دروس من عالم الرياضة تساعدك في تجنب الإحساس بالاختناق تحت الضغط

7 دقائق
الإحساس بالاختناق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: لا أحد محصن من الإحساس بالاختناق في اللحظات المهمة. ربما تلعثمت في الكلام أو فقدت قدرتك على التفكير السليم عند تحدثك مع عميل أو مدير أو جمهور مهم. ولتجنب الإحساس “بالاختناق” في العمل، يمكننا تطبيق الدروس المستفادة من عالم الرياضة في عالم الإدارة. فمثل أي رياضي مستعد لمسابقة مهمة، يوجد عدد من التقنيات التي يمكن أن تساعدك في تقليل الضغط أو تعزيز قدرتك على التكيّف معه، بافتراض أنك تعلمت المهارات التي ستعتمد عليها ومارستها بالفعل، ما يساعدك في النهاية في تحقيق أقصى استفادة من تلك المهارة المصقولة جيداً ويجنبك الشعور بالاختناق أو يعينك على تجاوزه.

 

الإحساس بالاختناق عند الضغط هو حالة شائعة جداً في عالم الرياضة، ويعني تجمد حركة المرء وضعف أدائه في المواقف المهمة، على الرغم من امتلاكه خبرة عميقة وسنوات من الممارسة. لكننا لا نسمع إلا القليل عن حالات الإحساس بالاختناق اليومية التي تحدث في العمل.

ويمكن لمعظمنا تذكر مواقف جعلتنا نشعر بالاختناق بالفعل. ربما تلعثمت في الكلام أو فقدت قدرتك على التفكير السليم عند تحدثك مع عميل أو مدير أو جمهور مهم. ولا أحد في مأمن من تلك الأحاسيس في الواقع: على سبيل المثال، عانى مهاتما غاندي من إحساس بالاختناق خلال قضيته الأولى أمام القاضي و”هرب من قاعة المحكمة شاعراً بالذل”. ولتجنب الإحساس “بالاختناق” في العمل، يمكننا تطبيق الدروس المستفادة من عالم الرياضة في عالم الإدارة.

علم الإحساس بالاختناق تحت الضغط

عندما “نتجمد في أماكننا”، تكون أجسامنا في حالة استجابة للتهديدات التي نواجهها في بيئتنا الخارجية. ويختلف سبب هذا “التهديد” بين شخص وآخر. قد ينطوي التهديد في العمل على محادثات أو مفاوضات صعبة، أو كومة من الأوراق، أو خطاب عام.

ومن الناحية الفسيولوجية، عندما تشعر بالاختناق، يبدأ جسدك تفعيل وضع الحماية نتيجة إحساسه بالخطر ويطلق مزيجاً من الهرمونات المرتبطة بالتوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين. وقد يؤدي ذلك إلى رفع معدل أنفاسك وضربات قلبك وتوسيع حدقتي عينيك وحتى التعرق. وعندما تتعرض للتهديد، تصبح ذاكرتك العاملة ضعيفة، ما يعني أنك تواجه صعوبة في فهم المعلومات الجديدة والتصرف بناءً عليها، فتميل إلى تذكر التجارب العاطفية السلبية وإعادة إحيائها، والتفكير الواعي في السلوكيات التي يجب أن تكون اعتيادية. كما يؤدي إحساسك بالاختناق إلى تقويض أدائك الحالي، ما يجعلك تنساق وراء حلقة مفرغة من الشك الذاتي والشعور بالعار والذنب والخوف، ويزيد من احتمالية شعورك بالاختناق مرة أخرى، ويحد من احتمال اتخاذك مخاطر في المستقبل، وقد تعاني من عواقب صحية عقلية طويلة الأمد، مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) الذي عانى منه البطل الأولمبي رينيه هولتن بولسن.

ومن المرجح أن تشعر بالاختناق عندما تطغى المطالب الخارجية أو ضغوط الموقف على مواردك الشخصية المخصصة للتعامل معها، لا سيّما عندما تزداد المخاطر ويحدث الموقف بصورة غير متواترة. وعلى الرغم من اعتبار لاعبي كرة القدم ركلة الجزاء حركة بسيطة نسبياً في أثناء التدريب، تزداد مخاطرها (على سبيل المثال، مستقبل فريقك بالكامل والتمويل) وندرتها (على سبيل المثال، لديك فرصة واحدة فقط) بشكل كبير في مسابقات الإقصاء (على سبيل المثال، نهائي كأس العالم). قد يحدث الاختناق أيضاً عندما يبقى الضغط ثابتاً لكن قدرتك على استخدام موارد المواجهة تنفد، على سبيل المثال، عندما تشعر بالقلق أو تبدأ التشكيك في قدراتك. ويتمثّل الجزء المثير للإحباط في أن هذا الاختلال في المتطلبات (الموارد) قد يحدث دون وعي تماماً، بمعنى آخر، قد تعتقد أنك جاهز ومستعد تماماً، في حين قد يكون لعقلك اللاواعي أفكار أخرى.

كيف تستغل اللحظات المهمة في العمل؟

مثل أي رياضي مستعد لمسابقة مهمة، يوجد عدد من التقنيات التي يمكن أن تساعدك في تقليل الضغط أو تعزيز قدرتك على التكيّف معه، بافتراض أنك تعلمت المهارات التي ستعتمد عليها ومارستها بالفعل، ما يساعدك في النهاية في تحقيق أقصى استفادة من تلك المهارة المصقولة جيداً ويجنبك الشعور بالاختناق أو يعينك على تجاوزه.

ركّز على الحاضر

قال أسطورة الغولف جاك نيكلوس: “لم أفشل قطّ في إحراز تسديدة في ذهني”. يتم تنشيط الجزء نفسه من الدماغ عندما نتخيل إجراءً ما (على سبيل المثال، رفع يدك اليسرى) وعندما نؤدي ذلك الإجراء بالفعل. لذلك تُستخدم الصور الذهنية لتحسين التعلم الحركي في بيئات إعادة التأهيل، مثل ما بعد السكتة الدماغية.

ويؤمن نجوم الرياضة مثل سيرينا ويليامز وواين روني ومايكل جوردان بقوة بالتخيل بالفعل. فتصور النجاحات السابقة في اللحظات الحاسمة ينطوي على فوائد متعددة، فهو يهيئ الرياضيين لسيناريوهات مختلفة ويتيح لهم إدارة التوقعات والعواطف بفاعلية أكثر. ويوجد قدر كبير من الأدلة العلمية التي تظهر أهمية التصور في تعزيز القوة والدقة والقدرة على التحمل، إضافة إلى التخفيف من حدة القلق وزيادة الشعور بالسيطرة في المواقف المهمة.

عندما تستعد لموقف مهم في العمل، تدرب عليه في عقلك بأكبر قدر ممكن من الوضوح والتفاصيل. كيف سيكون إحساسك وأنت تتجه إلى مكتب مديرك لتطلب زيادة في الراتب؟ كيف ستشعر عندما تكون الأضواء موجهة عليك وتقف أمام الجمهور، سواء في غرفة اجتماعات مجلس الإدارة، أو على المسرح، أو حتى في أثناء تسجيل الدخول إلى “زووم”؟ ما الكلمات الأولى التي ستقولها؟

تدرب على التعامل مع الضغوط

لا يتدرب الرياضيون على المهارات والقدرات فحسب، بل يتدربون أيضاً على التعامل مع الضغوط. على سبيل المثال، أدى تدريب فريق بريطانيا العظمى على الصبر العقلي لدورة الألعاب الأولمبية عامي 2012 و2016، إلى زيادة الضغط تدريجياً على الرياضيين لجعلهم يفكرون في كيفية الاستجابة لحالات الشعور بالاختناق عن قصد وتطبيق تلك الممارسات بالفعل. ويفرض كبار المدربين ضغوطاً عقلية أو تقنية أو تكتيكية أو جسدية تنافسية عن طريق تغيير الظروف المعتادة بشكل غير متوقع. على سبيل المثال، قد يجبرون لاعبي كرة القدم الذين يستخدمون قدمهم اليمنى على استخدام قدمهم اليسرى فقط في أثناء التدريب، أو يجعلونهم يتنافسون مع خصوم أفضل فجأة. كما تقدّم مدرّب السباح مايكل فيليبس، بوب بومان، ذات مرة وكسر نظارات فيليبس قبل السباق، ما أجبره على التنافس “الأعمى“. وأثبتت هذه التجربة فائدتها عندما امتلأت نظارته بالماء بعد أن غطس خلال أحد السباقات في الأولمبياد عام 2008 حيث قال: “لم أستطع رؤية خط النهاية من الجدار الذي يبلغ ارتفاعه 150 متراً. كنت أتمنى أن أفوز فقط”. ولم يفز بالميدالية الذهبية فحسب، وإنما حطم رقماً قياسياً عالمياً أيضاً.

كما اشتُهر ستيف جوبز بتقديم عروض تقديمية ممتازة، وبمقدار الممارسة والتدرب الذي كان يبذله على تلك العروض. فالتدرب مهم، سواء كنت بمفردك في مكتبك أو أمام الكاميرا أو الجمهور. ويمكنك زيادة المخاطر من خلال مطالبة جمهورك بمقاطعتك، أو قول تعليق سلبي، أو إيقاف تشغيل جهاز الكمبيوتر، ما يجبرك على الاستمرار دون شرائح العرض الداعمة.

طوّر روتين ما قبل الأداء

تُعتبر الإجراءات أو الحركات أو مجموعات الكلمات المحيرة التي نسمعها قبل أن يُقدِم لاعب ما على تسديد رمية مهمة في التنس أو رمية حرة في كرة السلة أو ركلة جزاء في كرة القدم مهمة جداً. ويُقال إن رافائيل نادال يمارس روتيناً من 12 خطوة يستمر حوالي 30 ثانية. كما اشتهر نجم الدوري الأميركي للمحترفين كارل مالوني بممارسة روتين وضعه قبل الرميات الحرة ينطوي على التحدث إلى نفسه.

وبالتالي، قد يساعدك روتين ما قبل الأداء في تصفية ذهنك، والتركيز على الحاضر، وأداء تلك المهارة المصقولة جيداً بشكل تلقائي. ويمكنك في العمل ممارسة طقوس بسيطة، مثل تمارين التنفس، أو تكرار عبارة أو دعاء، أو الاستماع إلى أغنية معينة، أو احتساء شايك المفضل، أو أداء بعض تمارين التمدد في مكتبك التي قد توصلك إلى العقلية المناسبة للتعامل مع اللحظات الأولى قبل الأداء. ويمكنك ممارسة الروتين الذي تضعه عند حاجتك إلى استخدام المعرفة والمهارات والسلوكيات التي تدربت عليها جيداً. كما يمكنك وضع روتين بسيط تمارسه عندما تدرك أنك تشعر بالاختناق.

لا تفكّر فقط، بل نفّذ

يعرف معظم الرياضيين أن الإفراط في التفكير في اللحظات الحالية، أو إحساسهم بالعجز نتيجة التحليل، يجعلهم يشكون في أنفسهم أو يركزون كثيراً على كل جانب من جوانب الحركة (كموضع الساق والقدم عند ركل الكرة) بدلاً من التحرك بشكل تلقائي (بعيداً عن الإدراك الواعي)، ما يؤدي إلى إحساسهم بالاختناق. ولتجنب ذلك، يختار بعض الرياضيين تقنية “الإلهاء الذاتي” في الدقائق أو الساعات التي تسبق السباق أو المباراة. ويُعتبر الاستماع إلى الموسيقى أو القراءة أو فعل شيء ما بيديك لتريح عقلك إحدى طرق الهروب من العناصر والأفكار المحيطة التي يمكن أن تزيد الضغط عليك. على سبيل المثال، اعتاد يوسين بولت التفكير في أي شيء آخر في الدقائق التي تسبق السباق إلى حين يسمع عبارة “خذوا أماكنكم”. ويقول: “أحاول ألا أفكر إطلاقاً، بغض النظر عن مقدار الضغط الذي أشعر به، لأن ذلك التفكير سيبدأ التسلل إلى داخلي والعبث بعقلي، لهذا السبب كنت أتجول قبل السباق. كنت أستمتع كثيراً وأشعر براحة كبيرة”.

كما تساعد تقنيات اليقظة الذهنية والتأمل في التعرف على محيطك بينما تبقى متيقظاً وحاضراً وواعياً بحاضرك. وتُظهر مجموعة كبيرة من البحوث أثر اليقظة الذهنية والتأمل في تهدئة الدماغ والجهاز العصبي، والتخفيف من حدة القلق وتحسين الأداء. ويستخدم العديد من الرياضيين هذه الأساليب قبل الأحداث الرياضية الكبرى وفي أثنائها. على سبيل المثال، يمارس نوفاك ديوكوفيتش اليقظة الذهنية يومياً ويقول:

بدلاً من محاولة إسكات عقلك أو الوصول إلى حالة “السلام الداخلي”، اسمح لأفكارك بالظهور وتقبّلها، فطبيعي أن تحوم الأفكار في عقلك، وتنطوي وظيفتك على السماح لها بالظهور ثم الذهاب من تلقاء نفسها. وقد مارست الكثير من اليقظة الذهنية بالفعل إلى أن أصبح عقلي واعياً الآن. كنت أرتعد كلما ارتكبت خطأ ما. وما زالت تنتابني نوبات من الشك الذاتي عندما أسدد رمية ما أو أتصدى لرمية أخرى، لكني أعرف كيفية التعامل معها الآن.

وقد تساعدك كتابة مخاوفك في التخفيف من حدتها عند بدء الأداء. وتحظى تدريبات اليقظة الذهنية بشعبية متزايدة في المؤسسات بالفعل، إذ ثبت أن التطبيقات الداعمة فاعلة في خفض مستويات القلق المرتبط بالأداء (طالما أنك تلتزم بها فعلياً).

طور عقلية التوتر

قالت أسطورة التنس بيلي جين كينغ إن “التوتر هو امتياز”. واعتبرت تلك البطلة الحائزة على عدة جوائز التوتر ميزة “مكتسبة”. فتحويل عقليتك من اعتبار “التوتر حالة مستنزفة” إلى “التوتر حالة معززة” يغيّر من الطريقة التي يستجيب بها جسدك للتوتر. وللقيام بذلك، حاول في المرة القادمة التي تشعر فيها بالتوتر وأن نبضات قلبك تتسارع ألا تهدئ نفسك، فلن يجدي ذلك نفعاً، بل أخبر نفسك بدلاً من ذلك أنك متحمس ومستعد لتحقيق الأداء الأمثل. قال كريس هوي الحاصل على ميدالية ذهبية أولمبية 6 مرات: “لا تستخدم أبداً كلمات مثل “متوتر” أو “قلق”؛ بل استخدم كلمات مثل “متحمس” و”مندفع””.

ويقول ديوكوفيتش عندما يلعب أمام جمهور يشجع خصمه: “أحاول أحياناً تجاهل الأمر فقط، وهو أمر صعب للغاية، لكني أحب تحويل الهتاف بطريقة ما في عقلي، أي عندما يردد الجمهور “روجر” أسمعها “نوفاك””. وتلك طريقة لإخبار جسدك وعقلك أن التوتر الذي تواجهه إيجابي ويقدم لك الدعم.

وقد تساعدك الاستراتيجيات البسيطة مثل الحديث مع النفس (كقول: “أنا متحمس” بصوت عالٍ) أو الحوار الداخلي الذي تخبر نفسك فيه أنك متحمس في تسخير التوتر وتوجيهه صوب التركيز والأداء وتجنب الإحساس بالاختناق.

برر الحدث وخطواتك طوال الطريق

من المهم أن تضع أداءك في منظوره الصحيح حتى لا تطغى النتائج المتوقعة على قدرتك على الأداء (أو استمتاعك به). ويتضمن ذلك على سبيل المثال فصل هويتك (كشخص) عن النتائج. فالخسارة لا تعني أنك شخص فاشل، والفوز لا يعني أنك شخص ناجح. على سبيل المثال، قالت لارا غوت بهرامي بعد فوزها بالميدالية الذهبية في كأس العالم للتزلج على جبال الألب عام 2020: “إنه مجرد انتصار، لن يغير حياتك. بل هناك أمور أخرى أهم”. كما تسلط سيرينا ويليامز الضوء على فكرة أن الإخفاقات هي جزء طبيعي من الحياة، وأنها الدافع الذي يحثنا على مواصلة السعي. وطوّر مدرب كرة السلة الهدّاف دون ستانلي قاعدة الـ 24 ساعة للرياضيين حيث يكون أمامهم “24 ساعة” فقط للاستمتاع بفوزهم أو “التألم من هزيمتهم”.

يمكنك أيضاً وضع اللحظات المهمة في منظورها الصحيح من خلال تطبيق ما يطلق عليه الرئيس أوباما اسم “النظرة البعيدة”؛ أي: إعادة صياغة أي “أزمات” فورية حتى تتمكن من رؤية الصورة الشاملة التي يمكن أن تساعدك في تقليل تأثيرات حدث ما وأهميته، سواء انطوت على قيمك أو أهدافك بعيدة الأجل.

لا أحد محصن من الإحساس بالاختناق في اللحظات المهمة. ومع ذلك، ما نتعلمه من أعظم الرياضيين في العالم هو أن هناك سلوكيات وعقليات يمكننا جميعاً ممارستها لتجنب الإحساس بالاختناق وتجاوزه بشكل أفضل عند إحساسنا به.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .