عقولنا ليست معدّة للتعامل مع كلّ هذا الغموض

5 دقائق
التعامل مع الضغوط
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: مع استمرار تفشي الجائحة يسعى القادة في مختلف القطاعات بصورة جنونية إلى معرفة الشكل الذي يجب أن يكون عليه “الوضع الطبيعي الجديد” الذي يتغير باستمرار. وكي نحافظ على دافعيتنا وسط ما نواجهه من مستويات غير مسبوقة من الغموض في كافة نواحي حياتنا يجب أن نفهم أن العقل البشري ببساطة ليس معداً من أجل التعامل مع الضغوط تحديداً. ومعرفة ما تجيده عقولنا وما لا تجيده تمدك بفهم أوضح للاستراتيجيات التي تحتاج إليها كي تتحمل حالة الغموض هذه، بل ولتزدهر فيها أيضاً. سواء كنت تحاول الحفاظ على دافعيتك واندماجك في العمل أو كنت قائداً تحاول مساعدة الموظفين الذين ترعاهم، يقدم المؤلفان 3 استراتيجيات مبنية على العلم ليتمكن عقلك من العمل بصورة جيدة.

 

قبل الجائحة شعر معظمنا أن عالم العمل يخضع لتغيير سريع وشديد، إذ تتغير تفضيلات العملاء وتوقعاتهم وتوقعات الموظفين والميزات التنافسية. تمكنت جائحة “كوفيد-19” من قلب الأشياء القليلة التي كانت تبدو قابلة للتوقع بدرجة نسبية، كالمكان الذي نقضي فيه ساعات العمل وطرق تعاوننا مع زملائنا والملابس التي نرتديها كل يوم. والآن يسعى القادة في مختلف القطاعات بصورة جنونية إلى معرفة الشكل الذي يجب أن يكون عليه “الوضع الطبيعي الجديد” الذي يبدو دائم التغير.

كيفية التعامل مع الضغوط

كي نحافظ على دافعيتنا وسط ما نواجهه من مستويات غير مسبوقة من الغموض في كافة نواحي حياتنا يجب أن نفهم أن العقل البشري ببساطة ليس معداً لكلّ هذا الغموض. ومعرفة ما تجيده عقولنا وما لا تجيده تمدك بفهم أوضح للاستراتيجيات التي تحتاج إليها كي تتحمل حالة الغموض هذه، بل ولتزدهر فيها أيضاً.

كان الإنسان عبر جزء كبير من تاريخه يقتات على الصيد وجمع الثمار ويعيش ضمن مجموعات أسّس الأفراد فيها أدوارهم وأشكال حياتهم. وعلى الرغم من أن الحياة كانت تعج بالمخاطر أحياناً فقد كانت قابلة للتوقع بدرجة كبيرة، فتطور الدماغ وأصبح بارعاً جداً في تمييز الأنماط وبناء العادات وتحويل مجموعة السلوكيات المعقدة إلى أمر يمكننا فعله بصورة تلقائية (هل خرجت يوماً من العمل وقدت سيارتك لتجد نفسك في مدخل منزلك من دون أن تتذكر شيئاً من الرحلة التي قطعتها؟ هذا ما نتحدث عنه).

بما أن العادات والأنماط التي يمكن تمييزها هي ما يجيده العقل، فقد تطور ليصبح مضاداً للغموض. عندما يصبح من غير الممكن توقع الأمور وبالتالي لا يمكن التحكم بها، نمرّ بحالة قوية من الشعور بالتهديد. قد تعلم أن التهديد يؤدي إلى استجابة “القتال أو الجمود أو الهرب” في الدماغ، لكن الأمر الذي لا تعلمه ربما هو أن التهديد يؤدي أيضاً إلى انخفاض مستويات الدافعية والتركيز والمرونة والسلوك التعاوني والتحكم بالذات والشعور بالهدف والمعنى والرفاهة بصورة عامة. بالإضافة إلى أن التهديد يخلق ضعفاً شديداً في ذاكرة العمل؛ فتتراجع قدرتك على جمع نفس القدر من الأفكار في ذهنك من أجل حلّ مشكلة ما أو استعادة نفس القدر من المعلومات من ذاكرتك طويلة الأجل عند الحاجة إليها. تتسبب التهديدات المتمثلة بالغموض في إضعاف قدرتنا حرفياً لأن عقولنا لم تتطور للتعامل معها.

لكن النبأ السار هو أنه بناءً على دراسة عقل الإنسان وسلوكياته على مدى عقود من الزمن عرفنا قدراً لا بأس به من المعلومات حول طرق تحويل الشعور بالتهديد من أمر مربك إلى أمر يمكن التعامل معه. سواء كنت تحاول الحفاظ على دافعيتك واندماجك في العمل أو كنت قائداً تحاول مساعدة الموظفين الذين ترعاهم، نقدم لك 3 استراتيجيات مبنية على العلم لإبقاء عقلك بحالة جيدة.

حدد توقعاتك بتفاؤل واقعي

إن مفهوم التفاؤل الواقعي بسيط لكن قوي؛ يجب أن تؤمن بأن كل شيء سيكون على ما يرام وأن تتقبل أن ذلك لن يكون سهلاً. تبين الأبحاث مرة بعد مرة أن وضع توقعات إيجابية أو امتلاك حس قوي بالكفاءة الذاتية كما يسميه أخصائي علم النفس الاجتماعي، ألبرت باندورا، هو أمر أساسي للحفاظ على الدافعية في مواجهة العوائق والنكسات. يخطئ البعض أحياناً باعتقاد أن الحفاظ على موقف “إيجابي” يعني الإيمان بأنك ستنجح بسهولة أو أن النجاح سيأتيك من تلقاء نفسه، وقد بينت أعمال الأستاذة في جامعة نيويورك، غابرييل أوتينغن، أن هذا التفاؤل غير الواقعي ينبئ بالفشل دوماً؛ عندما تفكّر أن النجاح سيتحقق بسهولة يندر أن تكون مستعداً لمواجهة الفشل.

لذا، عندما تفكر فيما ستجلبه الجائحة (وحياة العمل عموماً) بكل تأكيد من تغييرات وغموض، ضع توقعات متفائلة بصورة واقعية لنفسك وللآخرين. يجب أن تؤمن بأنك ستحقق ما تريد تحقيقه وتقرّ لنفسك وللجميع بأن الغموض ينطوي على ضرورة القيام بالتجارب من أجل النجاح. وهذا يعني أنك لن تنجح على الفور، وإذا صمدت فستصبح الأمور أفضل في نهاية المطاف.

ارتق إلى التفكير في الصورة الأكبر من أجل معرفة كيفية التعامل مع الضغوط

يمكنك التفكير في أي شيء مجرد أو ملموس بمستويات مختلفة، هذا ما يسميه علماء النفس “مستوى التفسير“. مثلاً، يمكن وصف فعل التصويت في الانتخابات على أنه “المشاركة في العملية الديمقراطية” (مستوى عال من التفسير) أو “وضع إشارة على مربع ضمن استمارة” (مستوى منخفض من التفسير).

تبين أن مستوى التفسير الذي نستخدمه للتفكير في أفعالنا له أثر هائل على سلوكنا؛ عندما نفكر بالمعنى أو الهدف الأكبر الذي تخدمه أفعالنا (مستوى عال من التفسير) نستمد مزيداً من الإلهام والدافعية ويتم تعزيز تقديرنا لذواتنا ورفاهتنا بدرجة أكبر، وعندما نفكر في التفاصيل الدقيقة لما نفعله أو يتعين علينا فعله نكتسب قدرة أكبر على حلّ المشكلات المجردة وتوقع العوائق. يتمتع كل مستوى بفوائده، ولذلك من الأفضل أن نغير مستوى التفسير في تفكيرنا ورفعه وخفضه حسب الحاجة.

للأسف، قد يكون من السهل جداً الانتقال إلى المستوى المنخفض والثبات عليه، فعقولنا بطبيعتها تنتقل إلى مستوى التفسير المنخفض عندما نواجه الصعوبات أو الغموض. أما من ناحية الدافعية فهذه اللحظات هي ما نحتاج إليه تحديداً لتذكّر سبب ما نفعله في المقام الأول. قمنا في شركة “إي واي أميركاز” (EY Americas) بتطوير برنامج فريد لموظفينا من أجل مساعدتهم على فعل ذلك تماماً، إذ يكتشف مهنيو الشركة الغاية والرؤية الشخصيتين ويوضحونهما بكلمات محددة عن طريق رواية القصص، ويساعدهم ذلك على ربط الرؤية والغاية الشخصيتين بالعمل الذي يقومون به كل يوم، ما يؤدي إلى ارتقائهم إلى “الصورة الأكبر” عندما يكونون بأمس الحاجة إليها. ومن غير المفاجئ أن الموظفين الذين أنهوا البرنامج يقولون إنهم اكتسبوا قدرة أكبر على الاستمرار بالتركيز على الأهم ومواجهة التحديات بمرونة أكبر.

تقبل الصراحة

إن العمل في بيئة تنطوي على كثير من التغييرات والتعامل مع النكسات غير المتوقعة يعني أن علينا أن نتواصل باستمرار وصدق فيما بيننا كي نتمكن من العمل معاً على خلق القواعد والعادات الجديدة الصحيحة. لا نقصد بذلك منح تقييمات مفيدة للأداء فقط، بل إجراء المحادثات الضرورية اليومية عما ينجح وما لا ينجح من أجل التوصل إلى الشكل الذي يجب أن يكون عليه الوضع الطبيعي الجديد.

هذه الصراحة اليومية صعبة بالتأكيد، فالجميع يفكرون بنظرة الآخرين إليهم عند مشاركة وجهات نظرهم الصادقة، ويخشون من عدم ترحيب الآخرين بأفكارهم أو عدم إيلائها قيمة، ويخشون من التعرض لجرح المشاعر وتضرر علاقاتهم بالآخرين. وفي حين أن هذه المخاوف صحيحة عملياً، إلا أن الضرر الأكبر هو أن يعمل الموظفون ضمن بيئة تفتقر إلى الشفافية والتعاطف. فبإمكان الآخرين معرفة أنك تخفي عنهم بعض الأمور، وهذا الغموض يخلق تهديدات هائلة.

أنشأنا برنامجاً في شركة “إي واي أميركاز” بعنوان “الصراحة اليومية” بهدف منح الموظفين القدرة على التواصل بصدق وانفتاح حول المواضيع الحرجة. وبدلاً من تصميم تجربة الصراحة اليومية على نمط ورشة العمل المعتادة، صممناها لتكون عبارة عن مجموعة أدوات مخصصة للفرق تساعدها في إظهار العقبات المحددة التي تعيق الصراحة بين أفرادها وتحديد مجموعة صغيرة من العادات الجديدة ليتبنوها بصورة جماعية. في الواقع، من الضروري أن يتم العمل على مستوى الفريق، لأنه المكان الوحيد الذي يمكنك أن تنشئ فيه قواعد جديدة وتقدم الدعم اللازم ليعزز الأفراد بعضهم بعضاً عندما يتنامى الشعور بالحرج. يطرح المشاركون في البرنامج الآن السؤال التالي فيما بينهم: “هل يمكنني التحدث معك صراحة؟” و”هلا أخبرتني بوجهة نظرك الصريحة؟” ما يؤدي إلى إنشاء لغة جديدة مشتركة تمنحنا قدرة أكبر على التوصل معاً إلى حلول للوضع الطبيعي الجديد.

*

ليس من السهل الازدهار وسط التغيير والغموض. لكننا نضمن بكل ثقة أن تملك رؤية قائمة على التفاؤل الواقعي بالفعل إذا تسلحت بالاستراتيجيات الصحيحة المتعلقة بموضوع التعامل مع الضغوط من أجل مساعدة نفسك والآخرين. تذكّر الأهم واحرص على استمرار المحادثات الصادقة واعلم أن الأمور ستصبح أفضل في نهاية المطاف.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .