موجز الإصلاحات الاقتصادية الجديدة بالمملكة العربية السعودية

5 دقائق
الإصلاحات الاقتصادية في السعودية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يمثل تعديل الحكومة السعودية في أوائل شهر مايو/أيار عام 2016 أكثر من مجرد نقطة سياسية فاصلة. فالمملكة ذات التقاليد المحافظة، الكائنة في قلب العالم العربي والإسلامي، وإحدى أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم، في خضم عملية إعادة هيكلة أساسية تتمحور حول الاقتصاد الكبير للبلاد المعتمد على النفط بشكل رئيس، فما هي أبرز الإصلاحات الاقتصادية في السعودية؟

إن عملية الإصلاح الجارية في المملكة العربية السعودية الآن مهمة، وتعتبر دليلاً على نوع التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه دول الخليج المنتجة للنفط بشكل متزايد.

ما سبب تلك الإصلاحات؟

يجدر بنا النظر إلى الماضي، الأشهر الأولى من عام 2016، لفهم مقدار جهود الإصلاح التي تبذلها المملكة حالياً. ففي مطلع عام 2016، بدأت المملكة عملية مراجعة طالت قطاعات اقتصادية متعددة، بما في ذلك قطاع الطاقة، وأسواق العمل، ومعاشات التقاعد، وقطاع الصحة. فمثلاً، في يناير/كانون الثاني 2016، أعلنت المملكة عن تخفيضات واسعة النطاق في مستويات الدعم المحلي للطاقة والمياه، وهي منطقة سياسية كان يُحظر على السياسيين المساس بها في جميع ربوع المنطقة العربية قبل سنوات قليلة فقط. ففي نهاية المطاف، مثّل النفط والطاقة وقدرة الدولة على رعاية مواطنيها من خلال الوظائف وأشكال الدعم، والطاقة الرخيصة عناصر أساسية في الاقتصاد السياسي للمجتمع السعودي، وغيرها من الدول المنتجة للنفط في الخليج لعدة عقود. ثم في مارس/آذار من العام نفسه، أعلنت المملكة عن خطة “رؤية 2030” (Vision 2030)، وهي خطة إصلاح شاملة تهدف إلى إبعاد المملكة العربية السعودية عن اعتمادها طويل الأجل على النفط كحجر أساس للاقتصاد عاجلاً وليس آجلاً.

تماشياً مع هذه الخطوات، التي خالف الكثير منها سياسة صنع القرار السياسي الراسخة في البلاد منذ عقود، أُدخلت أيضاً تغييرات كبيرة على هيكل الحكومة السعودية وموظفيها، وهو ما يشير إلى رغبة القيادة الحالية في المضي قدماً بإجراء المزيد من خطوات إصلاح السياسات في المستويات الإدارية العليا. فمثلاً، شملت تلك التغييرات استبدال علي النعيمي، وزير النفط السعودي، والخبير المخضرم في قطاع النفط، وهو منصب بالغ الأهمية لديناميكيات سوق النفط العالمية، بخالد الفالح، المُعين وزيراً لوزارة “الطاقة والصناعة والثروة المعدنية” المُنشأة حديثاً. تجمع هذه الوزارة الجديدة المسؤوليات التي كانت تتكفل بها وزارة “البترول” سابقاً مع بعض المسؤوليات التي تكفلت بها وزارة “الكهرباء والماء” التي أُلغيت الآن.

لماذا تُجرى هذه الإصلاحات الآن؟

توقيت هذه الإصلاحات ليس صدفة. فالدور العالمي المرموق الذي تلعبه المملكة العربية السعودية في أسواق النفط كإحدى الدول الكبرى المنتجة للنفط والمصدرة له، وكدولة صانعة للقرار في منظمة “الدول المُصدرة للبترول” – “أوبك” (OPEC) – هو دور متبادل؛ إذ في المقابل تعتمد المملكة على صادرات النفط لتجني أكثر من 90% من إيراداتها الحكومية، وهو ما يجعل الميزانية السعودية، وبالتالي الدولة نفسها، تعتمد اعتماداً هائلاً على هذا المصدر الوحيد للإيرادات. تؤثر التقلبات الكبيرة في أسعار النفط العالمية على المملكة العربية السعودية بشدة، حيث تتوقف القوة المالية للمملكة على تدفق إيرادات صادراتها من النفط، وبالتالي قدرتها على الالتزام بالصفقة التاريخية غير المدونة، التي يتعهد المواطنون من خلالها بالولاء السياسي للدولة في مقابل الحصول على حصة من ثروة البلاد النفطية.

ويمكن للاحتياطيات النقدية الأجنبية الضخمة للمملكة العربية السعودية، التي قدّرها “صندوق النقد الدولي” بحوالي 570 مليار دولار في مارس/آذار 2016، أن تصون البلاد من العواقب الفورية الناجمة عن أسعار النفط الآخذة في الانخفاض لعدة سنوات قادمة. ولكن من الواضح، حتى للأوساط السياسية الداخلية، أن استنفاد الاحتياطيات النقدية الأجنبية للبلاد، في حين يستمر الاقتصاد تحت رحمة أسعار النفط، ليس خياراً عملياً يصلح تنفيذه على الأجل الطويل. ففي الفترة الزمنية من مارس/آذار 2015 إلى الشهر المماثل من 2016، سحبت الحكومة السعودية أكثر من 100 مليار دولار من احتياطياتها النقدية الأجنبية؛ أي حوالي سدس القيمة الإجمالية للصندوق قبل عام واحد فقط من تلك الفترة.

هل ستؤتي هذه الإصلاحات ثمارها؟

ليس كل المراقبين الخارجيين مقتنعين بأن خطوات الإصلاح الأخيرة التي اتخذتها المملكة، بما في ذلك مشروع “رؤية 2030” المُدشن حديثاً، ستنجح. يكمن جوهر المشكلة في أن الرؤى الكبرى والخطط الطموحة التي تقودها الحكومة والأهداف التي ترمي إليها لا تحقق نجاحات باهرة، بالأخص في اقتصاد كبير ومعقد ديموغرافياً، مثل اقتصاد المملكة العربية السعودية. تمتلك المملكة العربية السعودية مجتمعاً كبيراً نسبياً، وغير متجانس من الناحية الاقتصادية وعلى الصعيد الإقليمي، على عكس الدول الخليجية الأصغر؛ مثل الإمارات العربية المتحدة، وقطر، والكويت. بالإضافة إلى ذلك، يتعين عليها أن تتعامل مع القطاعات الضخمة الموروثة، وهياكل التعليم الكبيرة وشبكات سوق العمل الهائلة، التي سيستغرق إصلاحها سنوات عديدة.

علاوة على ذلك، فإن الفكرة القائلة إن التقدم الاقتصادي يُحسّن الكثير من الأوضاع دون التأثير سلباً على أي شيء آخر تعد فكرة مغلوطة نشرها العديد من صناع القرار السياسي في رسالتهم إلى الجماهير. فلا وجود لعملية إصلاح اقتصادي بلا ثمن ودون تضحية، حتى لو كانت في المملكة العربية السعودية. ولهذا السبب تُعدّ السنوات القادمة – أي المرحلة الثانية من “رؤية 2030” إن صح التعبير – هي الجانب الأكثر تعقيداً من عملية الإصلاح. إن ترجمة الأهداف إلى سياسات، إلى جانب الاستجابة لبيئة اقتصادية متغيرة تحمل في طياتها تحولات في التوقعات الشعبية، وهذا كله من خلال تقييم واقعي بغرض تحديد أي جزء من أجزاء الاقتصاد قد يستفيد استفادة حقيقية من تدخل الدولة بدرجة أقل بدلاً من تدخلها بدرجة أكبر، لم تعد أموراً يمكن تنفيذها بمرسوم حكومي مركزي. فلتحقيق هذا، ستحتاج المملكة العربية السعودية إلى إجراءات بيروقراطية قوية، وخاضعة للمساءلة، وتتسم بالمهنية.

من المفارقة أن انخفاض أسعار النفط قد يقوّض جهود المملكة في تنويع مصادر اقتصادها، على الرغم من أن هذا الانخفاض هو ما حفز في الأصل الكثير من هذه التغييرات. جرى استبعاد الموارد المالية ورأس المال البشري بشكل منهجي من القطاعات التي من شأنها أن تجعل المملكة ذات يوم مستقلة اقتصادياً عن عائدات النفط، وهذا بسبب “اعتماد المملكة العربية السعودية على النفط اعتماداً تاماً” منذ مدة طويلة، وذلك على حد وصف الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي ونائب رئيس مجلس الوزراء في مقابلة أجريت معه سابقاً. إن انخفاض الإيرادات التي تجنيها الحكومة بفعل انخفاض أسعار النفط العالمية يعني أيضاً انخفاض الموارد المخصصة للاستثمار في رأس المال البشري، ويعني كذلك انخفاض النشاط الاقتصادي داخل ربوع المملكة، ورفع سقف التوقعات التي ينتظرها القطاع العام المتلهف بالفعل لتوفير فرص مضمونة لأفراده.

تواجه المملكة أيضاً تحديات أخرى أوسع نطاقاً لم يجر استكشاف الآثار المترتبة عليها بالنسبة للمملكة بالكامل بعد؛ مثل نظام الخلافة السياسية.

ماذا يحدث مع شركة النفط المملوكة للسعودية؟

يعد قرار طرح أسهم من شركة “أرامكو” السعودية، وهي درة أساسية من درر التاج الاقتصادي للبلاد، للاكتتاب العام في سوق البورصة العامة خطوة بالغة الأهمية في تمهيد الطريق نحو إعادة ترسيم العلاقة بين النفط والاقتصاد والمملكة ذاتها. سيكون الاكتتاب العام الأولي لأسهم “أرامكو” جزءاً من استراتيجية أوسع لتحويل المصدر الرئيسي للدخل من الإيرادات النفطية ليكون صندوق استثمار قائم على الدخل يمكن التحوط منه وإدارته مثل غيره من صناديق الثروة السيادية الضخمة، بدلاً من الاعتماد على الإيرادات النفطية المتقلبة والخاضعة لوطأة ديناميكيات العرض والطلب التي تفرضها السوق العالمية.

لا شك أن الآثار المترتبة على ذلك سوف تمس أيضاً الموقف السياسي للمملكة العربية السعودية على الصعيد الدولي، حيث تُلمح إمكانية استحواذ جهات أجنبية على شركة “أرامكو” وعلى غيرها من الأصول السعودية الرئيسية إلى اهتمام استراتيجي هائل تبديه الدول المستثمرة تجاه الاستقرار السياسي للمملكة العربية السعودية نفسها. قد تكون المملكة العربية السعودية، إذا آتت الخطط الحالية ثمارها، على وشك إعادة صياغة عقدها الاجتماعي السياسي التاريخي، ولكن ربما بدرجة أقل وضوحاً، وذلك من خلال إعادة ترسيم الدور الذي يجب أن تلعبه الدولة في الاقتصاد السعودي تدريجياً.

وفي نهاية الحديث عن الإصلاحات الاقتصادية في السعودية، من السابق لأوانه إجراء تقييم شامل لمدى جدوى عملية الإصلاح هذه، أو تقدير ما ستحققه بالضبط. لكن مما لا شك فيه، أنها خطوة إيجابية نحو التغيير الذي تتطلبه المرحلة القادمة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .