5 استراتيجيات لمساعدة أي شخص على تقبل هويته الجديدة

7 دقائق
شلل الهوية
فريق عمل "هارفارد بزنس ريفيو". مصدر الصورة: كاييك سيلفا/أن سبلاش
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: التغيير حقيقة في حياتنا سواء أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا. للأسف، عندما يبدو أن التغيير الكبير الذي نمر به مفروض علينا قسراً قد يسهل وقوعنا في حالة “شلل الهوية”؛ عدم القدرة على التقدم بسبب عجز الإحساس بالذات عن مواكبة الدور أو الوضع الجديد. أجرت المؤلفات مئات المقابلات مع أشخاص مروا بأنواع مختلفة من تحولات الهوية الإيجابية والسلبية سعياً لاستكشاف سبب معاناة الإنسان من شلل الهوية وما يساعده على التغلب عليه. ويقدمن بناء على هذا البحث 5 استراتيجيات تكتيكية لمساعدة أي شخص في تجاوز الماضي وتقبل هويته الجديدة والمضي قدماً في مسار متجه نحو النمو.

 

إن علاقة الإنسان بالتغيير معقدة، وفي حين أن التغيير حتمي وأساسي للنمو فقد يبدو لنا شاقاً جداً لا سيما إذا شعرنا أنه مفروض علينا أو خارج عن سيطرتنا.

مع تركيز الباحثين على التغيير الاجتماعي، قضينا العقد الأخير في دراسة رد فعل الناس على التغيرات الكبيرة في حياتهم، وأجرينا مئات المقابلات مع أشخاص فقدوا هوياتهم المرغوبة، مثل أشخاص كانوا يعملون في وظائف إدارية أجبروا على الانتقال إلى وظائف ذات مرتبة أدنى، وأشخاص يحاولون التخلص من هويات موصومة أو غير مرغوبة مثل سجين سابق يسعى للاندماج في مجتمعه من جديد. والمثير للاهتمام هو أن كثيراً من الأشخاص الذين تحدثنا إليهم عانوا من صعوبة في تجاوز هوياتهم السابقة وتقبّل شخصياتهم الجديدة بغض النظر عن الظاهر الإيجابي أو السلبي للتغيرات الحاصلة. هذا الشعور بعدم القدرة على التقدم، وهو ظاهرة نطلق عليها اسم “شلل الهوية”، يولد غالباً شعوراً بالغضب والإحباط واليأس من الوضع الحالي.

ولكننا لاحظنا أيضاً أن البعض كانوا قادرين على تفادي شلل الهوية ومضوا في هذه التغييرات الكبيرة في حياتهم خطوة بخطوة وتقبّلوا أدوارهم الجديدة بعقلية إيجابية. وفي المقابلات التي أجريناها تمكنا من تحديد 5 استراتيجيات قادرة على مساعدة أي شخص على تقبّل هويته الجديدة (سواء أسعده هذا التغيير أو أحزنه) والمضي قدماً في مسار تنمو فيه هويته بدلاً من أن تصاب بالشلل.

حدد نقطة واضحة تفصلك عن الماضي

حتى وإن أدركنا منطقياً أن وضعنا تغير فمن الممكن أن يصعب علينا السماح للتغيرات بأن تترسخ. تحدث كثير ممن قابلناهم عن حدث رئيسي كان مفصلياً بالنسبة لهم؛ نقطة تحوّل منحتهم القوة للقيام بالتغيير وقبوله بصدق. مثلاً، تحدث بعض ممن كانوا يحاولون التخلص من ماض موصوم عن أهمية حدث رئيسي محدد في مساعدتهم على تقبّل هوياتهم الجديدة، كيوم ذكرى الميلاد أو ولادة طفل جديد. أخبرنا أحد الأشخاص أنه بعد قضاء يومين في المستشفى قرر أن اللحظة التي استعاد وعيه فيها هي لحظة ولادته من جديد، موضحاً أن هذه التجربة كانت رمزاً ذا معنى لنهاية ماضيه.

لكن لنكن واضحين، الحدث الذي يشكل نقطة الفصل ليس مهماً بحد ذاته، بل تحدث من قابلناهم عن حاجتهم الشديدة إلى ما يشكل رمزاً لنهاية فصل معين من حياتهم، ويتوافق ذلك مع البحث السابق حول قوة التحولات الرمزية؛ خذ مثلاً الراهبة التي تحولت إلى خبيرة في علم الاجتماع، هيلين إيبوه، التي توصلت في كتابيها المؤثرين “خارج الدير (Out of the Cloister)” و”كيف تحصل على لقب “السابق”: عملية الخروج من الدور(Becoming an Ex: The Process of Role Exit)” إلى أنه على الرغم من اتخاذ القرار بمغادرة الرهبنة، كانت لحظة خلع ملابس الراهبات وارتداء الملابس “النسائية” ترمز إلى النقلة في حياة كثير من الراهبات السابقات وسمحت لهنّ بترك هوياتهنّ السابقة وراءهنّ.

لذلك إن كنت تواجه صعوبة في الفصل بين ذاتك السابقة وذاتك الحالية حاول تحديد لحظة لها أهمية كبيرة ووضحها لنفسك ولمن حولك. سيساعدك تمييز لحظة محددة تفصل بين الماضي والحاضر في إخراج نفسك من هوية لم تعد لها أهمية في حياتك.

اعمل على صياغة قصة تربط الماضي بالحاضر

بالطبع لا يعني تحديد نقطة واضحة لانفصالك عن الماضي أن هذا الماضي سيختفي، وليس من المفترض أن يختفي، فماضيك جزء منك ولن تترسخ هويتك الجديدة إلا إذا ارتبطت بهوياتك السابقة. لذلك من المهم أن تربط بين الحاضر والماضي بصياغة رواية مقنعة وقابلة للتصديق تسهل مشاركتها مع الآخرين.

مثلاً، تحدثنا إلى مهندس مدني مهاجر أُرغم على ترك عمله في الهندسة ليصبح سائقاً لسيارة أجرة؛ عندما روى قصته لنفسه وللآخرين وضعها ضمن إطار التضحية الأبوية ووضح أنه أخذ الدور الجديد لأجل أولاده ووصف سعادته لأجلهم وأن تأمين حياتهم على حساب حياته هي صفقة يسعده القيام بها. اتبع موظف مصرفي سابق نفس الطريقة لصياغة قصته وعبر عن ثقته بأن: “الهجرة كانت قراراً جيداً جداً، صدقيني. ليس لأجلي أنا وإنما لأجل عائلتي وأبنائي الثلاثة. إنهم سعداء جداً، وتزوجوا جميعهم ويعيشون حياة سعيدة، وأصبحوا آباء وأولادهم يذهبون إلى المدرسة. إنهم سعداء”.

في المقابل، تبنى كثير من الأشخاص الذين تحدثنا إليهم ممن لديهم ماض مضطرب أو موصوم رواية الملاك البريء. ووضح كل منهم بطريقته أن الظلام أوصله إلى النور، وأنه لم يكن سيتمكن من المضي في دربه الجديد والواعد لولا هويته السابقة. لاحظنا أن من استطاع أن يروي قصته بأسلوب يتوافق مع رواية معروفة على نطاق واسع كان أكثر قدرة على التصالح مع نقلته وترك هويته القديمة وراءه عن طريق التعبير عن مشاعر إيجابية أكثر عن وضعه الحالي مقارنة بمن لم يصغ قصته بهذه الطريقة.

اعترف بالمشاعر الصعبة وافهمها

يتمثل أحد أسباب صعوبة التغلب على شلل الهوية في أنه يبقي نظرتك تجاه هويتك محتجزة في الماضي ويبقيك محتجزاً مع العواطف المرتبطة بهذا الماضي. سواء كنت تشعر بالخزي من دور شغلته أو قرار اتخذته سابقاً، أو غاضباً من الظروف التي أوصلتك إلى وضعك الحالي، أو يائساً أو خائفاً أو تعاني من أي شعور سلبي صعب آخر، فاحتجازك مع هذه العواطف يعيق انتقالك (حتى وإن كنت مستعداً له فكرياً).

من المؤكد أن العمل على نظرتك لنفسك هو حتماً مكون مهم من عملية تحول الهوية، ولكن التركيز على الجانب الإدراكي بهذا الشكل يؤدي غالباً إلى التقليل من قدر الجانب العاطفي. حتى وإن اتخذت قراراً عقلانياً بتجاوز الماضي والمضي قدماً يمكن أن تبقى عواطفك ملازمة لك، وإذا كانت هذه العواطف سلبية قوية كالخزي أو الغضب فستسبب شلل الهوية ، تتشكل هوياتنا بحسب شعورنا تجاهها، وبالتالي كي نتمكن من إجراء نقلة ناجحة يجب أن نعترف بعواطفنا ونعمل بجد على معالجتها. قال أحد الأشخاص الذين قابلناهم:

“لن يتمكن أحد من كسر الحلقة قبل أن يتقبل هويته وحقيقته وما فعله ويسامح نفسه. لن تتمكن من المضي قدماً إلا إذا سامحت نفسك، وكثير من الناس لا يسامحون أنفسهم ولذلك يعيشون مع الشعور بالذنب والخزي مدة طويلة”.

في المقابلات التي أجريناها لاحظنا أن الأشخاص الأكثر قدرة على تقبّل هوياتهم الجديدة هم الذين تمكنوا من تمييز العواطف التي تعيقهم وعملوا بجد على معالجتها. ثمة استراتيجيات كثيرة تساعد في تحويل العواطف السلبية، ولكننا لاحظنا أن أكثر هذه الاستراتيجيات فعالية هي العمل على تحفيز العواطف الإيجابية المعاكسة بصورة متعمدة. مثلاً، تحدثت عاملة اضطرت لتغيير مسارها المهني بسبب تعرضها للإصابة عن قدرتها على تجاوز شعورها بالخزي عن طريق التركيز على الافتخار بتأسيس شركتها الخاصة وإدارتها. من المهم إدراك أنه ليس علينا إبعاد العواطف السلبية، ولكن المضي قدماً يستوجب الاعتراف بهذه العواطف الصعبة ثم إعادة توجيه تركيزنا على العواطف المفيدة أكثر.

ركز على هويتك المهمة غير المرتبطة بالعمل

من السهل أن تشعر أن عملك هو هويتك الكاملة لا سيما بعد خسارة وظيفة جيدة أو عندما يبدو لك أن وظيفتك هي الجانب الوحيد الذي يراه الجميع منك. ولكن الأبحاث أظهرت أنه من الممكن جداً أن يمتلك الإنسان عدة هويات يتعايش بعضها مع بعض، وبالتالي إن كنت تشعر بالحرج من هويتك الحالية في العمل فالتركيز على الجوانب الأخرى من هويتك هو استراتيجية فعالة تساعد في تجاوز النقلة الصعبة.

مثلاً، وضحت امرأة تخلت عن وظيفة سيئة السمعة أن ما يهمها هو أنها: “أصبحت قادرة على أداء دوري كأم وقضاء الوقت مع أطفالي”. كان بعض المهنيين المهاجرين الذين قابلناهم يواجهون صعوبات في الانتقال إلى وظائف أدنى مرتبة من وظائفهم السابقة، ووضحوا أيضاً أنهم شعروا بتحسن بعد تركيزهم على أدوارهم كآباء وأمهات. وبدلاً من التركيز على استيائهم من وظائفهم الحالية أو على سخطهم بسبب اضطرارهم للتخلي عن وظائفهم السابقة، تمكنوا من العثور على المعنى في تعريف أنفسهم بأدوارهم كمعيلين.

وبالمثل، تحدث سجين سابق عن أن تركيزه على أن يكون “عماً صالحاً” ولعب كرة القدم مع ابن أخيه ساعده في تجاوز الصورة السلبية السابقة التي كان يحملها عن نفسه وتخيُّل صورة أفضل، في حين ركز آخرون على أدوارهم في مجتمعاتهم من خلال العمل في وظائف تطوعية أو ممارسة النشاط الاجتماعي. يمكن أن يساعدك تذكير نفسك بمجموعة هوياتك الكاملة في التركيز على ما هو أكثر من عملك الحالي أو السابق والمضي قدماً.

لا تخف من التخيل

على الرغم من فائدة التركيز على الجوانب الإيجابية الملموسة من حياتك، فقد بين بحثنا أن التخيل يتمتع بقوة هائلة، وهذا يتوافق مع بحثنا السابق حول مفهوم “الحنين إلى المستقبل” الذي يشير إلى التوق إلى مستقبل مثالي لا إلى نسخة مثالية عن الماضي. لاحظنا في المقابلات التي أجريناها أن الأشخاص الذين كانوا مرتاحين جداً مع هوياتهم الجديدة هم الذين تخيلوا أن ظروفهم الحالية هي مجرد مرحلة تساعدهم في الوصول إلى المستقبل النهائي (حتى إن كان غير منطقي من الناحية الموضوعية).

العنصر المثير للدهشة في هذه الاستراتيجية هو أنها ناجحة حتى وإن كان العالم الذي يتصورونه خيالياً حقاً؛ مستقبل مثالي يرسمونه في أحلام اليقظة وليس له أساس في الواقع. وبدلاً من وضع خطة محددة ومفصلة لتحقيق هذه الأحلام، يحلم الأشخاص الذين يتبعون هذه الاستراتيجية بمستقبل بديل وكأنه سيتحقق بالفعل على الرغم من أنهم لا يملكون أي نية للعمل على تحقيقه فعلاً.

مثلاً، كان أحد الأشخاص الذين قابلناهم مهندس شبكات اضطر لترك وظيفته ليعمل سائق سيارة أجرة، ووضح لنا سبب شعوره بالرضا عن وضعه بقوله: “أخطط في المستقبل للعمل في مجال الكمبيوتر. ليس الآن، ربما بعد 10 أعوام أو 20 عاماً، وعندئذ سوف أؤسس شركتي الخاصة بالتأكيد”. كان يعمل في قيادة سيارة أجرة منذ 3 أعوام ولم تكن له أي خطة فعلية للانتقال إلى مجال التكنولوجيا، ومع ذلك كان الاحتمال المبهم لامتلاك مستقبل أفضل سبباً في منحه القدرة على تحمل حاضره. وبالمثل يستمتع كثير من الناس بالنظر إلى واجهات المحال التجارية، أو تصفح الإنترنت والاطلاع على أماكن قضاء العطلات على الإنترنت ويتخيلون بحزن أن يعيشوا تجربة لا يمكن أن تتاح لهم على الأرجح. قد يبدو الأمر غير بديهي، ولكن بحثنا يبين إمكانية فعالية استخدام هذه الاستراتيجية باعتدال في مساعدة الإنسان على التأقلم مع وضعه الصعب والانفصال عنه ذهنياً.

بالطبع يجب ألا يساء فهم هذه الطريقة على أنها حجة ضد السعي لتحسين وضع سيئ، ولكن قد يكون العمل الفعلي في التخطيط للتغيير الإيجابي وتنفيذه مرهقاً ويحتاج إلى وقت طويل، وقد تؤدي المبالغة فيه إلى العجز. ومن الممكن أن يكون لتحقيق التوازن بين المهام الصعبة المتمثلة في تقبل الواقع وتحسينه من جهة والجرعة الصحية من الخيال من الجهة الأخرى دور أساسي في ضمان الحفاظ على دافعيتك.

ليس من السهل إطلاقاً تجاوز هوياتنا السابقة سواء عند الانتقال إلى دور جديد أو القيام بنقلة مهنية أو المرور بتغيير كبير في الحياة كما هو حال الأشخاص الذين أجرينا مقابلات معهم، ولكن شلل الهوية سيهدد تطلعاتنا المهنية وصحتنا النفسية إذا لم نتداركه. وكي نتجنب البقاء في الماضي ونتمكن من المضي قدماً في حياتنا، يجب أن نعترف بهوياتنا الحالية وذواتنا السابقة وكل ما بينها ونتقبلها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .