مواجهة التحديات العالمية الكبرى من خلال الابتكار منخفض التكلفة

5 دقائق
الابتكار منخفض التكلفة والتحديات العالمية
dave wheeler FOR HBR
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio
تساعد الثورة الرقمية على خلق اقتصادات حريصة على التدبير والتوفير، حيث تولد هذه الاقتصادات قيمة أكبر بأسلوب يتسم بالكفاءة العالية والشمول الاجتماعي والاستدامة البيئية – باستخدام موارد أقل. والأكثر من ذلك أن العديد من الابتكارات تنشأ في مناطق فقيرة أو متخلفة نسبياً، أو مصممة لخدمة العملاء أصحاب الدخل المنخفض، ما يعني أن المبتكرين لا يملكون خياراً سوى أن يكونوا مقتصدين. فماذا عن الابتكار منخفض التكلفة والتحديات العالمية؟

فوائد الابتكار الرقمي في مجال الاقتصاد الموفر

فيما يلي بعض الأمثلة المذهلة لكيفية تشكيل هؤلاء المبتكرين الرقميين للاقتصاد الموفر في جميع أنحاء العالم:

الرعاية الصحية

من المتوقع أن تمثل تكاليف الرعاية الصحية المتصاعدة حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، الأمر الذي يرجع جزئياً إلى ارتفاع معدل انتشار الأمراض المزمنة بين الأميركيين. وللحد من هذه التكاليف وتقديم رعاية صحية أفضل بتكلفة منخفضة، تحتاج الولايات المتحدة بشكل عاجل إلى تبني الممارسات الطبية الموفّرة المتبعة في المناطق محدودة الموارد مثل الصين والهند وإفريقيا.

لنأخذ الصين على سبيل المثال، التي تمثل قنبلة ديموغرافية موقوتة: حيث ستضم حوالي 500 مليون شخص فوق عمر الستين بحلول عام 2050، بينما لا يمكن للصين أن تقوم ببناء مستشفيات جديدة كافية وتدريب عدد كاف من الأطباء لرعاية سكانها الذين يتقدمون في العمر بسرعة، ولحل هذه المشكلة، نشرت شركة “نيوسوفت” (Neusoft) أكبر مزود لخدمات تكنولوجيا المعلومات في الصين، حلاً منخفض التكلفة للخدمات الطبية عن بعد، بحيث يُمكّن الأطباء في المدن من علاج الأمراض المزمنة -عن بعد- لدى المرضى الأكبر سناً الذين يعيشون في المناطق الريفية، يعتمد هذا الحل الموفر على أجهزة طبية منخفضة التكلفة وسهلة الاستخدام، يمكن تشغيلها بواسطة ممرضات في العيادات الريفية.

التعليم

تمكنت “أكاديمية خان” من تطوير قطاع التعليم وإصلاحه من خلال تقديم فكرة الدروس التعليمية المجانية حول مواضيع متعددة من خلال مقاطع الفيديو القصيرة عبر منصة “يوتيوب” الشهيرة. إلا أنه لا يزال حوالي 5 مليار نسمة حول العالم ليست لديهم إمكانية الوصول لشبكة الإنترنت، لذلك أطلقت أكاديمية خان برنامج (KA Lite) وهو برنامج مفتوح المصدر يقدم محتواه التعليمي دون الحاجة لوجود اتصال بالإنترنت.

في الهند أبرمت “أكاديمية خان” شراكة مع مؤسستي (Foundation for Learning Equality) و(Central Square Foundation) من أجل التحميل المسبق لبرنامج (KA Lite) على أحد المعالجات الحاسوبية رخيصة الثمن وهو (Raspberry Pi) والذي يمكن استخدامه كخادم محلي في المدارس، واليوم، يتعلم الطلاب الفقراء في مدارس قرية أكانكشا في مومباي مادة الرياضيات باستخدام برنامج (KA Lite) من خلال الاطلاع على محتوى البرنامج دون اتصال بالإنترنت باستخدام أجهزة لوحية منخفضة التكلفة مثل الجهاز اللوحي (35 Aakash) والذي يبلغ سعره 35 دولاراً فقط.

الطاقة

يعتبر تغير المناخ بمثابة خطر واضح وحاضر يمثل تهديداً للبشرية جمعاء، وللحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى ما دون 1.5 درجة مئوية، ينبغي على كافة الدول – الغنية منها والفقيرة – التحول السريع إلى اقتصادات منخفضة الكربون تعمل باستخدام الطاقة المتجددة. في قارة إفريقيا، يفتقد 90% من السكان إلى الطاقة الكهربائية، ولكن تنتشر أجهزة الهواتف الجوالة لدى حوالي 90% من السكان، ما يُظهر لنا الطريق الذي ينبغي أن نسلكه، وفي كينيا ، يستخدم نصف السكان نظام (M-PESA) وهو أحد أنظمة المدفوعات عبر الهاتف الجوال الذي لا يحتاج إلى حساب مصرفي لاستخدامه، حيث يعمل هذا النظام حالياً على تمكين النماذج التجارية المزعزعة الأخرى في العديد من القطاعات مثل قطاع الطاقة.

لنأخذ نظام (M-KOPA) على سبيل المثال، وهو نظام منزلي يعمل على الطاقة الشمسية، يتألف من مجموعة تحتوي على لوحة صغيرة للطاقة الشمسية ومصباحين “ليد” (LED) مع كشّاف إضافي “ليد” (LED) وشاحن للهاتف المحمول، وعلى الرغم من أن المجموعة بأكملها تكلف حوالي 200 دولار، إلا أن سكان كينيا يمكنهم شرائها من خلال إيداع مالي مبدئي بقيمة 35 دولاراً فقط، وسداد المبلغ الباقي عن طريق سداد مبلغ يوميّ صغير بقيمة 45 سنتاً فقط باستخدام نظام (M-PESA). وبعد السداد لعام كامل، يتم فتح النظام ويصبح العميل هو مالك المنتج بأكمله، ومن خلال إضافة 600 عميل جديد يومياً، يسعى نظام (M-KOPA) إلى اختراق حاجز المليون وحدة بحلول نهاية عام 2017، وبفضل هذه التقنيات الموفرة التي تعمل خارج شبكة الكهرباء، بإمكان الأسر الإفريقية التحول من الاعتماد على أضواء الشموع إلى استخدام الطاقة الشمسية.

الإسكان

في تقريره الأخير، أشار “مركز هارفارد المشترك لدراسات الإسكان” (Harvard’s Joint Center for Housing Studies) إلى “أزمة القدرة على الاقتناء” في قطاع الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية، فمع نمو الإيجارات بسرعة أكبر من متوسط دخل الأميركيين، فإن ما يقرب من نصف الأسر المستأجرة تنفق حالياً أكثر من 30% من دخلها على بند الإسكان، وفي الوقت نفسه، فإنه حتى الأميركيين من الطبقة المتوسطة يحصلون على أسعار خارج نطاق سوق الإسكان في بعض الولايات مثل كاليفورنيا، حيث ارتفع متوسط أسعار العقارات منخفضة المستوى بنسبة 10% في عام 2015.

هكذا يحدث التغير: ازداد متوسط حجم المنزل الأميركي بأكثر من الضعف منذ الخمسينيات، بينما تقلص متوسط حجم الأسرة بمقدار النصف خلال تلك الفترة نفسها! بدلاً من بناء المزيد من المنازل الكبيرة (McMansions) التي لا يستطيع تحملها سوى الأغنياء – تستطيع الولايات المتحدة الاستفادة من التقنيات المختلفة مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد لبناء منازل بأسعار معقولة بوتيرة أسرع وبتصاميم أبسط لجعلها في متناول يد معظم الأميركيين.

في عام 2014 استخدمت الشركة الصينية “وين سو” (WinSun) طابعة عملاقة ثلاثية الأبعاد لبناء 10 منازل خلال 24 ساعة فقط، تدعي شركة “وين سو” أن النظام الخاص بها والخاضع لملكيتها بإمكانه أن يوفر ما يصل إلى 60% من مخلفات البناء، إضافة إلى تخفيض وقت الإنتاج بما يصل إلى 70% وتقليص 80% من تكاليف العمالة، قامت شركة “وورلدز أدفانسيد سيفينغ بروجيكت” (World’s Advanced Saving Project) التي يقع مقرها في إيطاليا، برفع التحدي من خلال الكشف عن أكبر طابعة طينية ثلاثية الأبعاد في العالم، والتي تجمع ما بين التكنولوجيا المتقدمة وتقنيات البناء القديمة والمواد الرخيصة المتوفرة بكثرة (الطمي والطين) لبناء منازل منخفضة التكلفة وعالية التحمل ومستدامة.

الشؤون المالية

وفقاً لأحد التقديرات الحديثة، تعتبر أوروبا موطناً لحوالي 50 مليون شخص من ذوي الدخل المنخفض، يمثلون إجمالاً سوقاً غير مستغلة بقيمة 220 مليار يورو (245 مليار دولار)، وخاصة فيما يتعلق بالخدمات المالية، بينما لم تتمكن البنوك التقليدية – بنماذجها التجارية الأحادية ورسومها المالية الضخمة من اختراق هذه السوق المربحة.

يمكنك الدخول إلى نظام شركة “كومبيت نيكل” (Compte Nickel)، وهي شركة فرنسية ناشئة تُمكّن الأشخاص الذين ليس لديهم حساب بنكي من الوصول إلى متجر محلي صغير، والاشتراك في خدمات الشركة خلال 5 دقائق فقط، والحصول على بطاقة خصم دولية ورقم حساب مصرفي دولي أيضاً، تتيح هذه الخدمة للمستخدمين أيضاً إمكانية إرسال الأموال واستلامها باستخدام هواتفهم المحمولة والدفع في أي مكان في العالم باستخدام بطاقة الخصم الخاصة بهم – وكل ذلك دون أي تكلفة إضافية، وفيما يتعلق بالرسوم تتقاضى شركة “كومبيت نيكل” رسوم صيانة سنوية ثابتة بقيمة 20 يورو فقط (مقارنة برسوم 180 يورو التي تحصل عليها بنوك التجزئة المختلفة)، من خلال إضافة 20,000 عميل جديد شهرياً وبنسبة 97% من رضا العملاء، تتوقع شركة “كومبيت نيكل” إنهاء عام 2016 بنصف مليون عميل.

ظهر جيل جديد من المبتكرين لتلبية احتياجاتنا الأساسية بشكل أسرع وأفضل وأرخص، مقارنة بمقدمي الخدمات التقليديين، حيث يستعين هؤلاء المبتكرون بتقنيات الطابعات ثلاثية الأبعاد، وتكنولوجيا الأجهزة المحمولة والأجهزة مفتوحة المصدر، حيث يستخدم هؤلاء الرواد الرقميون آليات الابتكار الموفر، بدلاً من الاقتصاديات التوزيعية، لمعالجة أزمة عدم المساواة في الثروة العالمية، وآمل أن ينضم إليهم المزيد من رواد الأعمال للمشاركة في بناء مجتمع مقتصد متكامل يمكن للجميع أن يعيشوا فيه حياة أفضل بأقل التكاليف عبر الاهتمام بموضوع الابتكار منخفض التكلفة والتحديات العالمية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .