الابتكار المفتوح يولد أفكاراً عظيمة، لماذا لا تتبناه الشركات إذاً؟

6 دقائق
الابتكار المفتوح
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في عصرنا هذا تعتبر الكثير من الشركات الابتكار المفتوح – وهو عملية مشاركة المعارف والأفكار مع المؤسسات الأخرى – جزءاً رئيساً من استراتيجيتها لتطوير عروض جديدة. وتضم الأمثلة في هذا السياق شركة “لوريال” (L’Oréal) التي تتعاون مع شركة “رينو” (Renault) لتصنيع سيارة كهربائية مبتكرة تحوي “مغطس مياه معدنية” وتُوحد شركتا “ديلفي” (Delphi) لقطع غيار السيارات و”موبيل آي” (Mobileye) قواهما بغية إنتاج نظام للقيادة الذاتية. وقد اكتشفت شركات عديدة أن مثل هذه الشراكات تحقق وفراً في التكلفة وتخلق رؤى ثاقبة.

ولكن، من الغريب أنه، ورغم تواصل ازدياد عمق التعاون فيما بين الشركات واتساع نطاقه ، نجد أن التبني الفعلي للأفكار التي تُبتكر بهذه الطريقة لا يتصاعد بالوتيرة ذاتها. وفي استطلاع حديث أجرته شركة “أكسنتشر” (Accenture)، تبين أن أكثر من 50% من الشركات المستطلَعة صرحت أن هذه الشراكات لا يبدو أنها تتمخض عن العدد الذي عقدت الآمال عليه من المنتجات الجديدة أو غير ذلك من المزايا. وعلى غرار دراسات سابقة، يقترح بحثنا أن الأسباب وراء عدم تبني المزيد من الأفكار النابعة من الابتكار المفتوح هي أسباب سياسية وثقافية وليست تقنية. فهناك الكثير من حراس البوابات والشكوك التي تكتنف أي شيء “لم يُخترع هنا” والمنافسات الضارية بين المؤسسات التي تعرقل تبني أفكار الابتكار المفتوح تحديداً.

لكن الأمر لا يجب أن يكون بهذه الطريقة. ولطالما واجه التحدي ذاته شركات التصميم المستقلة، وهي التي يعتمد صمودها حصراً على استخدام العملاء لأفكارها. ولقد طورت مجموعة متنوعة من التقنيات لتشجيع الزبائن على تبني مفاهيمها.

وللتعرف على تقنياتها التي يجوز أن تطبقها شركات أخرى، فحصنا سبع حالات انخرطت فيها سبع شركات تصميم في العديد من المشروعات الإبداعية مع مؤسسات من قطاعات لا تتعاون معها عادةً، بما في ذلك مستشفى وشركات تصنيع أرضيات صناعية وهيئة حكومية وشركة نقل ومواصلات عامة. ثم قارنا ما بين الأفكار التي جرى تبنيها، وتلك التي تنحرف عن مسارها ولا تنفذها المؤسسة. والرؤى الثاقبة المستخلصة أكدتها وأثرتها مجموعة إضافية من المقابلات الشخصية مع المسؤولين التنفيذيين في 16 شركة تصميم أخرى.

وقد عزز ما شاهدناه وسمعناه فرضيتنا التي مفادها أن المصممين طوروا استراتيجيات سياسية للتغلب على التحيز الانعكاسي الذي يصيب غالبية المؤسسات ضد أفكار الغرباء. وعلمنا أنه إضافة إلى أن تلك الشركات التي نُفذت مفاهيمها بشكل ناجح تمتلك أفكاراً سديدة، وتتمتع بنهج أكثر مرونة تجاه مراحل عملية التطوير جميعها مقارنةً بالشركات التقليدية. وخلصنا إلى أن هذا لم يكن من قبيل المصادفة، فمع مرور الوقت، تعلمت أنجح شركات التصميم كيف تخلق مناخاً مرناً منذ البداية، وتعلمت كيف تحافظ على استدامة هذا المناخ خلال مراحل المشروع كلها.

لقد نفذ المصممون الناجحون خمسة إجراءات استراتيجية لغرس المرونة والثقة. قد تبدو بعض هذه الاستراتيجيات وكأنها استُخلصت من أدلة إرشادية للتطوير الرشيق أو التطوير محدود الفاقد، لكنها تُستخدم لغاية مختلفة في الحسبان: الوصول إلى توافق الآراء في الابتكار المفتوح لا تعزيز الكفاءة.

أسِّس شبكة متعددة المستويات. أسس المصممون العاملون في الشركات الناجحة شبكة كبيرة وكثيفة من جهات الاتصال مع أشخاص على مختلف مستويات المؤسسة المتلقية للخدمات بدلاً من العمل مع جهة اتصال واحدة فقط. “دائماً ما تطرأ أمامك موضوعات في عملية الابتكار المفتوح هذه لا يستطيع مسؤول الاتصال الخاص بك وحده مواجهتها. وكلما كان لديك عدد أكبر من الأفراد زادت فرصة وصولهم إلى حل عبر مناقشة رؤى مختلفة”، هكذا فسّر أحد المصممين الأمر. وتساعد الشبكة الكبيرة والكثيفة على الحد من التفكير المنغلق، مما يزيد من فرص خلق مفهوم تصميمي أكثر شمولاً وقوةً. وتقلص تلك الشبكة أيضاً من خطورة تعطل عمل الشركة في حالة إعادة تكليف مسؤول اتصال محوري أو رحيله عن الشركة المتلقية للخدمات.

عزز المسؤولية المتكافئة. كما جاء تلميحاً في النصيحة الأولى، يتمثل الجزء الثاني من إضفاء المرونة على عملية تنفيذ الأفكار في التأكد من أن أصحاب المصلحة المشاركين جميعاً يشعرون بامتلاك الفكرة بشكل متكافئ ومسؤوليتهم المتساوية عنها. وانطلاقاً من كونك مبتكراً، سوف ترغب في أن تحول دون طرح أسئلة على شاكلة: ما الذي تعرفه عن أعمالنا؟ مَن تظن نفسك؟ هذا النوع من السلبية يمكن أن يُفسد فرصة أي فكرة جديدة في حيازة القبول. أخبرنا أحد المصممين أنه حينما تطرح مثل هذه الأسئلة “عليك أن تبذل مجهوداً أكبر لتروج لنفسك… ولتخلق دعماً داخل المؤسسة”.

ومن بين الطرق التي يُشجع بها المصممون الناجحون على الإحساس بامتلاك الفكرة، هي تسليط الضوء على المزايا المختلفة التي تعود على كل واحد من أصحاب المصلحة بمشاركته في عملية الابتكار المفتوح تحديداً، وهم يحاولون الإقرار حتى بأقل الإسهامات التي قدمها أي شخص لابتكار الفكرة،

ويحاولون أيضاً إبقاء قنوات التواصل مفتوحة: أخبرنا أحد المصممين أنهم يستخدمون نظم التراسل (على سبيل المثال، برنامج “سلاك” (Slack)) لتيسير النقاشات حول الأفكار. وأقام المصممون حوارات جماعية، ودعوا ممثلي الشركة للانضمام إلى تلك الحوارات، وسمح ذلك للجميع بمتابعة النقاش الخاص بالفكرة المطروحة والانضمام إليه ورصد تطوره.

وبطرح أسئلة محددة تقتضي معرفة تفصيلية، شجع المصممون ممثلي الشركة على الشعور أنهم أكثر انخراطاً في العملية، مما منحهم شعوراً بامتلاك الفكرة وهي تخرج إلى النور. إضافة إلى ذلك، تُقلص المسؤولية المشتركة الاعتماد على مجموعة وحيدة من صناع القرار. وكما ذكرنا أعلاه، إذ استشهدنا بمزايا بناء شبكة متعددة المستويات، فإن المسؤولية المشتركة تعني أن الفكرة لن تموت تلقائياً حتى لو تبدلت القيادة في المؤسسة المتلقية للخدمات.

حدد مواعيد مرحلية مؤقتة. لقد حاول المصممون البارعون سياسياً كذلك هيكلة المشروعات عبر مواعيد مرحلية مؤقتة، فأضافوا المزيد من الخطوات في العملية كلها، إما وفقاً لحدسهم المحض وإما بمساعدة منهجيات إدارة المشروعات مثل “سكروم” (Scrum) و”كانبان” (Kanban) وما شابه ذلك. ويزيد مثل هذا “التقسيم المرحلي” لعملية الابتكار من الشفافية، ويقلص من التعقيد المتوقع، ويجعل المشروع يبدو أقل هيبة في عيون الأطراف المعنية.

والمواعيد المرحلية المؤقتة تجعل من الأسهل على المصمم تشكيل الدعم اللازم للمشروع شيئاً فشيئاً بمرور الوقت. إن تقسيم عملية الابتكار التي لا يمكن التنبؤ بها إلى أجزاء أصغر، مع إتاحة الفرصة أيضاً للزبائن وغيرهم من أصحاب المصلحة لتقديم ملاحظات وتعقيبات مستمرة، توضح شروط المشروع وأهدافه. وكما صرح لنا المدير الإداري لواحدة من شركات التصميم:

“في مستهل أي مشروع تآزري كبير، يطرح الجميع أفكاراً جنونية، غير أن أحداً لا يستطيع تحديد الشيء الذي سنصنعه ولا تكلفته، وهي أمور يضعها المرء بعناية في شكل متتالي في سياق التطوير التقليدي، مستعيناً بنموذج الشلال، ويقدم تقديراً للميزانية في غاية التعقيد، ثم يعقد الآمال على أن ينتهي الأمر كله على خير ما يرام. ولكن، في العديد من المشروعات الإبداعية/ الابتكارية، لا تعرف وجهتك في البداية… يمكنك أن تنطلق في رحلة كشفية مع العميل وتخطو خطوات صغيرة في ظل أُطر زمنية محددة”.

وتقلص “رحلة الاستكشاف” هذه الخطورة التي تهدد الشريكين في كل مرحلة، لا لأنهما يتشاركان المخاطر وحسب، وإنما لأن لديهما أيضاً وقت أطول ليكسب الواحد منهما ثقة الآخر. ومخزون الثقة هذا غالباً ما يكون مفيداً أثناء التنفيذ، أي حينما يبدأ العديد من المشروعات مواجهة مقاومة داخلية أكثر وعراقيل أخرى. ويقنع هذا المخزون أيضاً ممثلي المؤسسة بقدر أكبر، لأنه يسمح لهم بصياغة عملية تطوير الفكرة بحماس وهي لم تزل في مرحلة وليدة.

اجعل الجدوى التجارية متاحة للجميع. لاحظنا أيضاً أن المصممين ارتقوا بفرصهم في التطبيق الناجح حينما تركوا مفهوماً مبدئياً متاحاً للجميع، وسمحوا لكثير من أصحاب المصلحة في المؤسسة بتشكيله من خلال عملية التطوير. ومثال على ذلك مشروع إحدى شركات النقل العام. فقد قاد ملخص التصميم المبدئي الفريق إلى التركيز بشكل أكثر على تحسين مستوى راحة الناس وأمانهم وهم يركبون قطاراً في واحدة من المحطات التي كانت تخضع لعملية إعادة بناء. وأفضى التركيز الفوري على حل هذه المشكلة محدودة الأفق إلى طريق مسدود، فقد شكك أصحاب المصلحة في قدر الحاجة الملحة للحل المقترح والاستثمارات ذات الصلة. غير أن إعادة فتح الجدوى التجارية وإشراك أصحاب مصلحة آخرين أدى إلى أن يدرك المصممون أنهم كانوا يتعاملون مع المشكلة الخاطئة. ونتيجة لذلك، فقد صرفوا انتباههم إلى زيادة كفاءة صعود الزبائن إلى القطار، لا في محطة واحدة فقط وإنما في المحطات كلها.

ورغم أن لب فكرة المصممين ظل على حاله بلا تغيير، فقد أبقى هذا النهج المنفتح المؤسسة بأسرها مقتنعة بالمشروع، كما أنه ارتقى بالفكرة. وأدت الحاجة إلى بيان المزايا المختلفة لمفهوم ما لمجموعة متنوعة من الأطراف المعنيين إلى أن يبحث المصممون أثر ذاك المفهوم من وجهات نظر مختلفة، وأن يستبعدوا التناقضات المحتملة. وأخيراً، فقد كانت لمرونتهم ميزة سياسية، فالحد من الاعتماد على رعاية قسم واحد ترتب عليه أنه حتى عند تغير الأولويات في أحد الأقسام، يظل من الممكن تنفيذ الفكرة لأنها لبت احتياجات قسم آخر.

اصنع نموذجاً أولياً في مرحلة مبكرة. حاول مصممو المشروعات المنفذة بشكل ناجح جميعاً أن يعرضوا شيئاً ملموساً أو مرئياً في أسرع وقت ممكن، وأصر قائد أحد الفرق قائلاً “عليك أن تطرح أمثلة ملموسة. وتقديم نموذجاً أولياً… يُثبت أن كل شيء لديك في محله، وأنك على دراية بالنتائج التي تريد تحقيقها”. وصناعة منتَج قابل للحياة بالحدّ الأدنى لا يساعد وحسب في اختصار دورات التطوير، وإنما يُعين أيضاً على إقناع أصحاب المصلحة بقيمة الفكرة، خصوصأً غير المشاركين في العملية من البداية، أو أولئك الذين لا يتصل بهم المصمم اتصالاً مباشراً إلا قليلاً. وتساعد رؤية شيء ملموس الناس أيضاً على التصريح بمخاوفهم بشكل أسهل، وتقديم ملاحظات بناءة أكثر في الوقت الذي لم تزل فيه الفكرة في مرحلة ما قبل التشكل.

ويؤدي خلق قدر من المرونة، أثناء التنفيذ إلى دعم أكثر للفكرة واقتناع أكثر بها. إن الأفكار التي تشتمل على آراء متنوعة لخبراء وأصحاب مصلحة مختلفين أقوى وأمتن. قد يبدو ذلك أشبه بالتورط في عقبة جديدة، غير أن الصيغ الإضافية تعني أن المسؤولين التنفيذيين وغيرهم من أصحاب المصلحة من الأرجح أن يقتنعوا أكثر بمزايا فكرة ما. والتعاون بالسبل الخمس التي سبق وذكرناها أعلاه يزيد من فرص وضع الفكرة موضع التنفيذ، وحمايتها من الزوال والهلاك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .