4 نصائح تساعدك على تحديد الأولويات المهنية في الأوقات الحافلة بالغموض

7 دقائق
التخطيط لمستقبلك المهني
كارل تاباليس/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: نعيش حقبة يحيطها الكثير من الغموض، وقد تزداد مستويات هذا الغموض خلال العام الحالي وما يليه. وفي ظل هذه الأجواء المشوبة بعدم الاستقرار، قد تجد صعوبة في تطوير حياتك المهنية في الآونة الحالية، فضلاً عن التخطيط للمستقبل. ويقدم كاتب المقالة 4 نصائح يمكن أن تساعدك ليس فقط في التغلب على حالة الغموض من حولك، ولكن أيضاً في إيجاد طريقة للاستفادة منها في التخطيط لمستقبلك المهني.

 

عندما يهلّ عليك عام جديد، فمن الطبيعي أن تفكر في أوضاع حياتك المهنية وتحاول أن تعرف الاتجاه الذي تسير فيه.

ولطالما دأبت الشركات في هذه الأشهر القليلة الأولى على إخطار الموظفين بالتغييرات الطارئة على خطط التعويضات والمكافآت استناداً إلى تقييمات الأداء خلال العام الماضي. كما تعلن عن الترقيات وعمليات إعادة الهيكلة بما يتسق مع التخطيط لتعاقب الموظفين واستراتيجية الشركة. ونتيجة لذلك، قد تتسبب هذه الفترة في احتفال بعض الموظفين، في حين تثير مشاعر القلق لدى زملائهم الآخرين.

ولكن قد يكون من الصعب فهم أولويات حياتك المهنية وفعل أي شيء حيالها هذا العام، نظراً لاستمرار حالة الغموض التي تحيط بحياتنا العملية.

إذ لا تزال الشركات منذ تفشي جائحة فيروس كورونا تحاول التعرُّف على الكثير من العوامل التي تؤثر في المسيرة المهنية لموظفيها، بدايةً من اتخاذ القرارات الصائبة بشأن سياسات العمل عن بُعد، وصولاً إلى تفضيل العمالة المؤقتة على الموظفين العاملين بدوام كامل ووقف موجة الاستقالة الكبرى. وقد أثبتت دراسة حديثة أن معدل دوران الموظفين لا يزال في ارتفاع، ولكن الموظفين باتوا أيضاً أكثر استعداداً عن ذي قبل لترك شركاتهم حتى إذا لم تكن هناك وظيفة أخرى في انتظارهم. وسواء كنتَ قد قررت الرحيل عن شركتك أو البقاء فيها، فلا شك في أن استقرار حياتك المهنية سيتأثر بكل هذه العوامل.

قد يساورك القلق حول اضطراب حياتك المهنية وسيرها بلا اتجاه محدَّد في ظل كل هذه التقلبات. ولكنك ستتعرّف هنا على 4 نصائح يمكن أن تساعدك ليس فقط في التغلب على حالة الغموض من حولك، ولكن أيضاً في إيجاد طريقة للاستفادة منها في التخطيط لمستقبلك المهني.

استفد من الأوقات المشوبة بالاضطرابات لتحسين خططك المهنية بعيدة المدى

عندما تبدو الأمور مستقرة ويمكن توقُّع أحداثها، فلن تكون هناك حاجة مُلحّة إلى اتخاذ أي إجراء يساعدك على تأمل النفس والتفكير بعمق في مستقبلك. وقد يكون اليقين الوظيفي جيداً في الوقت الحالي، ولكنه قد يحرمك أيضاً من العمل على استغلال كل إمكاناتك.

فقد يكون عدم الاستقرار حافزاً لصقل مهارتك المهنية على المدى البعيد. ولك أن تنظر مثلاً إلى معظم الموظفين الذين يؤجلون إعادة التفكير في مستقبلهم إلى أن يتعرّضوا لأزمة عنيفة، كتسريحهم من العمل، أو أولئك الذين يترددون في حسم قرارهم بمغادرة الشركة على الرغم من سوء الأوضاع في مكان العمل.

سيكون من الصعب في هذه المرحلة اكتساب البصيرة الذاتية اللازمة قبل اتخاذ القرارات بدافع اليأس والإحباط. وننصح، بدلاً من ذلك، بالاستثمار في تطوير مسيرتك المهنية بينما لا يزال لديك إحساس بالسيطرة والقدرة على الاختيار حتى تتمكن من الحفاظ على صفاء الذهن والتصرف بطريقة تصب في مصلحتك.

وقد وجدت إحدى عميلاتي، وهي نائبة رئيس إحدى كبرى الشركات المصنَّفة على قائمة “فورتشن 100″، أن خططها للترقي قد تزعزعت عندما غادر الكثير من أقوى المدافعين عنها الشركة لتولي مناصب جديدة في شركات أخرى. كانت هناك شركات أخرى تحاول أن تخطب ودها أيضاً، لكن فكرة الاضطرار إلى العودة إلى السوق أصابتها بالإحباط الشديد. في البداية، قررت الحضور وأداء عملها وعدم القلق بشأن مستقبلها. ولكن سرعان ما أصبح “إبعاد شبح عدم الاستقرار عن مخيلتها وإخراجه من ذهنها” أمراً مستحيلاً.

لذا قررنا استخدام أسلوب “حافة الهاوية” كطريقة للتأمل النفسي والتقييم الذاتي، وهو شيء لم تفعله منذ سنوات. وبالإضافة إلى استخدام بعض الأدوات الرسمية لاكتشاف دروب حياتها المهنية، ألقينا نظرة فاحصة على موقفها من زاوية مختلفة: مستقبلها كنائبة أولى لرئيس الشركة. ماذا كانت ستقول لنفسها اليوم عن شعورها بالعجز والتهميش؟

بدأت عميلتي بملاحظة أنه يمكنها بذل بعض الجهد لتطوير المزيد من العلاقات مع أصحاب المصلحة الرئيسيين. وقررت أيضاً أنها ليست بحاجة إلى النظر إلى الفرص الخارجية كعبء ملقى على كاهلها، بل نظرت إليها كاعتراف بامتلاكها للكثير من المقومات التي يمكن أن تفيد بها أي شركة. وربما لم يكن هناك ضرر في متابعة الفرص المتاحة، دون إلزام نفسها بفعل أي شيء حيالها.

وحينما تراجعت خطوة إلى الوراء خلال هذه الفترة الكريهة المشوبة بعدم الاستقرار، توصلت هذه المسؤولة التنفيذية إلى استراتيجية دفعتها إلى التحرك بشكل مدروس، بدلاً من ترك نفسها في مهب الريح والسماح للظروف التي لا تملك السيطرة عليها بتجريدها من أسباب قوتها.

اكتشف مَنْ تريد أن تكون، وليس فقط ما تريد فعله

أثبتت الأبحاث الحديثة أن ثلثي الموظفين شعروا بأن الجائحة دفعتهم إلى التفكير في هدفهم في الحياة، وأن 70% من الموظفين يرون أن تحديد هدفهم يتوقف على عملهم. وكانت النتيجة حدوث تغيير جذري في الطريقة التي يدير بها الباحثون عن فرص عمل اليوم حياتهم المهنية بمزيد من الوعي، علاوة على تغيُّر الطريقة التي يجب على الشركات أن تستجيب بها فيما يخص القرارات الماسة بالاختيار ومنح الترقيات.

عُد بذاكرتك إلى الوراء للتفكير في التقدم المهني وكيف كان يرتبط دائماً ببناء سيرتك الذاتية، مع المزيد من الأنشطة والنتائج القابلة للقياس في كل تجربة. لا يزال هذا التركيز مهماً، لكنه يتمحور بقوة على ما أنجزته، وليس هويتك.

ولكي تحقق النجاح في بيئة العمل التي تشهد تغيُّرات متلاحقة اليوم، لا سيما كقائد يلهم مرؤوسيه، لا بد أن تعرف مَنْ يجب أن “تكون”، دون الاكتفاء بكتابة قائمة بما يمكنك فعله.

وقد عملتُ مع مدير إدارة سابق في إحدى الشركات المصنَّفة على قائمة “فورتشن 500” ترك شركته في ذروة الجائحة. وبعد بذله جهوداً مكثفة لاكتشاف الذات وكشف النقاب عن قيمه، وبعد أن عرف كيفية استغلال مواهبه وكفاءته بأفضل الطرق الممكنة في هذا العالم، شعر برغبة عارمة في أن يصبح رائد أعمال، وليس موظفاً عادياً.

وبدلاً من الاكتفاء بإعداد المزيد من قوائم المهمات، فكَّر في “الشخصية” التي يريد أن يكونها لكي ينجح كرائد أعمال، وكيف يريد أن يشعر الآخرون بوجوده. عرف عميلي أن قيمه كانت كحجر الأساس الذي يمكنه الاعتماد عليه في خضم حالة الغموض، وذلك ببساطة لأنه عندما اعتنى بها، تحسّنت حالته المزاجية، وعندما لم يفعل ذلك، شعر بالفراغ.

وحينما عرف عميلي الشخصية التي يريد أن “يكونها”، بدلاً من الاكتفاء بمعرفة ما يحتاج إلى فعله كل يوم، استطاع الحفاظ على الدافعية والقدرة على التحمل في مواجهة التغيُّرات اليومية.

ركّز على العملية نفسها، وليس النتائج، وبذلك سيجدك شغفك

بالإضافة إلى الاستقرار الذي تحققه قيمك الأساسية، يمكنك خلق حالة من اليقين من خلال التركيز على العمليات بدلاً من النتائج المتذبذبة. ولن يمنحك هذا إحساساً بالتحكم والسيطرة فحسب، بل سيزيد أيضاً من احتمالية تحقيق نتائج ناجحة في شيء يمكن أن يولّد لديك المزيد من الشغف لمواصلة الإسهامات الإيجابية.

على سبيل المثال: حدِّد بعض السلوكات المهنية ذات الأثر الإيجابي بشكل عام على قدراتك القيادية وإمكانات تقدمك والتخطيط لمستقبلك المهني وقد تشمل الأمثلة: تقديم إسهامات إيجابية أو طرح سؤال ينم عن نفاذ البصيرة في كل اجتماع للفريق، أو اغتنام فرصة سانحة تتجاوز دورك الوظيفي بصفة ربع سنوية، أو لقاء أصحاب المصلحة الرئيسيين واحتساء القهوة معهم كل أسبوع، أو تقديم نفسك لاثنين من المعارف الجدد كل أسبوع، أو عرض فكرة استراتيجية على القيادات كل شهر بحيث تؤثر هذه الفكرة بصورة إيجابية على الإيرادات، أو الاعتراف بجهود زميل في العمل كل يوم وامتداح شيء مفيد قد فعله.

ثم احرص على إظهار هذه السلوكات في الموعد المحدد، سواء كنت تشعر بأنك تريد فعل هذا في ذلك اليوم أو لا. المهم أن تركّز على “المؤشرات الرائدة” للنجاح المهني، وهي تلك الإجراءات التي تمتلك السيطرة الكاملة عليها وتستطيع تجربتها، بدلاً من “المؤشرات اللاحقة” التي لا يمكن التنبؤ بها ولا تظهر إلا بعد تحقيق الهدف، مثل الحصول على ترقية أو وظيفة جديدة.

وتتمثل ميزة التركيز على آلية عملك ومسيرتك المهنية في أنه يساعد على تشكيل هويتك كمساهم مهم بغض النظر عما يحدث. ومع تحسن الإدراك الذاتي، سيزداد حافزك الداخلي، ما يؤدي بدوره إلى توفير المزيد من القدرة على استغلال مواهبك في الجوانب المطلوبة وعرضها على مَنْ يحتاج إليها.

وكما ذكرنا في البداية، ستحتفل بالترقية في بعض السنوات، وفي أحيان أخرى ستشعر بالإحباط بشأن الاضطرار إلى العمل تحت رئاسة مدير جديد. ويصاب الكثير من الموظفين المتميزين بخيبة أمل بسبب ركود حياتهم المهنية خلال هذه التقلبات. ويتخذون قرارات اندفاعية على أمل الحصول على نتائج أفضل، وفي بعض الأحيان يقرّرون المغادرة نهائياً، معتقدين أنهم سيجدون شيئاً آخر أكثر انسجاماً مع شغفهم.

لكن الدراسات أثبتت أن اتباع شغفك لا يتعرّض للمبالغة فحسب، لكن يمكن أن يحد من رأسمالك المهني، وهو المعرفة وشبكات العلاقات وإتقان المهارات التي ستجعلك جذاباً لأصحاب العمل. لذا يُفضَّل أن تلتزم بمجموعة ثابتة من السلوكات المهنية والتركيز على الاتساق وصقل مهاراتك كلما اقتربت من النتائج المرجوة في هذه الأوقات المشوبة بالاضطرابات. وهكذا ستنجح إما في تحقيق أهدافك المهنية الأساسية، أو على الأقل ستطوّر الكفاءة الذاتية والقدرة على التحمل لتوجيه حياتك المهنية نحو عرض جديد ذي قيمة.

طوّر مرونة التعلم لمواكبة التغيُّرات المستقبلية

لا غنى عن تقييم قيمك والعمل المدروس والاستثمار في عملية إنجاز عمل عظيم، وكلها أمور حيوية لمسيرة مهنية ناجحة في خضم التغيُّرات المتلاحقة. لكن هذه العوامل تعتمد بشكل أساسي على شخصيتك الحقيقية.

وهناك عامل آخر مهم لنجاحك على المدى البعيد لأنه يتعلق بكيفية تطورك، أي كيفية التعلم. ويُطلَق عليه اسم “مرونة التعلم”، وسيساعدك تطويرها ليس فقط على البقاء وثيق الصلة بحياتك المهنية، وإنما ستسهم أيضاً في تحقيق التميز في عالم دائم التغيُّر.

والأشخاص الذين يتمتعون بدرجة عالية من مرونة التعلم يديرون حياتهم المهنية من منطلق استعدادهم للتكيف مع المتغيرات وحب الاستطلاع والتأمل وتقليل اللجوء إلى الحيل الدفاعية والتخلص من الأُطر الفكرية العتيقة لإفساح المجال للأُطر الفكرية الهادفة.

وقد أثبتت الأبحاث أن مرونة التعلم العالية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأهداف المهنية الإيجابية للغاية، بدايةً من التعويضات، وصولاً إلى الحصول على الترقيات والتقرُّب من الرئيس التنفيذي وتحسن الصورة المأخوذة عن الكفاءة القيادية.

ابدأ تطوير مرونة التعلم لديك من خلال الممارسات التأملية البسيطة. واحرص على اقتناء مفكرة وإنهاء كل يوم بتمرين مدته 10 دقائق فقط لكتابة مذكراتك، واطرح على نفسك 3 أسئلة: هل جربتُ وأظهرتُ سلوكاً ينم اليوم عن حب الاستطلاع الحقيقي؟ وهل لجأتُ اليوم إلى حيل دفاعية أبديتُ من خلالها تمسكي الشديد بآرائي؟ وهل تعلمتُ أي شيء جديد اليوم أو تحديتُ معتقداتي السابقة؟

وستلاحظ بمرور الوقت أن إلقاء نظرة على مفكرتك، والتعرّف على أنماط تفكيرك سيفتح عينيك على الكثير من الفرص المتاحة لتغيير أُطرك الفكرية وسلوكك من أجل تحقيق النمو في المستقبل.

نعيش حقبة يحيطها الكثير من الغموض، وقد تزداد مستويات هذا الغموض خلال العام الحالي وما يليه. وفي ظل هذه الأجواء المشوبة بعدم الاستقرار، قد تجد صعوبة في تطوير حياتك المهنية في الآونة الحالية، فضلاً عن التخطيط لمستقبلك المهني ولكن باتباع هذه الاستراتيجيات، ستستطيع تمكين نفسك بشكل أفضل لتعزيز مسيرتك المهنية بطريقة ناجحة ومرضية على المستوى الشخصي.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .