كيف تستجيب شركات مثل “جوجل” و”علي بابا” للأسواق سريعة التطور؟

11 دقيقة
shutterstock.com/Kwangmoozaa
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة صوتية (بودكاست) مع ديف أولريخ، الأستاذ الجامعي في “كلية روس للأعمال” (Ross School of Business) بجامعة ميشيغان، وهو المؤلف المشارك، إلى جانب آرثر يونغ، رئيس المستشارين في شركة “تينسنت” لكتاب يحمل عنوان “إعادة ابتكار المؤسسات: كيف يمكن للشركات تقديم قيمة أكبر في الأسواق سريعة التغيير”(Reinventing the Organization: How Companies Can Deliver Radically Greater Value in Fast-Changing Markets).

يقول أولريش أن شركات اليوم بحاجة إلى استبدال نماذج المؤسسات القديمة القائمة على التراتبية بنموذج “بيئة العمل الموجهة نحو الأسواق”. ويبين لنا من خلال البحوث التي أجراها على شركات “علي بابا” و”جوجل” و”هواوي” و”سوبر سيل” وغيرها النتائج المذهلة لتوجيه الفرق والعمليات نحو فرص السوق.

وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة الصوتية:

النص:

كيرت نيكيش: مرحباً بكم في برنامج “آيديا كاست” المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. معكم كيرت نيكيش.

لقد حققت المؤسسات القائمة على التراتبية هدفها على نحو جيد، وتمكّنت من توسيع حجمها أيضاً، إلا أن السرعة كانت جانباً آخر من المعادلة.

في حين تقدّم المؤسسات التي تتبع منهج أجايل أو المؤسسات المتصلة بالشبكة أو حتى تلك التي تتبع منهج هولاكراسي اليوم نماذج متنافسة لإدارة الشركات. ما هو نوع المؤسسة التي ستثبت تفوقها من حيث الحجم والسرعة؟

للإجابة عن هذا السؤال، زار ضيفنا بعض أكبر الشركات وأسرعها، وأجرى عدة دراسات عليها، مثل “جوجل” و”أمازون” في الولايات المتحدة و”ديدي” و”علي بابا” في الصين و”سوبر سيل” في أوروبا.

ويكشف البحث عن مخطط عمل يبيّن سبب نجاح هذه الشركات، وأطلق ضيفنا على هذا النهج اسم “بيئة العمل الموجهة نحو الأسواق”. وانضم إلينا اليوم ليحدثنا عن السبب الذي دفع هذه الشركات إلى اتباع هذا النهج.

ضيفنا هو ديف أولريخ، وهو أستاذ جامعي في “كلية روس للأعمال” في جامعة ميشيغان، وهو المؤلف المشارك، إلى جانب آرثر يونغ، رئيس المستشارين في شركة “تينسنت” لكتاب جديد يحمل عنوان: “إعادة ابتكار المؤسسات: كيف يمكن للشركات تقديم قيمة أكبر في الأسواق سريعة التغيير (Reinventing the Organization: How Companies Can Deliver Radically Greater Value in Fast-Changing Markets).

شكراً لقبولك حضور البرنامج يا ديف.

ديف أولريخ: يشرفني وجودي معكم يا كيرت. شكراً لكم لاستضافتي.

كيرت نيكيش: ما هو الخطأ في النموذج الحالي للشركات الناجحة؟

ديف أولريخ: عندما نطلب من الأفراد إخراج ورقة ورسم مؤسسة، دائماً ما نحصل على نموذج مؤسسة قائمة على التراتبية، وهذا هو النموذج العقلي، وهذا هو التحيز الذي نمارسه. والمشكلة مع تلك المؤسسات هي أنها صُمّمت بنيّة توضيح الأدوار وتحمّل المسؤولية. من هو مديري المباشر؟ ومن هو المدير المباشر لذلك المدير؟ وتُعتبر تلك المؤسسات عظيمة في عالم مستقر.

لكن لسوء الحظ، لا يتّصف عالمنا بهذه السمة اليوم. من يعرف ماذا يخبئه لنا المستقبل؟ إذ يوجد تغييرات هائلة وجذرية في كل جزء من حياتنا تقريباً. لكن هذه المؤسسات القائمة على التراتبية لا تستجيب إلى هذا التغيير. ونتيجة لذلك، نشهد فشل مجموعة من المؤسسات التي كانت قائمة منذ سنوات عديدة.

كيرت نيكيش: لقد أجريتَ دراسة على شركات مثل “علي بابا” و”أمازون” و”ديدي” في الصين و”فيسبوك” و”جوجل” و”سوبر سيل” و”تينسنت”، لماذا اخترت هذه الشركات؟ وينتابني الفضول حول ما رأيته وتعلمته من ذهابك إلى هناك.

ديف أولريخ: من الصعب دائماً اختيار الشركات الشهيرة اليوم لأنها قد لا تحظى بالشهرة غداً، وهو ما يُشعرنا بالقلق. لكننا أردنا اختيار الشركات التي خلقت نوعاً من الكلاسيكية الجديدة، أو الشركات المنظمة حديثاً.

وأجرينا بداية دراسة على الشركات في الصين ووجدنا ثلاثة أنواع من المؤسسات. يوجد شركات مملوكة للدولة وهي شركات كبيرة قائمة على التراتبية، ويوجد شركات متعددة الجنسيات تأخذ أفكارها من الغرب بشكل عام وتنقلها إلى الصين، ونجد الشركات الخاصة ما بين هذين النقيضين. وهذه هي الشركات التي ذكرتها للتو، ألا وهي “تينسنت” و”علي بابا” في الصين و”سوبر سيل” التي يكمن مقرها في فنلندا، وهذه هي الشركات التي برزت خلال العشرين عاماً الماضية.

ولدى هذه الشركات أعلى القيم السوقية في العالم، كما أنها وسعت نطاق الابتكار وتطورت بسرعة ولم تعتمد على نموذج المؤسسات القائم على التراتبية. ووجدنا شركات مماثلة في قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة مثل “جوجل” و”أمازون” و”فيسبوك”.

إذ يبلغ متوسط عمر هذه الشركات 20 عاماً، ويبلغ متوسط قيمتها السوقية 400 مليار دولار، وهو أمر لا يصدق.

وعندما أجرينا درسنا على تلك الشركات بمزيد من التفصيل من خلال إجراء دراسات حالة واسعة النطاق، بدأنا ندرك وجود بعض الممارسات الشائعة التي تمارسها والتي تسمح لها بالتطور بالسرعة التي يتطلبها السوق.

كيرت نيكيش: أود أن أسألك: ما الذي وجدته مذهلاً في هذه الشركات؟

ديف أولريخ: بين مؤسسة قائمة على التراتبية من جهة وشركة قابضة من جهة أخرى ما اكتشفناه في هذه الشركات هو أنها شركات موجهة نحو الأسواق، وتلاحق الفرص التي تجدها في هذه الأسواق، وتمتلك شركات تابعة أخرى، مثل الشركات القابضة. وبالتالي، تمتلك شركة “أمازون” شركة “هوول فودز” ( Whole Foods)، وشركة فاير (Fire)، وعدة شركات تابعة أخرى مرتبطة ببعضها البعض. وفي حين تعمل الشركات التابعة إلى الشركة القابضة بشكل مستقل، نجد في بيئة عمل الشركات الموجهة نحو الأسواق أن القوة الحقيقية تكمن في العلاقات بين تلك الشركات التابعة المنفصلة.

كيرت نيكيش: يبدو أن فهم العلاقات بين جميع هذه العناصر في بيئة العمل هو أمر صعب للغاية، إذ يجب على الشركة ذات التوجه السوقي أن تراقب الكثير من الأمور المختلفة التي قد تسعى وراءها. وبالتالي، لا ينطوي الأمر على مجرد فهم العرض والطلب على منتج ما، وإنما على فهم بيئة العمل المتكاملة، وهذا هو الجزء الصعب حقاً.

ديف أولريخ: إنه صعب للغاية. وما يُثير الاهتمام هو كيفية ترابط هذه الشركات التابعة مع بعضها البعض. وقد اكتشفنا بالفعل وجود أربع قدرات تميز هذه الشركات. والقدرة هي ما تشتهر به المؤسسة وتضلع في القيام به.

على سبيل المثال، تشتهر سلسلة “ماريوت” (Marriot) بتقديم خدمات استثنائية، وتشتهر “ديزني” بإعداد واجهة بينية استثنائية للزوار، أو علاقات الزبائن. وما نشهده اليوم في بيئة العمل الموجهة نحو الأسواق هو دمج هذه القدرات في الشبكة.

وبالتالي، تمتلك شركة “أمازون” حوالي ثماني أو عشر شركات تابعة تعمل في أجزاء مختلفة وقطاعات مختلفة وأسواق مختلفة. والسؤال هو كيف تتواصل هذه الشركات التابعة مع بعضها البعض؟ تتواصل مع بعضها البعض من خلال أربع قدرات، ألا وهي الاستشعار الخارجي، أو تبادل المعلومات، وتوقع الزبائن، ومداومة الابتكار، والرشاقة.

وتنطوي بيئات العمل هذه على وجود منصة في المركز تمثّل المحور الرئيس، ويوجد الشركات التابعة، وبالتالي، تتبع بيئات العمل هذه نموذج المركز والأطراف. وترتبط هذه الشركات التابعة مع بعضها البعض من خلال أربع قدرات، ألا وهي الاستشعار الخارجي، وما يحدث في السوق والزبائن، والابتكار في كل مكان، ليس فقط فيما يخص المنتج، وإنما في نماذج الأعمال والخدمات، ومن ثم الرشاقة التي تنطوي على إدراك كيفية التحرك بسرعة لتحقيق النجاح.

كيرت نيكيش: كيف تبدو المنتجات في هذا النوع من البيئات؟ ما الذي ينتجه هؤلاء الرؤساء التنفيذيون وتفشل الشركات الأخرى في ابتكاره؟

ديف أولريخ: جميع أنواع المنتجات الإبداعية. لنتحدّث عن شركة “أمازون” التي تُعتبر مثالاً شائعاً في أميركا الشمالية، وأعتقد أنها رائجة أيضاً خارج أميركا الشمالية. قد تشتري “أمازون” في بعض الأحيان شركة جديدة أو تؤسسها. على سبيل المثال، اشترت “أمازون” شركة “هوول فودز”. وبالنسبة إلى أولئك الذين ليسوا من الولايات المتحدة، تُعتبر هذه الشركة متجراً للبقالة والأطعمة ومتجر بيع تقليدي.

وتقول “أمازون”، يمكننا أن نعرف ما يشتريه الأشخاص من نظام التوزيع عبر الإنترنت الذي يوفر لنا معلومات عن الرمز البريدي. ويمكننا بعد ذلك توظيف هذه المعلومات التي نمتلكها، وهذا هو معنى القدرة.

ونضيف في متجر “هوول فودز” منتجات أو عناصر معينة من المحتمل أن يشتريها الزبائن القاطنين في الرمز البريدي نفسه. وبالتالي، تشارك شركة “أمازون” المعلومات التي تحصل عليها من قسم المبيعات عبر الإنترنت والتجارة الإلكترونية مع متاجر البيع التقليدية. وهذا يبدو واضحاً بالمناسبة. وأشهده دائماً.

إلا أننا لم نشهد اتباع النموذج نفسه في الشركات الأخرى، ذلك لأن متاجر البيع التقليدية تعمل في وحدة أعمال واحدة، في حين تنفّذ الأعمال التجارية عبر الإنترنت في وحدة أعمال أخرى. ويجب عليك الحصول على موافقة كل مستوى في المؤسسة القائمة على التراتبية بهدف اتخاذ القرارات. في حين يمكنك اليوم ربط الشركات التابعة بالمعلومات والزبائن والابتكار والرشاقة التي تتيح لها خلق الخدمات التي يقدرها الزبائن.

كيرت نيكيش: يعتقد الكثير من الأفراد أن هذه المؤسسات الضخمة مثل “أمازون” أو “علي بابا” أو “جوجل” تتبع نماذج خاصة وتمتلك وفورات الحجم، لكنك تصف شيئاً مختلفاً هنا، فقد تمتلك الشركات العادية أرقام الرموز البريدية لزبائنها بالفعل وقد تمتلك وفورات الحجم، لكن هذه المؤسسات الضخمة توظف هذه المعلومات بطرق جديدة مختلفة عن الشركات العادية الأخرى، هل هذا صحيح؟

ديف أولريخ: بكل تأكيد، ومن المثير للاهتمام في الواقع متابعة وضع الشركات الكبيرة التي حاولت ولا تزال تحاول تحقيق النمو، مثل شركة “سيرز” (Sears) أو “تويز آر أص” (Toys R Us)، أو الشركات التي حققت وفورات الحجم في سلاسل التوريد، ولم تمتلك القدرة على إعادة ابتكار نفسها من خلال بيئة العمل الموجهة نحو الأسواق.

في حين تنتقل بعض هذه الشركات الكلاسيكية الجديدة إلى أسواق جديدة، وتشارك المعلومات في محاولة التحول إلى شركات رشيقة أو مرنة. ونعتقد أنها فرصة عظيمة، ليس فقط فيما يخص نجاح الشركة في السوق، وإنما للموظفين أيضاً.

فعندما يمتلك أحد الموظفين فكرة رائعة في شركة ما، غالباً ما يضطر إلى انتظار حصوله على الموافقة عبر ستة أو سبعة مستويات في شركة قائمة على التراتبية، على عكس الموظف الذي يمتلك فكرة رائعة في “فيسبوك” أو “أمازون” أو “تينسنت” أو “علي بابا”.

حيث يمكن لذلك الموظف تكوين شركة رأس مال مغامر (أو ما تسمى بشركات رأس مال جريء) داخلية وتطبيق الفكرة، ويمكنه في حال نجاحها جعلها جزءاً من بيئة العمل إلى حين حصوله على الدعم وتوسيع تلك الفكرة.

كيرت نيكيش: هل يمكنك أن تورد لنا مثالاً عن شركة صينية تعتقد أنها تتبع نموذجاً رائعاً موجهاً نحو الأسواق، وكيف تمكنت هذه الشركة من الاستفادة من بيئة العمل الموجودة فيها؟

ديف أولريخ: يوجد شركة “تينسنت” التي جعلها مؤسسوها منصة قائمة على المعلومات والمعرفة وبناء العلاقات، وطوّروا منصة “وي تشات” (WeChat) لمعرفة تفضيلات المستهلكين، وأقاموا شراكة مع منصة “جيه دي دوت كوم” (JD.com) وهي متجر متخصص عبر الإنترنت، وبالتالي يمكن للمعلومات المستقاة من “وي تشات” توجيه عروض متجر “جي دي”.

وبالتالي، أدركت الشركة هذه القدرات الأربع المتمثلة في المعلومات والاستشعار الخارجي، وما يحدث في العالم، والزبائن، وما يشتريه هؤلاء الزبائن، مثل النهج الذي اتبعته شركة “أمازون” بالضبط، والابتكار، وكيفية ابتكار المنتجات والخدمات ونماذج الأعمال، والرشاقة وكيفية التحرك بسرعة والتركيز على المستقبل، والمعارف المستقاة من هذه التجربة. وقد طبّقت شركة “تينسنت” هذا النهج ببراعة من خلال تطوير منصة “وي تشات” وعقدها شراكة مع منصة “جيه دي دوت كوم”.

كيرت نيكيش: ما الذي يعيق الشركات الأخرى عن اتباع هذا النهج؟

ديف أولريخ: أعتقد أن أحد الأشياء التي تعترض طريق اتباع هذا النهج هو نموذجنا العقلي، ذلك أننا نحمل انحيازات لا إرادية حول ما تبدو عليه المؤسسات، وكيفية عملها. وأعتقد أن ما يعيق طريق اتباع هذا النهج هو تبني نهج السلطة. إن مهمة القائد في هذه المؤسسات لا تتعلق بالسلطة، وإنما حول القدرة على تمكين الآخرين.

وهذا هو النموذج العقلي الذي نؤمن به والذي يتعلق بالقوة وبالسيطرة وبتوضيح حقوق اتخاذ القرار، في حين ينطوي النموذج في هذه المؤسسات التي تحدثنا عنها على الرشاقة والزبون والابتكار وانتهاز فرص السوق. ومن الضروري أن يتحول النموذج العقلي القائم على السيطرة بشكل جذري.

كيرت نيكيش: هذا صحيح. هل تعتقد أن التحيز ضد تغيير هذه النماذج، أو ضد رؤية الثقافة بطريقة جديدة يأتي من الأعلى أو من الأسفل؟

ديف أولريخ: التغيير صعب بالطبع. وأحد التدريبات الممتعة التي نحب القيام بها هي أن نطلب من الأفراد ثني أذرعهم، ومن ثم ثنيها في الاتجاه الآخر، وهو تمرين بسيط لا يدوم أكثر من ثلاث ثوان. أثني ذراعي ومن ثم أثنيه في الاتجاه الآخر. لقد درسنا العادات بعدة طرق، وهي تشكّل ما يتراوح بين 70 إلى 80% من سلوكياتنا.

نحن نحب العادات ونحب الروتين. ونمارس هذه العادات بمجرد أن نستيقظ في الصباح، وعندما نتوجه إلى العمل. وقد تتأصل هذه العادات في بعض الأحيان وتصبح حواجز تحول دون التغيير.

وبالتالي، أعتقد أن الثقافة هي أحد هذه الأمور، ذلك أننا نمتلك تعريفاً محدداً عن الثقافة، ولكن عندما نحاول القول أن الثقافة هي ليست جذور الشجرة، وإنما فروعها، يصاب بعض الأفراد بالجنون، ويتهموننا أننا نسيء تعريف الثقافة. إلا أننا لا نحوّر تعريف الثقافة، وإنما نعيد تعريفها مثلما تغير تعريف القيادة وتعريف الاستراتيجية.
وبالتالي، يجب علينا أن نتطور ونتعلم باستمرار، وأن نعيد النظر في تعريفنا للمؤسسات. وأعتقد أنه أمر ضروري. نحن لا نقول أن المؤسسة القائمة على التراتبية كانت نموذجاً سيئاً، بل كانت نموذجاً رائعاً فيما مضى، لكن ما نجح في الماضي لن ينجح في المستقبل. ويجب علينا إعادة ابتكار هذا المنطق.

كيرت نيكيش: كيف تختلف إدارة العمال في هذه المؤسسات؟

ديف أولريخ: عندما أطلب من شخص ما التفكير بعلاقة المدير والمرؤوس، غالباً ما يضع الأفراد المدير أو الرئيس في القمة والمرؤوس أدناه.

ولا يزال يوجد في هذه المؤسسات الموجهة نحو الأسواق والتي تحدثنا عنها شكل من أشكال السيطرة، والمدير هو المدير، إلا أن هذا النموذج يضع المدير والمروؤس جنباً إلى جنب تقريباً. ولا تنطوي وظيفة المدير على ممارسة السلطة، وإنما على التمكين. وبالتالي، يشعر الموظف بالقدرة على ممارسة ما يمكنه فعله من خلال قيام المدير بمنحه المعرفة والمعلومات والكفاءة والسلطة.

وينطوي مفهوم القيادة على جعل الآخرين أفضل، وليس على القيام بالعمل بنفسك. وبالتالي، يحتاج القادة في المؤسسات القائمة على التراتبية إلى تعلم بعض هذه المهارات.

كيرت نيكيش: لا يركز كتابك على الثقافة الداخلية والهيكل فحسب وإنما حول كيفية تواصل المؤسسة مع العالم الخارجي. كيف يمكن للمدراء والقادة تغيير ذلك؟

ديف أولريخ: نقول دائماً أن المحتوى هو الملك، بمعنى أنه يجب أن يكون لديك محتوى ومنتج مناسب وخدمة صحيحة. لكن إذا لم يكن لديك محتوى جيد، سيفشل عملك.

وكما تعلم كانت شركتا “ايستمان كوداك” (Eastman Kodak) و”فوجي” (Fuji) أفضل شركتا إخراج سينمائي في تاريخ العالم. فالمحتوى هو الملك، لكن السياق هو المملكة، لأن السياق يتغير. وفي الواقع، اكتشفنا وجود التزام بالنجاح. وأنا لا أريد انتقاد شركة “كوداك” لأنها كانت تضم موظفين رائعين بالفعل. وبالتالي، السياق هو المملكة. ما هو موقع المحتوى بصفته الملك؟

إن السياق في تغير دائم، ونرى تغيراً جذرياً في ستة مجالات رئيسة، ألا وهي التوجهات الاجتماعية، والتوجهات التكنولوجية المتمثّلة في الذكاء الاصطناعي والروبوتات التي تغير العالم الذي نعيش فيه بشكل كبير جداً. ويوجد التوجهات الاقتصادية المتمثلة في نمو الصناعات وكيفية تعاملنا مع المنافسين.

والتوجهات السياسية التي تتغير بطرق دراماتيكية في جميع أنحاء العالم، حيث أصبحت القومية اليوم أحد أهم القضايا، بالإضافة إلى الأدوار التشريعية. ويوجد التوجهات البيئية المتمثلّة في المسؤولية الاجتماعية. وأخيراً التوجهات الديموغرافية بين الأفراد. وعندما نفهم سياق التوجهات الاجتماعية والتقنية والاقتصادية والسياسية والبيئية والديموغرافية، يمكننا أن نبدأ في توقع ما قد يحدث بعد ذلك.

كيرت نيكيش: لقد تحدثنا عن كيفية انتهاز هذه المؤسسات الفرص الجديدة بعد أن تبحث عنها وتربطها بالمؤسسة الرئيسة والشركات التابعة وتجعلها تستفيد من بعضها البعض.

وينطوي جزء من الرشاقة على التخلي عن الأعمال الفاشلة بدلاً من مجرد الانتقال إلى حيث يتوجه السوق. كيف تعامل المدراء والقادة في هذه المؤسسات مع هذا الجانب من المعادلة؟

ديف أولريخ: لقد عملنا مع شركات ذكرتها قبل قليل ومع شركات أخرى، ولدينا شعار مكون من أربع مراحل. المرحلة الأولى هي التفكير بعمق، وتوقع الفرصة، واغتنام الفرص البيئية. وتنطوي المرحلة الثانية على إجراء اختبار صغير، وهو ما يعني اختبار الشركة التابعة. وتتمثّل المرحلة الثالثة في تحديد مكامن الضعف. والمرحلة الرابعة هي مداومة التعلم.

ونشهد دائماً ارتكاب الشركات بعض الأخطاء، إلا أنها تفكر بعمق وتجري اختبارات صغيرة وتحدد مكامن الضعف وتتعلم دائماً. وتلتزم بالشيء نفسه فترة طويلة، وبالتالي، يصبح من الأهمية بمكان أن يكون لدى شركات ومؤسسات بيئة العمل الموجهة نحو الأسواق التي ندعو إلى اتباعها أفكار رائعة. ما هي الفرصة في المستقبل؟ أجر اختباراً صغيراً، وحدّد شكلاً من أشكال البيع، ثم حدد مواطن الضعف وضع بعض المعايير.

هل ينجح هذا النظام بالفعل؟ أم أنه نظام فاشل؟ هل المعايير التي وضعتها جديدة؟ هل يشتري الزبائن المنتج؟ هل يقبلون جدول الأعمال الذي وضعناه؟ هل يوجد إيرادات؟ ضع مواعيد نهائية ومقاييس معيارية لذلك.

وإذا لم يحقق المنتج مبيعات بقدر ما نرغب بعد ستة أشهر أو بعد سنة، فسوف نتراجع، إلا أننا لن نتوقف عن الابتكار، ذلك أن الهدف الرئيس من بيئة العمل المتكاملة هو مداومة التعلم. لذلك، سنشارك المعرفة والمعلومات مع الآخرين في بيئة العمل هذه والتي تدور حول الأعمال الناجحة والفاشلة على حد سواء.

كيرت نيكيش: ذكرت أيضاً فكرة غير بديهية تنطوي على وجود أولويات ثابتة لدى شركات بيئة العمل الموجهة نحو الأسواق. وينتابني الفضول حول كيفية محافظة هذه الشركات على بعض الأولويات الثابتة في حين نموها بهذه السرعة؟

ديف أولريخ: فكر في المركز والأطراف، ولا تنسى أن الأطراف مرتبطة ببعضها البعض. ما هي مهمة المنصة أو المركز؟ مهمتها هي التأكد من امتلاك كل شخص في بيئة العمل مجموعة مشتركة من القيم أو المبادئ. وبالتالي، بغض النظر عن الوحدات التي يتجه بها قادة الشركات إلى السوق، يملي عليها هؤلاء القادة المبادئ الصحيحة التي يجب عليها اتباعها، ويعملون على توحيد القيم والمبادئ. وقد تختلف ممارسات كل شركة وفقاً للسوق الذي تحاول الدخول فيه.

ومن الأسهل تطبيق هذه المبادئ في مجالات تجارية حديثة، ومعظم الشركات التي أجرينا بحوثنا عليها قد فعلت ذلك في الواقع. وعلى الرغم من أن شركة “كوداك” أو “تويز آر أص” أو “نوكيا” قد فهمت هذه المبادئ، إلا أنها قد واجهت الفشل في مرحلة ما، ومن الخاطئ اعتقاد أنها فشلت تماماً، ذلك أنها قد تمتلك فرصة أفضل لإعادة ابتكار نفسها والنجاح في فرص السوق المستقبلية.

كيرت نيكيش: شكراً جزيلاً على حضورك البرنامج يا ديف للحديث عن هذا الموضوع ومشاركتنا نتائج بحوثك ومشاهداتك.

ديف أولريخ: يسرني ذلك.

كيرت نيكيش: كان معنا ديف أولريخ، وهو أستاذ جامعي في “كلية روس للأعمال” بجامعة ميشيغان، والمؤلف المشارك لكتاب جديد يحمل عنوان إعادة ابتكار المؤسسات: كيف يمكن للشركات تقديم قيمة أكبر في الأسواق سريعة التغيير (Reinventing the Organization: How Companies Can Deliver Radically Greater Value in Fast-Changing Markets).

هذه الحلقة من إنتاج ماري دوي، وبدعم فني من روب إيكارت، ومدير الصوت آدم باكولتز. شكراً لاستماعكم إلى برنامج “آيديا كاست” المقدم من هارفارد بزنس ريفيو.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .