كيف تحافظ على حماسك في ظل ندرة الآراء التقييمية؟

5 دقائق
الحفاظ على الحماس في العمل
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على الرغم من أن الكثير منا خاض تجربة العمل عن بُعد لسنوات، وأنا من ضمنهم، قد يحتاج بعض الأفراد مزيداً من الوقت للاعتياد على نهج العمل عن بُعد واتباع تدابير التباعد البدني عن الزملاء والمدراء. وقد لا يكون لارتداء ملابس البيت أثناء العمل وممارسة الركض خلال النهار أي فائدة تُذكر مقابل عواقب انعدام إحساسك بالحماس والثقة بالنفس وتقدير الذات، كأن تفتقد سماع عبارة “لقد نجحت!” من مديرك بعد انتهاء الاجتماع مع أحد العملاء، أو أن تحنّ إلى الحصول على تشجيع من زميلك في الفريق عند استراحة شرب القهوة أو حتى أن تتلقّى ابتسامة من موظف الاستقبال في طريقك إلى المصعد. فكيف يمكنك الحفاظ على الحماس في العمل؟

عقبات نقص الآراء التقييمية

ومن المؤكد أن نقص الآراء التقييمية والتشجيع الخارجي وانخفاض التفاعل بين الأشخاص يؤثر علينا عاطفياً ويؤثر على نتائج أعمالنا على حد سواء. وكما يقول دانيال بينك، مؤلف كتاب “الدافع: الحقيقة المفاجئة حول ما يُبثّ فينا الحماس” (Drive: The Surprising Truth About What Motivates Us)، في محاضرة ألقاها على منصة “تيد“: “سنشعر بالحماس بشكل طبيعي عندما نُحرز تقدماً ونتحسن في أداء مهمة ما. إلا أن إحراز التقدم يتطلّب من الأفراد الحصول على آراء تقييمية ومعلومات حول أدائهم”؛ وهي العملية التي افتقدها العديد من العمال العاملين عن بُعد مؤخراً.

وبينما يتخذ العديد من القادة عدة خطوات لتحسين مهارات تقديم الآراء التقييمية عن بُعد، يجب علينا تحمل مسؤولية تطوير احتياطيات الثقة والحماس لنواصل المسير. وقد كتبت الأستاذة أيليت فيشباخ في مقال بعنوان “كيف تواصل عملك على الرغم من أنك لا تشعر بالرغبة في ذلك؟”: “يُعتبر تحفيز الذات الفعال إحدى الصفات الأساسية التي تميّز المهنيين ذوي الإنجازات العالية عن غيرهم”.

3 استراتيجيات لزيادة الحماس والثقة بالنفس

وإليكم ثلاث استراتيجيات يمكنكم اتباعها لزيادة الحماس والثقة بالنفس:

تحدى تفكيرك الكارثي

لجأتُ في كتابي الذي ألّفته بالتشارك مع صوفي ريغل والذي يحمل عنوان “التغلب على الإفراط في التفكير: 36 طريقة للتخلص من القلق في العمل والمدرسة والحياة” (Overcoming Overthinking: 36 Ways to Tame Anxiety for Work, School, and Life) إلى تسليط الضوء على طريقتين للتفكير تميّزان التفكير الكارثي، ألا وهما المبالغة في تقدير الاحتمالات غير المتوقعة والمبالغة في تقدير العواقب المدمرة. فغالباً ما نلجأ في غياب الآراء التقييمية المنتظمة إلى اختلاق قصص تقوّض ثقتنا بأنفسنا وشعورنا بالأمان. وقد نمارس تلك العادة معظم الأوقات، إلا أن الوقت الحالي لا يُعتبر مثالياً لممارستها.

فعندما تقول في قرارة نفسك: “أنا لا أتلقّى أي ملاحظات من مديري، وأظن أن الشركة ستقوم بإقصائي من العمل أو تسريحي”، يجب عليك تحدي نفسك من خلال إثارة تفكير أكثر عقلانية، حتى لو كان احتمال إقصاؤك أو تسريحك من العمل قائماً.

وتتمثّل الخطوة الأولى في تحديد ماهية تفكيرك الكارثي والأثر الذي قد يُحدثه فيك. فعندما يسرح عقلك في أفكار مظلمة، قل لنفسك بصوت عال: “تأتيني أفكار كارثية لن تعود عليّ بأي نفع على الإطلاق”، أو: “أنا اختلق قصصاً رهيبة، وهذا كل ما في الأمر، إنها مجرد قصة”، أو: “هذه الأفكار تجعلني أشعر بالقلق وأنا قادر على تغييرها”.

وتنطوي الخطوة الثانية على تذكير نفسك بامتلاكك الموارد التي تمكّنك من التعامل مع أسوأ السيناريوهات. خصّص بضع دقائق لتحديد جميع الموارد الداخلية المتاحة لديك، بما فيها القدرة على التحمل والعزم وروح الدعابة، إضافة إلى تحديد الموارد الخارجية على حد سواء، والتي قد تضم عائلتك وأصدقاءك وشبكة معارفك، إذ ستقدم لك تلك الموارد الدعم الذي تحتاج إليه وقت الحاجة.

وتتمثّل الخطوة الثالثة في إدراك الحقيقة الكامنة وراء في تفكيرك الكارثي الذي يحتاج إلى اهتمام حقيقي منك. فإذا كنت دائم القلق من فكرة أن يجري تسريحك من العمل، اسأل نفسك عن السبب الذي يزيد من مستوى شعورك بالقلق في العمل، على سبيل المثال، ندرة الآراء التقييمية. كتب خبير الأمن، غافين دي بيكر، في كتابه بعنوان “هبة الخوف: إشارات النجاة التي تحمينا من العنف” (The Gift of Fear: Survival Signals That Protect Us from Violence) أننا يتولّد لدينا إحساس بديهي بالخوف عندما نكون في خطر، إلا أن الخوف طوال الوقت لا يحمينا من الخطر في الواقع.

ما الذي يحمينا من الخطر إذاً؟ وضع خطة فعلية وملموسة لمواجهة ما يُشعرنا بالقلق أو تجاهله.

استعن “بمجموعة ذواتك”

يقول بليك أشفورث، الخبير الرائد في مجال الهوية في جامعة ولاية أريزونا، في كتابه الذي يحمل عنوان “تحوّلات الأدوار في الحياة التنظيمية: وجهة نظر قائمة على الهوية”، (Role Transitions in Organizational Life: An Identity-Based Perspective) “إن إحساسنا بالذات متجذّر في كيفية إدراك الآخرين لنا. وهو ما يجعل الآراء التقييمية وعبارات الثناء محدودة وصعبة المنال بالنسبة للكثيرين منا. وفي غياب عبارات مثل “أقدر حقاً مشاركتك الإبداعية”، أو “لم نكن لنفوز بذلك العرض دونك”، نميل إلى التساؤل عن هويتنا والقيم التي نضفيها. قد تقول لنفسك: “هل غياب الآراء التقييمية وعبارات الثناء إشارة إلى أنني شخص غير فاعل ضمن الفريق؟”

نحن نُظهر جانباً مختلفاً من ذواتنا أمام كل شخص نتعامل معه، سواء كان زميلنا أو مديرنا أو صديقنا أو حتى طفلنا. وكما كتب آشفورث: “كل دور معين يستدعي منا أن نُظهر جانباً مختلفاً من ذاتنا، وكأن الفرد يتكوّن بالفعل من مجموعة من الذوات”. وتُتيح لنا تلك المجموعة من الذوات أن نُظهر الجانب الأمثل من أنفسنا في كل موقف نواجهه لكي نشعر بتحسن، وأن نتحلّى بالشجاعة لمواجهة أي تحد معين أو موقف صعب.

ويقول المؤلف آدم غرانت، الأستاذ بكلية وارتون، ومقدّم بودكاست “وورك لايف” (WorkLife): “تتمثّل إحدى استراتيجيات التأقلم في إدراك الهويات المتعددة لذواتنا”. وعلى الرغم من أنك قد لا تسمع من مديرك أي تشجيع لذاتك “الفاعلة ضمن الفريق” في الوقت الحالي، يمكنك تعزيز ثقتك بنفسك من خلال التفكير في كل “الذوات” الإيجابية والمفيدة والمساهمة التي تُبديها أمام الأشخاص من حولك.

لذلك، إذا كنت تشعر بعدم الأمان حيال نفسك كشخص فاعل ضمن فريق، على سبيل المثال، لأنك لا تشعر باهتمام مديرك بك، يمكنك تعزيز ثقتك بنفسك من خلال التفكير في كل “الذوات” الإيجابية والمفيدة والمساهمة التي تُبديها أمام الموظفين من حولك. فكّر فيما لا يقل عن 5 أشخاص آخرين في حياتك يقدّرونك أجلّ تقدير. ثم اكتب أسماءهم وصف نظرتهم إليك، على سبيل المثال، “زميلي مجدي يصفني أنني مستشار موثوق به”، و”يعتبرني عميلي سامي أهم مفكر استراتيجي”.

التزم بمبدأ التبادلية

يستشهد روبرت تشالديني في كتابه المشهور الذي يحمل عنوان “التأثير: علم نفس الإقناع” (Influence: The Psychology of Persuasion)، بمبدأ “التبادلية” باعتباره أول مبدأ للإقناع. بعبارة أخرى، نحن مُجبولون على معاملة الآخرين بالطريقة التي عاملونا بها، وهو ما يدفعنا إلى رد الجميل أو النكران، أو معاملة الآخرين بشكل جيد أو بشكل سيئ. وهو ما يحفّزنا أيضاً على سداد الديون أو تجاهلها، في حال تجاهل الطرف الآخر سداد ديونه عنا.

فعندما يتعلق الأمر بالحصول على آراء تقييمية أكثر إيجابية أو دفعة من التشجيع أو حتى اهتمام ودي، قد يكون أفضل خيار أمامنا هو أن نلتزم بالمنح لنحظى بالعطاء. تواصل بشكل أسبوعي مع عدد قليل من الزملاء والمدراء والمرؤوسين المباشرين وحتى العملاء والموردين لتشارك معهم ملاحظاتك الإيجابية عنهم، وأخبرهم أنك تفكر فيهم، وذكّرهم بالتأثير الذي أحدثوه فيك وأنك تفتقد رؤيتهم. وكن مستعداً بعد ذلك لتلقّي ردّ الجميل منهم.

وكما قال مالكولم فوربس: “قليل من الأخذ والعطاء يحقق لك مبتغاك”.

وقد ترغب ببساطة في أن تطلب ما تحتاج إليه بشكل مباشر في أثناء انتظار حصولك على عبارات المديح المتبادلة. يمكنك أن تقول لمديرك أو زميلك في الفريق، “أعلم أننا نمرّ في وضع غير اعتيادي في الشركة، إلا أنني لا أزال أرغب في تلقي آرائك التقييمية، فهي تعني لي الكثير في ظل هذه الظروف التي جعلتنا نعمل عن بُعد. هل يمكنك تخصيص حوالي 5 إلى 10 دقائق في اجتماعنا المقرر التالي لتشارك معي آراءك التقييمية حول أدائي؟” وكن مستعداً لأن تشارك آراءك التقييمية معه أيضاً.

وفي نهاية الحديث عن الحفاظ على الحماس في العمل، قد يقلّل العمل عن بُعد من قربنا البدني والعاطفي، لكن لا يجب أن نسمح له أن يقوّض حماسنا وشعورنا بالثقة وتقديرنا لذاتنا.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .