أخبر مجموعة من الموظفين بأنك تريد التقاءهم وجهاً لوجه بشكل أكثر كثافة واستعد لسماع تنهيداتهم ونظرهم إليك باستنكار؛ إذ يرى الكثيرون أن وقت المقابلة المباشرة شرّ لا بد منه لأنه قد يكون مجرد مضيعة للوقت، إذ يتعين عليهم الحضور والظهور لأسباب سياسية، وليس لإنجاز عمل هادف بأسرع طريقة.

وتؤكّد الأبحاث ما نعرفه بحدسنا والذي يتلخّص فيما يلي: يشير الظهور أمام الآخرين إلى تحلي الفرد بسمات إيجابية، مثل الالتزام، حتى لو اكتفينا بالظهور أمامهم عن بُعد. والآن بعد أن أصبحت بيئات العمل عن بُعد والعمل الهجين أعرافاً مهنية، ويبدو أنها ستظل كذلك، أصبح الموظفون على استعداد لاعتبار ما عرفناه تقليدياً باسم “وقت المقابلة المباشرة” مجرد ذكريات من الماضي عفاها الزمن.

ويعتبرون أن القادة الذين يطلبون عقد لقاءات مباشرة ما هم إلا أشخاص يحاولون إعادة الموظفين إلى المقرات المكتبية، على أمل استعادة أنماط العمل السائدة في حقبة ما قبل الجائحة. وقد تحدثتُ مؤخراً مع رئيس تنفيذي أعرب عن أسفه لمدى صعوبة معرفة ما يعمل عليه الناس والدخول معهم في محادثات سريعة متى شاء. وعلى الرغم من إقرار مبادئ توجيهية للعودة إلى المقرات المكتبية، فإن العاملين لا يريدون العودة إليها بالقوة. ويجد في مكان عمله، مثل كثيرين غيره، أن جهود العودة إلى الأوضاع “العادية” لا تسير على ما يرام.

وفي حين أن النوع التقليدي من وقت المقابلة المباشرة قد يبدو مخيفاً، فيجب ألا نسمح بمساواته بالتفاعلات المباشرة وجهاً لوجه كلها، وإلا فإننا سنفقد نقطة مهمة وهي أن التفاعل مع الآخرين يساعدنا على فهم ما يهتمون به. وتتيح الإشارات الدقيقة التي نلتقطها من الفرد، أي سلوكياته ونبرة صوته ومستوى طاقته، القدرة على فهم دوافعه ورسالته بصورة واضحة لا لبس فيها.

ونحن نقيّم القادة من هذا المنظور. وكما أثبت البحث الرائد الذي أجراه الراحل سيغال بارسادي، فإن العواطف هي القناة الأساسية التي يؤثر القادة من خلالها على المجموعات الأخرى. وحتى الرسائل الإلكترونية المكتوبة بأحسن أساليب الصياغة لا يمكنها التعبير عن المشاعر بدقة.

وهكذا يتضح لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن وقت المقابلة المباشرة مع القائد هو الأهم.

ونستخدم التفاعلات مع القادة لمعرفة كل ما يجري في الفريق وتحديد طبيعة سلوكياتنا السائدة، بخاصة في الأوقات المشوبة بحالة من عدم اليقين. إذا بدا أن جبران قلقاً على الموظفين كلهم، فسوف أشعر بالقلق. أريد أن أسمع سارة وهي تشرح عملية إعادة الهيكلة قبل أن أقرر ماذا أفعل. وعندما يختفي القادة، فإننا نشعر بقلق حقيقي.

في ظل الاضطرابات الاقتصادية التي عصفت بالعالم عام 2023 وتطبيق سياسة قوة العمل الهجينة والعمل عن بُعد، من المهم أن يكون القادة حاضرين شخصياً أمام أعضاء فرقهم قدر الإمكان. وهذا لا يعني التخلي عن أساليب التواصل الافتراضية؛ لأن الدلائل كلها تشير إلى أنها وُجدت لتبقى بوصفها أساليب مفضَّلة اعتادها الكثيرون، ولكنه يعني ضرورة أن يتحلى القادة بالإبداع والحرص على الظهور أمام مرؤوسيهم إذا لزم الأمر، بدلاً من الترويج للنهج العام الذي ينادي بضرورة “التزام الجميع مقاعدهم”، وفيه تتم محاسبة الموظفين وفق عدد الساعات التي أمضوها جالسين أمام شاشات الكمبيوتر، وليس وفق إنتاجيتهم. وهذا مهم لأي رئيس تنفيذي بقدر أهميته لمَن يشغل منصباً إدارياً للمرة الأولى. وإليك 4 استراتيجيات للظهور تلائم قادة الفرق الهجينة أو الفرق التي يعمل أفرادها كلهم عن بُعد.

خصّص أياماً للعمل الهجين في المقر المكتبي لإبلاغ الموظفين بالرسائل الرئيسية شخصياً

تتحسن الشركات في استخدام أيام العمل في المقرات المكتبية، ولكن لا يزال هناك الكثير من الشكاوى حول انفرادك بالعمل في المقر المكتبي للشركة ضمن القليل من الزملاء أو الاضطرار إلى الجلوس على مكتب أحدهم وعقد المؤتمرات عبر الفيديو أو الأيام الحافلة بالاجتماعات داخل المقر المكتبي. هذا هو السبب في أن القدوم إلى المقر المكتبي يبدو نسخة سيئة من وقت المقابلة المباشرة، أي النسخة غير البنّاءة.

ويجب على القادة اعتبار أيام عملهم في المقرات المكتبية أياماً مخصصة للتواصل. فأحد أفضل استخدامات هذا الوقت أن يتم استغلاله في تجاذب أطراف الحديث ومناقشة القضايا المهمة التي تستلزم وجود سياق عام والوضوح. اسأل الموظفين مسبقاً لكي تعرف ما ينقصهم في تفاعلاتهم مع المسؤولين القياديين واحرص على توزيع وقتك بعناية فائقة. قد يتطلب توزيع وقتك الشخصي مزيجاً من الاجتماعات الفردية والجماعية وساعات الاجتماع في المكتب والمشي في القاعات. ولأن تقلّل عدد أيام الحضور في المقرر المكتبي مع حضور فرق العمل بكامل عددها (يوم التجمُّع) أفضل من تقليل عدد الأفراد الذين تتفاعل معهم في أيام متفرقة. فوجود تمثيل جيد للفريق خلال أيام العمل في المقر المكتبي سيجعل التواصل الثنائي الاتجاه أمراً أسهل.

استخدم الفيديو كوسيلة احتياطية

من الأفضل أن تلتقى موظفيك وجهاً لوجه، لكن الفيديو يُعتبَر ثاني أفضل الخيارات. وقد يكون هذا هو الخيار الوحيد في الشركات التي تعتمد نظام العمل عن بُعد بصورة كلية أو جزئية. ويجب على القادة استخدام الكاميرات بشكل متحرّر كطريقة للظهور. صحيحٌ أن المشاهدين يصغّرون صورتنا على الشاشة، لكن حتى لو لم يفعلوا ذلك، فلا يزال يتعين على المدراء تشغيل كاميراتهم في معظم المواقف، ودائماً عند مناقشة موضوع صعب.

وتزداد فرص حدوث تحيز التقارب بشكل كبير في مكالمات الفيديو، ويجعلنا هذا النوع من التحيز نولي أكبر قدر من الاهتمام لِلأشخاص الحاضرين أمامنا. ونولي اهتماماً أكبر بكثير للأشخاص الظاهرين أمامنا على الكاميرا (مقارنة بالأشخاص الذين نسمع صوتهم فقط) لأنهم يبدون أقرب لنا. هل تتذكر شعورك حينما كنت موجوداً في غرفة الاجتماعات وكان هناك بضعة أشخاص يشاركونكم فعاليات الاجتماع عبر الاتصال الهاتفي الذين نسيتم غالباً وجودهم في الأساس؟ إنه الأثر نفسه الذي ينطبق على المشاركين عبر مؤتمرات الفيديو. وسيحصل القادة على مزيد من الاهتمام برسائلهم من خلال إظهار وجوههم، وسيحافظون على هذا الاهتمام بهذه الطريقة.

تحكَّم في لغة جسدك

سواءً كان الموظفون يشاهدونك شخصياً أو عبر الفيديو، فعليك أن تتأكد أن تصرفاتك وطريقتك في التواصل تدعم رسالتك ولا تقوّضها. يتوقف هذا إلى حدٍّ كبير على الطريقة التي تلفظ بها كلماتك من خلال حضورك المادي. فعندما تكون هناك حالة من عدم اليقين، فسوف تزداد أهمية الحضور.

لا نمارس توصيل المزيد من الرسائل الروتينية في أغلب الأحيان، وهذا يضر بنا. ويجب ألا يجعلك هذا تشعر بالحرج أو الإفراط في إجراء البروفات. ابدأ بأخذ دقيقة قبل عقد الاجتماع أو الدخول في محادثة لتحديد نيتك، مثل تهدئة المتلقين أو خلق حالة من الإثارة في نفوسهم. ثم أعِد النظر في تصرفاتك في أثناء محادثتك للتأكد أن لغة جسدك تتواءم مع رسالتك وتتوافق معها. على سبيل المثال، إذا كنت تريد إظهار الإثارة، فيجب أن تكون مبتسماً ومفعماً بالحيوية.

والأهم من ذلك، لا تنتقص من رسالتك عن طريق الخطأ؛ إذ يمكن أن تسبِّب العادات الشائعة عبر الفيديو، مثل الاستلقاء على الكرسي أو النظر بعيداً إلى شاشة أخرى، ضرراً أكبر مما تعتقد. وأنصح العملاء دائماً بإجراء مسح فوري للجسم، وذلك من خلال تنفيذ الخطوات الثلاث البسيطة التالية: حافظ على لغة جسدك مفتوحة، وقامتك منتصبة، وانحنِ إلى الأمام قليلاً باتجاه الطرف الآخر (باتجاه الكاميرا الخاصة بك في هذه الحالة). تحقَّق أيضاً من ملاءمة قسمات وجهك لنيتك: اجعل ملامح وجهك ناعمة أو ابتسم أو اجعل قسمات وجهك محايدة، حسبما تقتضي الحاجة.

استخدم طاقتك على نحو استراتيجي

نركز دائماً على مستوى طاقة الفرد باعتباره من أول الجوانب التي نرصدها، ونولي القدر الأكبر من الاهتمام للقادة. فكل واحد منا يعرف كيف يسير مديره في الغرفة أكثر بكثير مما يعرفه موظف تحت التدريب. وكما يقول المثل: “القائد يحدد الجو العام لمكان العمل”.

ويجب على القادة إدراك هذه الحقيقة واستخدام طاقتهم بشكل استراتيجي أمام فرقهم. وتتخذ الطاقة شكل سلسلة متواصلة، ويمكننا استخدامها لجذب الآخرين. يعد هذا أمراً أساسياً، وبخاصة عند نقل رسائل صعبة أو التخفيف من حالة عدم اليقين أو كسب التأييد؛ لذا يُفضَّل توصيل أي رسالة معقدة شخصياً، ولكن مستوى الطاقة في البيئات الافتراضية لا يقل أهمية، إن لم يكن يفوقه أهمية.

وأقترح أن تفكّر في مستوى طاقتك كما لو كنت تجري اتصالاً هاتفياً تهدف من خلاله إلى تهدئة مخاوف الطرف الآخر أو إثارة حماسه. وإذا كنت ترغب في تهدئة موظفيك، فاحرص على أن تكون أكثر هدوءاً من جمهورك ببضع درجات. أمّا إذا كنت ترغب في إثارة حماسهم، فكن أكثر منهم حماساً ببضع درجات. وأي تباين بدرجة أعلى أو أقل من ذلك، فإنك ستخاطر بأن تبدو جاهلاً بالغاية المطلوبة أو تطلب منهم شيئاً بعيد المنال.

عند التفكير في الحاجة إلى التقاء موظفيك وجهاً لوجه، يجب على القادة أن ينظروا إلى أنفسهم أولاً. ليس من الضروري أن ترى موظفيك في أي وقت تشاء، ولكن لا بد أن يراك الآخرون عندما يكون ذلك مهماً. وبدلاً من الوقوع في مزلق وقت المقابلة المباشرة غير المجدي، حاول استخدامه بشكل انتقائي من خلال تطبيق المهارات القيادية وفهم الأمور بشكل أدق.