أخذ استراحة من الإنتاجية هي الخطوة الأولى في طريق التقدم المهني

5 دقائق
الإنتاج ومواصلة التقدم
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: من الممكن أن يولّد الغموض الذي يلف هذه الفترة لدينا شعوراً بالقلق وفقدان السيطرة على حياتنا، لذلك نلجأ إلى طرق التكيف مع الغموض القديمة المتمثلة في قوائم العمل التي يجب القيام بها وزيادة إنتاجيتنا في محاولة لإحراز تقدم. ولكن قد تشكل فترة التوقف عن العمل هذه أكبر فرصة للنمو إذا كنا مستعدين لقبول التوتر والخسارة وعدم المعرفة، ولربما ولّد بقاؤنا غير منتجين أكبر تغيير في أنفسنا ونظرتنا للحياة. يقدم المؤلف نصائح لتخفيف الأعباء التي تتزاحم على وقتنا وتفكيرنا وعلاقاتنا من أجل منح أجسامنا وأرواحنا فرصة لإعادة تنظيمها واكتشاف أنفسنا المستقبلية.

 

توفي والدي مؤخراً بسبب ورم لمفاوي لم يعد بإمكانه محاربته.

كتب لي أحد أصدقائي: “قلة من الأشخاص في هذا العالم يتركون أثراً لا يمحى، وعندما تفكر في ماهيتهم ستتمكن من رؤية ابتساماتهم وسماع أصواتهم والشعور بحضورهم وكأنهم معك فعلاً في تلك اللحظة. ووالدك منهم”. كلما تعاملت معه يمنحك شعوراً أفضل تجاه نفسك.

لقد تغير العالم بعد رحيله، لم يعد جميلاً كما كان.

أشعر أني ضائع قليلاً، مبعثر ومشتت، أواجه صعوبة بالغة في أن أكون منتجاً، أو أن أحرز تقدماً مفيداً في أي شيء.

أعاني الآن شعوراً شخصياً عميقاً بالخسارة والحزن، لكني سمعت أشخاصاً آخرين يصفون معاناة مماثلة في ظل كل ما نشهده؛ الجائحة والانهيار الاقتصادي وإدراكنا لعمق الظلم العنصري، هذا كله شخصي أيضاً.

لا أحب شعوري بكل هذه المشاعر، فهو يصيبني بالقلق.

تتدخل رغبتي الغريزية في محاولة تخطي ما أشعر به، والتخطيط ووضع قائمة للأعمال التي يجب عليّ القيام بها ووضع جدول كي أتمكن من الإنتاج ومواصلة التقدم من جديد. أعرف كيف أقوم بذلك، فهو يشعرني بالراحة في ظل الغموض.

ولكن هناك رغبة معاكسة، صوت داخلي أهدأ يبدو أعمق ومخيفاً أكثر: توقف ولا تكن منتجاً.

لبعض الوقت على الأقل، اشعر بالحزن والخسارة والتغيير، انغمس في قلقك من عدم إحراز أي تقدم وعدم إنجاز أي عمل. من الغريب أن عدم إحراز أي تقدم بحد ذاته قد يكون أحد أشكال الإنتاجية، فثمة أمر مثمر يحدث ولكننا لا نتحكم به.

في هذه اللحظة يبدو عدم الإنتاج مهماً، وأعتقد أنه ما يجب أن أشعر به، وأن نشعر به جميعاً، كي نتيح مجالاً للنمو. كي نسمح لأنفسنا بأخذ وقفة في المساحة الحدية والتريث في التفكير في السؤال الذي تجبرنا هذه اللحظة على طرحه:

كيف أسمح لنفسي بأن أتغير؟

السؤال ليس: كيف ينبغي لي أن أتغير؟ وليس: كيف يجب أن أتغير كي أتمكن من مواكبة العالم المتغير؟ وبالتأكيد هو ليس: كيف يمكنني ألا أتغير وأن أحافظ على الأمور كما هي؟

تنبع هذه الأسئلة من اعتيادنا الإنتاجية والإنجاز المستمرين، ولكنها تغفل عما يمكن أن يوقِع أثراً سحرياً وتحويلياً في هذه اللحظة؛ إنه فرصتنا الحقيقية.

هل بإمكانك السماح لهذا التغيير الذي يحدث في عالمك على نحو شخصي عميق وشامل جداً على حد سواء بأن يغمرك ويغير نظرتك إلى العالم ويغيرك؟ لن يكون ذلك ممكناً مع انضباطك أو دافعيتك، ولن يتم من منطلق السعي الاستراتيجي الذاتي التوجيه لتحقيق الهدف، بل من منطلق الانفتاح والحساسية، ولن يتم من منطلق الرضا بل من العزم.

وعندما تأخذ هذه الوقفة وتبدأ من منطلق الانفتاح والحساسية، هل ستتمكن من الاستماع إلى الأصوات التي تسمعها والتنبيهات التحفيزية التي تشعر بها من دون أخذ موقف دفاعي؟ هل ستتمكن من استجماع الشجاعة العاطفية كي تستمع لأفكارك وتنفذها خطوة بخطوة وتتقدم نحو ما تشعر أنه صحيح ولو لم يكن شعورك هذا مؤكداً؟

بالنسبة لي، أتمنى التأقلم مع الخسارة التي أشعر بها نتيجة لوفاة والدي وأن أحظى بمثل النعم التي غمره الله بها طوال حياته. أشعر بالحزن لأني لن أرى ابتسامته أو أشعر بيده القوية الحنونة تربت على ظهري مرة أخرى، كما أني أشعر بالحماس لأني عندما أشتاق إليه أشعر به أكثر، ويتولّد لدي شعور ولو بطرق بسيطة بأن ابتسامتي ويديّ تكتسب شكلاً جديداً وتزداد سخاءً وعطفاً وقوة.

نحتاج جميعاً إلى الشجاعة العاطفية لأن العزم على التغيّر يعني ضرورة القبول والاعتراف بأننا لا نملك زمام السيطرة ولا نعرف شيئاً. يمضي معظمنا حياته في الجهاد والاكتساب والتنافس والنجاح والإدمان على العمل من أجل تفادي الاعتراف. فالتخلي يسبب لنا الارتباك، وكذلك إدراك (وإقرار) أن قدرتنا على السيطرة ما هي في الحقيقة إلا مجرد إحساس بالسيطرة.

ولذلك يكون التمهل بدلاً من الإسراع وأخذ وقفة للشعور باللحظة التي نعيشها والتعامل معها بانفتاح وعزم على قبول التغيير أمراً بالغ الصعوبة.

إذاً ما الذي يمكننا فعله لدعم أنفسنا في هذه اللحظة؟

هذا السؤال خاطئ في الحقيقة؛ لقد قرأت واتّبعت كثيراً من النصائح حول ما يمكننا فعله للتمهل وترك مجال للتغيير عبر التأمل والشِعر والمشي وكتابة اليوميات ونسج الأحلام، وغير ذلك الكثير. ولكن يمكن لهذه الأشياء أيضاً أن تعيقنا لأنها تعكس ضرورة القيام بالمزيد، وتتمثل في محاولة حل المشكلة بنفس طريقة التفكير التي سببَتها.

إليك البديل الذي فادني: عدم فعل شيء، أو على الأقل فعل أشياء أقل. ثمة طرق قليلة اتبعتها للدخول في مساحة عدم فعل شيء وربما فادتك تجربتها، حاول أن تخفف الضغط على ما يلي:

وقتك

ابتعد عن جدول مواعيدك، واترك المجال لعدم فعل شيء حرفياً، لا تفعل شيئاً على الإطلاق. هذا الوقت ليس للكتابة ولا للعمل المركز، لا تملأ هذه اللحظات بالانهماك في مهام البريد الإلكتروني وقائمة الأعمال التي يجب القيام بها، واسمح لنفسك بالخروج عن نطاق الوقت وتبديده. ذهبت لشراء الطعام مع إحدى بناتي وطلبت مني أن نسلك طريقاً معيناً للعودة إلى المنزل، فقلت معترضاً: “لكنه سيستغرق ضعف الوقت!” فأجابت: “ليكن! فالمرور فيه ممتع”. وكان ممتعاً بحق.

تفكيرك

اسمح لذهنك بالتجول. عندما تخرج للركض لا تستمع إلى برنامج مدونة صوتية ولا إلى الموسيقى، اركض فحسب، وعندما تطوي الملابس النظيفة، اطوها فحسب. لا أقصد أن تمارس اليقظة الذهنية، وأن تركز على كل خطوة تقوم بها لطوي الملابس، بل على العكس تماماً. لا تكن متيقظاً، فاليقظة تستدعي سيطرة أكبر وضغطاً أشد ومزيداً من الطلب. بل اسمح لذهنك بالذهاب حيث يذهب، ومن الممكن أن تلاحظ المكان الذي يذهب إليه.

علاقاتك

إن كنت بحاجة إلى استراحة من رؤية الناس فاسمح بذلك. لدي أصدقاء رائعون عطوفون يعرضون عليّ مرافقتي في الركض وخوض النقاشات، ولكني أقول لهم الحقيقة: أنا أحبهم ولكني أرغب في أن أركض وحدي، وهم يفهمون ذلك. وإن كنت ترغب فعلاً في أن ترافق بعض الأشخاص فحاول أن ترافقهم مع حبك للاطلاع وحساسيتك من دون هدر طاقتك لأداء دور محدد في تعاملك معهم؛ إن كنت تستمع فلا تطلق أحكاماً ولا تحاول حل المشكلات أو تقديم النصائح وثق بأن حضورك كافٍ، وإن كنت تتحدث فلا تطلب إلا أُذُناً صاغية، يمكن أن تقول لهم: “لا أريد نصائح، لا أريد سوى التحدث عما يجري في حياتي”. وبذلك ستسدي لهم معروفاً أيضاً لأنك تحررهم من ضرورة معرفة الحلول أو أداء دور محدد.

عندما تخفف الطلب على وقتك وتفكيرك وعلاقاتك ستتمكن من التمهل وتخفيف العبء وإفساح المجال لظهور مشاعرك. قد تتمثل هذه المشاعر بالدموع أو الضحك أو الملل أو الانزعاج، وقد تشعر بالضغط بسبب عدم إنجاز شيء، أو الخوف من تفويت فرصة ما في حين ترى مَن حولك ينتجون ويتواصلون ويسوّقون جهودهم، وقد تشعر ببهجة تبدو مخيفة أيضاً.

واجه كل مشاعرك بشجاعة من دون الهرب منها أو كبتها أو إنكارها أو تشتيت نفسك عنها بالعمل. أفسح مجالاً لإعادة تنظيم جسدك وذهنك وروحك، وكن على ثقة بأن أمراً مهماً يحدث، وأنك ستلاقي خيراً في الجانب الآخر حتى وإن لم تعرف ماهيته، واعلم أنه ليس بإمكانك استعجاله.

ولكن يمكنك تخريبه. من الصعب أن تثق بعدم فعل شيء في حين نعاني جميعنا الخسارة، فذلك يبدو مجازفة نظراً لقوة عادات العمل لدينا.

يتملكني شعور غريزي يدفعني للتمسك بما أعرفه وما أبقاني بأمان في الماضي، ولكني أشعر أيضاً بأني أرخي قبضتي بحذر وأتخلى عن أمان ما كان وأحرر يديّ وأفتحهما ليستقبلا ما سيأتي.

أرجو أن تصل معي إلى ما وصلت إليه في هذه المساحة لمدة قصيرة، وأن نتيح لأنفسنا الوقت والراحة لاكتشاف أنفسنا اليوم وما سنكون عليه في الغد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .