كيف يتعاون مصابو الأمراض المزمنة على الابتكار عبر الإنترنت؟

7 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يتيح لنا عالم الإنترنت إمكانية التواصل الافتراضي مع بعضنا البعض دون حدود، بيد أن هذه الفكرة البسيطة هي فرصة مهدرة وغير مستغلة في قطاع الرعاية الصحية. فعندما تبحث الشركات عن الأفكار المبتكرة، يجدر بها أن تولي وجهها شطر المجتمعات الافتراضية عبر الإنترنت للمرضى الذين يحاولون التصدي بأنفسهم لتحديات الرعاية الصحية وحل المشكلات التي تواجههم في هذا القطاع.

والعناصر الشبابية هي التي تحمل شعلة القيادة: إذ يقول 51% من البالغين في الولايات المتحدة الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و22 عاماً إنهم بحثوا عبر الإنترنت عن أشخاص لديهم مخاوف صحية مشابهة لتلك الخاصة بهم. وكُللت ثمان من كل عشر محاولات بالنجاح بعد أن تلاقوا مع بعضهم البعض من خلال البحث على اليوتيوب وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي. وعندما طُلب منهم التفكير في آخر مرة تلاقوا فيها مع أقرانهم في مجال الصحة عبر الإنترنت، قال 91% من الشباب إن التجربة كانت مفيدة. تبدو فوائد هذا التواصل بديهية ولا تحتاج إلى دليل وقد تم إثبات جدواها في الدراسات الأكاديمية، ومع ذلك، وكما لاحظت من واقع خبرتي في القطاع الخاص وكرئيس تنفيذي سابق للتكنولوجيا بوزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية، فإن شبكات الأقران الصحية تُعامل إلى حد كبير بنوع من التجاهل من قبل الشركات بل ومعظم الأطباء، بداعي أن هؤلاء العملاء راضون عن منتج لا يبيعه أحد- حتى الآن.

انظر على سبيل المثال إلى داء السكري من النوع الأول (السكّري المعتمد على الإنسولين)، حيث يجب على المصابين بداء السكري من النوع الأول التعامل مع سكر الدم بحكمة من خلال مراقبة مستوياته، ومتابعة ما يأكلونه وحساب كمية الأنسولين التي يحتاجون إليها بعناية. يمكن أن يؤدي خطأ واحد إلى انخفاض مستوى السكر في الدم بدرجة خطيرة ما قد يتسبب في أزمة أو فقدان الوعي، أو يؤدي إلى ارتفاع مستواه بدرجة خطيرة ما يؤدي إلى الغثيان والارتباك وتشوش الرؤية، بل والوفاة ما لم يتلقوا العلاج.

تتخذ هذه القرارات المصيرية حول ما يجب تناوله وكيفية التعامل مع تقلبات السكر في الدم وكمية الأنسولين التي يجب تناولها في لحظة انفعال ودون توجيه من الطبيب في أغلب الأحوال، وهي عملية شاقة يتعرض لها المريض يومياً. يمكن للأشخاص الذين يواجهون التحديات نفسها (ما أسميه المرضى الأقران) سد الثغرات في المعرفة وتقديم الدعم ضد المعلومات المضلّلة أو سوء التقدير. وتعتبر “جمعية مرضى السكري الأميركية” و”جمعية أخصائيي رعاية مرضى السكري وتوعيتهم” و”أكاديمية التغذية وعلم النظم الغذائية” التواصل بين الأقران مكملاً أساسياً للدعم الطبي، خاصة وأن الدراسات قد أثبتت أن المشاركين في برامج الرعاية الصحية للأقران يديرون حالاتهم بصورة أكثر فاعلية من أولئك الذين لا يتلقون هذا الدعم.

يتميز سوق التواصل بين الأقران بضخامة حجمه، إذ يعاني نصف البالغين في الولايات المتحدة من حالة صحية مزمنة واحدة على الأقل ويقضي الكثير منهم ساعات في محاولة العثور على آخرين مثلهم لطرح الأسئلة عليهم وتبادل الأفكار معهم، أو ليقولوا ببساطة: “أنا هنا. أراك وتراني”. هذه هي المرحلة الأولى من الرعاية الصحية المتبادلة بين الأقران: التجمع معاً.

تأتي المرحلة الثانية عندما يكتشف أحدهم استراتيجية أو علاج جديد يناسبه أو يتوصل إلى فكرة يعتقد أنها قد تساعد الآخرين، حيث يستطيع المبتكر تطوير الفكرة ونشرها من خلال طلب الآراء التقويمية ومناقشة مختلف الحلول بصورة جماعية، حتى لو اقتصرت المناقشات على مجموعات صغيرة وغير معتمدة وغير مدعومة من قبل المؤسسات الرسمية. (تجدر الإشارة إلى أن المعلومات المضلّلة يمكن أن تنتشر أيضاً في شبكات الأقران، ويتمثل أحد الحلول التي رأيتها في إشراك الأطباء أو غيرهم من الخبراء للمجتمع بغرض عرضها وتصحيحها).

تأتي المرحلة الثالثة عندما يتنبّه شخص يمتلك الموارد اللازمة إلى وجود مجتمع من المرضى يتميز بالقدرة على الابتكار. قد يكون باحثاً في شركة أدوية يعرض المساعدة في اختبار ما توصل إليه العلماء الهواة، وقد يكون مدير شركة يسهم في تشكيل الخطاب الترويجي للمخترعين لزيادة فرص الحصول على التمويل أو الحصول على موافقة الجهات التنظيمية المختصة، وقد يكون صانع سياسات يحاول وضع حد للسلوك الاحتكاري، ما يسمح للشركات الناشئة أو الحركات الاجتماعية بمواصلة النمو. ولكم رأيت من أمثلة على هذه المواقف خلال مسيرتي المهنية.

تتكشف الآن هذه المرحلة الثالثة التي تشهد توسيع نطاق الابتكار من عدد قليل من الأفراد ليضم الكثيرين الذين يراقبون داء السكري عن بعد، وتتضمن دروساً لجميع الحالات وجميع مسؤولي الرعاية الصحية.

حلول من صنع المرضى

تقيس أجهزة مراقبة الغلوكوز المستمرة مستويات السكر في الدم باستخدام جهاز استشعار تحت الجلد، وترسل هذه المعلومات إلى جهاز استقبال منفصل أو جهاز محمول على مقربة من المستخدم، وتتمثل مهمتها الأساسية في جمع البيانات كل خمس دقائق، لكن ثمة عيب خطير في هذه الأجهزة وهو أن دائرة بياناتها مقفلة بحيث لا تنتقل سوى إلى جهاز الاستقبال، ما يجعل من المستحيل مشاركة البيانات آنياً مع مقدمي الرعاية في أماكن أخرى، وبالتالي يجب أن تكون موجوداً أمام الجهاز لرؤية البيانات، وهو ما يمثل مشكلة كبيرة للآباء الذين يريدون معرفة أحوال أطفالهم المصابين بالسكري في المدرسة، على سبيل المثال.

كان لهذا السلوك الرافض للمشاركة تداعيات خطيرة. انظر على سبيل المثال إلى ما حدث لدانا لويس.

دانا مصابة بداء السكري من النوع الأول ونومها عميق للغاية، وتخشى ألا يكون صوت منبه جهازها مرتفعاً بما يكفي لإيقاظها إذا انخفضت نسبة السكر في دمها بنسبة كبيرة في منتصف الليل، خاصة أنها تعيش وحدها. فلجأت هي ووالدتها إلى وضع نظام للمكالمات والرسائل النصية في الصباح الباكر للتأكد من استيقاظ دانا كل صباح آمنة معافاة. لكن دانا أرادت الاستقلال فتحدثت إلى مسؤولي الشركات المصنعة للأجهزة وطلبت منهم رفع صوت المنبه في أجهزة قياس الغلوكوز. فما كان جوابهم؟ لقد رفضوا طلبها بحجة أن أجهزة الإنذار عالية بما فيه الكفاية “لمعظم الناس”. وبرفض طلب دانا تجاهلوا إمكانية التعلم من أحد مستخدميهم وتحسين المنتج.

كان لدى دانا فكرة عن كيفية عمل منبه مخصص ولكنها تحتاج أولاً إلى الوصول إلى بيانات مراقبة الغلوكوز المستمرة. ولحسن حظها كانت نشطة على تويتر وتتفاعل مع أشخاص آخرين مصابين بداء السكري (المرحلة الأولى من الرعاية الصحية المتبادلة بين الأقران).

غرّد والد يدعى جون كوستيك بأنه استطاع تحرير البيانات من جهاز طفله. درس جون الذي يعمل مهندساً برنامج الجهاز وأعدّ برنامجاً يرسل بيانات المراقبة إلى أي جهاز كمبيوتر أو هاتف أو ساعة ذكية، ثم شارك التعليمات عبر الإنترنت ودرب الآباء الآخرين والمصابين بداء السكري على كيفية عمل هذا التعديل، ومن هنا وُلِد مشروع “نايت سكاوت” (Nightscout)، وهو عبارة عن نظام يستطيع الهواة من خلاله مراقبة داء السكري عن بعد تم ابتكاره من قبل أشخاص يستخدمون أجهزة مراقبة الغلوكوز المستمرة، ومن أجلهم. وبات بالإمكان الآن إرسال بيانات نسبة السكر في الدم إلى ساعة ذكية لأحد الوالدين، على سبيل المثال، حتى يتمكن من مراقبة نسبة السكر لدى أطفاله خلال وجودهم في المدرسة أو في رحلة ميدانية أو في منزل أحد الأصدقاء، وهو ما كان مستحيلاً بموجب القواعد التي وضعتها شركات أجهزة قياس نسبة السكر الأساسية.

أدخلت دانا بعض التعديلات على عمل جون وصنعت منبهاً ممتازاً يصدر صوتاً مرتفعاً بما يكفي لإيقاظها، وشاركت ما فعلته عبر الإنترنت، ما أدى إلى مزيد من التعاون الذي مكّن أفراد المجتمع من إنشاء أنظمتهم الخاصة لأتمتة توصيل الأنسولين أيضاً. دفعت هذه الدورة المستمرة من مشاركة المعرفة بين الأقران دانا وجون وغيرهما من الأشخاص الطموحين المصابين بالسكري إلى المرحلة الثانية، حيث يتم الرد على أسئلتهم وتلبية احتياجاتهم دون مساعدة شركات الأجهزة أو الأطباء.

تشكل دانا وجون ومجتمعاتهما رواداً ونشطاء يمتلكون ما يكفي من الشجاعة والمهارة لتحسين حياة مئات وربما آلاف الأشخاص، لكن معظم الناس غير مستعدين لاختراق أجهزتهم الطبية الخاصة، أو عاجزين عنه. وللحقيقة قد يؤدي خطأ واحد لأحد الهواة إلى الوفاة، ولكنهم لم يعودوا بحاجة إلى ذلك لحسن الحظ.

ففي عام 2015 استجابت “دكسوم” (Dexcom)، إحدى أهم الشركات المصنعة لأجهزة متابعة داء السكري، لطلب السوق الذي كانت ترقبه على هذه الشبكات التفاعلية بين الأقران، وصممت جهازاً لمراقبة الغلوكوز بشكل مستمر من خلال خاصية المشاركة التي يمكنها إرسال البيانات إلى الهواتف الذكية. أدى هذا الابتكار إلى حل إحدى المشكلات العديدة التي حددها مستخدمو هذه الأجهزة. الآن، وبفضل توجيهات والد طفل آخر مريض بداء السكري، يناقش هوارد لوك وفريقه في منظمة “تايد بول” (Tidepool) و”إدارة الدواء والغذاء الأميركية” وكبرى الشركات المصنعة كيفية دعم إنشاء مجموعة من منصات البيانات الآمنة والموثوقة التي تستند إلى القدرة الوظيفية الأولية المبتكرة بواسطة جون ودانا وغيرهما من المبتكرين الهواة، دون الاقتصار على المراقبة عن بُعد وبإضافة جرعات الأنسولين المؤتمتة. هذه هي المرحلة الثالثة من الرعاية الصحية المتبادلة بين الأقران والتي تسهم فيها المؤسسات الرئيسية في توسيع نطاق فكرة مبتكرة.

استطاع المرضى وأولياء الأمور ابتكار حلولهم الخاصة وأتاحوا ليس فقط فرصة لتحسين مراقبة داء السكري ولكنهم نجحوا أيضاً في خلق فرص عمل جديدة. تتمتع الشركات وأصحاب المصلحة بميزة الأسبقية حالياً، ولكن هذه السوق الناشئة لديها نقاط دخول محتملة لرواد الأعمال أيضاً.

ما الذي يعنيه هذا لسوق الرعاية الصحية بمفهومها الأوسع؟ ما العناصر التي يجب البحث عنها لاكتشاف فرصة مثل هذه؟

1: ابحث عن مجال للرعاية الصحية لا تُلبَّى فيه احتياجات المرضى وأسرهم. تشمل هذه المجالات ثلاث مجموعات لا تخطئها العين: المرضى الذين يعانون من أمراض عجز الأطباء عن تشخيصها، والمرضى الذين يشعرون بالخجل أو الحرج من حالتهم الصحية، والأشخاص الذين يشعرون بالتهميش أو الوحدة. فكر الآن في كل الأشخاص الذين يتلقون علاجات مؤلمة أو كريهة أو تستغرق وقتاً طويلاً أو تمثل عبئاً على أحبائهم. أضف الأشخاص الذين يعجزون عن تحمل تكاليف علاجهم أو لا يستطيعون الحصول على الرعاية. بمجرد البدء في البحث، ستجد أن هناك مجموعة ضخمة من الأشخاص يلتقون عبر الإنترنت ويبحثون عن حلول ولكن حلولهم لا تلقى آذاناً مصغية في أغلب الأحوال. وإذا استطعت مساعدتهم، فسيكونون عملاء متحمسين لابتكارك.

2: ابحث بين أفراد تلك المجموعة عن الأشخاص الذين يبتكرون حلولهم وأساليبهم الخاصة ويحاولون تنفيذ عمليات الاختراق الإلكتروني. إنهم رواد الأعمال والمخترعين الطبيعيين الذين لا يهنأ لهم بال حتى يحلوا المشكلة. فاستمع لهم، وشاركهم الرأي.

3: خصّص الموارد أو قم بتوجيهها للمنصات التي تساعد الأفراد على تبادل الأفكار والنماذج الأولية التجريبية وطرح الأسئلة. تمثل هذه الفكرة بحد ذاتها فرصة جديرة بالاهتمام يمكن أن يقوم عليها عمل تجاري. ستعمل المنصات على دعم ثورة التفاعل بين الأقران، ومساعدة الأفراد على مشاركة تصميماتهم، والحصول على الآراء التقويمية، وجمع الأموال، والإعلان عن كل من المشكلة التي يعالجونها والحلول التي يختبرونها. تواصلت دانا وجون على تويتر، وأنجز مجتمع “نايت سكاوت” الكثير من العمل على الفيسبوك، ولك أن تتخيل ما يمكنهم تحقيقه على منصات مصممة خصيصاً للتعاون ومشاركة البيانات.

4: ابحث عن مجموعة متنوعة من حلالي المشاكل أو استقطبهم. إذا كان لديك مهندسون، فعليك استقطاب مصممين. وإذا كان لديك مرضى ومقدمو رعاية، فعليك جلب أطباء وواضعي سياسات ورجال الأعمال. وإذا كان لديك مهنيون محترفون، فعليك إحضار هواة. رحّب بالغرباء، لأن الأشخاص القادمين من زاوية جديدة سيرون الأشياء التي لا يستطيع أصحاب المصلحة التقليديون رؤيتها. ظلت أجهزة مراقبة الغلوكوز المستمرة مطروحة في الأسواق لأكثر من عقد من الزمان قبل أن يقرر المرضى تحرير بياناتهم من أجهزتهم وإتاحة فرصة جديدة أمام المصنعين.

5: تواصل مع المؤسسات الرئيسية. يعد التوصل إلى حل يناسب شخصاً واحداً أو مجموعة صغيرة من الأشخاص أمراً ممتازاً في حد ذاته، ولكن توسيع نطاق الابتكار بصورة آمنة وموثوقة يحتاج إلى إشراك أشخاص لديهم القدرة على الوصول إلى الموارد. قد يكون الرواد مستعدين لتحمل المخاطر التي لن تجتاز المراجعة العلمية للأقران أو العملية التنظيمية. ومع ذلك يتعين على الشركات البقاء على الجانب القانوني الصحيح، سواء من حيث قوانين السلامة والقوانين الطبيعية لعلم الأحياء والكيمياء والفيزياء. لا تبخل على ميزانية الاختبارات والإجراءات القانونية والشؤون الحكومية لمقترحاتكم.

تعمل شبكة الإنترنت على تعزيز قدرة الأفراد على التواصل مع بعضهم البعض وتبادل الأفكار وحل المشاكل، وتمثل فرصة سانحة لإحداث تحوّل جذري في قطاع الصحة والرعاية الصحية، وإن كان مسألة صعبة التحقق في القريب العاجل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .