هل تشعر بالاحتراق الوظيفي؟ امنح نفسك فرصة تنظيم عملك

5 دقائق
الاحتراق الوظيفي وتنظيم العمل

ملخص: سمعنا مراراً وتكراراً أن العمل الإضافي غير فعال لإنتاجيتنا، فضلاً عن أنه قد يضر بصحتنا. من جهة أخرى، قد يكون منح أنفسنا فرصة تنظيم أعمالنا مهمة صعبة. قد نخشى أننا لا نلبي احتياجات عملائنا أو مديرنا إن لم نكن “فاعلين” طوال الوقت، أو أننا سنضيع فرص الترقية والنمو. لكن ماذا عن الاحتراق الوظيفي وتنظيم العمل المتراكم؟ كيف تقنع نفسك بتنظيم عملك لئلا تعاني من الاحتراق الوظيفي؟ تدبّر أولاً القصة التي تخبرها لنفسك عن العمل، وتعمق في السبب الأساسي الذي يولّد فيك تلك الأحاسيس، إذ غالباً ما يكون محور القصة التي ترويها لنفسك عن العمل غير صحيح. ثانياً، شارك هدفك في تنظيم عملك مع من تحترمهم، إذ قد يبين ذلك مدى قدرتك على تحمّل المسؤولية، ويساعدك في الحصول على بعض النصاح المفيدة. ثالثاً، حدد المهمات التي ساعدتك في تحقيق أكبر إنجازاتك وضاعف جهدك في التركيز عليها وتجاهل بقية المهمات الأخرى. أخيراً، تخيّل نفسك في المستقبل. ماذا ستقول لنفسك في المستقبل عن العمل الذي تؤديه اليوم؟

 

لا بدّ أنك اطلعت على الإحصائيات حول العمل الإضافي ومدى خطورته على الصحة، وقرأتَ المقالات والكتب المتعلقة بالإنتاجية التي تشير إلى أن ضغط أسبوعك بساعات عمل أكثر لا يؤدي في الواقع إلى تحسين نتائجك. وعلى الرغم من أن فكرة تنظيم عملك تبدو جذابة ومدعومة ببيانات مهمة، يُعتبر منح نفسك فرصة القيام بذلك أمراً صعباً.

يوجد في الواقع العديد من الأسباب التي تجعلنا نخصص مزيداً من الساعات للعمل الإضافي على الرغم من تزايد الأدلة على عدم فعاليته وأثره على صحتنا. قد تشعر برغبة في لفت الأنظار إليك بصفتك عاملاً مجتهداً ومتاحاً في جميع الأوقات، لا سيّما في القطاعات التي تكون الاستجابة لاحتياجات العميل أو المدير فيها في أي وقت هي المعيار. من جهة أخرى، قد تتملكك رغبة في تحقيق نجاح باهر بهدف أن يجري اختيارك لفرص الترقيات وزيادات الأجور والقيادة. في الواقع، تنطوي الرسائل الثقافية التي تلقيناها طوال حياتنا على أن تخصيص مزيد من الساعات وبذل مزيد من الجهد للعمل يضمن نجاحنا، على الرغم من أن تحديد طبيعة المهمات التي يجب أن نبذل جهداً في أدائها هو أمر أكثر أهمية من قضاء أيام حياتنا في العمل الشاق. ومن الصعب تغيير المعتقدات بالطبع، إذ تبيّن البحوث المتعاقبة أن الأفراد لا يغيرون آراءهم حتى عند حصولهم على معلومات واقعية جديدة تثبت أن معتقداتهم السابقة خاطئة.

ولا عجب إذن أنه على الرغم من وجود كثير من الأدلة على أن تنظيم العمل هو أمر مفيد لكل من إنتاجيتنا وصحتنا، نواجه صعوبة في منح أنفسنا فرصة تجربة ذلك. وعلى الرغم من أننا غير معتادين على تغيير عادات العمل، ونشعر بالضيق حتى لمجرد التفكير في تلك الخطوة، فهو ليس مستحيلاً على الإطلاق.

الاحتراق الوظيفي وتنظيم العمل

إليكم بعض الخطوات التي نجحت مع عملائي والتي اتبعتها شخصياً لتمنح نفسك فرصة تنظيم أعمالك.

تدبّر القصة التي ترويها لنفسك عن العمل

إنها الساعة السادسة مساءً. لقد وعدت أفراد أسرتك أن تتناول العشاء معهم وألا تفوّت موعد نوم أطفالك، لكنك تذكرت إرسال بعض رسائل البريد الإلكتروني. تأمّل في تلك الحالة القصة التي ترويها لنفسك عن مدى أهمية العمل؛ أي تلك اللحظات التي يكون لديك فيها خيار مواصلة سلوكك القديم المتمثل في تجاوز حدودك أو التزاماتك تجاه بعض الأمور في حياتك خارج العمل.

خصص 5 دقائق أو نحو ذلك لكتابة القصة التي ترويها لنفسك عن العمل، ثم تعمق في تفاصيلها. إذا كانت القصة تقول: “إذا لم ترسل هذه الرسائل الآن، فستتأخر في إنجاز أعمالك غداً”، فاسأل نفسك: ماذا سيحدث بعد ذلك؟ قد تكون الإجابة هي أنك ستشعر بالضغط لإتمام عرضك بحلول نهاية الأسبوع. ثم اسأل نفسك مجدداً: ماذا سيحدث بعد ذلك؟ واصل التعمق في الإجابات حتى تصل إلى القصة الأساسية. غالباً ما تكون نهاية القصة: “سأفقد وظيفتي ثم أفقد كل شيء”.

لكن بمجرد أن تصل إلى تلك النقطة، اسأل نفسك: هل هذا صحيح؟ هل صحيح أنك إذا توقفت عن العمل نهاية اليوم ستخسر وظيفتك ثم ستخسر كل شيء آخر؟ الإجابة هي لا غالباً. تحفز أفكارنا ومشاعرنا سلوكياتنا، وعادة ما تتشابك قصصنا الداخلية مع تلك الأفكار والمشاعر. لكن عندما تخصص بضع دقائق لمقاطعة أفكارك ومشاعرك وسلوكك التلقائي، فإنك تزيد بذلك من احتمالية أن تُحدث تغيير.

ثانياً، شارك هدفك في تنظيم العمل مع شخص تكنّ له الاحترام

وفقاً لبحث أجرته جمعية علم النفس الأميركية، عندما تشارك هدفك مع شخص يتمتع بمكانة أعلى أو شخص تكنّ له الاحترام، ستبدو بذلك شخصاً يتحمّل المسؤولية لالتماسك رأيه. من جهة أخرى، قد يصعب عليك منح نفسك فرصة التقليل من عبء العمل، لأنك تريد أن ينظر إليك “المسؤولون الكبار” على أنك عامل متفانٍ ومجتهد.

لكن ليس من الضروري أن يكون الشخص الذي تشارك هدفك معه يعمل في الشركة نفسها، بل يمكنك أن تلتمس رأي موجه أو صديق أو فرد من العائلة تكنّ له الاحترام لقدرته على تحقيق توازن بين عمله وحياته الشخصية بأدق تفاصيلها. وبالإضافة إلى أنك ستحظى بثقة ذلك الشخص باعتبارك موظفاً قادراً على تحمّل المسؤولية، قد يقدم لك أيضاً إرشادات مفيدة حول الأسلوب الذي اتبعه لتنظيم أعماله.

ابذل جهدك على أداء العمل المهم فقط

نميل عادة إلى أداء المهمات المدرجة على قائمة مهماتنا واحدة تلو الأخرى، بافتراض أن التقصير في أداء مهمة ما يعني التقصير في أداء المهمات الأخرى (أو الفشل في أدائها). ونقنع أنفسنا بأن نتلافى ذلك التقصير، ليزداد بعدها شعورنا بالارتباك والإنهاك.

بدلاً من ذلك، جرّب تطبيق التحليل 80/20؛ أي أن تحدد ما نسبته 20% من المهمات أو المشروعات التي تمنحك 80% من النتائج في العمل. اكتب قائمة بأهم مكاسبك في العمل (النتائج التي تسعى إليها، أو أهم أولوياتك، أو أهم أهدافك) على يمين الورقة والمهمات التي تؤديها يومياً على يسارها. ثم ارسم خطاً يصل بين كل من تلك المكاسب الكبيرة والمهمات التي كانت مسؤولة عنها مباشرة. ثم ضع دائرة حول المهمات الموصولة بالمكاسب فقط. وتلك هي نسبة الـ 20% من العمل التي يجب عليك أداؤها فقط.

وبمجرد أن تتعرف على ماهية تلك المهمات، خصص أكبر قدر من الوقت والجهد لأدائها، وحينها فقط يمكنك رفض المهمات الأخرى أو تفويضها أو التخلص منها تماماً. وإذا كنت تعلم أنك تبذل جهدك لأداء المهمات المهمة في العمل بالفعل، فسيسهل عليك حينها التوقف عن العمل حين انتهاء الدوام كل يوم.

تخيّل نفسك في المستقبل

يذكّرنا كتاب بروني وير الرائع الذي يحمل عنوان “أهم 5 تعبيرات للندم عند الموت” (The Top Five Regrets of The Dying)، أنه من الشائع أن يتمنى الناس لو أنهم لم يقضوا كثيراً من الوقت في العمل عندما يكونون على فراش الموت. من السهل عندما ننشغل في حياتنا اليومية أن نظن أن إعادة صياغة ذلك التقرير للمرة المائة أو قضاء ساعتين إضافيتين يومياً على جهاز الكمبيوتر هو أمر بالغ الأهمية لنا.

جرب ممارسة هذا التمرين بدلاً من ذلك: عندما أشعر أنني محاصر في نمط قديم وأجد صعوبة في تغيير سلوكي، أفضل أن أفكر في المستقبل وأسأل نفسي البالغة من العمر 85 عاماً عما كنت أتمنى فعله في المرحلة الحالية من حياتي. يتيح لي القيام بذلك رؤية الصورة الأكبر، بدلاً من مجرد اللحاق بالمواعيد النهائية أو الضغوط التي تشغل تركيزي في الوقت الحالي. وبوسعك فعل الشيء ذاته. عندما تتخيل نفسك في المستقبل وتتظاهر أنك تنظر إلى حياتك مرة أخرى، يكون من الأسهل لك أن تحدد ماهية المهمات الضرورية وماهية المهمات غير الضرورية.

وفي نهاية الحديث عن الاحتراق الوظيفي وتنظيم العمل لديك، عندما تمنح نفسك فرصة تنظيم عملك (حتى ولو قليلاً) ستتحسن نتائج عملك بشكل ملحوظ وتحافظ على صحتك. أنت تعمل بجد، وتؤدي عملاً مهماً بالفعل، وتستحق أن تحقق أهدافك شرط أن تعطي جسدك وعقلك الفرصة التي يحتاجان إليها لتحقيق أداء أفضل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .