كيف ينجح الوالدان في التوفيق بين متطلبات الحياة الأسرية والعمل؟

15 دقيقة
shutterstock.com/Sudowoodo
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة صوتية (بودكاست) مع ديزي ويدمان داولنغ، المؤسِسة والرئيسة التنفيذية لشركة وورك بيرنت (Workparent)، وكاتبة مقال “دليل نجاة الأمهات العاملات” (A Working Parent’s Survival Guide). “المنشور في مجلة هارفارد بزنس ريفيو”.

تقول ديزي داولنغ إنه يجب على الآباء والأمهات الذين يعملون بوظائف خارج المنزل أن يتخلصوا من الشعور بالتوتر أو الإحساس بالذنب وهم يحاولون الموازنة بين حياتهم المهنية وحياتهم الشخصية. لهذا فإن الحل هو الفصل بين التحديات المختلفة، من التكيف مع مشاعر الفقدان وحتى إدارة الجوانب العملية، واتباع استراتيجيات من شأنها توجيهك بصورة أفضل خلال هذه التحديات. وتوضح أنه رغم التركيز الشديد على إجازة الأمومة، خصوصاً بالنسبة للأمهات الجدد، فإن الأفراد في جميع مراحل تربية الأبناء يحتاجون إلى حلول عملية وسريعة وفعالة يمكنهم تطبيقها بأنفسهم.

وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة الصوتية:

النص

أليسون بيرد: مرحباً بكما في برنامج “آيديا كاست” المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. معكم أليسون بيرد.

حسناً، السادة المستمعون، إليكم الاعتراف التالي. ثمة مشكلة عانيت منها يومياً في السنوات الإحدى عشرة الماضية. أكاد أجزم أنها مسألة تواجهكم أنتم أيضاً، ألا وهو شعور الأم العاملة بالذنب.

أنا امرأة كسائر النساء أريد أن أكون ناجحة في البيت وفي العمل، أن أمنح علامة الاهتمام الكاملة لعملي ومساري المهني، والعلامة الكاملة أيضاً لعائلتي، زوجي وطفليَّ ووالدي، وحتى قطتي. أريد تحرير مقالات مهمة، وإجراء مقابلات مع أشخاص عباقرة، وحضور مؤتمرات مهمة، والمساعدة في أعمال المنزل، وحضور جميع مباريات كرة القدم، وتغطية كل فرد في فراشه ليلاً.

نظرياً، هذا في المتناول. وأنجح في تدبر أمري في العمل. لكني أعيش أيضاً حياة محمومة ومثيرة للتوتر والشعور بالذنب، لأنني لا أستطيع أن أكون في مكانين في وقت واحد.

ضيفتنا اليوم تتولى مساعدة الأمهات من أمثالي في تجاوز تلك المشكلات. وبخبرتها التي تمتد لعقود من الزمن في مجال الموارد البشرية، كمستشار، والآن كأم أيضاً، تمتلك ضيفتنا قدراً هائلاً من النصائح العملية حول إدارة موقف كهذا.

ديزي داولنغ هي المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة “وورك بيرنت”. وكاتبة مقال “دليل نجاة الأمهات العاملات” (A Working Parent’s Survival Guide) المنشور في مجلة هارفارد بزنس ريفيو. ديزي، شكراً جزيلاً لك على الحضور.

ديزي داولنغ: أشكركم على استضافتي.

أليسون بيرد: حسناً، عندما نتكلم عن الضغوط الملقاة على عاتق الأمهات العاملات، تبدو لنا مشكلة واحدة كبيرة هائلة، لكن هل هناك تحديات منفصلة يجب أن نفكر في كل منها على حدة؟

ديزي داولنغ: بالتأكيد، أعتقد أن الشيء المرعب والمخيف لمعظم الأمهات العاملات هو شعورهن بأنهن يواجهن مشكلة واحدة كبيرة متشابكة وغير قابلة للحل. إنهن ينظرن إلى رعاية طفل بجانب العمل وكأنها طبق إسباجيتي. وكيف لي أن أحقق النظام في ظل هذه الفوضى كلها، حتى إن كنت أعرف كيفية تحقيقه في حياتي العملية، فكيف أحققه في حياتي كأم؟

بعد مقابلة العديد من الأمهات العاملات على اختلاف ظروفهن والتحدث إليهن، وجدتُ أن كلاًّ منهن كانت تحس بذلك الشعور، لكن مع كثرة من تحدثت إليهن، بدأت تظهر لي بعض الأنماط المتكررة. والخلاصة التي انتهيت إليها، أو اليقين الذي وصلت إليه، هو أن الأمهات العاملات في العادة يتعاملن عادة مع مجموعة مكررة من المشكلات، متمثلة في خمسة أوجه أساسية من التحديات.

إذا أمكن تعريف الأم العاملة بهذا الإطار، وإذا أمكن إقناعها بالتريث، لعرفت أن ثمة حل لهذه المشكلة، وأنه يمكن التصدي لها، فمن دون مقدمات سوف يتمكنّ مجدداً من السيطرة على مقاليد حياتهن.

أليسون بيرد: استعرضي لنا إذاً وبسرعة تلك المحاور الخمسة.

ديزي داولنغ: إنني أطلق عليها التحديات الخمسة الأساسية، وأولها تحدي الانتقال. عندما يفكر المرء في انتقال أم عاملة من مرحلة إلى أخرى، سرعان ما يتبادر إلى الذهن عودتها من إجازة الأمومة إلى العمل.

لكن المراحل الانتقالية في الواقع تحصل طوال الوقت، حتى أن ثمة مرحلة انتقالية تحصل إثر عودتك إلى المنزل بعد يوم مرهق في العمل ودخولك من الباب ورؤية أطفالك واضطرارك إلى أن تبدين أماً حنوناً مُحبة، بحكم ما يمليه عليكِ الواجب، وبوازع من عاطفتك أيضاً. فهذه أيضاً مراحل انتقالية.

يتمثل التحدي الثاني في التحدي العملي. والتحدي العملي هو المسؤوليات التي ينبغي على الأم الاضطلاع بها، وتشمل توصيل الطفل يومياً إلى دار الرعاية، واللحاق بالصيدلية قبل أن تغلق أبوابها، والتعرف على مواعيد المخيمات النهارية. تدخل تحت عباءة هذا التحدي بنود قائمة المهام كلها، وهي – لمن لا يعرف – قائمة طويلة جداً، والقدرة على التعامل معها ليس بالأمر اليسير.

في حين يتجسد التحدي الثالث فيما أسميه تحدي التواصل، وهو ما يتعلق بالحديث عن كونك أماً عاملة، سواء في العمل أو في المنزل. فمعظمنا لسنا معتادات على الحديث عن حاجاتنا وخططنا كأمهات عاملات، وبالتالي لا نرتاح له، حتى وإن كنا نعتبر أنفسنا متحدثات لبقات، وحتى لو كانت علاقاتنا طيبة في البيت والعمل.

لذلك، إذا اضطررت إلى أن تطلبي من مديرك في العمل مزيداً من المرونة للمرة الثانية بعد أسبوع واحد من تقديم الطلب نفسه، فكيف تصوغين هذا الطلب؟ كيف تَحولين دون تحوله إلى حوار محرِج؟ أو إن كنت تحتاجين إلى الحديث مع طفلك البالغ ثماني سنوات حول مسألة عودتك إلى السفر مجدداً في إطار العمل، فكيف تفعلين هذا بطريقة تجعل الحوار بينكما مطمئناً له؟

أما التحدي الرابع فهو تحدي الفقدان. وتحدي الفقدان – حسبما أعتقد – هو أكثر التحديات حميمية وعاطفية بين التحديات الخمسة. إلا أنه تحد يتعلق بخوفك من فقدان شيء عزيز عليكِ.

أليسون بيرد: من هنا تحديداً ينبع شعوري بالذنب.

ديزي داولنغ: بالضبط، إنه الشعور بالذنب، لكنه ممزوج أيضاً بالشعور بالحرمان، إن جاز التعبير، لأنه يدور في داخلك حوار من قبيل: يا الله، لقد فاتتني مباراة الكرة والأطفال يكبرون بسرعة، ترى ما الذي فاتني أيضاً؟ ما الذي أفعله هنا؟ أو ربما كنت تقضين وقتاً أطول في المنزل، فتقولين لنفسك: يا إلهي، هل سأتخلى عن الترقية أو تلك الوظيفة الرائعة؟ ومن هنا يأتي التحدي الخامس الذي أسميه تحدي الهوية، وهو بخصوص رسم ملامح شخصيتك باعتبارك أماً عاملة. فإن كنتِ معروفة في السابق بحماسك وطموحك، فماذا ستكونين بعد أن صرت أماً؟ وانتظام صفاتك السابقة والحالية في هوية واحدة قد يكون تحدياً أيضاً. وقد يكون أمراً في غاية الصعوبة.

أليسون بيرد: أجل، ما الاستراتيجيات المحددة التي توصين بها للتعامل مع تحدي الانتقال على سبيل المثال؟

ديزي داولنغ: حين أمارس التدريب الفردي مع أمهات مقدمات على خوض مراحل انتقالية من أي نوع، فدائماً ما أشجعهن على التفكير في التدرب على هذا التحول. فإن كنّ يخططن للعودة إلى لعمل بعد إجازة أمومة، فربما تكون تلك أول مرة، ولعلها الرابعة. قبل أول يوم عمل عقب انتهاء الإجازة، لم لا تؤدين بروفة لذلك اليوم، فتنهضين من فراشك، وتجهزين الطفل، وترتدين ثيابك وتتجهزين للعمل، وتصطحبين الطفل إلى دار الرعاية النهارية، ثم تذهبين إلى العمل، وحين تصلين إلى مقر العمل، وعند الباب عودي أدراجك واشتر لنفسك كوباً من القهوة، ثم عودي إلى البيت واستمتعي بذلك اليوم. ثم اذهبي لأخذ طفلك من دار الرعاية.

فائدة هذه البروفة أنها تسمح لك باستبيان ما ستكون عليه الأحوال على أرض الواقع، كما تتيح لك وضع يدك على ما قد يعرض من تحديات لوجستية في هذه العملية الانتقالية، أثناء هذه الساعات من الصباح. فأشياء صغيرة جداً قد تصيبك بالإنهاك عملياً، وعاطفياً أيضاً إذا أقدمت على هذه الخطوة الكبيرة بالعودة إلى العمل.

عندئذٍ، وفي أول يوم لك في العمل بعد العودة فعلياً من الإجازة، ستشعرين ببعض الطمأنينة لأنك قد فعلتِ هذا من قبل، فتقولين لنفسك أعرف أنني بحاجة إلى إمهال نفسي خمس دقائق أخرى. ويمكنك أيضاً إجراء بروفات تدريبية على نطاق أصغر أو في مخيلتك فقط. فإن كنت قادمة مثلاً إلى البيت بعد انتهاء دوام العمل، وإن كان عملك مشحوناً بالتوتر، ورجعت إلى البيت عابسة وضغوط العمل بادية على كتفيك المترهلين ومشيتك وحركتك، فتوقفي وفكري: كيف أنتقل إلى دور الأم المحبة الصبورة الحنون حين أخطو عتبة البيت؟

يمكنك المشي قليلاً حول منطقتك السكنية لدقائق قبل الصعود إلى شقتك، أو البقاء في المرآب لثلاثين ثانية إضافية تُجرين خلالها تحولاً ذهنياً، أو افعلي ذلك خلال رحلة عودتك إلى المنزل.

أليسون بيرد: أرى أن هذه البروفات مفيدة أيضاً مع تحدي التواصل، لأنك تحددين ما تريدين قوله بالضبط فيما يتعلق بإجازة الأمومة، أو جدول العمل المرن الذي تريدين الاتفاق عليه، فتقولينه بأفضل طريقة ممكنة.

ديزي داولنغ: صحيح، أظن أن أصعب لحظة تواجه المرأة وتُشعرها بالارتباك الشديد هي تلك التي تجد فيها نفسها عاجزة عن التواصل بخصوص العمل في ظل تربية طفل صغير، فلا تسعفها الكلمات. وحتى لو كنتِ محاوِرة بارعة، فستجدين صعوبة حقيقية في صياغة ما تريدين قوله.

ولذلك، يجدر بالمرأة التفكير مسبقاً، وأن تؤدي بعض البروفات في مخيلتها، حتى ترتاح أولاً إلى ما ستقوله، والتفكير أيضاً في صيغة محددة لترتيب تعليقاتها، مع إمكانية تعديل هذه الصيغة أيضاً، فليس من الضروري أن تكون صيغة ثابتة، المهم أن تعبّر عن أولوياتها وما ستفعله، وعن التزامها وحماسها للعمل.

فإن كنتِ ستطلبين من مديرك شيئاً، مثل حضور حفل نهاية العام الدراسي لطفلتك ذات السنوات السبع، فبدلاً من الذهاب إليه وقول إنني مضطرة للمغادرة الآن لحضور حفل مدرسي، أو بدلاً من التسلل من مكتبك ومغادرة العمل خفية، يمكنك التوجه إليه وقول “إنني ذاهبة إلى حفل ابنتي المدرسي الآن، لكنني مهتمة جداً بجمع ملاحظاتي الخاصة بالاجتماع الذي سينعقد عصر اليوم حتى نتمكن من الوصول إلى اتفاق بشأن خطة التسويق“.
وهكذا يتحول الحوار فجأة بعيداً عن حاجاتك، وشعورك بالخجل من رغبتك في مغادرة المكتب لحضور الحفل، وهو شعور يجب أن يكون حقيقياً بالمناسبة. بذلك تضعين الحقائق كلها على الطاولة، لكن مع تحويل دفة الحوار إلى حديث حول القيمة التي تضيفينها إلى العمل.

أليسون بيرد: ويبدو أن هذه الرسالة ستترك أثراً أفضل لو أنكِ رسّختِ في مخيلة مديرك صورة تلك الشخصية التي تتحدثين عنها، والتي تفيد بأنني شخص ملتزم تماماً، وسأكون معك دائماً عند الحاجة إليّ، لكنني ملتزمة أيضاً برعاية عائلتي.

ديزي داولنغ: نعم، بالضبط. بالإمكان التصدي لتحدي الهوية من خلال تمرين أظنه يشبه تمريناً أداه معظم الناس في مختلف برامج تنمية المهارات القيادية، أو بإمكانهم قراءة كتب أو مقالات حول فكرة بناء السمعة المهنية الشخصية. ولدينا جميعاً مجموعة صفات نود إبرازها في الحديث المهني، والتي تفيد بأننا أذكياء وملتزمون وسريعو الاستجابة.

الفكرة الآن هي أنك، باعتبارك أماً عاملة، تحتاجين لتحديث الفكرة المعروفة عنك، واختيار هوية ترتكز في أساسها على حقيقة أنك أم وفي الوقت ذاته مهنية محترفة، وليس ثمة تضارب بين الصفتين. فعلى سبيل المثال: كثير من الأمهات سيقلن “حسناً لقد كنت دائماً أكثر الناس اجتهاداً وأكثرهم مسؤولية في شركتي”.

وتلك هوية رائعة، لكن من الصعب، وقد يكون من المستحيل، أن تحافظ عليها المرأة مع كونها أماً. لكن، بدلاً من اختيار هذه العبارات التي تُعبر عمّا تحبين أن يراك الناس عليه، يمكنك تحديث بيانات هويتك. فيمكنك إعادة تشكيل صورتك على نحو معين، لتصبح مثلاً أرجح الموظفين عقلاً، وأكثرهم حصافة، وأبلغهم حكمة. اختاري صفات أخرى ترقى لطموحاتك نفسها، ولكن على نحو أكثر عملية، باعتبارك صرت أماً عاملة.

أليسون بيرد: حسناً، لنتكلم عن الجوانب العملية. تحديداً، كيف أتعامل مع هذه الجوانب دون الدخول في مشاحنات مع زوجي؟

ديزي داولنغ: أو دون جلد ذاتك لإخفاقك في تنفيذ كل بند على قائمة مهامك اليومية. قد تتشاحنين مع زوجك، وقد تعنفين نفسك بشدة، والأمران لا يأتيان بخير.

أليسون بيرد: وأنا أفعل الأمرين.

ديزي داولنغ: نعم، كلنا نفعل. وسنظل نفعل، لكن هذه الأشياء تساعدنا كثيراً. المهم في التحدي العملي هو أن عدداً هائلاً من المهام سيكون في انتظارك، لكن بإمكانك تقليص حجم تلك المهام قدر الإمكان. ومن هنا أشجع المرأة على تدبر الوضع والتفكير فيه مرة كل أسبوع، أو على فترات منتظمة، وأنا أرى فترة الأسبوع مثالية. عليها أن تفكر في جدول أعمالها، وقائمة المهام الخاصة بها، وأي نظام تتبعه للحفاظ على إيقاع حياتها في البيت والعمل. عليها أن تفكر في كل اجتماع على جدول أعمالها، وكل بند على قائمة المهام، وأن تلقي نظرة شديدة التأني عليها، ثم تسأل نفسها: هل بالإمكان أداء ذلك العمل بواسطة شخص آخر؟ هل يمكنني أداء هذا العمل في وقت أقل؟ هل أبالغ في التدقيق في الأعمال أم هل أبالغ في المثالية؟ هل يمكنني تفويض العمل لشخص آخر؟ هل يمكنني تجاوزه من دون الكثير من العواقب؟

أنصح المرأة باتباع منهج ماري كوندو، مع تنظيم الوقت وقائمة المهام. فإذا استطعتِ توفير 5% من وقتك، وإن استطعتِ اقتطاع 5% من قائمة المهام، فسوف تشعرين بأثر ذلك على حياتك. وهذا مهم فعلاً. فالعام به 252 يوم عمل، على الأقل، في الولايات المتحدة، وإن وفرت 5% من وقتك فسيتوفر لديك 12 يوماً ونصف.

أليسون بيرد: إحدى أفضل النصائح التي تلقيتها كأم عاملة حديثة عهد بالأمومة كانت التطوع ببعض الأعمال في المدرسة، مع الحرص على وجود أطفالي عندما أكون هناك. فلا تكتفي بالمشاركة في مجلس الآباء وحضور الاجتماعات مع الأمهات الأخريات، أو مرافقة الرحلات الميدانية المدرسية.

ديزي داولنغ: نعم، أظنها نصيحة رائعة بالفعل. وأزيدك نصيحة أخرى فيما يتعلق بالشأن المدرسي: إنني أحض الآباء والأمهات العاملين على التفكير في تخصيص قدر محدد من وقتهم، سواء كان يوماً أو نصف يوم، أو أخذ إجازة لمدة يوم وتجميع كل الالتزامات التطوعية على مدار اليوم.

أليسون بيرد: حسناً، تحدثنا عن الجوانب العملية، والتي قد يكون التعامل معها أسهل وغير مشحونة بالعواطف. دعينا نتحدث عن ذلك الشعور الصعب والذي يفطر القلب أحياناً بإضاعة الفرص في البيت والعمل، وذلك الشعور العام بالفقد.

ديزي داولنغ: أجل، بالنسبة لي، هذه هي أكثر الاستراتيجيات إثارة للاهتمام وتناقضاً مع البديهة من وجهة نظري. ففي كل عملي البحثي، وحديثي مع الرجال والنساء، حيال تعاملهم مع تحدي الأبوة مع العمل، كان هذا أكثر ما يلفت النظر فعلاً.

فالأشخاص الذين أفادوا بأنهم أكثر الناس رضا على المدى الطويل، في هذا الدور، كانت لديهم قدرة فريدة على التفكير على المدى القصير جداً وعلى المدى الطويل أيضاً في الوقت ذاته. وهذا بالنسبة لي ليس شيئاً طبيعياً، لكنهم ينظرون مثلاً لعدم قدرتهم على حضور حفل مدرسي، ويقولون “هذا سيئ فعلاً، لأنني لم أستطع الحضور، لكني سأرى ابنتي الليلة وزوجي معه فيديو الحفل، وسوف نشاهده معاً بعد خمس ساعات فقط. وعلى المدى الطويل، سوف تدرك ابنتي أني كنت حاضرة في معظم هذه الحفلات، وأنني كذلك كنت نموذجاً جيداً لها كأم عاملة”.

وهكذا يتبعون هذا النمط الرائع من التفكير قصير المدى، ما الذي سيحدث اليوم؟ ما الذي سيحدث في الساعات القليلة المقبلة؟ وسرعان ما ينتقلون من التفكير في اليوم إلى التفكير في السنوات العشرين المقبلة، فيحصلون على إحساس عاجل بالارتياح فيما يخص الساعات القليلة المقبلة، وفي الوقت ذاته يتوصلون إلى رؤية بعيدة المدى. ويجمعون بين الأمرين، وهو ما يساعدهم على ما يبدو في مواجهة شعور الفقدان.

أما إن كنت تفكرين في اللحظة الحالية، فسيكون الأمر أكثر صعوبة. فمثلاً، إذا كنت عائدة للتو من إجازة أمومة ولديك طفل في المنزل وتقولين لنفسك “يا إلهي، إنني أفتقد طفلي بشدة، كيف ستكون الحال بعد ثلاثة أشهر من الآن، أو بعد ستة أشهر؟” هذا صعب للغاية، فمن هنا تحديداً يأتي الشعور بالفقدان. لكن، إن فكرت في نفسك بعد 20 سنة من الآن، فسوف تجعلين حياتك الآن أسهل.

أليسون بيرد: هذا ينقلنا للسؤال التالي الذي سوف أطرحه عليك، وهو عن تحدي قياس النجاح. فمن السهل قياس نجاحك في العمل من خلال ما تنتجينه أو ما تبيعينه أو عن طريق تقارير الأداء، لكن من الصعب قياس مدى نجاحك كأم، وما إن كنت قد نجحت في تحقيق التوازن الدقيق أم لا. لكن ربما كان أدائي اليوم، وأثره على المدى الطويل، هو الطريقة الأفضل للتفكير في المسألة.

ديزي داولنغ: أجل، أعتقد أنك محقة تماماً، فكلنا نحتاج إلى الإحساس بأننا على الطريق السليم. والمخيف في مسألة الأمومة وفي الحياة عموماً أنك لن تجدي من يقف إلى جوارك دائماً ويقول لك إنك على الطريق الصحيحة، أو إن هذا هو القرار الصحيح، واصلي مسيرتك.

أليسون بيرد: نادراً جداً ما يمنحك الأطفال هذا النوع من التعقيبات الإيجابية.

ديزي داولنغ: لا أحد يمنحك هذه التعقيبات الإيجابية ولا حتى السلبية. إن هي إلا حوار يدور في رأسك، ولذلك قد يُصاب المرء بالجنون لأنه لا يعرف إن كان يبلى بلاء حسناً، فيدور في رأسك صراع لا يتوقف، حتى يتحول ذلك الصراع إلى مصدر كبير للتشتيت الذهني.

ولذا، فإنني أوصي الكثير من الأمهات العاملات، وغيرهن من العملاء الفرديين الذين أتعامل معهم، بوضع مبادئ توجيهية وتحديد أهداف عامة ترشدهن إلى الغاية التي يردن الوصول إليها. فقد تودين مثلاً أن تظلي بعد 15 عاماً من الآن الشخصية المحورية في حياة أولادك، وأن تكوني قادرة على تمويل تعليمهم الجامعي، وتهتمين في الوقت ذاته بترقيتك رئيساً لقسمك ولكن دون أن تصبحي رئيساً للمؤسسة كلها.

حسناً، تعتبر هذه العوامل الثلاثة مهمة لأنك حين تحددينها، ستعملين على ترتيب أولوياتك من جهة الانتظام في حضور العشاء مع أفراد الأسرة، والاستعداد لقبول المزيد من المشاريع، لكن دون التصدي لسفريات العمل الكثيرة. بعبارة أخرى، يمكنك البدء بتصنيف التزاماتك وانتقائها وفق رؤيتك لنجاحك في المستقبل، وعلى النحو الذي تحددينه.

أما لو اقتصرت أهدافك على حدود يومك، أو بنهاية ظهيرة الجمعة، ولو رضيت بالنجاة من المتاعب فحسب، فلن تكون لديك القدرة على اتخاذ قرارات سديدة، أقصد تلك المرتبطة بما يتعين عليك فعله، وما يعنيه النجاح من وجهة نظرك، وما إلى ذلك، وهذا محبط للغاية.

أليسون بيرد: إلى أي مدى يصعب على المرء تنفيذ نصائحك والدفاع عن موقفه إذا لم يكن يُنظر إليه بحكم الأعراف والتقاليد باعتباره مسؤولاً عن رعاية الأطفال؟ وأنا هنا أتحدث عن الآباء، وحتى الأجداد، ومن يكفلون أطفالاً ليسوا من صلبهم، والأزواج المثليين.

ديزي داولنغ: أعتقد أن مجتمعاتنا تنظر إلى معنى رعاية الأطفال أو مضمونها نظرة ضيقة للغاية. وأكرر أن الحوار هو الحل الأمثل. فإن كانت لديك شبكة آباء عاملين أو أمهات عاملات في مؤسستك، ولم تكوني جزءاً منها، فسارعي بالانضمام إليها أياً كان مستوى خبرتك في رعاية الأطفال بجانب العمل.

وكوني مستعدة لمشاركة قصتك وطرح الأسئلة أيضاً، لأنه كلما زادت الأصوات المشاركة في الحوار، تحسنت النصيحة التي يتلقاها كل شخص، وزاد قبوله لها، واعتياده الواقع الذي صار فيه.

أليسون بيرد: ما النصيحة التي تودين توجيهها إلى العاملين الذين ليس لديهم أطفال ويرون أننا نبالغ في الاهتمام بهذه المشكلة، في حين أن لديهم اهتمامات أخرى غير رعاية الأطفال ولكنها لا تؤخذ على محمل الجد بالدرجة نفسها التي يُنظر بها إلى المتاعب التي تواجه زميلاتهم من الأمهات؟

ديزي داولنغ: نعم، أعتقد أن هذا سؤال بالغ الأهمية، ويعبر عن خوف مشروع، إذ يقول أحدهم: وماذا عني؟ أنا أرعى أبوين مسنين مثلاً، أو لدي أنا أيضاً التزامات أخرى مهمة خارج العمل، أو بعض الهوايات. هناك أشياء أكرس وقتي لها، أو ممارسات دينية، وما إلى ذلك.

كلما ألقيت محاضرة في شركة، وقدمت النصائح للآباء والأمهات العاملات، دائماً ما يأتيني الموظفون في نهاية محاضرتي ويقولون: كان هذا رائعاً حقاً، وقد دونت ملاحظاتي وأود مشاركتها مع مجموعة أخرى من الموظفين ممن ليس لديهم أطفال، لأن هؤلاء، كما تدرين، يواجهون أيضاً أموراً أخرى خارج العمل، والكلام الذي قلته كله عن إدارة الوقت ووضع تصور عام للنجاح والتفكير في التحولات وخلافه، مفيد بحق لنا جميعاً. عندئذ، أبتسم وأسعد جداً لسماع هذا الكلام، لأني أعتقد أن ما ينفع الأمهات العاملات مفيد ونافع كذلك لمن ليس لديهم أبناء حين يتعلق الأمر بممارسات العمل اليومية.

أليسون بيرد: أي يجب أن يكون المرء صادقاً وأميناً بشأن ما يقدره وبشأن كيفية التعامل معه.

ديزي داولنغ: والشعور بالارتياح للوضوح حيال الأهداف المنشودة.

أليسون بيرد: أجل، ما الذي يجب على المدراء فعله لمساعدة الأمهات العاملات دون إغفال المساواة في التعامل مع الجميع؟

ديزي داولنغ: هناك الكثير من الأشياء التي يمكن للمدراء فعلها، ويسعدني أن أدلي هنا بعصارة خبرة سنواتي الخمس عشرة في الموارد البشرية وفي الثروة البشرية. ومن أهم الأشياء التي يستطيع المدراء فعلها، بل يجب عليهم فعلها، خصوصاً للأمهات العاملات حديثي العهد بالأمومة، هو التأكد من فهمهن لكل المزايا والبرامج المتاحة لهن. إذ أنني لا زلت ألتقي موظفين في المؤسسات ممن يقضون وقت فراغهم في قراءة دليل الموظفين، أو يتصفحون شبكة الإنترنت الخاصة بالشركة بحثاً عن جميع الصفحات التي تتناول مسألة دعم رعاية الأطفال أو برامج الدعم في مرحلة ما بعد العودة من إجازة الأمومة، أو الدعم والإرشاد الذي قد يأتي من الموارد البشرية…إلخ.

معظم الأمهات يكتفين بالمضي قدماً في متابعة أعمالهن. إذ يحصلن على إجازات الأمومة التي يعلمن أنها متاحة لهن، ثم يعدن إلى العمل دون الاستفادة من مصادر الدعم المخصصة كلها لمثل تلك الحالات، خصوصاً في المؤسسات المتوسطة والكبيرة.

ولذا، أنادي دائماً بأن يلعب المدراء دور المسوقين لحقوق الأمهات العاملات والآباء العاملين، والمدافعين عنها، والموعّين بالمزايا الممنوحة لهم، ذلك كله إما بصورة رسمية أو غير رسمية. فقد يقول المدير شيئاً على غرار: مرحى، هل تعرف ذلك الرجل في أقصى القاعة الذي يعمل في القسم الآخر؟ حسناً لقد عاد من إجازة رعاية طفل قبل شهرين. يمكنك الحديث معه لترى إن كانت لديه نصيحة لك.

كوني حلقة وصل، جدي طريقة تُقدمين بها العون، جدي ما هو متاح بالمؤسسة، تواصلي مع الموظفين الأفراد، هذا أولاً. ثانياً، لا تخافي من الانخراط في أي حوار. فالكثير من المدراء يتخوفون من أن يجدوا أنفسهم مدربي تنمية بشرية، أو يخافون من التورط في تلقي سيل من الطلبات التي قد يجدون صعوبة شديدة في تلبيتها، خصوصاً فيما يتعلق بتوفير بعض جداول الحضور المرنة وغيرها. ولذا يجدر بهم التفكير روياً. وإن كنا من النوع الذي لا يحب التطرق إلى هذه المواضيع، فيفضل أن ننأى بأنفسنا عن التورط في نقاش يكون من الصعب الخروج منه.

لكن، أهم ما يمكنك فعله كمدير هو مساعدة مرؤوسيك على الخروج بحلولهم واستنتاجاتهم الخاصة. يمكنك فعل هذا من خلال حثهم بلطف، وبسؤالهم أسئلة مفتوحة الإجابات، كأن تسأل: كيف ستجري الأمور حين تعودين من إجازتك؟ مَن في المؤسسة يمكن أن يصبح مرشداً تعليمياً رائعاً أو مصدر دعم إضافياً لك حين تعودين؟ أو ما الذي يجب عليَّ معرفته بخلاف ما ذكرته عن هذين الشهرين، وكيف يمكن أن يكون عملنا معاً أفضل بعد أن اختلفت مسؤولياتك الشخصية؟

الاستجابة بهذه الطريقة لا تضعك كمدير أمام التزام معين، وليس فيها قطعاً لعهود، لكنها تُعبّر عن تواصل يفتح الباب لأشياء قد تصبح مخاوف حقيقية لدى الموظف.

أليسون بيرد: وأخيراً، بخلاف استراتيجيات التكيف الفردية هذه، أو الأمور التي يمكن للمدراء فعلها كأفراد، أي من سياسات العمل – العائلة تودين تطبيقها في مقر عملك أو بلدك، خلال العقد المقبل؟

ديزي داولنغ: أود أن أرى توسعاً في سياسات الرعاية، إضافة إلى إجازات الأمومة التي تنال نصيب الأسد من الاهتمام في سياسات العمل، في بلدنا على الأقل. وأعتقد أن هذا مهم، بل مهم للغاية. لكنني أود توجيه بعض الاهتمام بمنح بعض المرونة الإضافية وتوفير مساحة أكبر للمناورة للأسر التي لديها أطفال أكبر سناً، ممن لا تقل حاجاتهم صعوبة عن حاجات الأطفال حديثي الولادة، لكن أسرهم لا تحظى بنافذة للتعبير عنها. ولهذا فإنني أطالب أن تقدم المؤسسات إجازات شخصية على غرار الإجازات المَرضية التي تتيحها الكثير من المؤسسات. وثمة اتجاه متنام نحو مزيد من المرونة حول كيفية ترتيب هذه الإجازات ومددها الزمنية. إنني مؤمنة بشدة أن كل مؤسسة لو تمكنت من إعادة صياغة أو إضافة إجازات شخصية، أو أضافت إمكانية مرونة الحضور في بعض الأيام، واعتبرتها نوعاً من إجازات الاحتياجات الخاصة، بأن تستطيعين، مثلاً، قول: لديَّ مشاكل أسرية وأحتاج إلى الاعتناء بالمسألة وسوف أعاود العمل غداً، بدلاً من أن تضطري إلى الكذب وقول إنني متعبة للغاية ولا أستطيع القدوم إلى العمل. أعتقد أن في هذا مساحة للحركة، فمنح كل منا ثلاثة أيام سنوياً للعناية بالحاجات الخاصة للأسرة، أعتقد أنه سيكون ذا أثر إيجابي على كل من الأم العاملة وأسرتها.

أليسون بيرد: رائع، أتمنى أن نعمل معا لتجاوز هذه التحديات كلها. شكراً لك ديزي.

ديزي داولنغ: شكراً لاستضافتكم لي.

أليسون بيرد: كانت معكم ديزي داولنغ، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة وورك بيرنت (Workparent)، وكاتبة مقال “دليل النجاة للآباء العاملين” (A Working Parent’s Survival Guide) المنشور في مجلة هارفارد بزنس ريفيو. يمكنكم مطالعته في عدد يوليو/تموز – أغسطس/آب 2019 من مجلة هارفارد بزنس ريفيو العربية المطبوعة، أو على الموقع الإلكتروني HBRArabic.com.

هذه الحلقة من إنتاج ماري دوي. بدعم تقني من روب إيكارت. كما نتقدّم بالشكر إلى آدم باكولتز، مدير الإنتاج الصوتي.

شكراً لاستماعكم إلى برنامج “أيديا كاست” المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. معكم أليسون بيرد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .