التعليم في مجال إدارة الأعمال يواجه مستقبلاً محفوفاً بالمخاطر ما لم يتطور

10 دقائق
التعليم في مجال إدارة الأعمال
shutterstock.com/leolintang
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ظهرت دراسة إدارة الأعمال كمجال مستقل يلتحق به الطلاب والباحثون لدراسته منذ نحو 140 عاماً، لتكون بذلك من الدراسات حديثة العهد نسبياً في تاريخ البشرية. وبدأت كنهج قائم على دراسة الحالة، مع دراسة قدر ضئيل من الأسس المفاهيمية. وعلى الرغم من حداثتها، استطاعت تحقيق نجاحات واضحة، إذ بات اليوم طالب واحد من بين كل خمسة طلاب تقريباً في الولايات المتحدة ملتحقاً ببرنامج لدراسة إدارة الأعمال.

طالب واحد من بين كل خمسة طلاب في الولايات المتحدة بات اليوم ملتحقاً ببرنامج لدراسة إدارة الأعمال.

ومع مرور الوقت، ظهرت المؤتمرات المتخصصة المرموقة في إدارة الأعمال، والدوريات، وجهات الاعتماد، وغيرها من الهيئات ونُظم القياس التي ساهمت بدورها في تعزيز بيئة عمل بدت أنها متنوعة وراسخة.

وعلى الرغم من هذا النجاح الذي حققته دراسة إدارة الأعمال، لم يكن الأمر في البداية مثالياً. فقد درستُ علم الاقتصاد في المملكة المتحدة، وأتذكر الاستخفاف الذي كان ينظر به طلاب الاقتصاد إلى نظرائهم الطلاب في كلية إدارة الأعمال ودراسات إدارة الأعمال على أنهم في “مستوى أدنى” منهم، باعتبارهم ليسوا أكثر من استشاريين خاملين.

وفي الواقع، فإن تلك النظرة كانت محقة بشكل ما، إذ عادة ما تميل كليات الإدارة والأعمال الناشئة إلى استقطاب الأساتذة والمتخصصين الذين يشتركون في بعض الصفات، ممن لم يتمكنوا من تحقيق النجاح في مجالهم بسبب أنهم عمليون أكثر من اللازم، أو مختلفون عمن حولهم بشكل مفرط، أو أنهم ببساطة لا يتحلون بالبراعة اللازمة. ولكن استطاعت بعض الأقسام داخل ذلك المجال، مثل التسويق والمحاسبة، أن تظل بمنأى جزئياً عن وصمة مقارنتها بعلماء التخصص المنضبطين بمنهج محدد، فيما تفادت أقسام أخرى مثل قسم الأعمال التجارية الدولية، والذي كان يهدف إلى أن يكون مجالاً متعدد التخصصات في البداية، وصمة المقارنة هذه أيضاً، ومع ذلك واجهت هذه الأقسام صعوبة في إقناع المجتمع الأكاديمي الأوسع نطاقاً بدقتها وأحياناً بمبرر وجودها من الأساس.

ولم يكن النجاح الذي حققته كليات إدارة الأعمال فيما بعد أمراً بديهياً، وكذلك لم يكن، حسب علمي، مفهوماً ومفسراً بالقدر الكافي، لعدد من الأسباب المحتملة.

كان أحد الأسباب الرئيسة، في رأيي، هو أن دراسة إدارة الأعمال باتت تدريجياً بمثابة “تقنية للأغراض العامة” أو ما تعرف بالـ “GPTs”. وتقنيات الأغراض العامة، مثل شبكة الإنترنت والكهرباء، هي تقنيات وابتكارات لها تطبيقات متعددة وقابلة للتوسع، ويمكن أن تؤثر على المجتمع بأسره، تماماً مثل خوارزميات جوجل. لذلك تشترك دراسة إدارة الأعمال مع خصائص تقنيات الأغراض العامة في خاصية نقل المعرفة.

استمرت كليات إدارة الأعمال نفسها في التطور بطرق عديدة، واكتسبت مصداقية أكاديمية، والتي كانت مستندة في الغالب إلى أسسها التخصصية المستمدة من علم الاقتصاد، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والأساليب الكمية. وفي الوقت نفسه، سعت هذه الكليات بشكل متزايد للتكيف مع واقع إدارة الأعمال في الحياة العملية، وتطوير نظريات جديدة، بل وتحسينها لخدمة أغراضها.

وظهرت مجلات “النخبة” بسبب ظهور الحاجة إلى وجود الشرعية العلمية، مع مطالبتها بالصرامة المفاهيمية والمنهجية، وفي الوقت نفسه، تم تفويض تأليف الكتب إلى كل من الممارسين والهواة.

وكما هو الحال في مجالات أخرى، وخاصة الاقتصاد، أدى التركيز على “الأبحاث” في كليات إدارة الأعمال تدريجياً إلى انخفاض العائدات. وأثارت الضغوط، سواء من أجل النشر في المجلات النخبوية، أو المكافآت المفرطة المرتبطة به من حيث الترقيات والمناصب والبحث عن المظهر الاجتماعي، المخاوف بشأن ظهور المفاضلة بين البحث والتدريس والقيادة والمشاركة. والمفارقة أنه على الرغم من ذلك التركيز، يُنظر إلى العديد من المجلات العلمية الكبرى على أنها ليست ذات جدوى إلى حد كبير سواء لقطاع الأعمال في أرض الواقع، وكذلك للعاملين فيه.

وبينما تحظى مجموعة من كليات إدارة الأعمال الكبرى بالموارد اللازمة لتوظيف الأشخاص الذين يمكن أن يبرعوا في إجراء الأبحاث الرفيعة وذات الجدوى، وكذلك الذين لديهم المهارة في التدريس والقيادة، معتمدين في ذلك على أساسات داعمة ونماذج أعمال، وعدد من الإجراءات، فإن الكليات الأخرى لا تملك تلك الموارد.

وفي السياق ذاته، بدأ الطلاب الذين يدفعون رسوماً طائلة ليدرسوا في هذه الكليات يشككون في مدى ملاءمة البحوث عالية المستوى لتجربتهم التعليمية. وهو ما فعله أيضاً العديد من الشركات وكذلك رجال الأعمال الذين شككوا في أهمية الشهادات الأكاديمية في إدارة الأعمال وجدواها.

وأسفر كل ذلك عن ظهور الدعوات إلى إحداث تغيير من خلال إعادة التوازن التدريجي، وزيادة التركيز على كل من المشاركة والتأثير والتدريس وليس الأبحاث فقط.

ويمكن القول إن تطور دراسة إدارة الأعمال قد انتقل من الممارسة إلى النظرية، ثم عاد إلى الممارسة مرة أخرى. وأعتقد أن الواقع أكثر دقة من تلك الممارسة. إذ إن ما نراه هو إعادة التركيز على كل من التدريس والمشاركة والجدوى والتأثير، وهو ذلك النوع من التركيز الذي يحدث بواسطة أسس مفاهيمية أقوى -وهي “المنح الدراسية المشاركة” ويقصد بها تلك التي تدمج التعليم مع تنمية المجتمع- يمكن نقلها إلى الطلاب وأصحاب المصلحة الآخرين وتطويرها بصورة مشتركة معهم.

وبالاعتماد على المنح الدراسية المشاركة، تصبح العودة إلى الممارسة في مستوى أعلى من ذي قبل. إذ إنها تشكلت بصورة مشتركة من خلال الابتكارات والهيئات في السياسات العامة، مثل إطار التميز البحثي “REF”، وإطار التميز التدريسي”TEF”، والآن إطار التميز المعرفي “KEF”، وهم عبارة عن أدوات لتقييم الأبحاث، وكذلك من خلال دور الجمعيات الخاصة بعمداء كليات إدارة الأعمال، مثل الرابطة المعتمدة لكليات إدارة الأعمال (CABS) في المملكة المتحدة، ومجلس عمداء كليات إدارة الأعمال الأسترالية (ABDC) في أستراليا، علاوة على وجود هيئات اعتماد مثل المؤسسة الأوروبية للتطوير الإداري (EFMD)، ورابطة النهوض بكليات إدارة الأعمال (AACSB)، ورابطة ماجستير إدارة الأعمال (AMBA)، والتي توفر قواعد ومقاييس لقياس الأداء المستدام وتحسينه.

وفي الوقت الحالي، أضحت دراسة إدارة الأعمال قطاعاً تبلغ قيمته مليارات اليوروهات. وعلى الرغم من ذلك يبدو بالأحرى قطاعاً عتيقاً وغير ملائم للواقع اليوم. فنجد إن أعداد حملة درجة الماجستير في إدارة الأعمال آخذة في الانخفاض في العديد من البلدان، وأضحت المكاسب المتوخاة من تكبّد تكاليف الحصول على الشهادات الأكاديمية في إدارة الأعمال موضعاً للتساؤل. لذلك كان من المنطقي أن تطرح مجلات شهيرة، مثل مجلة فورتشن، تساؤلات عما يقوّض دراسة إدارة الأعمال في الولايات المتحدة في الوقت الراهن.

وربما تكمن الإجابة في عدد من العوامل، مثل سياسات الهجرة، والسياسات الحمائية الجديدة التي تتخذها الحكومات في هذا الشأن، إلى جانب زيادة أعداد كليات إدارة الأعمال، والمنافسة التي ظهرت في ساحتها العديد من المصادر بما في ذلك الأسواق الوطنية الجديدة التي تقدم دراسة إدارة الأعمال والمصادر الأخرى البديلة.

وقد خضعت جميع هذه العوامل للمناقشة المستفيضة. ولكن السؤال لا يزال مطروحاً بشأن ما إذا كانت هذه المنافسة في مجال دراسة إدارة الأعمال تضر بأسواقه أم تساعد في توسيع نطاقه.

وأود هنا التركيز على أربعة جوانب يمكن أن تحظى بالمزيد من الاهتمام. وتتعلق هذه الجوانب بتجربة الطلاب، ودور إدارة الأعمال في الأزمة المالية العالمية، والثورة الصناعية الرابعة، وأخيراً ظهور التقنيات الكبرى.

أولاً بالنسبة لتجربة الطلاب، فقد أدى النجاح الذي حققته دراسة إدارة الأعمال إلى أن تصبح كليات إدارة الأعمال في كثير من الأحيان مُدرّة للمال بالنسبة للمؤسسات التي تواجه صعوبات مالية من خلال الاستفادة من أبحاثها وخريجيها.

ولكن في الوقت ذاته، أدت الرسوم المتزايدة التي يدفعها الطلاب، فضلاً عن نهج بعض الجامعات الذي يحمل في طياته عوامل الإخفاق بمعاملة الطلاب باعتبارهم “زبائن”، إلى مطالبة هؤلاء الزبائن بالقيمة مقابل المال الذي يدفعونه، بل ووصل في بعض الأحيان إلى توقعهم “شراء” ما دفعوا ثمنه، أي الحصول على شهادة أكاديمية جيدة، بطريقة أو بأخرى. وبوضع هذا الأمر إلى جانب المطالب الملقاة على عاتق الأكاديميين، والتي تركز على نتائج الأبحاث بدلاً من التميز في التدريس، نجد أن الأمور قد بلغت ذروتها تدريجياً.

وخلال تلك السنوات التي شهدت وفرة غير منطقية لكليات ومعاهد إدارة الأعمال أصبح أساتذة إدارة الأعمال، شأنهم في ذلك شأن العديد من الاقتصاديين، يؤمنون تدريجياً بخصائص الأسواق المتمثلة في أنها تصحح نفسها بنفسها، وبقدرة إدارة الأعمال على المساعدة في معالجة المشكلات المجتمعية. وقد أدى ذلك بدوره إلى إثارة الشك في السياسات العامة، وإلى التراجع الحاد في الحاجة الضرورية للمشاركة الحكومية في فرض التدابير المتعلقة بمناهضة الاحتكار، وكذلك فرض القواعد التنظيمية، والمنافسة، وغيرها من السياسات.

أما بالنسبة للجانب الثاني المتعلق بدور دراسة إدارة الأعمال في الأزمة المالية العالمية، فقد ضرّ التركيز على إدارة الأعمال التعامل مع “القطاع الثالث” – أي الشركات المشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص. إذ إنه ساعد في تقويض الاستدامة الاقتصادية، وباتت دراسة إدارة الأعمال، من نواح كثيرة، متواطئة مع الممارسات التي ساعدت في حدوث الأزمة المالية العالمية. إذا كانت الكثير من دراسات الحالة في كليات إدارة الأعمال تثني على فطنة الشركات وممارساتها، والتي اتضح فيما بعد أنها ساهمت في الفضائح الكبرى. ويمكن الاستدلال هنا بشركتي إنرون (Enron) وثيرانوس (Theranos).

وفي الوقت ذاته، أدى الفشل في النظر بجدية في التشريعات الخاصة بمناهضة الاحتكار إلى نشوء مظاهر احتكار التقنية السائدة حالياً، والتدهور المتزامن في توزيع الدخل، وقلة الاكتراث بالبيئة، وساعد، بصورة أساسية، في الفشل المؤسسي ذي الأبعاد غير المسبوقة.

وهو ما أدى إلى ظهور العديد من التساؤلات، من قبل المحللين، وكذلك من قبل الأفلام الوثائقية والأعمال الدرامية التي أنتجت عن الأزمة المالية العالمية، بشأن الدور الذي تؤديه دراسة إدارة الأعمال والشرعية التي تتحلى بها. ونظراً لأن هذه الكليات بالذات تعتمد أكثر من غيرها على مشاركة المؤسسات التجارية، فمن السهل رؤية دورها في تعليم المسؤولين التنفيذيين، وتقديم الاستشارات لهم، وكذلك الأبحاث المتعلقة بالمؤسسات التجارية، وبالتالي تضارب المصالح الناجم عن ذلك. لأنه ببساطة لن تنتقد المؤسسة التي تقدم لك التمويل، حتى على المستوى الشخصي.

لذلك تزايدت الدعوات المطالبة بالمزيد من الالتزام بالاستقلالية، وإدراج كل من الأخلاقيات والقضايا المتعلقة بالحوكمة والاستدامة في مناهج تدريس إدارة الأعمال. إلا أن هذه الدعوات طابعها المجاراة لما سبق وليس الريادة.

والجانب الثالث الذي سأتحدث عنه، يتعلق بالثورة الصناعية الرابعة، والتي أسفرت بدورها عن ضغوط مختلفة. وتشمل هذه الضغوط، التقنيات المتطورة، مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وسلسلة الكتل، وإنترنت الأشياء، والسيارات ذاتية القيادة، والسيارات الكهربائية، والمدن الذكية، وغير ذلك. ولم تساهم أي من هذه التقنيات المتطورة بدورها في توفير دراسة إدارة الأعمال بشكلها الحالي. إذ إن هذه التقنيات، ببساطة، ترتكز بشكل مفرط على العلوم والهندسة على نحو يصعب معه استيعابها في نموذج الأعمال الحالي لكليات إدارة الأعمال.

ومن هنا، وجب على دراسة إدارة الأعمال أن تتكيف مع المتغيرات، بل وتضطلع بدور قيادي في توفير الحلول للتحديات. ولتقوم بذلك، يلزم تعزيز مناهجها الدراسية بموضوعات قادرة على مواجهة التحديات الرئيسة المذكورة آنفاً وغيرها. إذ يتطلب التعامل مع الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية، التركيز على الأخلاقيات وقواعد السلوك، واللتين يمكن استمدادهما من الفلسفة. حيث يعتبر تأثير الفلسفة ونظرية المعرفة على إدارة الأعمال ضئيلاً حتى الآن.

يتطلب التعامل مع الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية التركيز على الأخلاقيات وقواعد السلوك.

كما تتطلب التدابير المتعلقة بمناهضة الاحتكار، إدراج القانون، في مناهج تدريس إدارة الأعمال. إذ حظي مجالا القانون والاقتصاد بتطبيقات عديدة في المناقشات المتعلقة بحوكمة الشركات. ولكن في هذا الصدد أيضاً، تبع علماء إدارة الأعمال، في أغلب الأحيان، علماء الاقتصاد بشأن التركيز على القيمة المحققة للمساهمين.

بيد أن الأمور آخذة في التغيّر، ولكن ببطء، إلا أن إدراج القانون في المناهج الدراسية يمكنه أن يساعد في هذا الصدد. وكذلك بالنسبة للتقنيات الكبرى، والتي أضحت سلطتها أكبر بكثير من سلطة السوق، بل إنها تحولت إلى سلطة سياسية. لذلك من المهم أن تصبح هذه السلطة موضوعاً رئيساً في مناهج تدريس إدارة الأعمال، وكذلك الحال بالنسبة إلى السياسة والجغرافيا السياسة أيضاً.

من المهم أن يصبح التأثير الفعال للتقنيات الكبرى موضوعاً رئيساً في مناهج تدريس إدارة الأعمال، وكذا الحال بالنسبة إلى السياسة والجغرافيا السياسة أيضاً.

وإذا كان ما سبق يركز على العلوم الاجتماعية. فإن الثورة الصناعية الرابعة تستدعي توسيع نطاق المناهج الدراسية لتشمل العلوم والهندسة. إذ يتعين على كليات إدارة الأعمال أن تستفيد من التخصصات العلمية ذات الصلة بالطريقة نفسها التي استفادت بها في السابق من العلوم الاجتماعية المختارة.

يمكنك أن تشعر أن كل ما ذُكر آنفاً يبدو أشبه بـ “اقتحام دراسة إدارة الأعمال” التخصصات الأخرى، ويبدو أيضاً هدفاً عسير المنال في الواقع، وبالفعل شعورك في محله. إذ ليس من السهل لكليات إدارة الأعمال، كل على حدة، إحداث هذه التغييرات، حتى بالنسبة لأكبر هذه الكليات من حيث الموارد وأقدرها على الابتكار. خاصة أن الأمر يتطلب التعاون داخل الجامعات، وفيما بينها، والتعاون الوثيق والتجاري الصرف، وعقد شراكات مع قطاع الأعمال، بل وكذلك مع القطاع العام، ومع النظام السياسي “القطاع الثالث”، ومع جميع المكونات الرئيسة لبيئة العمل المتكاملة الداعمة، مثل هيئات الاعتماد.

كما يتطلب الأمر إدراج موضوعات تشترك فيها تخصصات مختلفة، وترتكز على منهج محدد في مناهج تدريس إدارة الأعمال. وفي الحقيقة، على الرغم من الثناء الذي يُغدق على مجالات الممارسة التي تشترك فيها تخصصات مختلفة، ومجالات الممارسة ذات التخصصات المتعددة، فإن هذه المجالات لا تحظ بالمكافأة أو التحفيز على مساعيها، ولا تتوفر لها التسهيلات اللازمة للقيام بعملها. فعلى سبيل المثال، يوجد عدد قليل للغاية من المجلات العلمية والمؤتمرات وهيئات الاعتماد المشتركة بين تخصصات مختلفة، إن وجدت أصلاً.

ويمكن القول أن مجالات الدراسة المشتركة بين التخصصات المختلفة يمكن أن تنجح على النحو الأفضل عندما يكون جميع المشاركين فيها خبراء في تخصصاتهم ويتعلمون من بعضهم البعض، وليس عندما يتصف جميع المشاركين فيها بأنهم يؤدون مختلف أنواع الأعمال ويعرفون القليل عن كل شيء. وهذا لا يعني أن الشخص متعدد الخبرات والاستثنائي ليس مطلوباً خاصة في عصر النهضة الجديدة، أو أن منسقي التواصل ليسوا مطلوبين، وإنما الواقع العملي وتوسع نطاق المعرفة يستدعيان، في الغالب، التخصص وتقسيم العمل والتعاون.

ومن غير المرجح تنفيذ ما سبق ذكره بالطرق نفسها التي استخدمت في السابق. لأنه يمكن أن يكون هذا المستوى المطلوب أعلى من إمكانيات الجامعات والمؤسسات الأخرى المعنية، باستثناء عدد قليل منها. لذا، سيتطلب تحقيق هذا المستوى عقد شراكات حقيقية داخل الجامعات وفيما بينها، والتفكير العميق بشأن ما يجعل هياكل هذه المؤسسات ونماذج أعمالها ملائمة للتغييرات التي ستطرأ. كما سيتطلب تكيّف هيئات الاعتماد مع الواقع الجديد. ويتطلب أيضاً من المعنيين بدراسة إدارة الأعمال أنفسهم عدم تقويض تطور التخصصات ذاتها التي يعتمد عليها نجاحها المستدام المستمر.

حيث أن إغلاق أقسام العلوم الإنسانية والفلسفة والاقتصاد وعلم الاجتماع، لأسباب مالية على سبيل المثال، يقضي على الدجاجة التي تبيض ذهباً. لذا، ينبغي أن يتحلى أساتذة إدارة الأعمال بالاستعداد والإرادة لمواصلة دعم التخصصات التي ساعدتهم على النجاح.

وأختتم هذه المقالة بالدعوة إلى استرجاع تأليف الكتب على غرار الكتب القديمة العظيمة، أكثر من التركيز على أبحاث المجلات النخبوية. ففي مجال تخصصي، وهو إدارة الأعمال والمؤسسات التجارية الدولية الاستراتيجية، نبعت معظم الأفكار الرئيسة تقريباً من عدد قليل من الكتب التقليدية في الاقتصاد، والتي كانت من تأليف جو باين، وإديث بينروز، وسيرت ومارش، ونيلسون وينتر، وأوليفر وليامسون، وستيفن هايمر.

ويعود السبب في ذلك جزئياً إلى أن استكشاف دليل واحد رئيس ونسبي، بالقدر الكافي، وبحث التأثيرات التي يسفر عنها، يتطلب حيزاً وإطاراً زمنياً وأسلوباً على نحو لا يتلاءم مع النشر في المجلات النخبوية. وبالنظر إلى سجل علماء الإدارة في التوصل إلى نظرية جديدة نجده مؤسفاً للغاية، ما عدا استثناءات قليلة مثل نظرية المنشأة القائمة على الموارد والقدرات. فقد نجد بالفعل الكثير من الأفكار والتطورات الجيدة، ولكن لا توجد نظريات رئيسية عامة جديدة كتلك التي طرحها علماء الاقتصاد المذكورون آنفاً. وفي هذه الحالة مجدداً، فنحن نتبع ما سبق، ولا نعتمد الابتكار والقيادة.

وستساعد العودة إلى تأليف الكتب المتخصصة في إدارة الأعمال، وتطوير نظرياتنا ومساراتنا الخاصة في هذا المجال، في وضع حد للاعتماد على مجالات مثل الاقتصاد، والذي على الرغم من أنه أصبح غير مرتبط بإدارة الأعمال، إلا أن المفارقة أنه ما يزال مصدر النظريات المهيمن فيها. ويمكننا القيام بما هو أفضل في هذا الصدد، إذ يلزم إعادة تصور دراسة إدارة الأعمال وكليات إدارة الأعمال، وتكييفهما، والمساعدة في تشكيل مستقبل أكثر إشراقاً. حيث أن إدارة الأعمال بالطريقة الروتينية المعتادة هي أمر سيئ.

وفي النهاية آمل أن تساعد هذه المقالة في الدعوة إلى النقاش بشأن هذه القضية.

المقال الأصلي منشور باللغة الإنجليزية في موقع (EFMD). 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .