لماذا يعدّ التأقلم أفضل استراتيجية في أوقات الغموض؟

4 دقائق
التكيف مع التغيير
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخصتتوهم الشركات حول العالم أن مفتاح الاستراتيجية الناجحة يكمن في التعامل الجيد مع المستقبل. ومع ذلك، أثبت عالم الأرصاد الجوية إدوارد لورينز أن الاختلافات الصغيرة يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة أو قد لا يكون لها أي عواقب على الإطلاق، وهذا يعني أنه من المستحيل التنبؤ بدقة بالمستقبل ما لم يكن لديك صورة شاملة وكاملة للظروف الحالية. بدلاً من ذلك، ينصح مايكل مانكينز من شركة باين (Bain) الشركات بوجوب التركيز على تعزيز قدرتها على التكيف مع التغيير غير المتوقع بشكل أفضل. لصياغة استراتيجية أفضل، يجب على المدراء تطوير عقلية تكيفية وبناء المرونة في العمليات وإنشاء خطط ديناميكية.

 

لكن محاولة وضع توقعات دقيقة هي مهمة لا جدوى منها مطلقاً. لقد أثبت عالم الأرصاد الجوية إدوارد لورينز ذلك منذ نحو 60 عاماً عندما ابتكر نظرية “تأثير الفراشة“. يتصور لورينز أنه “إذا ما رفرفت فراشة جناحيها في إحدى غابات الأمازون، فسينتج عن ذلك عاصفة تدمر نصف أوروبا”. فُسر هذا الكلام في الغالب على أنه “يمكن أن يكون للأشياء الصغيرة تأثيرات كبيرة”، ولكن رؤية لورينز في الواقع كانت أكثر عمقاً بكثير؛ ففي الأنظمة المعقدة، لا يمكن أن يكون للتغييرات الصغيرة في متغير واحد تأثيرات هائلة، وبالتالي من المستحيل فعلياً التنبؤ بما سيكون عليه الحال في المستقبل.

افترض المتنبئون قبل عمل لورينز أن التحديد التقريبي للظروف الأولية سيسمح بإنتاج تنبؤ تقريبي للنتائج المستقبلية. أثبتت نمذجة لورينز أن هذا الافتراض خاطئ تماماً، فقد اكتشف أنه لا جدوى من التنبؤات دون تحديد الظروف الأولية بشكل مثالي ووصفها.

يكاد يكون تأثير الفراشة اليوم عالمياً. لقد أصبح عالمنا أكثر تعقيداً وترابطاً من السابق. أصبح التنبؤ بالمستقبل صعباً جداً مع ظهور العديد من العوامل المؤثرة التي لا تعد ولا تحصى، مثل انتشار العولمة وتقدم تكنولوجيا الاتصالات والتحولات في تفضيلات المستهلكين وعدم الاستقرار الجيوسياسي وغيرها. في الواقع، بات استنتاج توقعات موثوقة بناءً على العلاقة بين جميع هذه المتغيرات من دون جدوى عملياً.

إذاً، ما الذي يجب على المسؤولين التنفيذيين فعله؟ خلال عمل شركة باين مع عملائها، ننصح المسؤولين التنفيذيين الذين يعملون في ظل حالة من عدم اليقين الشديد بالحرص على أن تتسم عملية صنع الاستراتيجية بالقدرة على التكيف والمرونة الداخلية والتخطيط الديناميكي.

الاستعداد للتكيف

اشتهر ستيفن هوكينج بقوله “الذكاء هو القدرة على التكيف مع التغيير”. فإذا كان التنبؤ بما سيحدث مستحيلاً، فإن سر النجاح يكمن في التكيف السريع مع التغيرات التي تطرأ.

هناك العديد من الأمثلة على أهمية القدرة على التكيف خلال جائحة كوفيد-19. في أوائل عام 2020، لم تتنبأ أي خطة استراتيجية لأي شركة بتأثير الجائحة العالمية على قطاع الأعمال التجارية. تكيفت الشركات الأكثر نجاحاً (مثل زووم وأمازون وغراب هاب وديزني) بسرعة مع تأثير التحول إلى العمل من المنزل والقيود الأخرى التي فُرضت على الموظفين والمستهلكين. البعض منها وسّع قدرته التشغيلية استجابة للزيادة المفاجئة في الطلب، والبعض الآخر غيّر نموذج التسليم الخاص بهم لخدمة المستهلكين بطرقٍ جديدة ومختلفة.

لم تتمكن الشركات الأقل نجاحاً (مثل معظم شركات الطيران التجاري والفنادق) من التكيف، أو لم تتكيف مطلقاً، ما أدى إلى انخفاض حاد بإيراداتها وأرباحها. إذا كان هناك شيء تعلمناه من جائحة كوفيد-19، فهو أهمية القدرة على التكيف بسرعة استجابة للتغيرات المفاجئة في البيئة الخارجية.

المرونة الداخلية

للمرونة أهمية كبيرة في الأوقات المتقلبة. لنأخذ مثلاً الإبحار في الأجواء المتقلبة، حيث يمكن أن يكون السير عكس اتجاه الريح تحدياً حقيقياً – قد يؤدي توجيه القارب للسير قدر الإمكان بعكس اتجاه الريح إلى اصطدامه بالأمواج وبالتالي إبطاء سرعة القارب. بدلاً من ذلك، يمكن أن يمنحك تجنب السير في مهب الرياح مباشرةً زاوية اصطدام بالأمواج أقل حدّة ويسمح لك بزيادة السرعة. على الرغم من أن هذه الطريقة تزيد المسافة، فإنها دائماً ما تكون أسرع، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أنها أكثر مرونة.

لقد أدركت بعض الصناعات بالفعل أهمية المرونة في مواجهة التقلبات الشديدة وعدلت استراتيجياتها وفقاً لذلك. لنأخذ إنتاج الألمنيوم على سبيل المثال. تعتمد العوائد المستقبلية للمشاريع الإنشائية -مثل الاستثمار في توسعةٍ جديدة لمعمل صهر المعدن- على أسعار الكهرباء والألمنيوم المتقلبة بشدة. قد يؤدي عدم اليقين في الأسعار أحياناً إلى عدم كفاية الإيرادات الداخلة من بيع الألمنيوم لتغطية تكلفة الإنتاج، أو بعبارة أخرى، ستكون الإيرادات أقل من العوائد التي يمكن تحقيقها من مبيعات التوليد المشترك للطاقة أو الكهرباء المتعاقد عليها. لدى معظم منتجي الألمنيوم استراتيجيات تسمح لهم بإيقاف الإنتاج مؤقتاً خلال فترات ارتفاع أسعار الطاقة وبيع الكهرباء المتاحة للشبكة. لقد انخفضت عوائد منتجي الألمنيوم الذين التزموا بالخطط الصارمة التي تركز على الإنتاج إلى حد كبير مقارنةً بمنتجي الألمنيوم الذين تبنوا استراتيجيات أكثر مرونة.

مثال آخر: استراتيجية التوريد الخارجي. تتأثر سلاسل التوريد اليوم بمجموعة متنوعة من العوامل الخارجية. على سبيل المثال، أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تعطيل تدفق السلع مثل التيتانيوم والنيكل والنيون، وأوقفت سياسة منع انتشار فيروس كورونا الصفرية في الصين النشاط الصناعي في بعض القطاعات مؤقتاً، ما أعاق إنتاج العديد من السلع من السيارات وحتى الهواتف الذكية. في هذا الصدد، وجدت الشركات التي لديها شبكات إمداد مرنة، والقادرة على التعامل مع موردين موثوقين في مناطق مختلفة، أنه من الأسهل عليها إدارة هذه الاضطرابات وغيرها في السوق. بينما لا تزال الشركات التي تعتمد سلاسل توريد محددة تعاني في ظل الوضع المضطرب الحالي.

التخطيط الديناميكي

في عالم لا يمكن التنبؤ به، قد يميل المرء إلى الاستسلام والتخلي عن التخطيط كلياً. لكن تطوير الأداء والارتقاء بالعمل نادراً ما يكون نتيجة الصدفة. يتطلب النجاح التوجيه، حتى لو لم يكن من الممكن تحديد المسار الدقيق.

يجب على الشركات تغيير طريقة مقاربتها للتخطيط الاستراتيجي من أجل التكيف بشكل أفضل مع التقلبات الشديدة التي تؤثر على صياغة الاستراتيجية، ويجب عليها الانتقال من نموذج الاستراتيجية الجامد، أو استراتيجية “خطط ثم افعل”، إلى نهج ديناميكي مستمر لعملية صنع القرار الاستراتيجي وتنفيذه.

كانت شركة ديل تكنولوجيز من أوائل الشركات التي تبنت هذا النموذج الجديد بعد فترة قصيرة من تولي مايكل ديل إدارة الشركة في أكتوبر/تشرين الأول عام 2013. حيث انتقلت الشركة من نموذج التخطيط التقليدي -حيث كان المدراء ينشؤون خطة استراتيجية ثابتة كل عام- إلى نهج يركز باستمرار على تحديد القرارات الحاسمة واتخاذها. سمح هذا النموذج الجديد -جنباً إلى جنب مع التقنيات الجديدة لاتخاذ القرارات الاستراتيجية في ظل ظروف عدم اليقين– للشركة بمضاعفة أرباحها التشغيلية أكثر من أربعة أضعاف منذ عام 2013. لم تتخل قيادة الشركة عن التخطيط في الواقع، ولكنها قامت بتعديل نموذج الشركة ليكون أكثر ملائمة للغرض بالنظر إلى ازدياد عدم اليقين في عالم التكنولوجيا.

يتطلب عصر اليوم الذي لا يمكن التنبؤ به مفاهيم جديدة حول الاستراتيجية. أجادل هنا (وفي مقالة مشتركة أخرى في هارفارد بزنس ريفيو مع زميلي في شركة باين، مارك جوتفريدسون، بعنوان “صنع الاستراتيجية في أوقات الأزمات“) بأنه يجب التخلص من الخطط الصارمة القائمة على التنبؤ القطعي، واستبدالها بنهج أكثر ديناميكية وتركيزاً على اتخاذ القرار. يجب أن تكون المرونة والقدرة على التكيف أولوية في تفكير قيادة الشركات، وخلاف ذلك، ستقع شركات كثيرة ضحية للتقلبات غير المتوقعة لتأثير الفراشة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .