إصلاح تقييم الأداء يتجاوز في جوهره التخلي عن المراجعات السنوية

3 دقائق
التخلي عن المراجعات السنوية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يبدو أن عصر تقييمات الأداء قد انتهى، فبالنسبة للكثيرين هذه التقييمات على وشك أن تندثر. ولهذا نجد أن التخلي عن المراجعات السنوية أصبح رائجاً بين الشركات. إذ تخلت شركة “أدوبي” (Adobe) عن مراجعات الأداء التقليدية التي تستخدمها لتقييم موظفيها البالغ عددهم 11 ألف موظفاً، وقدرت الشركة أن العملية السنوية تتطلب 2,000 مدير و80 ألف ساعة، أي ما يوازي مجهود 40 موظفاً متفرغاً. ولقد تمخضت هذه الجهود المهولة دوماً عن نتائج ضارة، فقد أظهرت استطلاعات الرأي الداخلية أن الموظفين ساورهم شعور بتدني الإلهام والحافز لديهم بعد عمليات التقييم.

منهج التدقيق المتكرر

وبدلاً من التقييمات السنوية، تبنّت الشركة فكرة “التدقيق” المتكرر، حيث يقدم المدراء من خلالها توجيهات واستشارات. وصُممت عمليات التدقيق هذه لتوصيل التوقعات المنشودة من الموظفين ببساطة، والسماح للمدراء بإبداء ملاحظاتهم وتلقي ملاحظات الموظفين، ومساعدة الموظفين على تحسين الأداء، وتوجيههم في مشوار نموهم وتطورهم. وتوفر هذه العملية ملاحظات أسرع وأوثق صلة من المراجعة لمرة واحدة سنوياً، والتي عادةً ما يهابها الموظفون كثيراً. فلا توجد استمارات يتعين تعبئتها في أثناء الزيارات، ولا توجد أي تقنيات توظف لتوجيه المدراء في مهمتهم، لكنهم مدربون على التفاصيل الدقيقة لتقديم الملاحظات وتلقيها عن طريق الجلسات التدريبية ومحاكاة المواقف الواقعية الصعبة أحياناً.

وشركة “أدوبي” ليست الوحيدة التي أقدمت على هذه الجهود الساعية إلى التخلي عن تقييم الأداء التقليدي. فهناك شركات أخرى انضمت إلى الركب وهي إما في المراحل التجريبية أو في مراحل التعميم، ومن بينها شركات “أكسنتشر” (Accenture)، و”كارجيل” (Cargill)، و”كوناغرا” (ConAgra)، و”غاب” (Gap)، و”إنتل” (Intel)، و”جونيبر نتووركس” (Juniper Networks)، و”ميدترونيك” (Medtronic)، و”مايكروسوفت” (Microsoft)، و”سيرز” (Sears). وعلى الرغم من أنني لطالما أيدت التخلي عن تقييمات الأداء التقليدية، فإن لدي بعض التحفظات: هل يمكن أن يترك الرؤساء التنفيذيون موظفيهم في موقف لا يُحسدون عليه ويسيرون على الدرب الأسهل بالنسبة لهم؟

دعوني أطرح سؤالاً أساسياً: لماذا يكره الموظفون تقييم الأداء التقليدي؟ نحب أن نعرف مستوانا في غالبية مجالات حياتنا: كأزواج وزوجات وأبناء وشركاء حياة، وغير ذلك. والواقع أن أغلبنا يتوق لمزيد من الملاحظات، شريطة أن تُقدم إلينا بطريقة بنّاءة وتستند إلى أساس متين. لماذا ننفر منها إذاً، متى تعلق الأمر بالتقييم الرسمي في العمل؟

تكمن الإجابة في أن تقييمات الأداء تركز على النشاط لا على النتيجة والمحصلة، وهذا هو الجانب المهين.

إليكم آلية عمل تقييم الأداء على وجه التقريب، تقتضي الممارسات الشائعة لتصميم تقييم الأداء لشخص ما أن يلجأ قسم الموارد البشرية إلى التوصيف الوظيفي له، الذي يعد أداة مفيدة لبيان ما يفترض أن يضطلع به شاغل الوظيفة. إذا أنجزته ببراعة، فسيأتي تقييمك إيجابياً، أما إذا لم تنجزه ببراعة، فلن تنال الاستحسان. هذا كله يبدو معقولاً حتى تبدأ في وضعه موضع التنفيذ. بالنسبة لموظف الاستقبال، إذا لم تكن حريصاً، فسوف يبحث النظام في عدد المكالمات الهاتفية التي تتعامل معها يومياً. وبتعبير آخر، سينصب التركيز على النشاط ذاته. وفي المقابل، نجد أن منظور موظف الاستقبال لأدائه أكثر تفصيلاً من ذلك بكثير، فيركز بدلاً من ذلك على مدى رضا العملاء عن اتصالاتهم، وهذه هي النتيجة. لا عجب إذاً أنه عندما يحين أوان تقييم الأداء، يشعر موظف الاستقبال بخيبة الأمل لأنه لا يلقى التقدير الواجب.

كيف إذاً نصل إلى النتائج؟

تكمن الإجابة في فحص جانب آخر من جوانب التعارض. يتم تقييم الرئيس التنفيذي بناءً على جودة أداء المؤسسة التي يديرها، فإذا جاء أداء “الخطوط الجوية البريطانية” مثلاً عظيماً، ينال رئيسها التنفيذي الاستحسان ويسمح له بالاحتفاظ بوظيفته. وبتعبير آخر، يعادل أداء الرئيس التنفيذي في هذه الحالة أداء الكيان الذي يديره، أي المؤسسة بأسرها. ونحن جميعاً مرتاحون لذاك التقييم. لماذا إذاً نغير الإطار في المستوى التالي الأدنى منزلةً وما يليه؟ بالنسبة لمدير الإنتاج مثلاً، يستعرض تقييم الأداء كيفية إنجاز أنشطة منصبه، والضربة القاضية المزدوجة الآن هي أن 1) الفرد، لا الكيان الجاري إدارته، هو الذي يخضع للتقييم. 2) النشاط ذاته، لا النتيجة، هي التي تخضع للتقييم. وليس من قبيل المفاجأة أن مدير الإنتاج قد يشعر بالارتباك نوعاً ما من عملية التقييم.

وبالتالي، على الرغم من أنني أشيد بشركة “أدوبي” وغيرها من الشركات لنبذها تقييمات الأداء الخاصة بها، ولتحيا “الزيارات التوجيهية” طويلاً، لكنني أقترح أن تتجاوز مراجعة تقييم الأداء في أي مؤسسة في جوهرها التخلي وحسب عن المراجعات السنوية.

أولاً، ينبغي على المؤسسات إلقاء نظرة ثانية على مسألة القياس بعدسة “النتائج”

ويتم عمل ذلك بالمساواة ما بين الأداء الفردي وأداء الكيان الجاري إدارته بالكامل. على سبيل المثال، ينبغي أن يرتبط أداء مدير التسويق بأداء قسم التسويق بأكمله.

ثانياً، نبتكر مقاييس أداء بناءً على العلاقة التي تربط ما بين كل فريق أو وحدة من وحدات العمل وأصحاب المصلحة الأساسيين فيها

وبهذه الطريقة تظهر النتائج بوضوح وجلاء. في حالة قسم الإنتاج، من المرجح أن يكون أصحاب المصلحة هم الرئيس التنفيذي والموردين والزبائن والأقسام الداخلية الأخرى وموظفي الإنتاج. وفي قاع المؤسسة فقط يتلاقى الكيان الجاري إدارته والفرد. ومثال على ذلك مندوب المبيعات. وهنا مجدداً يُشكّل أصحاب المصلحة أساساً لأي تقييم. وفي حالة مندوبي المبيعات، ينضوي تحت لواء هؤلاء المدير والزملاء في فريق المبيعات والزبائن.

وباتباع هذا النهج الذي يتمحور حول التخلي عن المراجعات السنوية، ستقيس التقييمات “الأداء” الفعلي. وسيدب النشاط في عروق الموظفين جراء هذه العملية، لعلمهم أنه يجري تقييمهم بناءً على الصورة الكبيرة لنتائج الكيان لا على أساس التفاصيل الدقيقة الثانوية لنشاط وظيفتهم. وسوف تتشكل صورة أوضح أمام المؤسسات حيال وجهتها التي تقصدها، وتنشأ روابط وصلات بين مستويات المؤسسة المختلفة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .