ما هي المراحل الثلاث لإحداث التغيير الكبير في الحياة؟

6 دقائق
التغيير المهني
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: خلقت ظروف الإغلاق العام التي مررنا بها جميعاً مؤخراً فرصة أتيحت خلالها للكثير من الموظفين التفكير في خططهم المتعلقة بـ “التغيير المهني”. لكن التفكير وحده لا يكفي، فمعظم الذين ينفذون هذه الخطة خلال هذا النوع من الأوقات هم الذين ينخرطون فعلياً في دورة انتقال تتألف من 3 مراحل تتضمن الانفصال، فالتوسط، ثم الاندماج من جديد. تشرح المؤلفة طريقة تحقيق الفائدة القصوى من كل مرحلة من هذه المراحل لإحداث تغيير حقيقي.

يعتقد الكثير منا أن الأحداث أو الصدمات غير المتوقعة تخلق ظروفاً مناسبة لإجراء تغييرات كبيرة في الحياة والعمل بتحفيزنا على التفكير في رغباتنا وأولوياتنا، وهذا ينطبق على جائحة فيروس كورونا. طلبت من مجموعة موظفين في استفتاء عبر الإنترنت إخباري عن تأثير الجائحة على خططهم لإجراء تغيير مهني، واختار 49% منهم الجواب التالي: “شكلت الجائحة فترة توقف عن العمل أتاحت لي الفرصة لأرتاح أو أفكر”.

هذه البداية جيدة. لكن الأمر الوحيد الذي تعلمته من دراسة التغيير المهني الناجح على مدى عقود هو أن التفكير وحده ليس كافياً؛ إذ نادراً ما نفكر للتوصل إلى طريقة عمل جديدة، بل نعمل حتى نتوصل إلى طرق جديدة للتفكير والحياة.

صحيح أن الأحداث التي تكسر عاداتنا الروتينية قادرة على تحفيز تغيير حقيقي، وتمنحنا الفرصة لتجربة أنشطة جديدة وإنشاء الروابط وتجديدها. حتى في الأوقات التي تبدو “غير منتجة” إذ نقضيها بعيداً عن حياة العمل اليومية، نقوم بأعمال مهمة في داخلنا؛ فنطرح الأسئلة الوجودية الكبيرة ونتذكر ما يسعدنا ونستجمع قوتنا لاتخاذ قرارات صعبة ونرسّخ إحساسنا بذواتنا، والقائمة تطول.

لقد حدث ما يكفي على مدى السنة الماضية لجعل الكثيرين منا يدركون تماماً ما لا يرغبون فيه بعد الآن. لكن المشكلة هي أن البدائل الأكثر جاذبية وسهولة لم تتشكل بعد، ولذلك فنحن عالقون في مكانٍ ما بين القديم والجديد. والآن مع زوال معظم القيود التي فرضت نتيجة لانتشار جائحة كوفيد واقتراب عودة الموظفين إلى العمل من المقارّ المكتبية، أصبحنا نواجه خطراً حقيقياً يتمثل في الانغماس مجدداً بوظائفنا وطرق عملنا السابقة.

كيف يمكن لمن يرغبون في إجراء انتقال وظيفي تجنب ذلك؟ كيف يمكننا إحراز تقدم نحو أهدافنا بناء على ما تعلمناه في السنة الماضية؟

المراحل الثلاث لإحداث التغيير المهني الناجح

تشير الأبحاث التي أجريت حول الإمكانات التحويلية لحدث محفّز مثل جائحة فيروس كورونا إلى أننا سنتمكن من إحداث التغيير المهني أو التغيير الدائم إذا انخرطنا على نحو نشط في دورة انتقال تتألف من 3 مراحل نركز عليها تتمثل في الانفصال والمرحلة الحدية والاندماج من جديد. فلنناقش كل مرحلة من مراحل الدورة بالتفصيل.

فوائد الانفصال

قال لي جلال، وهو رجل أعمال تمكن من العودة إلى البلاد بعد أن انتهى عمله في منصبه التنفيذي الأخير مع بداية الجائحة: “قضيت فترة الحجر في بيئة شاعرية منعزلة. فقد شاهدت الربيع يحلّ وينقضي وتمتعت برؤية كثير من المناظر الطبيعية، وشكّل ذلك مشهداً خلفياً لانتقالي مليئاً بالسلام لدرجة مذهلة. كنت قد تزوجت في العام الماضي، لذلك تمكنت من قضاء وقت كبير مع زوجتي، كما أن ابني الذي كان بعيداً عني عاد ليقطن معنا، وبذلك تعرفت عليه من جديد. كانت تجربة رائعة، كانت تلك فترة ميمونة بحق”.

لم تكن تجربة جلال فريدة من نوعها. تشير الأبحاث حول تأثير الانتقال في تيسير تغيير السلوك إلى أن الأشخاص الذين انتقلوا إلى العيش في أماكن جديدة ومختلفة خلال الجائحة لديهم فرص أفضل لإجراء تغييرات دائمة في حياتهم. لماذا؟ بسبب ما يُعرف باسم “انقطاع العادة“؛ نتمتع جميعنا بليونة أكبر عندما ننفصل عن الأشخاص والأماكن التي تحفز عاداتنا القديمة وشخصياتنا القديمة.

يبدأ التغيير دائما بالانفصال، وحتى في بعض أشكال تغيير الهوية المطلقة، كغسل الدماغ أو نزع عقائد الإرهابيين أو إعادة تأهيل المدمنين على المخدرات، تتمثل الممارسة العملية القياسية في فصل الشخص عن جميع من عرفه سابقاً وحرمانه من جذور هويته القديمة. وتفسر عملية الفصل هذه تغير الشباب والشابات بعد الدخول إلى الحياة الجامعية.

أظهر البحث الذي أجريته مؤخراً أن شبكات معارفنا في العمل معرضة إلى تحيز “النرجسية والكسل”، وتتمثل فكرته فيما يلي: ننجذب على نحو عفوي إلى الأشخاص الذين يشبهوننا ونحافظ على تواصلنا معهم (لأننا نرجسيون)، ونتقرب من الأشخاص الذين يكون من السهل علينا التعرف عليهم والإعجاب بهم نظراً لقربهم منا (لأننا كسالى).

أقلّ ما تسببت الجائحة بزعزعته هو قربنا الجسدي من الآخرين، لكن قد لا يكون ذلك كافياً لتخفيف الشبه الشديد الذي يخلقه تحيز النرجسية والكسل لنا في العمل لا سيما مع تعجلنا للعودة إلى مقارّنا المكتبية وجداول مواعيد رحلات العمل وحياتنا الاجتماعية، ولهذا السبب يكون الحفاظ على شيء من الانفصال عن شبكة العلاقات التي ميزت حياتنا المهنية السابقة عاملاً حيوياً في عملية إعادة ابتكار أنفسنا.

توصلت كلّ من تامي إنغلش، الأستاذة في جامعة “واشنطن”، ولورا كارستنسن الأستاذة في جامعة “ستانفورد”، إلى أن حجم شبكات معارف بعض الأشخاص تقلصت بعد سنّ 60، ليس بسبب تناقص فرصهم في التواصل مع الآخرين، لكن لأنهم باتوا يرون أن الوقت محدود وأصبحوا بالتالي انتقائيين أكثر في اختيار من يتواصلون معهم. من المحتمل جداً أن كثيراً من التجارب التي مررنا بها في أثناء الجائحة، مثل تجربة جلال، ستعزز عملية إعادة ابتكار أنفسنا من خلال تحفيزنا لنكون انتقائيين أكثر في اختيار الطرق التي ننفق بها وقتنا المحدود ومع من نقضيها.

التعلم الحدي

عندما انتشرت الجائحة كانت صفاء، وهي محامية سابقة، تنتقل من عملها الذي استمر لعقدين من الزمن، فلاحظت أنها ترغب في استكشاف مجموعة من احتمالات العمل الجديدة ومنها صناعة الأفلام الوثائقية والصحافة والأدوار غير التنفيذية في مجالس الإدارة وتقديم الاستشارات حول الاستدامة. أدت قيود الإغلاق العام إلى إنشاء وقت ومساحة متوسطتين، منطقة “ما بين وبين” استغنت صفاء فيها مؤقتاً عن القواعد المعتادة التي حكمت حياتها المهنية، وشعرت أنها قادرة على تجربة جميع أنواع العمل والترفيه دون الالتزام بشيء منها. حققت صفاء الفائدة القصوى من تلك الفترة عبر المشاركة في كثير من الدورات التعليمية والعمل على أفكار لشركات ناشئة وتقديم الاستشارات بصفتها مستشارة مستقلة والانضمام إلى مجلس إدارة مؤسسة غير ربحية وإنتاج اثنين من أول أفلامها القصيرة.

تتيح لنا الاستفادة من الفواصل المتوسطة إجراء التجارب؛ أي القيام بأشياء جديدة ومختلفة مع أشخاص جدد ومختلفين. وهذا بدوره يمنحنا فرصاً نادرة للتعرف على أنفسنا واكتساب معارف ومهارات وموارد وعلاقات جديدة. لكن هذه الفترات لا تدوم إلى الأبد، وسيتعين علينا في مرحلة ما انتقاء بعض ما تعلمناه من تجاربنا والاعتماد عليه لاتخاذ بعض الخطوات المدروسة في سبيل التقدم في خطة التغيير الوظيفي. ما الذي يستحق الاستمرار فيه؟ ما الأمر الجديد الذي أثار اهتمامنا ويستحق أخذه في الحسبان؟ ما الذي سنتخلى عنه بعد أن عرفنا أنه لا يجذبنا على الإطلاق؟ ما الذي سنستمر به لكن على اعتباره هواية فقط؟

عندما قيّمت صفاء ما قامت به تفاجأت عندما أدركت أنها لم تتطور في دورها في مجلس الإدارة بالقدر الذي كانت تتوقعه، في حين أنها تمكنت بسرعة من بناء علاقات مهمة مرتبطة بصناعة الأفلام. كان من الضروري أن تدرك هذه الأمور وتقرّ بها قبل أن تبدأ بالخطوات التالية من خطة الانتقال.

الاندماج من جديد؛ وقت البدايات الجديدة

قال لي معظم المسؤولين التنفيذيين والمهنيين الذين تحدثت إليهم عن التجارب التي مررنا بها في الجائحة إنهم لا يريدون العودة إلى جدول مواعيد السفر المحموم أو العمل لساعات طويلة والتضحية بالوقت الذي سيقضونه مع أسرهم، لكنهم مع ذلك قلقون من أنهم سيضطرون للعودة إلى كل ذلك.

وهم محقون في قلقهم لأنه من النادر أن تؤدي الصدمات الخارجية إلى تغييرات دائمة، فالنمط الأكثر شيوعاً بعد تلقي صدمة هو العودة ببساطة إلى النموذج السابق بمجرد عودة الأمور إلى وضعها “الطبيعي”. هذا ما لاحظته ألكساندرا ميشيل، الأستاذة بجامعة “وارتن”في عام 2016 عندما درست تأثير الإرهاق في العمل على الجسم في بحث أجرته على 4 مجموعات من موظفي المصارف الاستثمارية على مدى 12 عاماً. ولاحظت أن تفادي هؤلاء الموظفين لعادات العمل غير المستدامة استدعى جهداً أكبر من الجهد الذي يستدعيه تغيير الوظيفة أو المنصب، كما أن الكثيرين منهم تعرضوا لانهيار جسدي حتى بعد الانتقال إلى مؤسسات من المفترض أن يكون العمل فيها أقلّ كثافة. لماذا؟ لأنهم انتقلوا في الواقع إلى مناصب لها نفس المتطلبات من دون قضاء الوقت الكافي ما بين الوظيفتين من أجل التعافي والابتعاد نفسياً عن شخصياتهم التي اعتادت بذل جهد كبير.

تعتمد قدرتنا على الاستفادة من انقطاع العادات على ما نفعله ضمن الفرصة ذات النافذة الزمنية الضيقة التي فتحتها تغييرات كبيرة كسرت عاداتنا الروتينية. مثلاً، توصلت إحدى الدراسات إلى أنه بعد انتقال الشخص من منزله تتاح له فرصة ذات نافذة زمنية تصل إلى 3 أشهر للانخراط في سلوكات مستدامة بيئياً بدرجة أكبر. وبالمثل، يبين بحث أجري على تأثير “البداية الجديدة” أنه في حين يشعر الموظف بحماس متزايد تجاه الهدف عند عودته إلى العمل بعد العطلة، فإن هذا الحماس يبلغ ذروته في اليوم الأول وينخفض بسرعة بعد ذلك.

تمثل بيئات العمل الهجينة التي تعمل مؤسسات كثيرة على تجربتها حالياً فرصة جديدة لكثير من الموظفين الذين يأملون إجراء التغيير المهني الذي يرغبون به، حيث يؤدي غياب الإشارات القديمة مع الحاجة إلى اتخاذ خيارات واعية إلى إتاحة فرصة لوضع أهداف ونوايا جديدة. إذا كنت منهم، فالأمر عائد لك الآن لاتخاذ القرار بالاستفادة من هذه الفترة لإحداث تغيير حقيقي في حياتك المهنية، وإلا فستنجرف وتعود إلى وظيفتك وأساليبك القديمة وكأن شيئاً لم يكن.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .