كيف يبدو الحرم الجامعي الهجين؟

5 دقائق
الهرم الجامعي الهجين
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: لا شك في أن الجائحة ألحقت ضرراً بالغاً بقطاع التعليم العالي العام الماضي، لكنها سلّطت الضوء أيضاً على الحرم الجامعي الهجين وخطوات التطوير اللاحقة في هذا القطاع. وقد نُشر بالفعل العديد من المقالات حول كيفية إجبار جائحة “كوفيد-19” المدارس على تسريع عملية الدمج بين التعلم وجهاً لوجه والتعلم عبر الإنترنت. وعلى الرغم من أن ذلك التحول المفاجئ خلق تحديات كبيرة، سيعزز النموذج الهجين تجربة الفصول الدراسية على المدى الطويل بشكل كبير. وتحقيقاً لتلك الغاية، يجب على الجامعات اليوم كسر الحواجز التي تحول دون الوصول إلى مجموعة أكبر وأكثر تنوعاً من الطلاب الذين يشقون طريقهم إلى الكليات، وتلبية احتياجات قوى العمل المتغيرة، وتوفير التعلم مدى الحياة وفرص العمل للعمال البالغين. 

 

قد يجادل البعض بأن الجائحة كشفت عن الحاجة إلى تغيير نظام التعليم العالي. فمع انخفاض المعدل الإجمالي للطلاب الملتحقين بالجامعات بنسبة 3% من خريف عام 2019 حتى خريف عام 2020، ومع توقعات بانخفاض معدلات الالتحاق المستقبلية، سيتعيّن على العديد من الكليات تعديل الطرق التي تمارس بها أعمالها إذا كانت ترغب في الحفاظ على وضعها المالي. وتوجد فرصة لن تتكرر للاستفادة من التغييرات الطارئة التي حصلت خلال الأشهر الـ 18 الماضية لصالح تحقيق المنفعة على المدى الطويل، وينطبق ذلك أيضاً على المؤسسات التي كان أداؤها أفضل مما كان متوقعاً خلال الجائحة.

وتحقيقاً لتلك الغاية، يجب على الجامعات اليوم كسر الحواجز التي تحول دون الوصول إلى مجموعة أكبر وأكثر تنوعاً من الطلاب الذين يشقون طريقهم إلى الكليات، وتلبية احتياجات قوى العمل المتغيرة، وتوفير التعلم مدى الحياة وفرص العمل للعمال البالغين.

لا شك في أن الجائحة ألحقت ضرراً بالغاً بقطاع التعليم العالي العام الماضي، لكنها سلّطت الضوء أيضاً على خطوات التطوير اللاحقة في هذا القطاع. وقد نُشر بالفعل العديد من المقالات حول كيفية إجبار جائحة “كوفيد-19” المدارس على تسريع مزجها بين التعلم وجهاً لوجه والتعلم عبر الإنترنت. وعلى الرغم من أن ذلك التحول المفاجئ خلق تحديات كبيرة، سيعزز النموذج الهجين تجربة الفصل الدراسي على المدى الطويل بشكل كبير. على سبيل المثال، يمكن للأدوات الرقمية الجديدة أن تساعد المعلمين في تقييم مدى انخراط الطلاب بشكل أفضل، وأن تزودهم بدليل تفصيلي واضح حول كيفية تحسين دوراتهم التدريبية وطرائق تدريسهم وتطويرها.

ويوجد في الواقع دروس أخرى يمكن استخلاصها من ذلك العام المضطرب والتي تتجاوز التركيز على الفصول الدراسية فقط. على سبيل المثال، جمع “مركز التميز في التعليم العالي” التابع لمؤسسة “ديلويت” (Deloitte) ومؤسسة “سترادا إديوكيشن نيتوورك” (Strada Education Network) خلال صيف عام 2020، وتحديداً في الأشهر الأولى من انتشار الجائحة، مجموعة من القادة في قطاع التعليم العالي لمناقشة أهمية تلك الزعزعة المهولة التي لحقت بنظام التعليم العالي التقليدي وجهاً لوجه في توفير أدلة حول كيفية إدارة المؤسسات للأعمال وخدمة الطلاب في المستقبل.

وتوصلنا بعد إجراء الاستقصاءات والمناقشات مع المجموعة إلى ضرورة تطوير نهج هجين لتقديم التعليم يشمل الدورات الأكاديمية ويركّز على العناصر الرئيسية الأخرى التي تقود تجربة التعلم وتجعل الحرم الجامعي فاعلاً، أي خدمات الطلاب وقوى العمل.

مفهوم الحرم الجامعي الهجين

يتخطى الحرم الجامعي الهجين، وهو المصطلح الذي طورناه، فكرتنا الحالية عن التعليم المدمج إلى رؤية أكثر شمولية تنطوي على تقديم كل ما يمكن لمؤسسة ما توفيره، من الإرشاد الأكاديمي حتى الدورات التدريبية والخدمات المهنية. وتوجد فرصة للمؤسسات لتسخير استثماراتها الجديدة (والتعلم) في قطاع التكنولوجيا الرقمية بهدف تعزيز تجارب الطلاب والتحول إلى نظام العمل عن بُعد. وإذا ما نُفّذ ذلك النهج بشكل صحيح، فستصبح المؤسسات أكثر تركيزاً على الطلاب، وهو ما يضمن استدامتها.

يمكن اعتبار تجربة الحرم الجامعي الهجين مماثلة لنموذج البيع بالتجزئة الذي يشغل مكانه بين العالمين المادي والرقمي، مع فارق بسيط بين الاثنين؛ إذ يدير العديد من تجار التجزئة الذين بدؤوا أنشطتهم التجارية عبر الإنترنت اليوم منافذ بيع فعلية لزيادة المبيعات على مواقعهم على الويب وزيادة ولاء الزبائن. ومع ذلك، لا يستطيع معظم الزبائن التمييز بين النموذجين. لكن ما يهم هنا هو أن يكمل كل من الوجود المادي والافتراضي بعضهما البعض، وليس أن نخلق مجالات أو هويات منفصلة للمؤسسة.

وبالمثل، سيكون من السهل إلى حد ما تنفيذ بعض ميزات الحرم الجامعي الهجين التي تشمل إعادة النظر في التقويم الأكاديمي لإدماج الطلاب في الحرم الجامعي بما يتجاوز تقويم الفصل الدراسي التقليدي، أو إضافة خيارات الإقامة المخفضة التي يقطن فيها الطلاب في الحرم الجامعي لبضعة أسابيع كل فصل دراسي ويقضون بقية المرحلة الدراسية في العمل بفترة تدريب داخلي في أثناء تلقي دروس عبر الإنترنت، أو اتخاذ النهج المعاكس المتمثّل في تلقي التدريب الداخلي والملازمة الوظيفية عن بُعد في أثناء تلقي الدروس وجهاً لوجه. يوفر الحرم الجامعي الهجين فرصاً لتحسين سرعة الخدمات التي لا تتطلب دائماً تفاعلاً وجهاً لوجه وتحسين جودة تلك الخدمات أيضاً، كتقديم الاستشارات الافتراضية وساعات العمل عبر الإنترنت مع الأساتذة التي أصبحت شائعة في أثناء الجائحة. على سبيل المثال، تستخدم “جامعة يوتا” (University of Utah) اليوم مساعدين افتراضيين للإجابة عن الأسئلة الشائعة المتعلقة بالمساعدات المالية وطلبات الالتحاق.

متطلبات التحول

تتطلب التغييرات الأخرى تحسين استخدام البيانات، فعندما نعتبر الطلاب أحد عناصر التعليم طوال الحياة (وليس فقط بصفتهم متعلمين مقيمين بدوام كامل) ونجمع معلومات في الوقت الحقيقي حول الاحتياجات المتغيرة لقوى العمل، يمكن للكليات تطوير برامج أكاديمية مرنة للاقتصاد المتطور وتنظيم دورات دراسية غير مُعتمدة وقصيرة قائمة على مبدأ “شغّل وتعلم”، وتوفير التعليم المستمر والدائم للخريجين.

من الضروري أيضاً استخدام البيانات لتحديد تفضيلات الطلاب وتحديد المقاييس المشتركة لمعرفة المجالات التي يتعثر فيها الطلاب عادة في رحلاتهم الأكاديمية ضمن الحرم الجامعي الهجين. علاوة على ذلك، يُعد الاستثمار في تطوير الدورات التدريبية المصممة للعصر الرقمي خطوة أخرى مهمة في إعداد الحرم الجامعي الهجين، (بدلاً من مجرد تسجيل محاضرات الدروس أو التدريس عبر منصة “زووم”).

تجربة جامعة “سنترال فلوريدا” (UCF)

قلة هي الجامعات التي تمتلك خبرة كبيرة في النهج الهجين مقارنة بجامعة “سنترال فلوريدا” (UCF) التي بدأت تجربة الفصول الدراسية المختلطة وعبر الإنترنت في التسعينيات من القرن العشرين، حيث يحضر 90% من طلاب الجامعة البالغ عددهم 59 ألفاً مثل تلك الدروس اليوم.

وقد أدى “مركز التعلم الموزع” التابع للجامعة دوراً حيوياً في ذلك التحول، إذ كان بمثابة غرفة مقاصة لاستراتيجيات التعلم وممارساته عبر الإنترنت وكمركز لتدريب الأساتذة. ويتمثّل أحد العناصر الاستراتيجية المستخدمة في “الخريطة المختلطة” التي يُعدها أعضاء هيئة التدريس في الكلية للمساعدة في تحديد الدروس التي سيكون من الأمثل تقديمها عبر الإنترنت والدروس التي سيكون من الأمثل تقديمها وجهاً لوجه. ويساعد ذلك في تفسير سبب منح طلاب جامعة “سنترال فلوريدا” أعلى الدرجات في استقصاءات الرضا فيما يتعلق بالدورات التدريبية المختلطة أو الهجينة.

نعتقد دائماً أن هدف الجامعات هو تعليم الطلاب وإجراء البحوث، إلا أنها أماكن عمل أيضاً، إذ يتطلب الحرم الجامعي الهجين من قادة الكلية تحديد الوظائف المهمة لتحقيق رسالة المؤسسة ثم تركيز مواردهم البشرية القيّمة على تلك الوظائف. وقد يكون تقديم خدمات أخرى من قبل كيانات خارجية تستثمر في تلك الخدمات وتقدمها على نطاق واسع خياراً أمثل. وقد رأينا بالفعل مثل تلك التغييرات في عدة مجالات، مثل تقديم العلاج النفسي للطلاب عبر الإنترنت وخدمات الطبابة عن بُعد.

وقد عبّرت نسبة كبيرة من الموظفين في البحث الذي أعددناه عندما بدأ الحرم الجامعي تطوير خطط إعادة الافتتاح عن رغبتهم القوية في العمل عن بُعد أو العمل الهجين بشكل دائم. وهو ما يتيح لكبار القادة الحصول على المواهب من خارج حدودهم الجغرافية، أو ببساطة تعهيد خدمات معينة لمصادر خارج المؤسسات الأكاديمية المركزية.

وكما هو مذكور أعلاه، سيستند العديد من القرارات إلى البيانات. وإحدى المؤسسات التي استخدمت البيانات بشكل جيد هي جامعة “جورجيا ستيت” التي استخدمت التحليلات المحوسبة في أثناء الجائحة لتوقع هوية الطلاب الذين يواجهون صعوبات مالية. ثم تواصلت مع أولئك الطلاب لتقديم المساعدة لهم بشكل مباشر دون الحاجة إلى إجراء أي تواصل وجهاً لوجه معهم. وتلقى أكثر من 34,000 طالب من ولاية جورجيا بالفعل مساعدات طارئة من خلال تلك العملية المباشرة منذ شهر أبريل/نيسان عام 2020.

وليس من المستغرب أن يتخلل أي تغيير جذري في التعليم العالي رغبة الإدارة وأعضاء الهيئة التدريسية في تبني عمليات الحوكمة والهياكل وقياسات الأداء الجديدة نحو الحرم الجامعي الهجين تحديداً. ومع ذلك، بيّنت لنا الجائحة أن ذلك ممكن بالفعل؛ فالتغييرات التي اعتُقد أنها تستغرق سنوات للتنفيذ من خلال الحوكمة المشتركة نفّذت بين عشية وضحاها تقريباً عندما أُغلق الحرم الجامعي مؤقتاً العام الماضي. ويبدو أن الاستثمارات التي وُضعت في التعليم عبر الإنترنت والمعرفة المكتسبة من “تجربة التعليم عن بُعد الكبرى عام 2020” بكل مزاياها وعيوبها كانت مؤثرة للغاية بحيث لا يمكن تجاهلها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .