لماذا تنجح بعض جهود التعهيد الجماعي وتفشل جهود أخرى؟

3 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تسعى المؤسسات إلى استغلال إمكانات التعهيد الجماعي من خلال طلب أفكار من الأشخاص من جميع أنحاء العالم. لكن ما الذي يجعل التعهيد الجماعي ناجحاً؟ أجرينا مشروعاً بحثياً واسع النطاق لفهم السبب وراء نجاح بعض المؤسسات في جذب الجماهير في الوقت الذي تفشل فيه مؤسسات آخرى.

بُذلت جهود كثيرة على مدار مئات السنين للاستفادة من المعارف المتوفرة لدى مساهمين خارجيين. فعلى سبيل المثال، استخدم البرلمان البريطاني التعهيد الجماعي لإيجاد حل لمشكلة تحديد خطوط الطول التي كانت تعد من أبرز المشاكل العلمية في القرن الثامن عشر. وعلى نحو مشابه، حاول نابليون جاهداً أن يمد قواته التي تقاتل في حروب بعيداً عن بلادها بأطعمة مغذية، ولجأ إلى التعهيد الجماعي ليجد حلاً.

ومنذ وقت قريب، أدى الإنترنت إلى حدوث نهضة واعتماد واسع على التعهيد الجماعي. وقد استثمرت بعض المؤسسات إمكاناتها في ذلك، حيث استخدمت “نتفليكس”، على سبيل المثال، التعهيد الجماعي لتحسين محرك الاقتراحات الخاص بها بنسبة 10%، وجذبت أكثر من 44 ألف فكرة لفيلم ومسلسل جديد. وفي عام 2008، أطلقت “ستاربكس” موقعها الإلكتروني “MyStarbucksIdea.com للحصول على آراء العملاء، وقد استقبلت حتى الآن أكثر من 100 ألف ملاحظة من عملائها حول العالم.

هذه الأمثلة ليست صعبة على الفهم، لذا لنذهب إلى نموذج آخر، وهو نجاح وكالة “ناسا” باستخدام التعهيد الجماعي في تقليل التعرض للأشعة الكونية في محطة الفضاء الدولية، حيث عرض أكثر من ألف شخص حلولاً محتملة لهذه المشكلة، حصل 4 منهم على جائزة نقدية مقابل أفكارهم الإبداعية. هذه الأمثلة تبين أن الكثير من المؤسسات ترجمت التعهيد إلى سيل غني بالأفكار، يساعدها على تحسين منتجاتها وخدماتها.

ولكن لم تنجح جميع المؤسسات في جذب الجماهير. خذ، على سبيل المثال، حزب “القراصنة” في ألمانيا (نعم، هذا حزب سياسي ألماني حقيقي). في عام 2012، قرر الحزب أنه يرغب بتعهيد برنامجه السياسي جماعياً بدلاً من تحديده على المستوى الداخلي. كان عمر الحزب 6 أعوام فقط في ذلك الحين، ووجد طريقه إلى عالم السياسة الألمانية متعددة الأحزاب كشكل من أشكال الاحتجاج على الأشكال السياسية التقليدية في ألمانيا وكحالة تأييد للثورة الرقمية. قرر الحزب الاستفادة من الآراء على موضوع حظر ختان الإناث المتداول على نحو مثير للجدل، واستجاب 20 فقط من بين المستهدفين في الاستطلاع، وهم سكان منطقة شمالي الراين وستفاليا الذين يصل عددهم إلى 18 مليون شخص، وحصد الحزب 7.8% من الأصوات في الانتخابات المحلية الأخيرة. ولم تخفف مجلة “دير شبيغل” من حدّة انتقادها للحزب، حيث قالت: “إنها ديمقراطية شعبية لا يشارك فيها أحد”.

أجرينا بحثنا الذي صدر مؤخراً في هيئة ورقة بالتعاون مع شركة “يوزر فويس” (UserVoice). تدعم هذه الشركة مدراء المنتجات في عملية تعهيد أفكارهم ووضعها على سلم الأولويات. ودرسنا جهود التعهيد الجماعي لأكثر من 20 ألفاً من المؤسسات الممثلة.

يكشف بحثنا أن نجاح المؤسسات في التعهيد الجماعي أو فشلها يمكن تفسيره بالإجراءات التي تتخذها هذه المؤسسات. ويبين بحثنا على نحو خاص، أن المدراء الذين تنجح مؤسساتهم في التعهيد يتخذون نوعين من الإجراءات، هما:

الاهتمام المسبق: أعطِ لتأخذ

تبتكر المنظمات الناجحة الأفكار بنفسها ثم تدعو الناس لمناقشة هذه الأفكار، بدلاً من انتظار تقديم الأفكار لها. يوفر أخذ زمام المبادرة في تقديم معلومات قيّمة للمساهمين الخارجيين من خلال إظهار نوع الأفكار التي تهتم بها المؤسسة. وهو يعرّض الثقة للخطر لأن المؤسسات تمنح المساهمين لمحة عن مسارات الابتكار المحتملة لديها. وفي نهاية المطاف، فإن ذلك يمكّن المساهمين الخارجيين من تقييم أفكار المؤسسة. ولذلك يساعد الاهتمام المسبق في تشكيل نمط تواصل متبادل ويعزز مشاركة المعرفة، فيكون المساهمون أكثر دافعية لتقديم أفكارهم الشخصية.

يعتبر تشجيع المساهمين على مشاركة أفكارهم الخاصة بالغ الأهمية خاصة في المراحل الأولى من التعهيد. فلا يرغب أحد المساهمين بأن يكون أول من يقدم اقتراحاً، لذا يجب أن تضع المؤسسات أفكارها الخاصة للنقاش المبكر حولها. وفي واقع الأمر، يظهر بحثنا بالفعل أن تأثير المساهمة في أفكار المؤسسة نفسها يتضاءل بمجرد نجاح المؤسسة في جذب المساهمين.

الاهتمام التفاعلي: أظهر اهتمامك

يظهر بحثنا أيضاً أن المؤسسات التي تستجيب علانية للاقتراحات المقدمة لها (الاهتمام التفاعلي) تحصل من المساهمين الخارجيين على اقتراحات أكثر بكثير من تلك التي يحصل عليها من لا يفعلون ذلك، وهو ما يعزز ثقة المساهمين الخارجيين، ويشجعهم على المساهمة بشكل أكبر. كما يشير إلى نوع الاقتراحات التي تقدرها المؤسسة، ويبين لأصحاب الاقتراحات الأخرى ما هو ملائم للمؤسسة.

ويأتي الاهتمام بالقادمين الجدد على وجه الخصوص بنتائج مذهلة. فهم لا يعلمون بالفعل فيما إذا كانت المؤسسة ستستمع إلى أفكارهم. ولو علموا أن المؤسسة تهتم بأفكارهم من خلال التجاوب معهم، فسيستخدمون وجهات نظرهم الجديدة ويقدمون العديد من الأفكار.

وبأخذ هذه النتائج معاً، وجدنا أن المدراء الذين يتخذون إجراءات صحيحة يمكنهم زيادة فرص النجاح بصورة ملحوظة. فقد يكون القليل من الاهتمام المسبق والتفاعلي هو كل ما تحتاجه المؤسسة لضمان نجاح مساعيها في التعهيد الاجتماعي.

من باب الحيطة والحذر

تبدو هذه الإجراءات الفعالة إجراءات مباشرة، لكنها قد تأتي بنتائج معاكسة للتوجه الطبيعي للمؤسسة. وبينما يمكن أن تتوقع الشركات استقبال أفكار قبل استعدادها لمشاركة أفكارها، يقترح بحثنا أن مشاركة الأفكار قبل استقبالها يزيد من فرص النجاح. كما يبين بحثنا أن المؤسسات تفضل التركيز على المساهمين المعروفين الذين سبق لها أن تعاملت معهم، ولكن يجب عليها التركيز على المساهمين الجدد بدلاً من أولئك.

يقع على عاتق المدراء إنجاح التعهيد الاجتماعي من خلال مكافحة هذه الميول، حيث إن تشغيل مضخة قبل إمدادها بالماء من قبل قد يكون معاكساً للتوقعات البديهية، وبنفس الطريقة يجب أن تولي المؤسسات انتباهاً للجمهور قبل تقديمه الأفكار.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .