الآثار المدمّرة للترويج لثقافة “الأسرة” الواحدة في الشركة

7 دقائق
الآثار المدمرة لثقافة الأسرة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: ليس من المستغرب أن يطل الطابع الشخصي برأسه عند الحديث عن أماكن العمل، باعتباره أحد أهم العناصر التي تسهم في تشكيل ثقافة العمل في شركاتنا. إذ يقضي المرء معظم ساعات نهاره في العمل، ويُشارك زملاءه خلال تلك الساعات أحداثاً ومواقف من الصعب أن تجد أحداً يُلمُّ بسياقها أو يعرف عنها شيئاً باستثناء زملائه، لذلك من المنطقي أن تعكس ثقافة المؤسسات والعلاقات التي تبنيها في العمل كلاً من الثقافة والعلاقات التي تلمسها في السياق الأسري، ولكن ما هي الآثار المدمرة لـ “ثقافة الأسرة” في الشركات تحديداً؟ وما الذي يحدث عندما لا تتوافر العناصر الصحيحة وتحرص الشركة على إخفاء عيوبها وتغرس شعوراً زائفاً بالانتماء من خلال الترويج لثقافة “الأسرة” الواحدة؟

إذا كنت قد شاهدت إعلاناً عن وظيفة شاغرة أو خضعت للتوجيه الوظيفي في عملك الجديد على مدار العقد الماضي، فمن المؤكد أنك رأيت كلمة “أسرة” في ثنايا وصف ثقافة الشركة.

“نحن أسرة واحدة”.

“مرحباً بك في أسرة [اسم الشركة]”.

“نحن أسرة واحدة نذرت نفسها لأداء رسالة الشركة”.

الآثار المدمرة لثقافة الأسرة

ليس من المستغرب أننا نقضي معظم ساعات نهارنا في العمل (وهو ما يعادل نحو ثلث حياتنا). وتؤدي علاقاتنا مع زملائنا في العمل كثيراً من الوظائف المهمة، فهي تساعدنا على النمو في حياتنا المهنية وتُمدنا بالدعم العاطفي والصداقة. لذلك، من المنطقي أن تعكس العلاقات التي تبنيها في العمل طبيعة العلاقات التي تلمسها في السياق الأسري.

لكن طبيعة هذه العلاقات تعتمد على ثقافة مؤسستك في المقام الأول.

ويمكنني القول بحكم عملي مدرباً متخصصاً في تطوير القدرات القيادية إن هذا يعد أحد أكبر الأخطاء المؤسسية التي أراها بين المدراء والفرق العالية الأداء. ففي حين أن بعض جوانب ثقافة “الأسرة” الواحدة، مثل الاحترام المتبادل والتعاطف والرعاية والشعور بالانتماء، يمكن أن يحقق قيمة مضافة، فإن محاولة الترويج لثقافة مؤسستك بأنها تشبه الأسرة الواحدة قد تضر أكثر مما تنفع من الناحية النفسية.

كيف يمكن للثقافة الأسرية أن تضر الموظفين؟

يريد أصحاب العمل موظفين منتجين ويتصفون بالقدرة على الأداء المتميز، وهي أشياء غالباً ما تأتي نتيجة لوجود أفراد يعملون معاً بطريقة متناغمة ويحققون النتائج المطلوبة. وقد لا تبدو إضافة ثقافة “الأسرة” الواحدة والشعور بالانتماء عنصراً ضاراً من الناحية المبدئية، ولكن إذا تم استخدامها لربط العلاقات البينية بتوقعات الأداء رفيع المستوى، فنادراً ما سيكون الموظفون مؤهلين لتحقيق النجاح.

قيام ديناميكية السلطة على استغلال الموظفين

إذا كنت تروّج لثقافة أسرية، فهل هذا يجعل صاحب العمل مثل الأب أو الأم ويجعل الموظفين والموظفات مثل أبنائهم وبناتهم؟ لا يتمتع الجميع بعلاقة جيدة مع والديهم أو أشقائهم، وقد تنعكس العواطف المستمدة من ديناميكيات الأسرة بسهولة على العلاقات المهنية، إذا سمحنا لها بذلك.

وقد تتسبب هذه الديناميكيات أيضاً في شعور الموظفين بأنهم لا يملكون الصلاحيات اللازمة (فعادة ما يتخذ الآباء القرارات، ويكتفي الأبناء بتنفيذ الأوامر) للدفاع عن مواقفهم وتولي مسؤولية أعمال تقع خارج منطقة راحتهم. ويسمح كل هذا بإعطاء الأولوية للشخصيات والديناميكيات المقررة سلفاً على حساب المتطلبات اللازمة لأداء وظائفهم على النحو المطلوب.

وتنشأ مشكلة أخرى عندما يُطلب من أحدهم المغادرة أو مشاركة ملاحظات بنَّاءة. إذ تتخذ هذه المسائل دائماً طابعاً شخصياً في ظل ثقافة “الأسرة” الواحدة. فلا تُوجد أسرة تطرد أحد أفرادها، أو تضعه ضمن خطط تحسين الأداء. أما العلاقات بين الموظفين وأصحاب العمل، فهي علاقات مؤقتة بطبيعتها، ولا بد أنها ستنتهي في مرحلة ما. لذا فإن تشبيه العلاقات المهنية بالعلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة يخلق إشارة مؤداها أن هذه الرابطة ستستمر إلى أجل غير مسمى.

كما أنك ستخاطر أيضاً بإخفاء السلوك غير المشروع بين زملاء العمل المقربين، لأن المرء لا يثرثر بما يدور داخل أسرته. وقد أثبتت الدراسات أن الموظفين الذين يعملون ضمن “ثقافة أسرية” غالباً ما يمتنعون عن الإبلاغ عن أي مخالفة يرتكبها زميل تربطهم به علاقات وثيقة. ويرجع هذا السكوت والتواطؤ في المقام الأول إلى شعورهم بالخوف من الضرر الذي قد يلحق بزميلهم الذي ارتكب المخالفة.

التداخل بين الخطوط الشخصية والمهنية

يجب أن نعي أن مفهوم “الأسرة” يختلف من شخص لآخر. إذ لا يريد الجميع التواصل مع زملائهم في العمل على مستوى أعمق من الطبيعي، فضلاً عن الارتباط بعلاقة شخصية مع المؤسسة التي يعملون بها. ويريد بعض الموظفين أن يحتفظوا لأنفسهم بالتفاصيل الحساسة لحياتهم الشخصية، كما يحبون أن تبقى بعيداً عن أجواء العمل. ولكن عندما يكون مكان عملك أشبه بـ “الأسرة” الواحدة، فقد تكون هذه النوعية من المحادثات إجراء عادلاً، لأن هدف المؤسسة هنا هو تشجيع الاندماج في المجتمع بما يصب في صالح الجميع. ووفقاً لنتائج الأبحاث، عندما تشبِّه المؤسسة نفسها بالأسرة الواحدة، وتستخدم هذا المجاز في بيئة الأعمال، فإنها تخلق ثقافة إيجابية ومحفّزة ترفع المعنويات، حيث لا يُنظر إلى الزملاء على أنهم زملاء فحسب، بل كإخوة أو أخوات. ويؤدي هذا إلى ربط الموظفين أنفسهم عاطفياً بالمؤسسة. وفي حين أنه يمكن أن يقلل الصراعات والخلافات داخل المؤسسة، فإن الخوف من التسبب في توتر العلاقة مع رؤسائهم (الذين يُنظر إليهم آنذاك على أنهم آباء أو أمهات) يمكن أن يجعل الموظفين يشعرون أنه يتعين عليهم مشاركة أي معلومات تُطلب منهم.

وقد يكون هذا أكثر صعوبة في البيئات الافتراضية أو الهجينة، لا سيما في الشركات التي لم يسبق فيها للكثير من موظفيها العمل عن بُعد. فقد أثبتت الأبحاث أنه عندما يتعذر على المدراء “رؤية” مرؤوسيهم المباشرين، فإنهم يشكّون أحياناً في أن موظفيهم يزاولون العمل فعلياً. وقد يدفع هذا المدراء إلى البحث عن مواعيد بدء الموظفين لمزاولة العمل ومواعيد توقفهم عنه، بالإضافة إلى البحث عن معلومات حول ما يفعلونه طوال اليوم (اقرأ: الإدارة التفصيلية) خلال وقت العمل. وإذا أضفنا هذا إلى الثقافات التي تعطي الأولوية لزمن العمل على حساب النتائج النهائية، فسيشعر أصحاب العمل بأنهم يستحقون معرفة كافة التفاصيل التي ترتبط بحياة الموظف.

المبالغة في الشعور بالولاء لها أضرار جسيمة

عندما يحتاج إليك أحد أفراد الأسرة أو يمر بظروف تستلزم حصوله على رعاية خاصة من جانبك، فلن تتردد في تقديم يد العون له. وهذا هو التصور السائد على الأقل حول العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة. وقد يُساء فهم الولاء في بيئة العمل باعتباره مبدأً يحض المرء على بذل جهود مضاعفة لفعل أي شيء يسهم في إنجاز المهمات الوظيفية. ووفقاً لما جاء في كتاب روب غوفي وغاريث جونز، “شخصية الشركة” (The Character of a Corporation)، فإن الموظفين في الثقافات الأسرية يكونون على أتم استعداد للتدخل لمساعدة الآخرين عند الحاجة، وحتى التطوع من أجل تقديم “المساعدة قبل أن تُطلب منهم” في أكثر أشكال الإيثار سطوعاً.

ولكن إليك الجانب السلبي لهذه الثقافة: أثبت الكثير من الأمثلة والأبحاث أن أكثر الأشخاص إخلاصاً أكثر عرضة أيضاً للتورط في الأعمال غير الأخلاقية من أجل الحفاظ على وظائفهم، كما أنهم أكثر عرضة للاستغلال من قبل صاحب العمل. وقد تظهر هذه السلوكات حينما يُطلب منك العمل لساعات أطول من اللازم أو العمل في مشروعات أو مهمات لا علاقة لها بدورك الوظيفي، أو حينما يُطلب منك التكتم على فضيحة ما بداعي أن هذا يصب في مصلحة الشركة (الأسرة). حيث يُقال لك: “كلنا في قارب واحد، وعليك أن تؤدي دورك، أليس كذلك؟”.

وعندما يعمل الموظفون في ظل هذه العقلية، فلن يلبثوا أن يتراجع مستوى أدائهم وتنخفض إنتاجيتهم بسبب شعورهم بالاحتراق الوظيفي، وهو ما يؤدي في النهاية إلى حديثهم مع مدرائهم أو مسؤولي قسم الموارد البشرية حول الأخطاء التي ارتكبوها. ويخلق هذا تصوراً لدى الموظفين يدفعهم إلى الاعتقاد بأنهم لا يؤدون الدور المطلوب منهم. وإذا تُرك الأمر دون علاج، فإن أصحاب العمل سيخلقون بيئة تسهم في زيادة الشعور بالاحتراق الوظيفي، وهو ما يؤثر في النهاية على النتيجة النهائية من خلال استنزاف الموظفين وتراجع الإنتاجية.

ما الذي يجب على الشركات فعله بدلاً من ذلك؟

عند إرساء ثقافة صحية وداعمة، تجنَّب تعزيز عقلية “الأسرة” الواحدة، وركّز على ترسيخ الإجراءات والبُنى التي تحقق قيمة مضافة لموظفيك وتدعمهم. وانظر بدلاً من ذلك إلى مؤسستك كفريق رياضي أو قبيلة. وستتمكن عندئذٍ من الحفاظ على ثقافة التعاطف والعمل الجماعي والشعور بالانتماء والقيم والأهداف المشتركة، بالتوازي مع ترسيخ ثقافة تعتمد على الأداء وتحترم الطبيعة النفعية لهذه العلاقة. ولتعزيز ثقافة أكثر توازناً، احرص على ما يلي:

تحديد المقصود بالأداء المتميز والتركيز على الغرض

عند تكوين فرق العمل وإعداد الموظفين الجدد، احرص على الفصل بين مفاهيم “الأسرة” من جانب ومعايير الأداء المتميز والغرض من جانب آخر. دع موظفيك يعرفون ما هو مُتوقع منهم لتحقيق النجاح في العمل وأن هناك خطاً واضحاً يفصل بين العمل وحياتهم الشخصية. حدّد توقعات العمل خلال فترة إعداد الموظفين الجدد ومتابعة الأداء من خلال المراجعات الدورية واللقاءات الثنائية. ويجب على المدراء خلال اللقاءات الثنائية استغلال هذه الفرصة لقياس مستويات أداء الموظف ومعالجة أي مخاوف تتعلق بالتوازن بين الحياتين العملية والشخصية. وإذا بدأ هذا الخط يختفي أمام الموظفين، فأوضح لهم أنه بإمكانهم التباحث معك في أي وقت حول ما يمكن تحسينه.

ويجب على المدراء أيضاً التحول من التركيز على ثقافة الأسرة التي تتمحور حول فكرة “أننا جميعاً في قارب واحد” إلى فكرة “أننا جميعاً نتشارك الغرض ذاته”. فقد أثبتت الأبحاث أن تحديد الغرض يمكن أن يؤدي إلى شعور متزايد بالولاء وتعزيز اندماج الموظفين، خاصةً عندما يتداخل غرض الشركة مع غرض الموظف. فاحرص على تحديد الغرض والإعلان عنه بوضوح: ما الذي تحاول تحقيقه؟ وما دور موظفك في مساعدتك على تحقيقه؟ حيث يسهم الغرض المشترك في دفع الجميع إلى السير في الاتجاه ذاته.

ضع حدوداً واضحة

كلما كانت السياسة أكثر رمادية، زادت فرص سوء التفاهم. فتأكد أن كل الموظفين يفهمون ما هو متوقع منهم خلال مواعيد العمل وما هو متوقع منهم خارج مواعيد العمل الرسمية. وادعم جهود موظفيك واجعلهم يعرفون أن الاستمتاع بالإجازات الرسمية أو الإجازات المدفوعة ليس أمراً مرحباً به فحسب، لكنه أمر مطلوب أيضاً. واحرص على مشاركة جداول مواعيد الفريق بحيث يستطيع الجميع تحديد الإجازات المدفوعة والإسهام بأفكارهم الخاصة فيما يخص الإجازات الجديدة. وسيشعر الموظفون أيضاً براحة أكبر في الدفاع عن مواقفهم عندما يرون أن شركتك كانت تشجّع على هذه الثقافة خلال فترة عملهم بها. أما بالنسبة للمدراء، فاحرص على تفعيل هذا الاتجاه من خلال استغلال كل وقتك خارج مواعيد العمل الرسمية في إعادة شحن طاقتك وممارسة هواياتك المفضَّلة أو اهتماماتك المحبَّبة. وسيلاحظ الموظفون أنك بدأت تفعيل هذا الاتجاه وسيشعرون بالراحة حينها لفعل ذلك هم أيضاً.

وإذا بدأ الموظفون في الشعور بالإرهاق ولم يعد بإمكانهم إدارة توقعات الأداء، فوضّح لهم الخيارات المتاحة أمامهم للعثور على الدعم والعودة إلى المسار الصحيح. هل يمكنهم أخذ إجازة؟ وهل يمكن مشاركة أعضاء الفريق لتوزيع عبء العمل وجعله أكثر يسراً وسهولة؟ وهل يمكن تغيير الأولويات؟

التقبل المشترك للطبيعة المؤقتة والمهنية لهذه العلاقة

يجب أن نكون واقعيين بشأن العلاقات التي يبنيها الموظفون مع أصحاب العمل وأن نتذكر أنها علاقات عمل بحتة ترتبط في النهاية بمصلحة مشتركة. فلن يبقى معظمهم في الشركة نفسها طوال حياتهم المهنية، ولا بأس بهذا أبداً. حيث تتغير الأدوار الوظيفية وتتبدل مع نمو المؤسسات، وقد يبحث الموظفون أيضاً عن العمل في مؤسسة أخرى، إذا لم تكن هناك فرص كافية لنموهم، أو إذا لم تعد المؤسسة بحاجة إلى مهارات موظفيها أو خبراتهم. كن صريحاً بشأن تحديد هذا التوقع في وقت مبكر من مرحلة إعداد الموظفين الجدد. وإذا قرر أحد الموظفين المغادرة، فلا تسئ إليه بسبب عدم رغبته في مواصلة العمل بشركتك، بل اعترف بإسهاماته وساعده على الخروج بصورة مُشرِّفة. وإذا لم تعد بحاجة إلى مهاراته، فاسأله كيف يمكنك مساعدته في العثور على وظيفة أكثر ملاءمة داخل الشركة أو في أي مكان آخر.

وفي نهاية الحديث عن الآثار المدمرة لثقافة الأسرة في الشركة تحديداً، قد تكون الروابط الأسرية مُلزِمة لأصحابها وأي شيء مُلزِم ليس مثالياً للنمو. روّج لهذه الممارسات، ولن تضطر أبداً إلى استخدام كلمة “أسرة” في مكان عملك مرة أخرى.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .