كيف يمكن لمجالس الإدارة التخطيط للكوارث التي لا يود أحد التفكير فيها؟

6 دقائق
تخطيط مجالس الإدارة في الشركات للكوارث
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تقع على عاتق مجالس الإدارة مسؤولية خاصة؛ وهي بناء القدرة على التحمل في الظروف الغامضة، حيث يمكن لمجالس الإدارة التخطيط للكوارث التي لا يود أحد التفكير فيها.

من المغري وصف جائحة “كوفيد-19” بأنها من الأحداث المفاجئة غير المتوقعة (التي يطلق عليها “أحداث البجعة السوداء” black swan)؛ فهي حدث غير متوقع ومدمر للغاية لدرجة أنه لم يكن بوسع الشركات الاستعداد له. ولكن الخبراء كانوا يتوقعون جائحات تجتاح العالم منذ سنوات. وفي يناير/كانون الثاني عام 2020، ذكر تقرير المخاطر العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي أن الأمراض المعدية ضمن التهديدات المحتملة. ومع ذلك، فإن عدد الشركات التي أدرجت الجائحة العالمية ضمن الفئات شديدة الخطورة قليل للغاية.

نرى أنه من الأفضل وصف الجائحة الحالية بأنها “فيل أسود” وهو مصطلح مشتق من الجمع بين “أحداث البجعة السوداء” والعبارة المجازية “فيل في الغرفة” التي تعبر عن الحقائق الواضحة التي يتم تجاهلها. وقد صاغ هذا المصطلح المستثمر والمدافع عن البيئة آدم سويدان؛ وهو مصطلح يعبر عن الكارثة التي تلوح في الأفق والمرئية بوضوح وعلى الرغم من ذلك لا يرغب أحد في التصدي لها.

قد تكون الأزمة المالية التي وقعت عام 2008 أول حدث من نوع “الفيل الأسود” ولكن من المحتمل أن نعاني من المزيد من تلك الأحداث كالهجمات الإلكترونية والأعطال في تداول الأوراق المالية القائم على الخوارزميات والكوارث المناخية الناجمة عن التغيرات المناخية. في الماضي كان بإمكان الشركات تجاهل هذه التهديدات بوصفها مشكلات محلية أو إقليمية. ولكن الآن تترابط الأسواق والشركات وتتداخل مع بعضها بشكل عميق للغاية في شتى أنحاء العالم بحيث أن الزعزعة التي تحدث في أحد الأماكن يمكن أن تنتشر بسرعة وعمق في أماكن أخرى.

تقع على عاتق مجالس الإدارة مسؤولية خاصة؛ وهي بناء القدرة على التحمل في ظل هذه الظروف. كما أنها تضطلع بمسؤولية ائتمانية لضمان استدامة الأعمال. ولكن في الماضي، غالباً ما كان التركيز قصير الأجل لأسواق رؤوس الأموال يبعد أعضاء مجالس الإدارة عن التركيز على بناء القدرة على التحمل. على سبيل المثال، أي شركة طيران حاولت بناء احتياطي نقدي كبير في منتصف عام 2010، كان من الممكن أن تتعرض لهجوم المستثمرين المطالبين بتوزيعات الأرباح أو إعادة شراء الأسهم. وفي النهاية استثمرت العديد من شركات الطيران بالفعل في العلاقات طويلة الأجل مع العملاء والموردين، ولكننا نعلم الآن أنها كانت بحاجة إلى إطار أكبر لبناء القدرة على التحمل.

كما أوضح الجنرال السابق ستانلي ماكريستال، سعى الاقتصاد في العقود الأخيرة بقوة إلى استخدام الأصول على نحو فعال. ونظراً إلى زيادة الديون والاعتماد الكبير على التعهيد الخارجي وسلاسل التوريد الضعيفة، أصبحت الشركات عُرضة إلى حدوث زعزعة في أماكن نائية. ومع ذلك، سعى المستثمرون إلى تحقيق عائدات بقوة أكبر من أي وقت مضى، ما أدى إلى تثبيط عزيمة المسؤولين التنفيذيين الذين ربما لم يرغبوا في المجازفة.

ولذلك هناك حاجة إلى استراتيجية جديدة. فالشركات التي ستنجح وتزدهر في المستقبل هي التي أدرجت القدرة على التحمل في صميم نُظمها، وسيكون لديها دليل إرشادي جاهز لاجتياز أحداث “الفيل الأسود”. تقدم هذه المقالة توجيهات على مستوى مجالس الإدارة لتحقيق ذلك من خلال الحوكمة وتطوير القدرات القيادية وبرامج التعويضات.

بناء القدرة على التحمل من خلال الحوكمة

تمتلك مجالس الإدارة وسائل متنوعة لتعزيز القدرة على التحمل ورصد أحداث “الفيل الأسود” المحتملة، حيث يمكنها التشجيع على إجراء اختبارات التحمل في الاستعراضات الشاملة للمخاطر، وأيضاً الضغط على الإدارة بأسوأ سيناريوهات كل حدث، بما في ذلك عندما يصبح التهديد وجودياً بالنسبة إلى الشركة. وبعد ذلك يمكن لمجالس الإدارة اقتراح “تكتيكات ألعاب الحرب” لوضع مبادئ للاستجابة الفعالة مع إعادة عرض الدروس المستفادة على مجلس الإدارة للتقييم والمناقشة.

من الناحية التشغيلية، يمكن لمجالس الإدارة تشجيع الإدارة على تحصين دفاعات الشركة المادية (ضد الفيضانات والأعاصير، على سبيل المثال) والرقمية على حد سواء. فقد كانت الجائحة بمثابة اختبار قاس بالنسبة إلى أنواع عديدة من الدفاعات. ولذلك يمكن لمجالس الإدارة التشجيع على بناء القدرة على التحمل في سلاسل التوريد من خلال العودة إلى التصنيع في الموطن أو إعادة التموضع وتبسيط الإجراءات وأتمتة العمليات المتكررة. ويمكنها أيضاً تعزيز الحلول التقنية للحد من الزعزعة؛ من خلال الأتمتة والطباعة ثلاثية الأبعاد وحتى نُظم تقنية المعلومات المرنة. كما يمكن لمجالس الإدارة توسيع نطاق خيارات العمل عن بُعد التي تدعمها تقنيات عقد المؤتمرات عبر الفيديو الفعالة والآمنة، وغيرها من التقنيات. ونظراً إلى تغير احتياجات الأعمال، يمكن لمجالس الإدارة أيضاً التشجيع على إعداد برامج للتدريب المهني أو لإعادة تدريب الموظفين.

بناء القدرة على التحمل من خلال تطوير القدرات القيادية

تجرى النقاشات والتدريبات المتعلقة بأحداث “الفيل الأسود” فقط عندما يكون القادة في المكان المناسب. ولذلك فإن تطوير قدرات القادة الذين يتمتعون بفطنة تنظيمية وتجارية تتيح لهم التفكير بطريقة إبداعية وعلى نحو استباقي في المستقبل يجب أن يكون من ضمن أهم أولويات مجلس الإدارة. ونظراً إلى أن الإدارة تدفع بالنقاشات المتعلقة بالتخطيط للمواهب إلى مجلس الإدارة، ينبغي لأعضاء مجلس الإدارة تحديد ما إذا كان هناك قادة مرنون في طور الإعداد سيستجيبون للتهديدات بسرعة وحزم، حيث ينبغي لهم البحث عن القادة الذين:

1- يعملون وفق مجموعة من القيم الواضحة، ما يؤدي إلى إجراء المفاضلات التي تبني الالتزام والنوايا الحسنة على المدى الطويل. فهؤلاء القادة شاملون ويتصرفون ويتواصلون بشفافية من خلال مشاركة المبادئ التي تُتخذ القرارات بموجبها ولا يسعون أبداً إلى إلقاء اللوم وينقلون الأخبار سواء كانت سيئة أو جيدة.

2- يمتلكون نظرة شمولية للشركة تمتد إلى ما هو أبعد من صوامعهم الوظيفية المنعزلة.

3- يجعلون المؤسسة تلتف حول هدف تسترشد به، مع تعزيز التعاون على نطاق المؤسسة وتمكين صنع القرارات على الصعيد المحلي للاستجابة للعملاء والموردين والظروف المحلية الفريدة من نوعها.

4- يتصرفون بحزم عندما تكون السرعة مهمة، مع التعلم من القرارات التي كانت دون المستوى وإعادة التمحور عند الضرورة.

5- لديهم فضول من الناحية الفكرية؛ حيث إنهم يلاحظون الأشياء الصغيرة التي تُحدث فرقاً ويرون إمكانات جديدة في حال أصبحت الطرق القديمة لا تجدي نفعاً. ولا يكتفون بما حققوه من أمجاد لأنهم يعلمون أن العالم سوف يستمر في التغير.

يمكن لمجالس الإدارة استخدام عملية التخطيط لتعاقب الموظفين لتكوين رؤية واضحة حول هؤلاء القادة والتأكد من صقل مهاراتهم. على سبيل المثال، يمكن توظيفهم في المبادرات متعددة التخصصات لاستكشاف فرص النمو.

بناء القدرة على التحمل من خلال التعويضات

يمكن لمجالس الإدارة أيضاً المساهمة في بناء القدرة على التحمل من خلال إعادة تصميم برامج التعويضات لجعلها أكثر استجابة للزعزعة. وهذا التحدي مزدوج. أولاً، يتعين على مجالس الإدارة أن توضح للمستثمرين أن استدامة الشركة تعتمد على الاستثمارات من أجل بناء القدرة على التحمل. فبدون دعم من المستثمرين لن تحقق مجالس الإدارة أي إنجاز.

وأثناء بناء هذا الدعم، يمكن لمجالس الإدارة تصميم نظام الحوافز بحيث يعزز القدرة على التحمل مع الحفاظ على المساءلة. لا تزال الشركات بحاجة إلى مسؤولين تنفيذيين يركزون على تعظيم القيمة، كما أنه لا ينبغي أن يكون بناء القدرة على التحمل ذريعة لإغفال تحقيق النمو المربح على المدى الطويل.

سيُبنى قدر من هذه القدرة على التحمل بإيجاد توازن أفضل بين احتياجات جميع أصحاب المصلحة. وستظل الشركات بحاجة إلى أن تكون الحوافز الممنوحة للمسؤولين التنفيذيين متوافقة مع المساهمين، مع تلبية احتياجات أصحاب المصلحة الآخرين. وكما هو الحال في الجائحة الحالية، سيساعد تحقيق هذا التوازن على ضمان أن قادة الشركة يراعون مجتمعاتهم المحلية (من خلال توفير السلع والخدمات المطلوبة)، وضمان عدم توقف الموردين الذين يفتقرون إلى السيولة النقدية عن العمل، ومشاركة الآلام مع موظفي الخطوط الأمامية.

هذا التركيز واسع النطاق على أصحاب المصلحة يُترجَم إلى تدابير قد يكون من الصعب تحديدها وقياسها. قد يعني ذلك زيادة أهمية الحوافز على المدى الطويل، ربما لفترة تتجاوز حدود البرامج القياسية التي تمتد لثلاث سنوات. يمكن لمجالس الإدارة إضافة بطاقة قياس الأداء لتقييم الإسهامات المقدمة إلى أصحاب المصلحة وتعديل الحوافز بناء على النتائج الاستراتيجية والمالية. على سبيل المثال، قد تقيس شركة أغذية ومشروبات التقدم المحرز في استدامة مصادر التوريد وكفاءة التعبئة ومبادرات التنوع والاندماج. ويمكن لمتطلبات الملكية الأكبر المتعلقة بحيازة المسؤولين التنفيذيين للأسهم في الشركة أن تدعم هذه الحلول.

وإذا طغى أحد أحداث “الفيل الأسود” على خطط التعويضات هذه، ستحتاج الشركات إلى الحكم والتقدير بعد وقوع الحدث. ولكن يمكن لأعضاء مجلس الإدارة العمل في الوقت الحالي على وضع قواعد لتنظيم تلك التعديلات. يمكن أن تكون تلك القواعد نابعة من تكتيكات ألعاب الحرب، ولكن فيما يلي بعض المبادئ لضمان الإنصاف:

* إجراء تعديلات متناسقة؛ فإذا عدّلت مجالس الإدارة التعويضات بزيادتها وفقاً لعوامل غير متوقعة ما يضر بالنتائج، فينبغي لها أيضاً إجراء تخفيضات وفقاً للعوامل التي تعزز النتائج.

* الحفاظ على العلاقة بين الأجور والأداء إلى أقصى قدر ممكن.

* ضمان الشفافية التامة داخلياً وخارجياً، من خلال التواصل الواضح مع أصحاب المصلحة، خاصة المستثمرين والمسؤولين التنفيذيين.

* النظر في الكيفية التي ستوفر بها الإجراءات المتخذة معلومات حول الأحداث السابقة أو التي ستؤثر بها على الشركة لفترة طويلة بعد حدث “الفيل الأسود”.

يستغرق بناء القدرة على التحمل سنوات، لذلك ينبغي لمجالس الإدارة إعداد برامج طويلة الأجل وليس مبادرات كبيرة وسريعة. أعضاء مجلس الإدارة مشغولون في الوقت الحالي بالتعامل مع الأزمة الحالية، ولكن بمرور الوقت سيتمكنون من استغلال الجائحة بوصفها نقطة انطلاق ليجعلوا شركاتهم مستعدة لحدث “الفيل الأسود” التالي.

اقرأ أيضاً: مهارات التفكير الاستراتيجي

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .