحدث بحرية؟

لا تلتمس “الملاحظات” فحسب

يعتقد بعض المدراء أن الموظفين سوف يتحدثون معهم بحرية إذا ما اكتفوا بالقول إن بابهم مفتوح دائماً أو إنهم يرحبون بالملاحظات والآراء والتحديات. والمفارقة هي أنك كلما بدوت مخيفاً للآخرين، قل احتمال أن يعبروا عن آرائهم لك أو أن يتحدوك. يفهم القادة الحكماء ذلك ويدركون أنهم بحاجة إلى أن يكونوا أكثر مباشرة وصراحة عند الدعوة إلى تلقي الملاحظات والتحديات.

يعني هذا طرح المزيد من الأسئلة المحددة من قبيل: “ما هو الشيء الرئيس الذي يمكنني تغييره حتى أصبح أكثر وداً؟”. على سبيل المثال، سأل أحد المدراء ممن عملنا معهم فريق عمله: “ما الذي تعرفون أنني لن يتسنى لي معرفته أبداً، ولكني أحتاج حقاً إلى معرفته؟”.

لا يدرك العديد من القادة الخوف الذي تسببه ألقابهم الوظيفية والصورة التي يرسمها الآخرون عنهم. ولكن عندما تعي كيف يمكنك إقامة علاقات في مكان عملك بناءً على التراتبية ووضع المسافات بشكل أفضل، مع تلطيف تعبيرات وجهك وردود أفعالك والطريقة التي تطلب بها من الناس أن يتحدثوا عن مكنوناتهم ويعبروا عن آرائهم، ستكون أكثر قدرة على تشجيع الموظفين على كسر حاجز المسافة بينكم، وستصبح بالفعل القائد المنفتح (والمستنير أيضاً) الذي كنت تعتقد أنك عليه بالفعل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .