قصة الشاب الذي استعان بالتحالفات الاستراتيجية لإنقاذ مشروع زواجه

6 دقائق
التحالفات الاستراتيجية
shutterstock.com/Roman Motizov
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ارتدى بدلته الرسمية المفصّلة حسب المقاس، وتطيَّب بأفضل عطر لديه برائحة العود، واشترى باقة من الورد الأحمر، وبما أنه من بلد عربي، أخذ معه علبة من الكعك والحلويات وجهّز نفسه لما يشبه خوض مباراة فاصلة تؤهله إلى دخول “القفص الذهبي”.

دعونا نعود بالزمن إلى الوراء قليلاً، بطل القصة شاب مثقف خجول، ليس لديه خبرة في التعامل مع الجنس الآخر، يشغل منصباً قيادياً في شركة متعددة الجنسيات، تعرّف على شابة من قسم الموارد البشرية في الشركة نفسها، وأُعجب كل منهما بالآخر، وقرر التقدم لطلب يدها رسمياً بعد نحو 6 أشهر فقط، لكن لسوء حظه، كان يواجه معضلة حقيقية تهدد مشروع زواجه كاملاً تنطوي على مشكلتين أساسيتين: الأولى هي أنه ليس بالمتحدث البارع، ويعاني كثيراً في الارتجال في الحديث، لا سيما إذا ما تعلق الأمر بخبايا الزواج، فخبرته فيها تؤول إلى الصفر، وما زاد الطين بلة هو “زوجته المحتملة” التي تُوصف شخصيتها بأنها براغماتية، متمرّسة في نزاعات الموارد البشرية، رفضت مرة متقدماً لوظيفة في الشركة من أقارب الرئيس التنفيذي! وهي مصممة أن تقتنع اقتناعاً كاملاً بما سيقوله خلال الجلسة المرتقبة حتى توافق على الزواج.

أما المشكلة الثانية فهي في ربطة العنق، إذ إنه لم يرتدِ واحدة في حياته قط، وكان دائماً يجد عذراً لتجنب ارتدائها في الاجتماعات الرسمية، لكنه هذه المرة كان تحت ضغط كبير من نوع “الضغط على حامل الكرة”، إذ أخبرته مرة أنها أُعجبت بالممثل الفلاني الذي ارتدى ربطة عنق في الفيلم الفلاني، وهذا يُعدّ في لغة الإناث “أمراً إدارياً مباشراً لا يحتمل الخطأ ولا التأويل”، فلم يجد المسكين مخرجاً وخضع ببساطة وارتدى ربطة عنق حمراء اللون! طبعاً الرجال لا يبدؤون قصتهم مع ربطات العنق باللون الأحمر، فالأمر أشبه بوضع لاعب من دوري الدرجة الثالثة في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا! ستكتشف خلال دقائق معدودة أنه لا ينتمي إلى هذا المستوى ولا حتى إلى هذا الزمان والمكان، مع ذلك وضعها مرغماً لكنه قرر أن ينتقم في أقرب فرصة.

في أثناء بحثه عن حلّ للمشكلة الأولى، وبعقلية تتسم بأداء الأعمال التحضيرية، شرع في البحث عن ماهية الزواج من الصفر، إذ كتب في جوجل عبارة تعكس حجم معارفه عن الزواج “ما تعريف الزواج؟”، فظهر له تعريف الأمم المتحدة، وتحديداً المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المؤرخ في 10 ديسمبر/كانون الأول 1948 بباريس: “للرجل والمرأة، متى أدركا سنّ البلوغ، حقُّ التزوُّج وتأسيس أسرة، دون أيِّ قيد بسبب العِرق أو الجنسية أو الدِّين، وهما متساويان في الحقوق لدى التزوُّج”، فشدّت انتباهه عبارة “متساويان في الحقوق”، وتذكّر أن العبارة نفسها قالها رئيس قسم التعاون الدولي في الشركة التي يعمل بها في أثناء التفاوض لإبرام اتفاق تعاون مع إحدى المؤسسات المنافسة، فخطرت له فكرة عبقرية تُغنيه عن الغرق في تعلّم فنون الإقناع وكيفية التحدث الارتجالي، ألا وهي إسقاط معرفته العميقة عن التحالفات الاستراتيجية والتعاون المؤسساتي على الزواج، لا سيما أنّ منصبه كان مستشاراً في عمليات الاندماج والاستحواذ والتحالف.

جاء اليوم الموعود، وانتهت المقدمات اللطيفة والمجاملات المزيّفة التي ترقى إلى فئة “اللياقة السياسية“، وما هي إلا دقائق حتى بادرت إلى سؤاله: “ما هو الزواج بالنسبة لك؟”، فابتسم ابتسامة الواثق من نفسه وأجابها بتعريف التحالفات الاستراتيجية: “الزواج هو اتفاق إرادي رسمي بين مؤسستين أو أكثر تُخصص موارد مشتركة من أجل تطوير نشاط معين أو القيام بمشروع مشترك”، فقاطعته بقولها: “مؤسسات؟ هل أنت جاد؟” فضحك وردّ: “دعيني أبسّطها لك، الزواج هو اتفاق يتم بإرادة كلا الطرفين دون إرغام أي طرف على القبول، وهذا منصوص عليه في المادة 16 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنصّ على أنه ‘لا يُعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءً كاملاً لا إكراه فيه’، ثم إنه اتفاق رسمي يتم بعقد رسمي وهو عقد الزواج وينتج عنه نشاطات جديدة تتميز بالمشاركة وتهدف عادة إلى تحقيق مشروع أُسري يستمر لأجيال”.

أُعجبت بهذه الإجابة لكنها أخفت ذلك وعقّبت عليه قائلة: “لماذا التحالفات الاستراتيجية بالذات؟” فردّ عليها: “إنه سؤال جيّد؛ في الحقيقة لا يمكن تشبيه الزواج بشيء آخر من عالم الأعمال، فلا يمكن على سبيل المثال تشبيهه بعمليات الاندماج والاستحواذ لأن كلا الشريكين يحافظ على خصوصيته واستقلاليته خارج مجال التعاون” فردت عليه قائلة: “تمام، هذه فهمتها لكن لماذا استراتيجي؟ لمَ ليس بتحالف فقط” فأجابها: “ببساطة لأن الطابع الاستراتيجي للتحالفات يعود للآثار المتوقعة على المدى الطويل بالنسبة لتموقع المؤسسة عبر الثنائية منتَج-سوق، ثم إنّ الرابط الذي ينتج عن هكذا اتفاقات هو شبه نهائي أي لا رجعة فيه وذلك بسبب تخصيص موارد معتبرة، كما أنه يمس مجالات النشاط الأساسية أو الوظائف الحيوية، وهي خصائص يتضمنها الزواج حيث إنه يتم وفق عقد أبدي لا رجعة فيه، وينتج عنه تخصيص المتزوجَين لموارد معتبرة مالية وغير مالية مثل الوقت والجهد، إضافة إلى أنه يؤثر في جل مجالات حياة الشريكين”، قاطعته قبل أن يكمل مبتسمة: “لم أفهم شيئاً ما عدا اتفاق نهائي لا رجعة فيه”، فضحك هو الآخر في مكر وأردف قائلاً: “في الحقيقة، أحياناً يكون غير نهائي، إذ سبق وحدث انفصال بالتراضي بين فولكسفاغن وسوزوكي“.

لم تفهم هذه العبارة جيداً أو بالأحرى لم تُرد فهمها، وطرحت عليه سؤالاً آخر: “وماذا عن تحمّل المسؤولية بعد الزواج، كيف تنظر لها” فأجابها: “رأيي في المسؤولية من رأي غاري هامل وإيف دوز”، فاستغربت هذه الإجابة لكنه أكمل قائلاً: “هما خبيران معروفان في عالم الأعمال، يؤكدان ضرورة تقسيم عادل وواضح للمهام والمسؤوليات بين الشركاء، حيث إنّ كل تحالف استراتيجي يمس ثلاثة مجالات أساسية هي: المجال الاستراتيجي ويتمثل في الميدان الذي ينوي فيه الشركاء تحقيق أهدافهم، والمجال الاقتصادي الذي يتمثل في المزايا المنتظرة بالنسبة لكل شريك، والمجال التشغيلي الذي يتمثل في مجموع النشاطات المشتركة التي يؤديها الشركاء معاً. الشيء نفسه بالنسبة للزواج، إذ يكمن المجال الاستراتيجي في خيار الزواج نفسه لأنه هو الذي يمكّن من تحقيق الأهداف المسطّرة، ويتمثل المجال الاقتصادي في مُجمل الفوائد الناجمة عن الزواج سواءً كانت جسدية أو نفسية، أما المجال التشغيلي، فيجب أن يكون فيه تقسيم المهام وفق منطق الارتكاز على نقاط قوة الشريك، فمثلاً إذا كانت المرأة تتحكم في الحسابات المالية، فدعها تقم بإعداد الميزانيات المختلفة، وإذا كان للرجل ميل نحو إعداد الطعام، فدعيه يشارك في المطبخ عن طريق إعداد عدد معين من الوجبات أسبوعياً مثلاً، ثم إنّ العدل في تقسيم هذه المهام يُعدّ ضرورياً لتوازن العلاقة، فمثلاً لا يجوز أن تتحمل المرأة مسؤوليتَين خارج المنزل وداخله بينما يتحمّل الرجل مسؤولية واحدة بعمله خارج المنزل فقط”، نظرت إليه وعلامات الفرح مرتسمة على محيّاها وأخبرته أن غاري وإيف أصبحا من كتّابها المفضلين، خاصة أنهما ينصحان الرجال بالطبخ، فضحك وشرح لها الأمر أكثر بقوله: “هم لا ينصحان بالطبخ بل بالتكامل، إذ إنّ التحالفات الاستراتيجية تقسم حسب نوع إسهامات الشركاء من موارد ومهارات إلى نوعين أساسيين: تحالفات الحجم (Scale Alliances) التي تكون فيها الإسهامات متماثلة وعادة ما يكون الهدف منها الوصول إلى اقتصادات الحجم، والنوع الثاني هو تحالفات الربط (Link Alliances) التي تكون فيها إسهامات الشركاء مختلفة ويكمل بعضها بعضاً، وتشمل نوعية مهارات وموارد غير متماثلة تسمح بخلق فرص جديدة، كما أن هذا النوع يضم أيضاً التحالفات القائمة على تقاسم المهام كأن يقوم الشريك الأول بالإنتاج والشريك الثاني بالتوزيع. قد ينطوي الزواج على النوع الأول مثل مساهمة الشريكين بموارد مالية متماثلة لاقتناء شيء معين، لكنه يميل أكثر وبوضوح إلى النوع الثاني أي تحالفات الربط أو التكامل، وذلك راجع للمقومات النفسية والفيزيولوجية لكل من الذكر والأنثى، إذ يتميز كل منهما بطبيعة وبنيان مختلفين، ما يعني أدواراً أو وظائف مختلفة ومكمّلة بعضها لبعض، فمثلاً تختص المرأة بالولادة والرضاعة بينما الرجل أقدر منها على الأعمال الشاقة”.

ردت على شرحه بقولها: “يبدو أنك راجعت درسك جيداً، إذ إنني تعلمت الكثير اليوم عن عالم التعاون المؤسساتي”، فاغتنم الفُرصة وراح يفرد عضلاته المعرفية أكثر وأردف قائلاً: “بمناسبة حديثك عن التعلّم، تعدّ نظرية التعلم التنظيمي (Organisational Learning Theory) من أهم النظريات المفسّرة لظهور التحالفات الاستراتيجية، ذلك أنّ الشركات بحاجة إلى التعلم والتطور المستمرين إذا ما أرادت الاستمرار في السوق. الأمر سيان بالنسبة للبشر إذ يصف ألبرت آينشتاين الحاجة المستمرة إلى التعلم بقوله: ‘الحياة مثل ركوب الدراجة، لكي تحافظ على توازنك عليك أن تستمر بالتقدم’، فالتحالفات الناجحة تَعتبر كل تعاون نافذة تُطل على القدرات الواسعة للشريك، وتستخدم هذا الاتفاق لبناء مهارات خارج مجال التعاون الرسمي ثم تنشرها بطريقة ممنهجة داخل منشآتها الخاصة”. ثم قال، دعيني أبسطها لك أكثر: “يدرس الباحثون في معهد جوتمان (Gottman Institute) العلاقات الزوجية منذ أكثر من 40 سنة، وقد لاحظوا أنّ الأزواج الذين تربطهم رابطة قوية ويتفاهمون جيداً هم الأزواج الذين جعلوا التعلّم من الطرف الآخر أولوية في علاقاتهم، ويشمل هذا التعلم العديد من المجالات مثل التعلم من تخصص الشريك، وبعض السلوكيات كتعلم الصبر من الزوجة، وحتى التعلم في مجال الرياضة، كما أكد باحثو المعهد ذاته أنّ التعلم المستمر من الزوج أو الزوجة يعزز خارطة الحب (Love Map)، وتُفضي عملية التعلم إلى فوائد أخرى مثل بناء الثقة التي تُعدّ حجر الزاوية الذي تُبنى عليه العلاقات التعاونية، وتطوير لغة الحوار بين الزوجين، والتي تُعدّ أيضاً مسألة بالغة الأهمية، إذ تناولت دراسة منشورة في مجلة الصحة النفسية (Health Psychology) آراء أكثر من 19,000 متزوج ومتزوجة من مختلف الأعمار وصفوا فيها الحوارات الزوجية بأنها مسألة ‘حياة أو موت'”.

ردّت عليه: “صراحة أعجبني ما قلته خاصة مسألة الثقة، ولو كنتَ متقدماً لوظيفة في الشركة لأوصيت بقبولك”، فهِم الرجل الرسالة المبطنة وأنه نجح في المهمة وقرر الانتقام أخيراً لمسألة ربطة العنق الحمراء، فقال لها: “بمناسبة حديثك عن الثقة هل تعرفين علامة مرسيدس بنز؟” ففرحت أيّما فرح، لا سيما أنها كانت تحلم بـ “جي كلاس” (G Class) منذ أن كانت مراهقة، وظنت أنه سيهديها سيارة أحلامها، أو على الأقل هو يمتلك واحدة، فأجابته قائلة: “بالطبع أعرفها، ومَن لا يعرف هذه السيارة الرائعة!” فرد عليها: “يجب ألا يحصل لنا ما حصل لمرسيدس عندما تعاونت مع كرايزلر إذ فشل مشروعهما المشترك بسبب عدم قدرة كل طرف على الوثوق في الآخر”، تغيّرت تعابير وجهها وكادت أن تُعيد له عُلبة الكعك وتقول له مع السلامة، لكنها تمالكت نفسها وتذكّرت أنها براغماتية وأنه مستعد لأن يطبخ لها، فأردف هو قائلاً بعد أن أيقن أنه انتقم شر انتقام: “يحضرني الآن المثل الهندي القائل ‘رجل بلا امرأة ليس سوى نصف رجل'”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .