بحث: كيف تبني الثقة مع شريك تجاري ينتمي إلى ثقافة مختلفة؟

7 دقائق
بناء الثقة مع الشريك التجاري
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

الثقة هي الرابط الاجتماعي الذي يحافظ على تماسك علاقات الأعمال، ويبذل الشركاء التجاريون الذين تتوفر بينهم ثقة متبادلة وقتاً وجهداً أقل في حماية أنفسهم من الاستغلال، ويحقق الطرفان نتائج اقتصادية أفضل في المفاوضات. ولكن، كيف يحكم المدراء على إمكانية الوثوق بشريك محتمل خارج شركتهم؟ وكيف ثؤثر الثقافة على عملية الحكم هذه؟ وما هي طرق بناء الثقة مع الشريك التجاري من ثقافة مختلفة؟

من أجل الإجابة عن هذه الأسئلة، أجرينا مقابلات مع 82 مديراً من 33 دولة تقع في أربع مناطق من العالم تعتبر محركات للاقتصاد العالمي وفقاً لتصنيف البنك الدولي، وهي: شرق آسيا، والشرق الأوسط وجنوب آسيا، وأميركا الشمالية وأوروبا، وأميركا اللاتينية. كان هؤلاء المدراء متنوعون من ناحية النوع والعمر، ومن ناحية الصناعات والوظائف التي يمثلونها.

طرحنا عليهم السؤال التالي: “كيف تحددون في ثقافتكم ما إذا كان الشريك التجاري المحتمل جدير بالثقة؟”. فكشفت إجاباتهم عن اختلافات ثقافية منهجية في طريقة الحكم على جدارة شخص ما بالثقة، وتؤثر هذه الاختلافات في الطريقة التي ينبغي على المدراء اتباعها في التعامل مع هذه الشراكات. ونشرت نتائج بحثنا في الدورية الدولية لإدارة النزاعات (The International Journal of Conflict Management).

على الرغم من اختلاف طريقة الحكم على الجدارة من شخص لآخر ضمن المنطقة الثقافية الواحدة، إلا أن نقاط الاختلاف والتشابه التي لحظناها أوصلتنا إلى عدة نتائج بناء على البحث السابق الذي أجرته واحدة منا (جين). إذ توصلنا إلى عاملين ثقافيين يترافقان مع نقاط الاختلاف في المعايير التي يستخدمها المدراء لتقييم الجدارة وطريقتهم في جمع المعلومات من أجل إجراء هذا التقييم. العامل الأول هو مدى رغبة الأشخاص المنتمين لهذه الثقافة في الوثوق بالغرباء في التعامل الاجتماعي اليومي، والعامل الثاني هو ما يدعى التشدد والتراخي الثقافي، وهو درجة مراقبة السلوك الاجتماعي في ثقافة معينة ومعاقبة تجاوز الأعراف الاجتماعية.

نلقي فيما يلي نظرة شاملة على ما وجدناه في كل واحدة من تلك الثقافات، وسنناقش فيما بعد ما يعنيه ذلك بالنسبة للمدراء الذين يسعون لبناء شراكات تجارية مع ثقافات أخرى.

ثقافات أميركا الشمالية وأوروبا: الانفتاح

أخبرنا المدراء الذين ينتمون للثقافات الغربية أنهم يفترضون عموماً أن الشريك التجاري الجديد المحتمل جدير بالثقة. مثلاً، قال أحد المدراء من الولايات المتحدة: “نعمل وفق مبدأ يقول أن الجميع جدير بالثقة إلى أن يثبت العكس”. وذلك مماثل لما قاله لنا أحد المدراء من إيطاليا: “نؤمن بأن الجميع جديرون بالثقة”.

إلا أن المدراء في هذه المنطقة اختبروا هذه الافتراضات، فقد قال أحد المدراء من الولايات المتحدة: “ثق، ولكن تأكد”. وكان اختبارهم بصورة أساسية عن طريق تقييم سلوك الشريك المحتمل على طاولة المفاوضات، أسدى لنا أحد المدراء الأميركيين نصيحة، قال: “تأكد من استعداد الشخص لتقديم المعلومات، اطرح سؤالاً تعرف إجابته”. وشرح لنا أحد المدراء من ألمانيا ذلك قائلاً: “إذا كان الشخص صريحاً جداً معك، ويقدم لك كثيراً من المعلومات، ستشعر أنه يثق بك، فتثق أنت به… أما إذا كان يقدم لك من دون أن يأخذ شيئاً، أو يأخذ منك دون أن يقدم لك شيئاً في المقابل، فالحوار عندئذ غير عادل”.

لا يعتمد المدراء في الثقافة الغربية على العلاقات الاجتماعية لضمان وجود الثقة، بل العكس هو الصحيح في الواقع. “لا يهم مدى لطف الشخص، أو مدى إعجابك به، إذا لم يكن لديه أعمال كافية، فليس لديه أعمال كافية” هذا ما قاله لنا أحد المدراء من الولايات المتحدة. وشرح لنا مدير إيطالي ذلك بقوله: “يجب أن نفصل بين العلاقات الشخصية والعمل”.

ثقافات شرق آسيا: الكفاءة

وصف مدراء شرق آسيا عملية من ثلاث مراحل تساعد في الحكم على جدارة الطرف الآخر بالثقة. أولاً، يبحثون عن معلومات حول سمعة الشريك التجاري المحتمل، قال مدير كوري: “كي نثق بأحد ما يجب أن نعرفه أولاً”. وإحدى الطرق المفضلة لديهم في ذلك هي الاعتماد على طرف ثالث، وهو ما نسميه “الوساطة”. شرح لنا مدير ياباني ذلك كما يلي: “إذا قام زيد بتقديم أنس لعمرو، فعمرو سيثق بأنس لأن عمراً يثق بزيد. كما أن عمراً يعرف أنه إذا كان أداء أنس سيئ جداً، فسيضع زيداً في موقف حرج للغاية، وبالتالي ستضعف العلاقة بين زيد وعمرو”.

وشرح المدراء من شرق آسيا أن ترسيخ السمعة أمر صعب، ولذلك يصمم من يتمتع بسمعة طيبة من شركات وأشخاص على الحفاظ عليها.

تتمثل الخطوة الثانية من عملية بناء الثقة في إجراء مقابلة مع الشريك المحتمل واختبار كفاءته. ونظراً لصعوبة الرفض الصريح في هذه الثقافات، يسعى المدراء في شرق آسيا إلى الحكم على قدرة الشريك المحتمل على القيام بالعمل. وقد شرحوا لنا ذلك،

إذ قال مدير من الصين: “لن أقول أني أختبرك لأرى ما إذا كان بإمكاني الوثوق بك، بل أختبر إمكانيتك للقيام بالعمل”.

كما قال مدير آخر من الصين: “يبالغ الصينيون عادة، ولذلك يجب أن ترى بعينك كي تحكم. يجب أن تركز على إمكاناتهم”.

وقال مدير من اليابان: “ففي بعض الأحيان يقول أحدهم أنه قادر على القيام بأمور لا يستطيع القيام بها في الحقيقة، وهذا خطأ كبير يفقدك الثقة به تماماً”.

وإذا تم التحقق من الكفاءة، ينتقل المدراء في شرق آسيا إلى المرحلة الثالثة من العملية وهي الانخراط في مزيد من النشاطات الاجتماعية التي تساعد على بناء العلاقات. شرح لنا مدير من اليابان أنهم ينخرطون في النشاطات الاجتماعية بعد إجراء اجتماعات الأعمال، كي لا يصدر عنهم أي تصرف يسيء إلى العلاقة الناشئة. يقول: “من الطبيعي إقامة دعوة عشاء عمل بعد اجتماع ناجح أو هام”.

ثقافات الشرق الأوسط وجنوب آسيا: الاحترام

وجدنا أن الاحترام هو المعيار الرئيس الذي يستخدمه المدراء في الشرق الأوسط وجنوب آسيا في الحكم على جدارة الآخرين بالثقة. شرح لنا المدراء من هذه الثقافات أنهم يضطرون للعمل مع أشخاص لا ينتمون إلى عائلاتهم أو قبائلهم أو عشائرهم من أجل توسيع أعمالهم. ويتفهمون أن الشريك التجاري المحتمل قد لا يشاركهم قيمهم، ولكنهم يبحثون عمن يحترمها على الأقل. قال لنا أحد المدراء من الهند: “يمكن أن يكون إظهار احترامك لطريقة عيشهم مهماً من أجل بدء بناء العلاقة بيسر”.

قال مدراء الشرق الأوسط وجنوب آسيا أنهم يتحققون من الطرف الآخر قبل منح ثقتهم له، ونقتبس عن مدير من لبنان: “لا نثق ثم نتحقق، بل نتحقق ثم نثق”.

يجري المدراء في شرق آسيا بحثاً عن سمعة الشريك المحتمل، قال لنا أحد المدراء من فلسطين: “أتحدث إلى آخرين في المجتمع ممن قد يعرفون هذا الشخص، وأسألهم عنه وما إذا كان بإمكاني التقدم في شراكتي معه أم لا”. وقد تتضمن هذه العملية الوساطة، “أحاول دوماً بناء علاقة شخصية مع عملائي، لا يصبحون أصدقاء دائماً، ولكن… عندما يقدمونني لعميل محتمل سيثق بي بسبب وجود وسيط موثوق بيننا”، هذا ما قاله لنا أحد المدراء من تركيا.

وتعتبر المعلومات السلبية في هذه المرحلة من العملية دليلاً على ضرورة التخلي عن العلاقة، في حين يجب التحقق من المعلومات الإيجابية. حذرنا أحد المدراء من تركيا قائلاً: “يجب أن تتحقق مرتين أو أن تسأل أكثر من شخص واحد…”.

غالباً ما يأتي الحكم الأخير بشأن جدارة الشخص بالثقة في هذه المنطقة بعد سلسلة من التفاعلات الاجتماعية التي تمثل فرصة لتقييم الاحترام.

“نخرج لتناول وجبة معاً، أو لاحتساء شراب ما، ونتحدث عن أمور الحياة وعن كل شيء. وبذلك، يتعرف كل منا على شخصية الآخر، وبذلك نقرر ما إذا كان بالإمكان الوثوق بهذا الشخص أم لا”، مقتبس عن مدير من تركيا.

وقال مدير في السعودية: “نحب حسن الضيافة، ولذلك يجب أن نبدي بعض الكرم كي يشعر الآخرون أننا عازمون على العطاء”.

ثقافات أميركا اللاتينية: القيم المماثلة

في أميركا اللاتينية، تحتل العلاقات الاجتماعية المرتبة الأولى وتأتي الأعمال بعدها، وتعتبر القيم المشتركة المعيار الرئيس للحكم على جدارة الآخرين بالثقة.

قال لنا مدير في البرازيل: “يجب أن تعرف ما إذا كانوا يملكون قيماً مثلك”.

وقال مدير من كولومبيا: “يثقون بي لأنهم يرون أني مثلهم”.

وقال آخر من بوليفيا: “إذا شعرت أن هناك قيماً ليست مشتركة بينكم… فستتمكن عندئذ من تحديد ما إذا كنت ستستمر بهذه العلاقة… أو عدم رغبتك في إجراء المحادثة التالية بالفعل”.

يعتمد المدراء في أميركا اللاتينية على آراء الآخرين كخطوة أولى للحكم على جدارة شريك الأعمال المحتمل بالثقة. وكان تركيز مدراء هذه المنطقة الأساسي موجهاً إلى استئصال من يُعرفون بسمعتهم السيئة، قال لنا مدير من المكسيك: “إذا سمعت أن شخصاً يريد عقد تحالف معك، وقال ثلاثة أو أربعة مساهمين سابقين أنه شخص فاسد… فذلك أمر هام جداً، لأنه… إذا سرق من غيرك فعلى الأرجح أنه سوف يسرق منك أنت أيضاً”.

إلا أن تقييم القيم المشتركة يتطلب إجراء تواصل شخصي:

قال مدير من نيكاراغوا: “قبل التفاوض، يجب أن يكون هناك تفاعل اجتماعي بينكما، دون التحدث بشأن العمل”.

“الأحاديث الصغيرة هامة جداً في أميركا اللاتينية… ووجدنا أن تناول وجبة معاً هو طريقة جيدة. نحاول ألا نتحدث عن الأعمال، بل نلتقي ونرى إذا ما كان لدينا شيء مشترك، وغالباً ما يكون هناك شيء مشترك بالفعل”، هذا ما قاله أحد المدراء من المكسيك.

“عندما يتحدث الآخر عن عائلته وعن الأشياء التي يحب التحدث عنها، لن تتمكن من إخفاء حقيقتك على مدى الساعتين بأكملهما، حتى لو حاولت. بل ستظهر على حقيقتك ولو لخمسة دقائق، أليس كذلك؟ هذا ما تريد رؤيته، هل هو صريح؟ هل هو شفاف؟ أم أنه غامض؟ هل هو مثير للشك؟ يجب أن ترى حقيقة الشخص الذي ستعمل معه”. هذا ما قاله مدير من تشيلي.

ما سبب هذا الاختلاف؟

ترتبط الاختلافات التي لاحظناها بالمستويات الاجتماعية للثقة، وبمدى “تشدد” الثقافة و”تراخيها”. ومجدداً، يشير هذان التعبيران إلى مدى مراقبة السلوك الاجتماعي وحجم عواقب تجاوز الأعراف الاجتماعية.

بناء الثقة مع الشريك التجاري من ثقافة أخرى

كيف تقيّم الثقة بينك وبين الشركاء التجاريين المحتملين؟

في أميركا الشمالية أو أوروبا:

يجب أن تفهم أن اختبار الجدارة بالثقة يتم عبر الانفتاح والثبات على طاولة المفاوضات. كن مستعداً لمشاركة معلومات متعلقة بالأعمال فيما يخص الأولويات وأسبابها، ومن العدل أن تتوقع الأمر ذاته بالمقابل. تقبل أن العلاقة الاجتماعية الودية تشكل ميزة ولكنها ليست ضرورية لأجل بناء الثقة بين الشركاء التجاريين.

في شرق آسيا:

اطلب من شخص عمل معك ومع الطرف الآخر أن يكون وسيطاً بينكما. كن مستعداً لإثبات كفاءتك في تحقيق النتائج المطلوبة منك في علاقة العمل الجديدة عن طريق عرض أمثلة أو تقديم نماذج. شارك في فعاليات اجتماعية بعد إجراء المفاوضات من أجل الاحتفال بالعلاقة الجديدة.

في الشرق الأوسط أو جنوب آسيا:

يجب أن تدرك أن الاحترام هو الأساس. ابحث بجد عن فرص للإشارة إلى احترام الاختلافات في القواعد الثقافية. يعد تقديم الضيافة أو تبادلها بداية جيدة.

في أميركا اللاتينية:

احرص على مشاركتك الكاملة في الفعاليات الاجتماعية. كن مستعداً للتحدث بصراحة عن نفسك واهتماماتك وهواياتك ووضعك العائلي. استعلم عن أعمال الشريك ومجتمعه، بما في ذلك عائلته وقيمه، كي تتمكن من التقدم في المحادثة لتتعدى الأحاديث الصغيرة.

تذكر أن الاختلافات الثقافية هي أمور ذات أهمية. على سبيل المثال، لا تشير نتائجنا إلى أن الثقافة الغربية لا تولي أهمية للاحترام الذي يعتبر أساسياً في ثقافات الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وإنما تشير إلى أن الاحترام يحظى بأهمية أكبر في ثقافات الشرق الأوسط وجنوب آسيا. وكذلك، لا يشير بحثنا إلى أن كل المدراء في جميع دول منطقة ما سيتبعون طرق الحكم على جدارة شريك العمل المحتمل بالثقة كما وصفناها تماماً. لذلك، فإن فهم ما يعتبر قاعدة في ثقافة ما سيفيدك في سعيك لمعرفة كيفية بناء الثقة مع الشريك التجاري من ثقافة مختلفة حول العالم.

وإذا كنت ترغب في اكتشاف هذه المفاهيم أكثر وفهم طريقة انطباقها عليك، يمكنك الانضمام إلى جلسة المحاكاة والحلقة الدراسية على الإنترنت اللتان تقوم جين بالتدريس فيهما.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .