تقرير خاص

كيف استطاعت الإمارات أن تكون الأولى عربياً في ريادة الأعمال؟

6 دقائق
دولة الإمارات
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

رامي جلاد (Ramy Jallad): الرئيس التنفيذي لمجموعة مناطق رأس الخيمة الاقتصادية “راكز”.

تتصدر الشركات الكبرى أغلب قوائم قطاع الأعمال، ويثير الحديث عن أرباحها وخسائرها وإسهاماتها جدلاً واسعاً بسبب حجم نشاطها وقيمته، ومع ذلك فهي ليست المحرك الأساسي للاقتصاد العالمي، وإنما الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم (SMEs) هي العمود الأساسي الذي يقوّم اقتصاد أغلبية دول العالم، إذ تعدّ هذه الشركات جزءاً من قطاع الأعمال سريع النمو والمتخصص في “تعزيز الإنتاجية وتحقيق نمو أكثر شمولاً والقدرة على التكيف مع التوجهات الكبرى”، وذلك بحسب تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).

وخلال السنوات الأخيرة، لعبت الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم دوراً فعالاً ومتزايد الأهمية في نمو الاقتصاد وإعادة تشكيله لمواكبة التغيرات المتسارعة وتعزيز والابتكار والاستدامة سواء في الاقتصادات المحلية أو الإقليمية أو العالمية، إذ أصبحت هذه الشركات تمثل حوالي 90% من مجمل الشركات على مستوى العالم، وتوفر وظائف وفرص عمل لما يقرب من 70% من إجمالي العمالة بحسب منظمة العمل الدولية، وتساهم فيما يصل إلى 70% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

عادة ما تُصنف الشركات بناءً على عدد موظفيها، إذ تضم الشركات الصغيرة والمتوسطة أقل من 250 موظفاً، ويمكن تصنيف نسبة كبيرة منها كشركات متناهية الصغر، مع أقل من عشرة موظفين. وتنقسم هذه الشركات إلى فئات فرعية متعددة وفقاً لحجمها وخصائصها وتمويلها، مثل شركات ناشئة مبتكرة في المراحل المبكرة، وشركات ناشئة ناجحة، وشركات متوسطة الحجم نامية، والشركات متوسطة الحجم راكدة أو متعثرة، وشركات صغيرة محلية، والأعمال التجارية الصغيرة غير رسمية.

ما الذي يجعل الشركات الصغيرة والمتوسطة محركاً أساسياً للاقتصاد؟

غيّرت جائحة كوفيد-19 الكثير من المفاهيم وأرست قواعد جديدة في قطاع الأعمال بعدما تسببت في هزّة قوية غير متوقعة، وسلطت الضوء على أهمية تقديم الدعم لقطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر من ذي قبل، إذ يمهد المشهد الاقتصادي المتغير والسرعة المتزايدة أرضاً خصبة للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تتميز بمرونة أكبر من الشركات الكبرى في التغيير والاستجابة للظروف المتغيرة، حيث يمكّنها حجمها الصغير نسبياً، وعملياتها السريعة بوجود قنوات اتصال أقل وأكثر مباشرة بين الإدارات والقادة من الاستجابة بشكل أكثر فعالية وسرعة لحالات الطوارئ.

ساهم القطاع على مدار السنوات الماضية في النمو الاقتصادي وتعزيز الرفاهية ومكافحة التحديات العالمية المستعصية، وإليكم أبرز ما يحققه الاستثمار في هذا القطاع:

1. المساهمة في الناتج المحلي

يعتمد اقتصاد العديد من البلدان على الشركات الصغيرة والمتوسطة، إذ تساهم بأكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي، ويصل إلى 70% في بعض الدول. كما تساهم هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة الرسمية بنسبة تصل إلى 40% من الدخل القومي في الاقتصادات الناشئة، وبالطبع ترتفع النسبة عندما يتم تضمين الشركات الصغيرة والمتوسطة غير الرسمية. بل أن الشركات الناشئة وحدها وصلت إلى تحقيق قيمة 3 تريليونات دولار في عام 2020، وهو رقم مكافئ للناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد مجموعة الدول الصناعية السبع.

2. تعزيز الإنتاجية

يواجه الاقتصاد العالمي تهديداً رئيسياً يتمثل في تباطؤ نمو الإنتاجية على مدار العقد الماضي؛ أي حتى قبل تفشي جائحة كوفيد-19، وفقاً لكتاب “الإنتاجية العالمية: اتجاهات، ودوافع، وسياسات” من إعداد البنك الدولي. وفي المقابل، نجد الشركات الصغيرة والمتوسطة تساهم في مشكلة الإنتاجية هذه، إذ لوحظ اختلاف الإنتاجية بين الشركات الكبيرة والشركات الصغيرة والمتوسطة داخل نفس القطاع أو داخل البلدان ذات الحجم المماثل بمعامل اثنين أو أكثر.

3. خلق فرص عمل

يتزايد عدد القوى العاملة العالمية الباحثة عن فرص عمل، إذ ستكون هناك حاجة إلى 600 مليون وظيفة بحلول عام 2030 لاستيعاب هذه القوى، وفقاً لإحصائيات البنك الدولي. لن تستطيع الشركات الكبرى تلبية هذا الاحتياج أبداً وحدها، خاصة أن النسبة الأكبر من سكان العالم يعملون الآن في شركات صغيرة ومتوسطة، حيث تتراوح نسبتهم بين 50% و90% من القوى العاملة في البلدان المختلفة، وفقاً لبيانات منظمة العمل الدولية الجديدة.

لا يقتصر الأمر على عدد العاملين وإنما فئاتهم وإمكانياتهم، إذ توفر هذه الشركات فرصاً تحتاج إلى تعليم أدنى ومهارات أقل، وهذا ما لا تتيحه الشركات الكبرى بشكل كبير، إلى جانب تبني العديد منها اتجاه “المهارات أهم من الشهادات الجامعية” ما يوفر فرص لفئات أكثر.

4. تعزيز الاستدامة

لا يمكن تحقيق الاستدامة البيئية بدون الشركات الصغيرة والمتوسطة. بالإضافة إلى تأثيرهم على البيئة ، فإنهم يمتلكون أيضًا مفتاح تصميم الحلول المحلية لتغير المناخ. ولكن بالنسبة للعديد من الشركات الصغيرة ، فإن عملية “تخضير” الأعمال محدودة بسبب التكاليف الإضافية وانخفاض الوعي.

تبتكر هذه الشركات خرائط طريق لمستقبل أكثر استدامة، إذا تقوم بشكل أساسي على الابتكار وإيجاد الحلول، ويعي الكثير من رواد الأعمال أهمية ممارسات الاستدامة خلال عملياتهم لجذب المستثمرين الذين يتجهون لاحتضان أفكار الشركات الناشئة التي تتبنى حلول الاستدامة. فوجد بحث جديد أجرته شركة أمازون أن 59% من المستثمرين في مراحل التمويل المبكرة أبلغوا عن رفضهم فرص استثمارية بسبب مخاوف تتعلق بالاستدامة.

كيفية دعم وتمكين الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم؟ دولة الإمارات نموذجاً

على الرغم من تلك الأهمية التي تشكلها هذه الشركات للقطاع، فإنها ما زالت بحاجة إلى الدعم لمواجهة التحديات التي يفرضها عليها حجمها أحياناً والسوق أحياناً أخرى. إذ تعاني من نقص التمويل، وصعوبة بدء وممارسة أعمالها بسبب قيود تشريعية وإدارية، وعدم تكافؤ الفرص بينها والشركات الكبرى، وغيرها.

لكن الخبر السار أن دولاً استطاعت تقديم الدعم المناسب لهذه الشركات عبر اتباع بعض الخطوات، ولنأخذ دولة الإمارات مثالاً في دعم القطاع بشكل فعال، ولا سيما أن 94% من الشركات المسجلة هي شركات ناشئة توظّف 86% من قوة العمل في القطاع الخاص، إضافة إلى أن الشركات الصغيرة والمتوسطة وحدها 40% من الناتج المحلي الإجمالي لمدينة دبي.

فكيف استطاعت دولة الإمارات أن تحتل المركز الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والسادس عشر عالمياً في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال؟

1. نظام بيئي يساعد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم على الازدهار

تواجه العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة صعوبة في الوصول إلى القدرات والموارد التي من شأنها أن تجعلها أكثر إنتاجية وفعالية بسبب غياب نظام بيئي يساعدهم على الازدهار، إذ ينبغي أن يركز هذا النظام المنشود على تعزيز الثقة في الأعمال التجارية للشركات الصغيرة والمتوسطة، وتمكين نموها، وزيادة قدرتها التنافسية.

وهذا ما فعلته الإمارات التي وضعت ريادة الأعمال أولوية ضمن “خطة اقتصاد الخمسين“، وأكبر مثال على ذلك هو استحداثها منصباً وزارياً لريادة الأعمال، إضافة إلى إطلاقها 10 برامج حكومية كبرى و11 مسرعاً لريادة الأعمال، ومحفزات مثل التملك الكامل لرواد الأعمال الأجانب والإقامات الذهبية وإعطاء الأولوية للاستفادة من المناطق الحرة. إذ تسعى دولة الإمارات إلى رفع عدد الشركات متوسطة وصغيرة الحجم من 330 ألف شركة الآن إلى مليون شركة بحلول 2030.

وتلعب المناطق الحرة دوراً رئيسياً جذب الشركات الصغيرة والمتوسطة وتعزيز بيئة ريادة الأعمال عبر المحفزات والتسهيلات التي تمنحها هذه المناطق لرواد الأعمال، إذ تمتلك الإمارات أكثر من 44 منطقة حرة واستثمارية متعددة التخصصات، وتتميز ببنيتها التحتية عالية الكفاءة وخدماتها المتنوعة، وسهولة إجراءات التأسيس والتراخيص، وتكاليفها الميسرة، إضافة إلى اللوائح والقوانين المصممة خصيصاً لتسهيل الإجراءات على رواد الأعمال.

2. تأسيس بنية تشريعية

اهتم قادة الإمارات بتأسيس بنية تشريعية وتحفيزية لجذب رواد الأعمال من الشباب، لذلك رأينا شركات ناشئة أحادية القرن “يونيكورن” مثل كريم وسوق وأنغامي. فعلى سبيل المثال، كان المغفور له بإذن الله الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان قد منح مجلس الوزراء ترخيصاً مؤقتاً لتنفيذ أي مشروع مبتكر قائم على تقنيات حديثة ذات صفة مستقبلية أو باستخدام الذكاء الاصطناعي حتى ولو لم يكن هناك تشريع منظم له في الدولة، إضافة إلى إطلاق “مختبر التشريعات” في العام 2019.

وهناك أيضاً القانون الاتحادي 2 الذي ينص على التزام الجهات الاتحادية بالتعاقد مع المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالدولة بنسبة لا تقل عن 10% من إجمالي العقود لتلبية احتياجاتها الشرائية والخدمية والاستشارية، والتزام الشركات التي تملك الحكومة الاتحادية نسبة لا تقل عن 25% من رأس مالها على التعاقد مع المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالدولة بنسبة لا تقل عن 5% من مجمل العقود.

3. إرساء الثقافة الريادية والتعليم

تساهم جاذبية مهنة ريادة الأعمال وتعزيز قدرات المواطنين على ريادة الأعمال على زيادة معدلات التطور والبقاء، لذلك حاولت العديد من الحكومات تطوير عقلية ريادة الأعمال بين مواطنيها. فعلى سبيل المثال، يدرس الطلاب في بولندا عناصر ريادة الأعمال في المواد الأساسية للمدارس الابتدائية ، ويطالبون في المرحلة الثانوية بدراسة مقدمة في ريادة الأعمال.

وفي دولة الإمارات، كان القادة يدركون أن ريادة العقول تبدأ من خلق ما يسميه الاقتصادي مايكل بورتر “العناقيد الاقتصادية”. فعلى سبيل المثال، وُضعت استراتيجية دبي للمناطق الجامعية الحرة، والمقرر أن ستحول الجامعات إلى منصات لريادة الأعمال وتوليد الشركات الناشئة. كما أطلقت مؤسسة دبي للمستقبل برنامج حاضنات الجامعات، والمعني بإنشاء مناطق حرة اقتصادية وإبداعية في الجامعات تتيح للطلاب ممارسة أنشطة تجارية مبتكرة خلال مراحل تعليمهم العالي، مع دعمهم بالبحث والتمويل ليتسنى للجامعات تخريج رواد أعمال ناجحين، وفقاً للمؤسسة.

4. برامج مصممة خصيصلاً لتسهيل ممارسة أعمال الشركات وتمويلها

تقدر مؤسسة التمويل الدولية أن 40% من الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الرسمية في البلدان النامية لديها احتياجات تمويلية غير ملباة تبلغ 5.2 تريليون دولار كل عام، لذلك يعد الدعم المادي أحد أهم أشكال الدعم الذي تحتاجه هذه الشركات.

وأطلقت العديد من الحكومات برامج الدعم الشامل الذي يسهل وصول الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل والتواصل والاستشارات والإرشاد مثل “البرنامج الوطني للمنشآت الصغيرة والمتوسطة” الذي أطلقته الإمارات لتقديم الدعم لرواد الأعمال ومساعدتهم في التغلب على التحديات التي تواجههم. ويقدم البرنامج عدة أشكال من الدعم مثل الدعم المالي، والمعرفي، والتدريبي، والاستشاري، وتوفير الأدوات والتقنيات، ومساعدتهم على بناء الشبكات والعلاقات.

5. دعم استخدام التكنولوجيا

أسفرت جائحة كوفيد-19 عن تسريع وتيرة التطور التكنولوجي، لذلك من الضروري تحفيز هذه الشركات على دخول المجال الرقمي، إذ طوّرت الإمارات برنامجاً للذكاء الاصطناعي والذي يتيح للشركات الصغيرة والمتوسطة دمج الذكاء الاصطناعي منخفض التكلفة في خطط أعمالها، مثل روبوتات الدردشة والتعلم الآلي.

هذه الفرص الاستثمارية والتفكير المبتكر في دولة الإمارات جعلتها بيئة مثالية لكل فكرة ريادية، وكل رائد أعمال لديه طموح بتأسيس شركته، إذ سيجد أن كل شيء يحتاجه موجود بالفعل وينتظره.مما سبق، ندرك أن الدول التي ستهتم بتقديم الدعم لقطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة هي فقط التي ستتمكن من المنافسة والبقاء وتحقيق النمو الذي يضمن هذا القطاع تحقيقه إذا تلقى الدعم المناسب.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .