إدارة الاختلافات: التحدي الأبرز في الاستراتيجية العالمية

27 دقيقة
إدارة الاختلافات
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عند التطرق إلى الحديث عن الاستراتيجية العالمية، يطرح معظم قادة الأعمال والأكاديميين افتراضين: أولهما أن التحدي الأبرز يتمثل في تحقيق التوازن السليم بين وفورات الحجم من ناحية، والاستجابة للظروف المحلية من ناحية أخرى، وثانيهما أنه كلما ركزت الشركات بصورة أكبر على وفورات الحجم في عملياتها حول العالم، ازدادت عالمية استراتيجياتها. فماذا عن إدارة الاختلافات في هذا المجال؟

ويخلق كلا الافتراضيّن إشكالية حول كيفية إدارة الاختلافات في هذا المجال، حيث أن الهدف الأساسي لأي استراتيجية عالمية لابد أن يتمثل في إدارة الاختلافات الكبيرة الناشئة على الحدود، سواء كانت تلك الحدود جغرافية أم غير ذلك. إذ يمكن اعتبار استراتيجيات توحيد المعايير، واستراتيجيات الاستجابة المحلية بمثابة ردّيْن سائغين تجاه هذا التحدي، فكلاهما – بعبارة أو أخرى – يمثلان استراتيجيات عالمية. إضافة إلى ذلك، فإن افتراض أن التوتر الرئيسي في الاستراتيجية العالمية هو ذلك الموجود فقط بين وفورات الحجم والاستجابة المحلية فقط يشجع الشركات على إهمال استجابة وظيفية أخرى لتحدي التكامل عبر الحدود، وهي المراجحة. إذ تجد بعض الشركات فرصاً كبيرة لخلق القيمة، عبر استغلال الفروقات والاختلافات التي تواجهها في أسواقها المختلفة عبر الحدود، وذلك بدلاً من محاولتها التكيف معها أو التغلب عليها. لذلك، أصبحنا نرى بشكل متزايد سلاسل قيمة تمتد لتشمل عدة دول في آن واحد. إذ أشار الرئيس التنفيذي لشركة “آي بي إم”، صامويل بالميسانو، في مقالة له نُشرت مؤخراً في مجلة “فورين أفيرز”، إلى أن ما يقرب من 60 ألف مصنع تم بنائهم في الصين وحدها، بواسطة شركات أجنبية بين عامي 2000 و 2003. كما أن التجارة في الخدمات المعتمدة على تقنية المعلومات – والتي شغلت الهند فيها ما يزيد عن نصف الاستثمار خارج الحدود سواء في تقنية المعلومات أو أنشطة العمل عام 2005 – بدأت مؤخراً في اكتساب تأثير ملموس على التجارة الدولية في الخدمات ككل.

اقرأ أيضاً: كيف تستطيع فرق العمل المدارة ذاتياً تسوية النزاعات؟

ما هو مثلث (AAA)؟

وفي هذا المقال، سأعرض إطاراً جديداً لمقاربة التكامل العالمي في أعمال الشركات التجارية في سبيل إدارة الاختلافات في هذا المجال، والذي من شأنه المساهمة في تجاوز المشكلات والتحديات التي ذكرناها في السطور السابقة. وقد أطلقتُ على هذا الإطار اسم (AAA Triangle) أو مثلث (AAA)، إذ يشير كل حرف منهم إلى نوع مختلف من أنواع الاستراتيجيات العالمية المعنية بموضوع إدارة الاختلافات فيها. فالتكيف (Adaptation) يعني تعزيز الإيرادات وتنمية الحصة السوقية من خلال زيادة تواؤم الشركة مع محيط وجودها. وأحد الأمثلة الصارخة على ذلك يتمثل في إنشاء وحدات محلية في كل سوق وطني تضطلع بجميع مهمات سلسلة التوريد بصورة مثلى، وتلجأ الكثير من الشركات إلى هذه الاستراتيجية حين تبدأ بالتوسع خارج نطاق سوقها المعتاد. والتجميع (Aggregation) هو محاولة الاستفادة من وفورات الحجم، عبر إنشاء عمليات تجارية على مستوى إقليمي أو حتى على مستوى عالمي أحياناً، ويشمل ذلك توحيد عرض المنتَج المباع أو الخدمة المقدمة وتجميع عمليات التطوير والإنتاج. بينما المراجحة (Arbitrage) هي استغلال الفروقات والاختلافات الحاصلة بين الأسواق الوطنية أو الإقليمية، إذ يتم ذلك غالباً من خلال توزيع عناصر سلسلة التوريد في أماكن مختلفة وفقاً لميزات وخصائص كل سوق. مثلاً، مراكز المكالمات في الهند، والمصانع في الصين، ومحال التجزئة في أوروبا الغربية.

وانطلاقاً من أن معظم المؤسسات العابرة للحدود ستقتبس خلال عملها من الاستراتيجيات الثلاث إلى حد ما، فيمكن استخدام الإطار المذكور لتطوير سجل أداء مختصر يشير إلى المستوى الذي تبلغه الشركة في عالمية أدائها. ومع ذلك، فإن التجاذبات والتوترات القوية التي تحملها هذه المقاربات أو الاستراتيجيات في داخلها وفيما بينها، تجعل التعامل معها بمجرد وضع إشارة أمام كل منها عند تطبيقها أمراً غير كافٍ. فالخيار الاستراتيجي يتطلب قدراً من ترتيب الأولويات، وهو ما يمكن للإطار المطروح المساعدة فيه كذلك.

فهم مثلث AAA من أجل إدارة الاختلافات في الاستراتيجيات

يرتكز مثلث AAA في طرحه على فكرة أن الشركات التي تنمي أعمالها خارج سوقها المعتاد يتعيّن عليها تبني واحد أو أكثر من الخيارات الاستراتيجية الأساسية: التكيف والتجميع والمراجحة. وتختلف هذه الأنواع من الاستراتيجيات فيما بينها في نواح عديدة ذات أهمية (كما هو ملخص في الشكل التوضيحي “ما هي خيارات العولمة التي تتبناها؟”)

وترتبط كل من تلك الاستراتيجيات الثلاث بأنواع مختلفة من المؤسسات. فإذا مالت شركة إلى التركيز على التكيف من أجل إدارة الاختلافات فيها، فالراجح أنها تتبع تنظيماً يتمحور حول الدولة (أو الدول) التي تعمل فيها. وإذا كان التجميع هدفاً أساسياً للشركة، فالتجميعات متعددة الأنواع والعابرة للحدود – من قبيل وحدات الأعمال أو قطاعات المنتجات العالمية، والتشكيلات الإقليمية، وحسابات العملاء العالمية، وما شابه ذلك – تبدو منطقية جداً. بينما يغلب التركيز على المراجحة في حالات الشركات العمودية أو الوظيفية التي تولي اهتماماً واضحاً للموازنة بين العرض والطلب سواء داخل الحدود المؤسسية أو عبرها. ومن الواضح أنه لا يمكن للأنماط الثلاثة من التنظيم المؤسسي أن تأخذ الصدارة معاً في أي مؤسسة في الوقت ذاته. وعلى الرغم من أن بعض مقاربات التنظيم المؤسسي (كتنظيم المصفوفة مثلاً) يتيح الجمع بين عناصر مأخوذة من أكثر من نمط، إلا أنها في هذه الحالة ستنطوي على تعقيد إداري من جهة أخرى.

اقرأ أيضاً: حضر فريقك للبدء بالعمل وإنهاء النزاعات

وعلى أرض الواقع، تتبنى معظم الشركات مقاربات مختلفة في فترات متباينة خلال مسيرة صعودها إلى العالمية من أجل إدارة الاختلافات فيها، وقد يمر بعضها بالمقاربات الثلاث جميعها، إذ تأتي شركة “آي بي إم” كمثال بارز على ذلك. فقد اتبعت هذه الشركة على مدار معظم تاريخها استراتيجية التكيف، وقدمت خدماتها للأسواق الخارجية عبر تأسيس ما يمكن وصفه بـ “آي بي إم صغرى” في كل دولة مستهدفة. وقامت كل من هذه الشركات المستنسخة بمجموعة مكتملة من الأنشطة إلى حد كبير (باستثناء البحث والتطوير وتوزيع الموارد)، وتكيفت مع ظروفها المحلية بقدر حاجتها إلى ذلك. وفي فترة الثمانينيات والتسعينيات، أدى الامتعاض الناتج عن مدى الخسائر التي سببها التكيف المحلي، وما أضاعه من فرص وفورات حجم عالمية إلى تأسيس طبقة إدارية إقليمية تعلو هذه الشركات الصغرى. إذ شرعت “آي بي إم” بتجميع الدول وتصنيفها لتنضوي تحت أقاليم بهدف تحسين التنسيق، وتوليد المزيد من وفورات الحجم على المستوى الإقليمي والعالمي، لتتبنى بذلك استراتيجية التجميع. ومع ذلك، فقد بدأت “آي بي إم” مؤخراً باستغلال الفروقات بين الدول. ويظهر الأثر الجلي لهذا التوجه الجديد نحو المراجحة “وهو مصطلح لا تستخدمه قيادة الشركة” في جهود الشركة لاستغلال فرق الرواتب بزيادة تعداد موظفيها في الهند من 9,000 موظف عام 2004 إلى 43,000 موظف منتصف عام 2006، كما أنها تخطط لنمو إضافي هائل في هذا المضمار. وينتمي أغلب هؤلاء الموظفين إلى “آي بي إم غلوبال سيرفيسيز” (IBM Global Services) الذي يمثل جزء الشركة الأسرع نمواً والأدنى ربحية، ويقع على عاتقهم المساعدة في التطوير بافتراض خفضهم للتكاليف عوضاً عن رفع الأسعار.

انطلقت شركة “بروكتر آند غامبل”، على غرار شركة آي بي إم في سبيل إدارة الاختلافات المتعلقة بالاستراتيجية، من خلال إنشاء نسخ مصغرة عنها في كل سوق محلي تتواجد به، غير أنها نمت وتطورت بشكل مختلف. فوحدات الأعمال العالمية التابعة للشركة تمارس البيع الآن عبر مؤسسات لتطوير الأسواق التي تم تجميعها لتعمل على المستوى الإقليمي. ويشرح الرئيس التنفيذي، لافلي، أنه مع استعداد الشركة الدائم للتكيف مع الأسواق الهامة، تتحقق غايتها الأبرز في التغلب على المنافسين – سواء الشركات متعددة الجنسيات ممن افتتحوا فروعاً محلية أو الشركات المحلية ذاتها – من خلال التجميع. كما يوضح أيضاً أهمية المراجحة لشركته (غالباً عبر التعهيد الخارجي)، لكن بشكل أقل مقارنة مع التكيف والتجميع، فيقول: “إذا أثر شيء على المستهلك، فإننا لا نلجأ إلى التعهيد الخارجي”. وأحد الأسباب الواضحة في هذا الإطار، أنه على الرغم من اتساع نطاق مراجحة العمالة في قطاع السلع الاستهلاكية سريعة التداول، إلا أن تلك المقاربة ما تزال أقل محورية منها في قطاع آخر مثل خدمات تقنية المعلومات. وكما تشير هذه الأمثلة، تختلف القطاعات فيما بينها في مقدار ما تتيحه من تطبيق لكل من الاستراتيجيات الثلاث.

ولا يقتصر الأمر على وجود الاختلاف بين القطاعات وبعضها، وإنما قد يطال الشركات العاملة ضمن ذات القطاع من أجل إدارة الاختلافات بشكل أوسع، فتختلف فيما بينها اختلافاً حاداً في النهج الذي تخطوه كل منها لاستراتيجيتها العالمية. فإذا وضعنا جانباً الشركات العملاقة الآتية من الدول المتقدمة، سنجد مثالاً مزدوجاً يعرض سيرة شركتين رائدتين في خدمات تقنية المعلومات، وكلاهما تعمل في مجال تطوير البرمجيات في الهند: “تاتا كونسالتنسي سيرفيسيز” (Tata Consultancy Services, TCS) و”كوغنيزانت تكنولوجي سولوشنز” (Cognizant Technology Solutions). إذ بدأت شركة “تي سي إس” – وهي الأكبر محلياً – في تصدير خدماتها البرمجية منذ 30 عاماً، ولطالما كانت المراجحة هي استراتيجيتها الأبرز. لكن ما شهدتُه بنفسي عن قرب على مدار السنوات الأربع الماضية، بل وكنتُ طرفاً فاعلاً فيه، هو تطويرها نموذج إنتاج شبكي بهدف تجميع العاملين داخل الأقاليم وفيما بينها. أما الشركة الأخرى، والتي تحتل المرتبة الرابعة محلياً، فعلى الرغم من أنها بدأت أيضاً بالمراجحة وما تزال تعتمدها كاستراتيجية أساسية، إلا أنها شرعت في الاستثمار بصورة موسعة في التكيف، بهدف إحراز وجود محلي في سوق الولايات المتحدة على وجه الخصوص. وعلى الرغم من أن مقر الشركة في الولايات المتحدة، إلا أن معظم مراكز تطوير البرمجيات التابعة لها وموظفيها في الهند.

ويتيح مثلث AAA للمدراء تقدير أي من هذه الاستراتيجيات الثلاث – أو أي تشكيلة منها – يمكنها أن تمنح الميزة الأكبر لشركاتهم في سبيل إدارة الاختلافات فيها، أو في القطاعات التي ينشطون فيها ككل. إذ تُبرز بنود النفقات الواردة في بيانات دخل الأعمال التجارية صورة تقريبية ومتاحة تعكس أهمية كل من هذه الاستراتيجيات. فمثلاً الشركات التي تعلن كثيراً ستكون بحاجة إلى استراتيجية التكيف مع السوق المحلي. بينما تلك التي تُجري الكثير من البحث والتطوير قد ترغب باللجوء إلى استراتيجية التجميع لتحسين وفورات الحجم طالما أن العديد من نفقات هذا النشاط ثابتة في طبيعتها. أما الشركات ذات العمليات كثيفة العمالة، فاستراتيجية المراجحة فيها لها وزنها بسبب الاختلاف الشاسع في أجور العمال من بلد إلى آخر. وبحساب هذه الأنواع الثلاثة من النفقات كنسبة مئوية من المبيعات، يغدو بإمكان أي شركة أن تحصل على تصور لمدى انخراطها في كل من المسارات الاستراتيجية المختلفة. فإذا أحرزت شركة ما موقعاً يجعلها ضمن العشرية العليا في أي من الأنشطة الثلاثة – كثافة الإعلانات، أو كثافة البحث والتطوير، أو كثافة العمالة – فعليها أن تكون على حذر. (انظر الشكل التوضيحي “مثلث AAA” لمزيد من التفصيل حول التأطير).

[su_expand more_text=”المزيد” less_text=”أقل ” height=”290″ link_color=”المزيد” link_align=”right”]

ما هي خيارات العولمة التي تتبناها؟

عندما يسمع المدراء للمرة الأولى حول الاستراتيجيات الثلاث (التكيف والتجميع والمراجحة) التي تشكل إطار مثلث AAA للعولمة، يغلب على معظمهم الانسياق خلف استجابة “لنقم بها جميعها”. غير أن الأمور ليست بتلك البساطة. فنظرة فاحصة إلى تلك الاستراتيجيات الثلاث كفيلة بكشف الفروقات والتجاذبات التي تكتنف العلاقة فيما بينها. وبالتالي، يجب على قادة الأعمال اكتشاف أي من تلك العناصر تلبي احتياجات شركاتهم، ومن ثم ترتيب الأولويات على أساس ذلك.

التكيفالتجميعالمراجحة
الميزة التنافسية: لماذا علينا تبني العولمة من الأساس؟لإحراز تناسق محلي من خلال التركيز في كل بلد مع الاستفادة من بعض فرص وفورات الحجملإحراز وفورات المجال ووفورات الحجم عبر الالتزام بالمعايير على نطاق عالميلإحراز الميزات المطلقة من خلال الاستفادة من التخصصات على امتداد العالم
التشكيل: ما هي أفضل الأماكن التي ينبغي اختيارها للقيام بعملياتنا؟تحديداً في الدول الأجنبية التي تتشابه مع الدولة الأساس (صاحبة المنتج أو الخدمة)، وذلك للحد من آثار الاختلافات الثقافية والإدارية والجغرافية والاقتصادية.تحديداً في الدول الأجنبية التي تتشابه مع الدولة الأساس (صاحبة المنتج أو الخدمة)، وذلك للحد من آثار الاختلافات الثقافية والإدارية والجغرافية والاقتصادية.في بلاد أكثر تنوعاً واختلافاً، بهدف الاستفادة من بعض ميزات هذه البلاد المختلفة.
التنسيق: ما هي الطريقة التي ينبغي اتباعها لإقامة صلات بين مراكز العمليات العالمية؟بحسب كل دولة، مع التركيز على إحراز وجود محلي ضمن حدودهاعلى مستوى نوع العمل أو الأقاليم أو العملاء، مع التركيز على العلاقات الأفقية بهدف تحقيق وفورات مجال عبر الحدودبحسب المهام، مع التركيز على العلاقات العمودية حتى خارج الحدود المؤسسية
التحكم والسيطرة: ما هي الحدود القصوى التي ينبغي التنبه لها؟التنوع الزائد عن الحد أو التعقيد الشديدتطبيق المعايير بكثافة، مع التركيز على النطاقتضييق حدود الانتشار
معوقات التغيير: من هم الأفراد الذين ينبغي علينا الاحتراس منهم داخلياً؟مدراء الدول المتخندقين في أماكنهمأصحاب الحسابات أو القادة الإقليميين أو رؤساء الوحدات ممن يمتلكون صلاحيات مطلقةرؤساء الوظائف الأساسية
الدبلوماسية المؤسسية: ما هي المقاربة الأفضل للقيام بالدبلوماسية المؤسسية؟تجاوب مع القضايا ذات الأهمية، مع إحراز التقدم بوعي آخذاً في الحسبان تأسيس وجود محليحاذر الظهور بمظهر التجانس أو الاستبداد (خاصة مع الشركات الأميركية)، وكن ذا حس مرهف لأي هزة تقعحاذر ممارسة الاستغلال أو الإزاحة في حق الموردين أو القنوات أو الوسطاء ممن هم أكثر عرضة للزعزعة لأسباب سياسية
استراتيجية المؤسسة: ما هي الروافع الاستراتيجة التي بحوزتنا؟اختيار النطاق، التنوع، اللامركزية، التقسيم، النمذجة المرونة، الشراكة، إعادة التجمع، الابتكارالأقاليم وسواها من التجمعات بين الدول، المنتج أو العمل التجاري، الوظيفة، المنصة، القدرة، قطاع عمل الزبونثقافي (تأثيرات بلد المنشأ)، إداري (الضرائب، الإجراءات التنظيمية، الأمن)، جغرافية (المسافة، فرق المناخ)، اقتصادي (الفروقات في الأسعار والموارد والمعرفة)
[/su_expand]

والآن كيف نطبق مثلث AAA على الشركات التي ذكرتها آنفاً من أجل إدارة الاختلافات فيها، وفقاً لنفقاتها؟ فإذا تخيلنا أن تلك النفقات تتمثل على إحصائية بيانية، فنجد أن الأعمال التجارية في بروكتر آند غامبل تميل إلى التجمع ضمن الربع العلوي في كثافة الإعلان، ما يشير إلى مواءمة اتباع استراتيجية التكيف. أما شركات “تي سي إس” و”كوغنيزانت” و”آي بي إم غلوبال سيرفيسيز” فتتميز بكثافة عمالتها، مما يشير إلى إمكانية اعتماد استراتيجية المراجحة. غير أن شركة آي بي إم سيستيمز (IBM Systems) تحتل ترتيباً في كثافة البحث والتطوير يفوق نظيره في كثافة العمالة بكثير، مما يجعلها مؤهلة بالنتيجة لاعتماد استراتيجية التجميع أكثر من المراجحة.

من A إلى AA

على الرغم من أن معظم الشركات ستتبع – أو يتوجب عليها أن تتبع – استراتيجية تتضمن مواصلة التركيز على تحقيق واحدة فقط من الاستراتيجيات الثلاث من أجل إدارة الاختلافات فيها، فإن بعض الشركات الرائدة – من أمثال “آي بي إم” و”بي آند جي” و”تي سي إس” و”كوغنيزانت” – تحاول التركيز في أداء استراتيجيتين اثنتين من أجل إدارة الاختلافات ويأخذ هذا النجاح الثنائي في الاستراتيجية (AA) صورتين، إحداهما تتمثل حينما تربح الشركة معركة الأعمال لأنها هزمت منافسيها في الاستراتيجيتين معاً. بينما تتمثل الحالة الثانية، وهي الأكثر شيوعاً، في ربح الشركة معركة الأعمال بسبب حسن إدارتها للتجاذب الحاصل بين الاستراتيجيتين بصورة أفضل من منافسيها.

خريطة AAA

ويتطلب العمل على منوال AA إبداعاً حقيقياً على المستوى المؤسسي والمادي. إذ سيكون على الشركات بذل ما هو أكثر من تخصيص الموارد ومراقبة العمليات المحلية من مقر إدارتها. ويشمل ذلك تطبيق سلسلة واسعة من الأدوات التكاملية التي تتنوع ما بين القاسية مثل التشكيلات الإدارية والأنظمة مثلاً، والناعمة مثل (الأسلوب والتفاعل الاجتماعي مثلاً). فلنلق نظرة على بعض الأمثلة.

1- التكيف والتجميع

كما أشرتُ سابقاً، فقد بدأت شركة “بروكتر آند غامبل” باتباع استراتيجية التكيف. ولكن أدت المحاولات المتوقفة للتجميع – خاصة في أرجاء أوروبا – إلى تثبيت تشكيلة مصفوفة ممتدة طولاً بحسب كل وظيفة خلال الثمانينيات، غير أن تلك المصفوفة برهنت على عدم فاعليتها. وهو ما حدا بالرئيس التنفيذي الجديد، ديرك جاغر، عام 1999 إلى إعلان إعادة تشكيل المصفوفة المذكورة سابقاً، مع استبقاء مسؤولية الأرباح الأولى بيد وحدات الأعمال العالمية (global business units, GBU)، وتوفير الدعم اللازم لها من مؤسسات تطوير السوق الجغرافية (market development organizations, MDO)، التي أدارت فرق المبيعات، والتي تشترك مع وحدات الأعمال العالمية، على الأرض، ودخلت الأسواق.

اقرأ أيضاً: دراسة حالة: عندما يكره اثنان من كبار قادة الفريق بعضهما بعضاً

فماذا كانت النتيجة؟ الدخول في فوضى عارمة أشبه ما تكون بفتح أبواب جهنم في عدة نواح، بما في ذلك وسائط التواصل ما بين مؤسسات تطوير السوق ووحدات الأعمال العالمية. ولم يلبث جاغر أن ترك منصبه بعد ذلك في أقل من عام. ثم جاء خلفه لافلي، الذي تمتعت “بروكتر آند غامبل” في عهده بنجاح فاق به سلفه بكثير، إذ تبنت الشركة استراتيجية أكثر اتزاناً في توفيقها بين التكيف والتجميع مع فسح المجال للاختلافات عبر وحدات الأعمال العامة وبين الأسواق. وبالتالي، فقد تم استبقاء قطاع المستحضرات الدوائية بقنوات توزيعه المختلفة عن سواه خارج منظومة مؤسسات تطوير السوق، مع ترك مسؤولية تحقيق الربح في أيدي المدراء العاملين على مستوى الدول في الأسواق الناشئة مراعاة للتحديات الكبيرة المرتبطة بتطوير تلك الأسواق. ولا يقل أهمية عن ذلك شبكات اتخاذ القرار في الشركة، والتي تم التوافق عليها بعد شهور من التفاوض. إذ تحدد هذه الشبكات البروتوكولات الحاكمة لعملية صنع القرار، وكيفيته، والطرف الذي يقوم به – وحدات الأعمال العامة أو مؤسسات تطوير السوق – مع الاحتفاظ إجمالاً بمسؤولية تحقيق الأرباح، وحق اتخاذ القرارات التي لا تشملها النسائج المذكورة بيد وحدات الأعمال العالمية. كما تساعد نظم تقنية المعلومات العامة في عملية التكامل هذه. وتقوم دورة مفصلة من المراجعات على عدة مستويات لتنفخ الروح في هذه المنظومة الإدارية وتحرك ساكنها.

وتُدعم هذه التشكيلات والنظم بواسطة أدوات معنوية وآليات أخرى من شأنها تعزيز الفهم المتبادل والتعاون المشترك. وهكذا، فكثيراً ما كانت المقرات الإقليمية لوحدات الأعمال العالمية محاذية للمقرات الإقليمية الخاصة بمؤسسات تطوير السوق. وكان الترقي إلى منصب مدير أو أكثر يتطلب امتلاك خبرات تجمع بين المعرفة في كل من وحدات الأعمال العالمية ومؤسسات تطوير السوق. وقد عزز هذا الاشتباك المشاهَد في المسارات المهنية الانطباع بأن الأفراد العاملين في كلا الوحدتين سواسية ولا فرق بينهم. وكعامل وقاية إضافي لئلا يشعر أفراد مؤسسات تطوير السوق بالتهميش بسبب عدم مسؤوليتهم عن تحقيق الأرباح، أنشأت الشركة تشكيلاً – وضع دعائمه الأولى نائب رئيس العمليات العالمية روبرت ماكدونالد – للاعتناء بآراء هؤلاء الأفراد والاستماع إلى ما يقلقهم.

2- التجميع والمراجحة

على عكس شركة “بروكتر آند غامبل”، فضّلت شركة “تي سي إس” أن تسلك منهجاً يوازن بين استراتيجيتي التجميع والمراجحة.

لقد سعت الشركة  للاستفادة من ميزات استراتيجية التجميع دون خسارة ميزتها التنافسية التي تحصل عليها من استراتيجية المراجحة، لذلك ركزت تي سي إس على نموذجها في التسليم، والذي يعتمد على شبكتها العالمية، بهدف تكوين بُنية تسليم متجانسة تعتمد على ثلاثة أنواع من مراكز تطوير البرمجيات:

  • المراكز العالمية (الهند): وتخدم عملاء كبار، وتتميز بامتلاكها خبرات واسعة وعميقة في مجالها، وإمكانات فائقة، ونضج في إجراءات البرمجة، وانتظام في عمليات ضبط الجودة. وتقع هذه المراكز في الهند، وكذلك هناك بعض المراكز قيد التجهيز في الصين، إذ كانت “تي سي إس” أول شركة برمجيات هندية تفتتح مركزاً في هذا البلد.
  • المراكز الإقليمية (كتلك التي في أورغواي والبرازيل وهنغاريا): تملك إمكانات متوسطة، وقدرات محددة، مع تركيزها على التحديات اللغوية والثقافية. وتوفر هذه المراكز بعض الميزات الاقتصادية للمراجحة، وإن كانت لم تصل حتى الآن في ضخامتها إلى ما توفره المراكز العالمية في الهند من ميزات.
  • المراكز الساحلية (كتلك التي في بوسطن وفونيكس): تملك إمكانات صغرى، ويتمحور دورها حول توفير الراحة للعملاء من خلال قربها الجغرافي منهم.

ويبدو أن امتلاك “تي سي إس” بنية تسليم عالمية متجانسة ساهم في تحقيقها مكاسب مالية عالية من العملاء الدوليين. وعلى سبيل المثال، أعلنت “تي سي إس” في سبتمبر/أيلول 2005 عن توقيعها عقداً متعدد الجنسيات، مدته خمس سنوات، مع المصرف الهولندي “أيه بي إن أمرو” (ABN AMRO)، مع توقعات بأن يدر ذلك على الشركة ما يزيد عن 200 مليون يورو. وعلى الرغم من أن منافستها شركة “آي بي إم” ربحت صفقة مع ذات المصرف تفوق ما ربحته “تي سي إس” بأضعاف، إلا أن صفقة الأخيرة مثلت أكبر عقد أنجزته شركة برمجيات هندية حتى الساعة، وهو إنجاز باهر في نظر إدارة الشركة، خاصة في ظل محاولاتها للتنافس مع آي بي إم غلوبال سيرفيسيز، و”أكسنتشر” (Accenture). وبحسب الرئيس التنفيذي لشركة تي سي إس، رامادوراي، فإن شركته تمكنت من هزيمة منافسيها من الشركات الهندية، بما في ذلك شركة كان لها يد عند مصرف أيه بي إن أمرو جراء تنفيذها مشروعاً تأهلت له، بصفتها الشركة الهندية الوحيدة التي كانت قادرة على توفير عدة مئات من المحترفين، لتنفيذ ما يحتاجه المصرف من تطوير برمجيات وصيانة لها في عملياته في البرازيل.

3- المراجحة والتكيف في سبيل إدارة الاختلافات

أما شركة “كوغنيزانت”، فقد اتخذت لنفسها مساراً مختلفاً، إذ اعتمدت التوازن بين استراتيجيتي المراجحة والتكيف من خلال الاستثمار المكثف لترسيخ وجودها المحلي في الولايات المتحدة بصفتها سوقها الأساسي، وذلك إلى درجة تمكنها من تقديم نفسها كشركة هندية أحياناً أو كشركة مقرها الولايات المتحدة في أحيانٍ أخرى، بما يناسب الظرف الذي تخوضه.

بدأت كوغنيزانت عام 1994 تحت شركة “دن آند برادستريت” (Dun & Bradstreet)، مع تمتعها بتوزيع متوازن في مراكز القوى أكثر مما هو الحال في الشركات الهندية الخالصة. وعند انفصالها عن الشركة الأم بعد عامين، تولى المؤسس كومار ماهاديفا التعامل مع العملاء في الولايات المتحدة، فيما تولى لاكشمي نارايانان، المسؤول التنفيذي عن العمليات حينذاك، ونائب الرئيس الآن، الإشراف على تسليم الخدمات خارج الهند. ثم ما لبثت الشركة أن صنعت تشكيلة إدارية مزدوجة، يشرف دوماً من خلالها قياديان على مستوى العالم على كل مشروع – أحدهما في الهند والآخر في الولايات المتحدة – بحيث يكون كلاهما مسؤولين بصورة مشتركة ويتقاضيان بشكل متساو. ويتذكر الرئيس التنفيذي لشركة كوغنيزانت، فرانسيسكو دي سوزا، كيف احتاج تنفيذ تلك التشكيلة الإدارية إلى عامين، بل احتاج تغيير التفكير إلى أكثر من ذلك في وقت كان تعداد الموظفين فيه لا يتجاوز 600 (مقارنة بما يزيد عن 24 ألفاً في الوقت الراهن). وكما يبين الشكل التوضيحي “استراتيجية AA في كوغنيزانت”، فقد كانت هذه التشكيلة الإدارية المزدوجة مجرد عنصر واحد فحسب – بكل ما يحمله من أهمية – ضمن مجهود موسع عابر للتخصصات، لتجاوز ما تعتبره الإدارة التحدي الأكبر للتكامل في الاستثمار العالمي خارج الحدود: وهو التنسيق الرديء ما بين فريق التسليم وفريق التسويق، والذي من شأنه أن يؤدي إلى التنافر الكامل بينهما، والتملص من أي تقصير في التواصل المطلوب.

لا تتسم جميع الابتكارات التي تمكن من الجمع بين استراتيجيتين بطبيعة هيكلية. إذا يتعلق البعض بالأفراد. فهناك خوارزمية معقدة في آخر مبادرات آي بي إم للمراجحة – التي تمت إضافتها إلى استراتيجية الشركة للتجميع – تتعلق بالتوفيق بين الأفراد والمهمات المسندة إليهم بصورة ديناميكية محسنة في سائر مواقع الشركة، وهي إمكانية حاسمة بسبب السرعة التي تتغير فيها اعتبارات المهارات ما بين “ساخن” و”بارد”. ويشرح مدير مختبر “آي بي إم” للأبحاث في زيوريخ، كريشنا ناثان، عدداً من الأسباب التي تجعل نموذج تنسيب الأفراد ينطوي على تفاصيل غاية في التعقيد أكثر مما هو الحال في نموذج تنسيب الأغراض. السبب الأول هو أن خدمات أي فرد غير قابلة للتخزين. والسبب الثاني هو أن وظيفة أي فرد لا يمكن اختزالها بطريقة معيارية مثل الأغراض التي يرمز لها برقم تسلسلي ووصف للخصائص التقنية. بينما يكمن السبب الثالث في ضرورة مراعاة الطبائع ومستوى التوافق عند توزيع الأفراد على الفرق، الأمر الذي من شأنه أن يجعل الفريق يفوق في قيمته مجموع أعضائه فرادي أو ينقص عن ذلك، وهو ما لا ينطبق على الآلات. أما السبب الأخير فهو تقييد مدد المهمات وتعاقب العاملين عليها بصورة إضافية. ويصف ناثان تشكيلة التنسيبات الناتجة بأنها “75% عالمية و 25% محلية”. وبينما يمكن تصنيف ذلك في خانة الطموح أكثر منه في خانة الواقع، إلا أن الواضح بأن المدى الذي بلغه استخدام آلية التنسيب في المراجحة بصورة أكثر فاعلية لا يعكس في مجمله سوى التحوّل الكبير الذي تعيشه شركة تجنبت حتى اليوم اللجوء إلى المراجحة.

[su_expand more_text=”المزيد” less_text=”أقل ” height=”290″ link_color=”المزيد” link_align=”right”]

استراتيجية AA في كوغنيزانت 

تُجري كوغنيزانت تجاربها من خلال عمل تغييرات في كل من توظيف الأفراد، وتسليم الخدمات، والتسويق، وذلك بهدف الوصول إلى استراتيجية تجمع بين التكيف والمراجحة معاً.

توظيف الأفرادتسليم الخدماتالتسويق
عملية توظيف متشددة نسبياًيوجد قيادتان عالميتان لكل مشروع، إحداهما في الولايات المتحدة والأخرى في الهندتموضع هندي-أميركي مشترك في السوق
المزيد من حملة ماجستير إدارة الأعمال والمستشارينجميع العروض يتم إعدادها بالتعاون بين الهند والولايات المتحدة الاعتماد على مواطنين أميركيين في المناصب الأساسية في التسويق
المزيد من غير الهنودقرب أكثر من العملاءمدراء علاقات رفيعي المستوى
برامج تدريبية في الهند بهدف التثاقف (أي استيعاب الثقافات المغايرة)فرق ميدانية لإطلاق المشاريعالتركيز على البيع لعدد محدود من العملاء الكبار
سفر بشكل مستمر، واستخدام مكثف للتكنولوجيا
[/su_expand]

الرهان الثلاثي الصعب

هناك عوائق لا يستهان بها تحد من قدرة أي مؤسسة على استخدام الاستراتيجيات الثلاثة معاً بفعالية عالية. فأولاً، سيصطدم تعقيد مقاربة استخدام الاستراتيجيات الثلاث مع محدودية الطاقة الإدارية. ثانياً، يعتقد الكثير من الأفراد أن على أي مؤسسة تبنّي ثقافة واحدة، وأن النزوع إلى تطبيق الاستراتيجيات الثلاثة معاً سيعيق تحقيق عدة أهداف استراتيجية. ثالثاً، يمكن للمنافسين الأشداء قسْر أي شركة على اتخاذ خيار محدد لا سواه لمجابهتهم من خلاله. وأخيراً، فالعلاقات الخارجية أيضاً لها دور في جعل الاهتمام ينصب في منحىً بذاته. على سبيل المثال، واجه عدد من مصنعي العلامة التجارية الخاصة – ممن أسسوا أعمالهم على أساس المراجحة – مشاكل نتيجة محاولتهم تبني التجميع جنباً إلى جنب مع المراجحة من خلال تكوين علاماتهم التجارية الخاصة بهم في الأسواق التي ينشط فيها عملاؤهم أصلاً.

وحتى إن أرادت شركة المضي في استراتيجية ثلاثية الأبعاد، فلا بد أن تمتلك بيئة عمل، تضعف فيها الاحتكاكات السلبية بين التكيف والتجميع والمراجحة، أو يمكن التغلب عليها من خلال وفورات الحجم الكبير أو الميزات الهيكلية، أو يكون هنالك قيود تحد من حركة المنافسين.

ويمكننا اتخاذ شركة جنرال إلكتريك للرعاية الصحية (GE Healthcare, GEH) مثالاً لشركة حاولت الاقتراب من تحقيق استراتيجية ثلاثية الأبعاد. إذ شهد قطاع التصوير التشخيصي الطبي نمواً مطرداً، وتركز العمل فيه بين يدي ثلاث شركات على مستوى العالم استحوذت على ما يُقدر بـ 75% من إيراداته في أرجاء العالم على النحو التالي: “جي إي إتش” 30%، و”سيمنز ميديكال سوليوشنز” 25%، و”فيليبس ميديكال سيستمز” 20%. (جميع الأرقام تعود للعام 2005. أما فيما عدا ذلك فالاعتبار بمعظمه يعود إلى مقال تارون خانا وإليزابيث رابي بعنوان “العناية الصحية في جنرال إلكتريك، 2006” (General Electric Healthcare, 2006) (دراسة حالة من هارفارد بيزنس سكول، رقم 9-706-478)، ومقال دي. كوين ميلز وجوليان كيرتس بعنوان “سيمنز ميديكال سوليوشينز: تحولات استراتيجية” (Siemens Medical Solutions: Strategic Turnaround) (دراسة حالة من هارفارد بيزنس سكول، رقم 9-703-494)، ومقال بانكاج باغوَت بعنوان ” فيليبس ميديكال سيستيمز عام 2005″ (Philips Medical Systems in 2005) (دراسة حالة من هارفارد بيزنس سكول، رقم 9-706-488)).

ربما يمكن إرجاع هذا التركيز الشديد إلى حقيقة مفادها أن هذا القطاع يفوق 90% مما سواه في كثافة البحث والتطوير التي يتطلبها. إذ يتجاوز نصيب الإنفاق على البحث والتطوير نسبة الـ 10% من قيمة مبيعات هذه الشركات الكبرى الثلاثة المتنافسة، بل وأكثر من ذلك لدى المنافسين الأصغر الذين باتوا يواجهون تقلصاً في الأرباح. ويبرهن ذلك جميعه على الأهمية التي اكتسبها التحدي المرتبط بالتجميع في بناء عمل تجاري عالمي في هذا القطاع مؤخراً.

ولطالما كانت جي إي إتش – أكبر الشركات الثلاث – أكثرهم ربحية، وهو ما يعكس نجاحاً في استراتيجية التجميع، كما تشير البنود التالية:

وفورات الحجم

تنفق جي إي إتش على البحث والتطوير أكثر مما تنفقه كل من الشركتين المنافستين في هذا المضمار، كما تزيد عليهم في مبيعاتها، وفي حجم قوة الخدمات العاملة لديها (التي تساوي نحو نصف تعداد موظفيها)، ورغم ذلك فإن نسبة معدل البحث والتطوير إلى المبيعات تنقص عنهما، بينما تتقارب معدلات الإنفاق الأخرى معهم، كما تمتلك جي إي إتش مواقع إنتاج كبرى أقل.

قدرات الاستحواذ

تطورت فعالية جي إي إتش في الاستحواذ مع تراكم خبراتها، إذ أنجزت ما يقرب من 100 عملية استحواذ تحت قيادة جيفري إيميل (قبل استلامه منصب الرئيس التنفيذي لشركة “جنرال إلكتريك”)، ومنذ ذلك الحين قامت بالعديد من عمليات الاستحواذ بما فيها صفقة أمِرشَم (Amersham) التي بلغت قيمتها 9.5 مليار دولار أميركي عام 2004، وانتقلت بالشركة من عهد الصناديق المعدنية إلى الصناعات الدوائية.

وفورات المجال

تسعى الشركة جاهدة عبر صفقة أمِرشَم لتحقيق تكامل بين مهارات الكيمياء الحيوية المكتسبة وقاعدة المهارات التقليدية في مجال الفيزياء والهندسة، كما تمول شراء الأجهزة عبر “جي إي كابيتال”.

ولقد استطاعت جي إي إتش التفوق على منافسيها من خلال تبني استراتيجية المراجحة. إذ شهدت تحت قيادة “إيميل”، مؤخراً على وجه التحديد، تحولاً لتصبح شركة منتجات عالمية عبر النقل السريع لمراكز إنتاجها إلى القواعد الأدنى تكلفة. وما سهل هذه التحركات هو اعتمادها مبدأ “الرامي والمستقبِل” الذي تم تطويره في مكان آخر من جي إي: إذ يعمل “فريق رماية” في موقع حالي عن قرب مع “فريق استقبال” في موقع جديد إلى أن يرتقي أداء الفريق العامل في الموقع الجديد ليصبح على الأقل في نفس قوة أداء الفريق الذي أشرف عليه. وبحلول عام 2005 قطعت جي إي إتش أكثر من نصف الطريق نحو تحقيق أهدافها في شراء 50% من المواد التي تحتاجها من الدول الأرخص ثمناً بشكل مباشر، وفي إقامة 60% من أنشطتها الصناعية في تلك الدول.

أما على صعيد استراتيجية التكيف، فقد استثمرت جي إي إتش بقوة في مؤسسات التسويق التي تعتمد التركيز على السوق المحلية، ومزجت بلطافة بين تلك الاستثمارات، وبين القاعدة الخلفية للإنتاج التي يتكامل فيها التطوير والتصنيع، كل ذلك بهدف عبّر عنه أحد التنفيذيين أن يصبحوا “ألماناً أكثر من الألمان أنفسهم”. كما عززت جي إي إتش جاذبيتها للعملاء من خلال تركيزها على تقديم الخدمات جنباً إلى جنب مع بيع المعدات، وذلك بتدريب متخصصي التصوير بالأشعة، وتقديم النصائح الاستشارية فيما يتعلق بمعالجة الصور بعد التقاطها على سبيل المثال. ولا شك أن هذا النوع من الحميمية مع العميل يتطلب مراعاة على المستوى المحلي. إذ أقدمت جي إي إتش مؤخراً على الانخراط الحذِر بما يمكن وصفه “في الصين، لأجل الصين” عبر تصنيع معدات مختزلة الخصائص وأرخص ثمناً مستهدفة زيادة انتشارها هناك.

وقد تمكنت جي إي إتش من استخدام الاستراتيجيات الثلاث بنجاح إلى أقصى مدىً متاح، من خلال التفريق بينها من ناحية، ومن خلال سلوك اتجاه مناقض يتبنى تخفيض التركيز على إحداها (التكيف) من ناحية أخرى. وهو مثال بارز على الكيفية التي تتغلب فيها الشركات على محدودية الطاقة الإدارية. وهناك المزيد من الأساليب الأخرى التي يمكن اتباعها ابتداءً بالتعهيد الخارجي وصولاً إلى استخدام آليات أكثر شبهاً بالسوق الخارجي وأدواته كما هو الحال في الأسواق الداخلية. ليس هذا فحسب، فهناك سبب إضافي لنجاح جي إي إتش يكمن في استغلالها نقاط الضعف التي عانى منها المنافسون. فإضافة إلى العوائق المتعددة التي واجهها منافسو جي إي إتش فيما يتعلق بالحجم والهيكلية مقارنة بها، فإن شركة سي إم إس وشركة بي إم إس على وجه الأخص قصرتا في بعض النواحي، وأبرزها نقل الإنتاج إلى الدول الأدنى كلفة. ولأجل هذه الأسباب مجتمعة، والتي يصعب تجميعها في كثير من الأحوال، فالصواب هو أن نقاوم بضراوة محاولة اتخاذ جي إي إتش مثالاً يحتذى لكل شركة أخرى في تبني الاستراتيجيات الثلاثة في آن واحد.

ورغم نجاحها في تحقيق التوازن بين الاستراتيجيات الثلاث المتعلقة بموضوع إدارة الاختلافات في الشركات، فإن هناك جوانب أخرى غير مشجعة في قصة جي إي إتش. فالتكيف مع المتطلبات الاستثنائية لأسواق كبرى محتملة لكنها منخفضة الدخل مثل الصين والهند، مع محاولة إحراز تكامل عالمي، يرجح أن يكون مصدر إجهاد مستمر للشركة. أضف إلى ذلك، إن شركة جي إي إتش ليست في الصدارة في جميع نواحي الأداء: فقد ركزت إس إم إس أكثر على تقنيات التصوير الأساسية وصار ينظر إليها على أنها الرائدة في هذا المضمار.

الاستراتيجيات الثلاثة لمثلث AAA

تطوير استراتيجية ثلاثية AAA

والآن سنتناول الكيفية التي يمكن بها لأي شركة أن تستعين بـ “مثلث AAA” لتشكيل استراتيجية تنافسية عالمية. سندلل على ذلك هنا بشركة بي إم إس كمثال، وهي الأصغر بين الشركات الثلاثة المتخصصة في التصوير التشخيصي الطبي.

اعتمدت شركة فيليبس على مدار سنوات طوال استراتيجية مؤسسية شديدة اللامركزية بهدف إدارة الاختلافات فيها، والتي تجعل بدورها الكلمة العليا للمدراء المحليين، وتؤكد على مبدأ التكيف. وبدافع من ضغوطات المنافسين اليابانيين ممن يعتمدون مبدأ التجميع بصورة أكبر في مجالات مثل الإلكترونيات الاستهلاكية، بدأت الجهود في “فيليبس” خلال السبعينيات لتحويل المزيد من الصلاحيات إلى مراكز الإنتاج العالمي، وبناء منظومة التجميع انطلاقاً منها. إلا أن المدراء الإقليميين حالوا دون ذلك حتى عام 1996، حين أطاح الرئيس التنفيذي الجديد بالضلع الجغرافي من مصفوفة الجغرافيا-المنتج. ويُشار أحياناً إلى أن تبني فيليبس التقليدي لاستراتيجية التكيف لا يزال متأصلاً فيها، وأنه من مصادر ميزتها التنافسية. وفي حين أن هذا القول يصدق في حق الشركة الأم، إلا أن الأمر يبدو مختلفاً عندما نتناول بي إم إس بالتحديد. فأي ميزة ستتمتع بها شركة بي إم إس بفضل استراتيجية “التكيف”، سيحد منها التفوق التكنولوجي لمنافستها شركة إس إم إس، وكذلك التفوق في جودة الخدمة لدى الشركة المنافسة الأخرى جي إي إتش. وعلى الرغم من أنه يُنظر إلى هذا التفوق الذي تبديه الشركتان المنافستان على أنه ذو مصالح عالمية فيما تقدمانه، إلا أنه يسهم كذلك في الاحتفاظ بالعملاء على المستوى المحلي.

وبصورة أعم، فإن أي ميزة تحصدها بي إم إس من التكيف تمحوه وتطغى عليه مساوئ تجميعه. إذ تنقُص نفقات البحث والتطوير المُطلقة لشركة بي إم إس عن نظيرتها في جي إي إتش بمعدل الثلث، بينما تنقص بمعدل الربع مقارنة بشركة إس إم إس، كما أن حجم بي إم إس بالنسبة إلى شركتها الأم يفوق حجم منافسيها على الرغم من صغر الشركة الأم مقارنة بنظيرتيها. إذ ورد مؤخراً أن مجموع ما بلغته طاقة فيليبس في الاستحواذ على مستوى الشركة لم يتعد بكثير ما بذلته جي إي إتش للاستحواذ على أمِرشَم وحدها. إضافة إلى ذلك، فإن بي إم إس هي حصيلة الجمع بين ست شركات متفرقة خلال سلسلة من الاستحواذات استمرت ثلاث سنوات بهدف تطوير تقنية الأشعة السينية (أشعة إكس) الأصلية التي تقادم استخدامها. وإنه لمن الغريب بعض الشيء أن تنجح مثل هذه المحاولة كما هي عليه الآن في شركة لا تمتلك رصيد خبرة كبير في مجال الاستحواذات، مع الوضع في الحسبان، أنها محاولة لم تخل من العواقب السلبية. إذ يتجلى الموقف الأكثر درامية في دفع بي إم إس ما يزيد عن 700 مليون يورو عام 2004 لقاء محاولات الاستحواذ السابقة – التي تمت إحداها بينما يجري النظر في غيرها – الأمر الذي قضى تقريباً على جميع أرباح ذلك العام، على الرغم من استعادة الشركة ربحيتها بصورة مرضية عام 2005.

كما أن انهماك بي إم إس حتى فترة متأخرة في تجميع أوصالها المتناثرة هو أيضاً أمر تُلام عليه الشركة بسبب عدم إحرازها أي تقدم على صعيد المراجحة. إذ يُحسب لشركة بي إم إس دورها الذي لم يقتصر على سحب منافسيها نحو التصنيع في المناطق الأدنى كلفة، كالصين على وجه الخصوص، وإنما امتد ليشمل سحب أقسام أخرى داخل شركة فيليبس ذاتها. وعلى الرغم من إدعاء فيليبس أنها الشركة الغربية الأكبر من بين الشركات متعددة الجنسيات التي تملك حضوراً في الصين، فإن بي إم إس لم تبدأ مشروعاً صناعياً مشتركاً هناك حتى سبتمبر/أيلول 2004، إذ تمكنت من توفير أول المنتجات التي تستهدف السوق الصيني عام 2005، وأول المستلزمات الصالحة للتصدير الخارجي عام 2006. وبشكل إجمالي، فإن مستويات التعهيد الخارجي لشركة بي إم إس في البلاد الأدنى كلفة عام 2005 كانت مقاربة لمستوياتها في شركة جي إي إتش عام 2001، عدا عن تخلفها عن مستويات إس إم إس على حد سواء.

ويمكن تمثيل الرؤى حول الموضع الذي تشغله الشركة على خط العلاقة مع كل من الاستراتيجيات الثلاثة في رسم بياني واحد، كما يظهر في الشكل التوضيحي “خريطة AAA التنافسية في ميدان التصوير التشخيصي”. وفي حين أن التقديرات المدرجة على هذه الخطوط هي تقريبية على الدوام، إلا أنها تلفت الاهتمام إلى المواضع التي يشغلها المنافسون تحديداً في الحيز الاستراتيجي، كما أنها تساعد الشركات في التمثيل البياني للترجيحات القائمة بين الاستراتيجيات المختلفة. ويتمتع كلا العاملين بالأهمية عند التمعن في المواضع التي ينبغي أو لا ينبغي تركيز مجهودات الشركة فيها.

وبالعودة لمثال لشركة بي إم إس حول إدارة الاختلافات فيها، فكيف يمكن لهذا التمثيل أن يُستخدم لرسم خطة عمل واضحة لهذه الشركة؟ يكمن الجواب الواضح في اتباع استراتيجيتين بديلتين من نوع AA: وهما “التكيف-التجميع”، و”التكيف-المراجحة”.

يشابه اتباع الاستراتيجية الأولى “التكيف-التجميع” ما يُطبق حالياً في نهج إدارة الاختلافات في الشركات. إلا أن هذا الوضع لا يتوقع أن يساعد في حل التحديات الناتجة عن التجميع، لذا فمن المستحسن لهذه الاستراتيجية أن تقدم بعض الإضافات ذات المعنى في مجال الاستجابة المحلية. وكذلك يمكن أن تتخلى شركة بي إم إس عن فكرة خلق ميزة تنافسية، والقناعة بتحقيق متوسط الربحية المتعارف عليه في هذا القطاع، الذي هو مرتفع أصلاً: إذ تُعرف هذه الشركات الكبرى الثلاث في قطاع التصوير التشخيصي (التي تهيمن كذلك على قطاع مصابيح الإضاءة العالمي المربح) بأنها “تتوافق داخلياً” على الأسعار فيما بينها. وبالنظر إلى هذا الأمر من أي زاوية، سنجد أن تقليد المنافسين الأكبر حجماً في تحولاتهم الكبرى نحو ميادين جديدة بالكلية يمكن أن يفاقم من مساوئ التجميع، لا أن يخفف منها. ويبدو أن بي إم إس تمارس بعض الانضباط في هذا الصدد، فتفضل الانخراط في مشاريع مشتركة وسواها من التحركات محدودة الحجم عوضاً عن الانغماس في استحواذات بحجم أمِرشَم.

أما الاستراتيجية الأخرى “التكيف-المراجحة” فينبغي لها ألا تكتفي بتحقيق الإنتاج في المناطق الأدنى كلفة، وإنما عليها أيضاً إعادة هندسة المنتجات وتبسيطها جذرياً لخفض التكاليف بقوة، بما يناسب الأسواق الكبرى الناشئة في الصين والهند وما شابههما. غير أن هذا الخيار لا يتماشى مع ميراث شركة فيليبس التي لا تندرج ضمن فئة الشركات المنافِسة بخفض الأسعار. ولا يبدو أن لشركة بي إم إس هي الأخرى حظاً باتباع استراتيجية من هذا القبيل في ظل وجود منتجات “في الصين، لأجل الصين” التي تصنعها جي إي إتش، بما تحمله تلك المنتجات من خفض للتكاليف بنسبة 50%. بينما لا يتجاوز خفض بي إم إس للتكاليف في المقابل حاجز الـ 20% لخط إنتاجها الأول المخصص للصين.

فإذا لم يرُق أي من هذين البديلين لشركة بي إم إس – والصراحة أن أياً منهما لن يقدم للشركة ميزة تنافسية تذكر – فسيكون الخيار الأفضل لها هو محاولة تغيير ساحة اللعب بشكل كلي. وعلى الرغم من أن بي إم إس تبدو وكأنها عالقة تحت وطأة المساوئ الهيكلية فيما يتعلق بالتصوير التشخيصي مقارنة مع منافستيها “جي إي إتش” و”إي إم إس”، إلا أنه بإمكانها البحث عن ميادين أخرى ذات علاقة يسهم فيها تاريخها مع استراتيجية التكيف في الحصول على المزيد من المكاسب وتقليل المساوئ. فإذا استخدمنا مدلولات مثلث AAA، فذلك يعني القيام بحركة جانبية نحو مجال أعمال جديد تحصل المؤسسة من خلاله على ميزة تنافسية أكبر. والظاهر أن بي إم إس تخطو خطوات تجريبية في هذا الاتجاه بالفعل – وإن كان تحركها بطيئاً – عبر اهتمامها مؤخراً بالأجهزة الطبية التي يمكن للأفراد استخدامها في المنازل. وقد أوضح ذلك الرئيس التنفيذي المالي السابق لشركة فيليبس، جان هومين، متحدثاً عن تفوق الشركة في هذا المضمار على كل من سيمنز وجي إي معاً: “لقد اكتسبنا خبرة واسعة ومعرفة عميقة من خلال أعمالنا في مجال الإلكترونيات الاستهلاكية والأجهزة المنزلية”. لكن هذا التحرك أيضاً يحمل وجهاً آخر، إذ يعني أن تدخل بي إم إس في منافسة مع شركات كبرى في المجال الجديد مثل “جونسون آند جونسون”. وقد كان منتج بي إم إس الأول من هذا النوع عبارة عن جهاز إنعاش بالصدمات الكهربائية مناسب للاستخدام المنزلي، إذ طُرح في السوق الأميركي بسعر تجزئة بلغ 1,500 دولار للواحد. مع ملاحظة أن الموارد المستخدمة ضمن هذه الاستراتيجية – كعلامة تجارية وشبكة توزيع – تعمل على المستوى المحلي، وهو ما يجعل الاستراتيجية الجديدة تركز على التكيف في سوق جديدة.

إذاً ماذا تعني هذه الاعتبارات الاستراتيجية فيما يتعلق بالتكامل داخل بي إم إس؟ تحتاج الشركة إلى الاستمرار في إدارة الاختلافات وتبسيط عملياتها مع تسريع وتيرة محاولات المراجحة، ربما عبر استخدام أدوات من قبيل مبدأ الرامي والمستقبِل. كما تحتاج الشركة إلى التفكير في التنوع الجغرافي ربما على المستوى الإقليمي، مع أخذ الاختلاف في جاذبية هذا القطاع في الحسبان، وكذلك متوسط حصة بي إم إس السوقية في كل من الأقاليم المختلفة. وأخيراً، فهي بحاجة إلى تمكين أعمالها الخاصة بالأجهزة المنزلية لتنهل من معين الموارد والقدرات الذي يحفل به قطاع الإلكترونيات الاستهلاكية في فيليبس. وتكتسب هذه النقطة الأخيرة أهمية خاصة، خاصة أن سِجل بي إم إس حتى اللحظة يجعلها في موضع يتطلب إحراز بعض النجاحات المبكرة لتتمكن من توليد أي اهتمام حول إعادة انطلاق محتملة.

دروس مستفادة على نطاق أوسع

تكمن الخطورة في النقاشات التي تتناول موضوع التكامل بين الاستراتيجيات الثلاث أنها قد تنساق في مسار مثالي أو غير واقعي. وهو ما دعاني إلى الغوص في تفاصيل تحديات التكامل التي واجهت بي إم إس، وهو ما يجعل ختم هذا المقال من خلال تعداد مختصر للنقاط التي تناولناها فكرة حسنة.

أ- اجعل تركيزك منصباً على واحدة أو اثنتين من الاستراتيجيات من أجل إدارة الاختلافات

في حين أنه يمكن تحقيق تقدم على جبهات جميع الاستراتيجيات الثلاث – خاصة بالنسبة للشركات التي ما تزال في المؤخرة – فالمعتاد أن النهج الأصلح للشركات أو الأعمال التجارية والقطاعات هو التركيز على واحدة أو اثنتين على الأكثر من الاستراتيجيات في محاولتها لتكوين ميزة تنافسية. هل بإمكان مؤسستك الاتفاق على أي منها؟

وقد ينبغي على المؤسسة تحويل تركيزها من استراتيجية لأخرى مع تغير احتياجات الشركة. وتبرز شركة آي بي إم كمثال من عدة أمثلة على التحول العام نحو المراجحة. غير أن أمثلة آي بي إم، بي آند جي، وبي إم إس، والأخيرة على الأخص، تدلل على طول المدة التي قد تحتاجها مثل هذه التحولات. وهو ما يضفي أهمية على استجلاء المستقبل عند اتخاذ قرارات تحدد ما سيتم التركيز عليه.

ب- تأكد بأن العناصر الجديدة في الاستراتيجية تحظى بانسجام مؤسسي

في حين أن هذه النقطة لا تمثل قاعدة ثابتة، إلا أنه في حال احتواء استراتيجيتك على عناصر جديدة ذات معنى، فينبغي لك أن تولي اهتماماً خاصاً بالكيفية التي تتفاعل بها هذه العناصر مع سواها من الأمور التي يقوم عليها عمل المؤسسة. فقد نجحت آي بي إم في زيادة عدد طاقمها في الهند بسرعة تفوق منافسيها من الشركات العالمية، مثل أكسنتشر، التي بدأت في التركيز على المراجحة في الهند. غير أن صهر هذه القوة العاملة المستجدة بسرعة في بوتقة مؤسسة تعمل بفاعلية عالية وتتبع معايير تسليم مرتفعة وتحمل شعوراً بالارتباط مع المؤسسة الأم ينطوي على تحد كبير: وهو أن الفشل في هذا الإطار قد يكون مدمراً لمبادرة المراجحة بأسرها.

ج- وظّف عدة آليات للتكامل 

إن مباشرة العمل بأكثر من استراتيجية يتطلب إبداعاً وأفقاً متسعاً للتعامل مع آليات التكامل. فبالنظر إلى المخاطر التي يمكن أن ينطوي عليها الأمر، لا يمكن ترك أي منها للصدف. فإضافة إلى خوارزمية آي بي إم للتوفيق بين الأفراد والفرص، فقد برهنت الشركة على إبداعها من خلال ابتكار “مراكز صفقات” لممارسة استراتيجية تجميع، تشمل بها جميع أعمالها في العتاد والبرمجيات والخدمات. كما تراجعت الشركة عن افتراضها المسبق حول ضرورة مركزية المقرات العالمية للوظائف الأساسية، إذ نقلت آي بي إم مؤخراً مركز المشتريات من سومرز في نيويورك إلى شينجين في الصين. وبطبيعة الحال، فإن هذا الإبداع لا بد له من التعزيز من خلال هيكلية المؤسسة ونظمها وحوافزها وقواعدها التي ينبغي أن تقود جميعاً إلى تحقيق التكامل، كما هو الحال في بي آند جي. ويتطلب نجاح تكامل من هذا القبيل إلى دفق كافٍ من القيادات ومرشحي الإحلال من الطراز الصحيح.

ء- فكّر في تطبيق تخريج الموارد خلال عملية التكامل

ليست جميع أشكال التكامل – التي تشكل إضافة نوعية عبر الحدود – بحاجة إلى حصرها بين جدران شركة واحدة. إذ تبرهن آي بي إم وشركات أخرى أن هناك أنواعاً من تخريج الموارد (أي مشاركة الموارد مع الشركاء أو الموردين أو العملاء) التي تمثل جزءاً أساسياً من الاستراتيجيات العالمية الأكثر طموحاً. ويتخذ هذا التكامل أنماطاً مختلفة: المشاريع المشتركة في أبحاث أشباه الموصلات وتطويرها وتصنيعها على المستوى المتقدم، إنشاء ارتباطات مع نظام لينوكس وتقديم الدعم له ولسواه من الابتكارات مفتوحة المصدر، (بعض) التعهيد الخارجي في مجال العتاد مع المصنّعين بالتعاقد وفي مجال الخدمات مع الشركاء التجاريين، علاقة آي بي إم مع لينوفو في مجال الحواسيب الشخصية، العلاقات مع العملاء التي تحكمها مذكرات تفاهم عوضاً عن العقود المفصلة. فإذا نظرنا إلى انعكاس هذه الزيادة في الإمكانيات المتاحة، فسوف نكتشف أن المشاريع المشتركة على نطاق عالمي في مستوى لا يتجاوز نظيره في أواسط التسعينيات إلا بمقدار الربع، على الرغم من أن مزيداً من الشركات باتت تمارس تخريج الموارد في عملياتها. إذ لا تقتصر ميزة تخريج الموارد في التعهيد الخارجي للخدمات غير الأساسية لكنها تمتد لتشمل اكتساب أفكار من الخارج تفيد في المجالات الأساسية: على سبيل المثال، برنامج الاتصال والتطوير (connect-and-develop) في بروكتر آند غامبل، الابتكار الارتجالي (innovation jams) في آي بي إم، واستثمارات تي سي إس لجعل العملاء ينخرطون في قياس الجودة وتطويرها.

ه- اعرف المَواطن التي لا ينبغي اللجوء فيها إلى التكامل

في حين أن بعضاً من التكامل مرحب به على الدوام، إلا أن هذا لا يعني أن المزيد منه يقود دوماً إلى نتائج أفضل. أولاً وقبل كل شيء، الأنظمة شديدة الإحكام ليست مرنة على وجه الخصوص. وثانياً، اختيار المجال – يعني معرفة ما ينبغي وما لا ينبغي القيام به – يُعتبر في العادة جزءاً أساسياً من الاستراتيجية. وثالثاً، حتى إذا ضمت الشركة أنشطة متنوعة بين جدرانها، فقد يكون الإبقاء عليها منفصلة مقاربة أفضل من إرغامها جميعاً للدخول في بوتقة هيكلية مشتبكة. وكما يشرح لافلي الأمر بكلماته، فالسبب وراء قدرة بي آند جي على ممارسة المراجحة إلى حد معين إضافة إلى التكيف والتجميع هو مبادرة الشركة عن قصد إلى الفصل بين هذه الأنشطة وتنظيمها إلى ثلاث وحدات فرعية (وحدات الأعمال العالمية، ومؤسسات تطوير السوق، والخدمات المشتركة للأعمال العالمية) مع فرض هيكلية تقلل من نقاط التلاقي، وبالتالي تحد من الاحتكاك السلبي.

درجنا على مدار الخمس وعشرين عاماً الماضية على سماع خطاب العولمة منصباً باتجاه الأسواق. ولم يتحول التركيز إلا مؤخراً ليتناول الإنتاج مع ازدياد وعي الشركات بالفرص التي تتيحها المراجحة عبر الاستثمار خارج الحدود. وقد تقدمت هذه الظاهرة على أرض الواقع بخطى سبقت التنظير والتفكير الاستراتيجي حولها. فما يزال العديد من الكتاب الأكاديميين مهتمين بالعولمة (أو انعدامها) فيما يتعلق بالأسواق. وقلة قليلة جداً من الشركات التي تنخرط في الاستثمار خارج الحدود مَن يُظهر بأنها تعيرها اهتماماً بشكل استراتيجي: إذ أعرب ما لا يزيد عن 1% من المشاركين في استبيان جرى مؤخراً – على يد آري لوين من جامعة ديوك – أن لدى شركاتهم استراتيجية مؤسسية بهذا الخصوص. ويعطي تأطير الاستراتيجيات الثلاثة AAA أساساً يساعد في تبني استراتيجيات عالمية تتناول الاستجابات الثلاث الفعالة للاختلافات الكبرى الناشئة على الحدود الوطنية. فالتفكير الثاقب حول المدى الواسع من الخيارات الاستراتيجية سيزيد من الفرص المكتشفة، وسيجعل الاختيارات الاستراتيجية أكثر دقة، وسيعزز الأداء العالمي.

ملاحظة إضافية من المؤلف حول إدارة الاختلافات

إن الخيار الاستراتيجي الأساسي الذي دأبت الأدبيات المتخصصة في الاستراتيجية العالمية على تناوله حول إدارة الاختلافات في الاستراتيجيات يتعلق بالمدى الذي تمضي به الشركة في اتجاه إنجاز التكامل والالتزام بالمعايير على نطاق دولي، في مقابل التميز ومستوى الاستجابة على صعيد الأسواق الوطنية أو المحلية. إذ يمكن تعقب أثر الاهتمام بهذا الخيار بالرجوع على الأقل إلى نقاش جون فيرويذر حول التجاذب الحاصل بين ضغوط التوحد النابعة من داخل الشركات، وبين التفرق الذي يمكن أن تصنعه البيئات المحلية المختلفة. وقد انبرى براهالد وإيف دوز من بين آخرين للتفصيل حول هذا التجاذب في إطار المفاضلة ذائعة الصيت بين التكامل العالمي والاستجابة المحلية لموضوع إدارة الاختلافات. ومع ذلك، فقد قاوم براهالد ودوز فكرة قيام الشركات متعددة الجنسيات بتبني جانب محدد بعينه: إذ أكدا على وجود سياقات لا مناص فيها من تعدد التركيز، بما يعني إدارة البعدين كليهما بكفاءة (كافية).

وحتى مع ذلك، فقد أبقى براهالد ودوز على احترامهما للمفاضلة الأساسية التي تجمع بين التكامل والاستجابة. ونتيجة لذلك، جادل كريس بارتليت وسومانترا غوشال أنه بإمكان الشركات تجاوز هذه المفاضلة أو التحول إلى “عابرين للحدود” (transnationals) من خلال أداء وظائف ثلاثة بكفاءة – نقل المعرفة عالمياً، وبناء وجود محلي، وتركيز العمليات ذات البعد العالمي – وذلك بدلاً من الاكتفاء بالوظيفتين اللتين طرحهما براهالد ودوز. لاحظ التركيز على الفوارق في المعرفة دون سواها بين الأمم في صياغة بارتليت وغوشال. كما أن طرح بارتليت وغوشال زاد من مقدار التعقيد المؤسسي المطلوب بصورة كبيرة: فبينما تمكن براهالد ودوز من التوصية بهيكلية المصفوفة للأعمال متعددة التركيز ومن إدارة الاختلافات في هذا المجال، فإنه ما من شيء واضح حقاً يمكن تحبيذه للشركات العابرة للحدود.

اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع الخلافات بين أعضاء فريقك؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .