كيف يتغير مفهوم الآباء والأمهات العاملين مع نمو الأطفال؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ليس مستغرباً أنّ هواجس الآباء والأمهات العاملين موجودة على جدول أعمال عام 2020 في ظل العدد القياسي من النساء اللواتي ينافسن على رئاسة الولايات المتحدة. إذ كشفت إليزابيث وارين النقاب عن خطة للرعاية العالمية بالأطفال، وتعتبر كاميلا هاريس راعية مشاركة لقانون رعاية الأطفال للأسر العاملة، وقد أبدت الكثير من المرشحات الأخريات دعمهن لسياسات مشابهة.

يعبّر بروز هذه القضايا في سياق الحملات الانتخابية عن الوعي المتنامي إزاء احتياجات الآباء والأمهات العاملين في الولايات المتحدة، وتحديداً الأمهات العاملات. ونحن نجري المزيد من المحادثات الصريحة والصادقة حول مواضيع مثل إجازة الأمومة والعودة إلى العمل والحمل والرضاعة الطبيعية في المكتب.

ومع ذلك، تركز معظم نقاشاتنا العامة حول الآباء والأمهات العاملين على احتياجات الأمهات الجدد، كما لو أنّ تحديات دمج العمل مع الأبوة أو الأمومة تنتهي بمجرد دخول الطفل إلى المدرسة (ناهيك عن أنّ الآباء العاملين يتعرضون في أغلب الأحيان لتجاهل تام). وفي واقع الأمر، يعيش الآباء والأمهات العاملون لحظات من السعادة والتوتر مع نمو الأطفال. وفي ظل انعدام الدعم الفعال، فإنهم يكونون في مراحل لاحقة ضعفاء بشكل تام كالآباء والأمهات الجدد، حيث يتملكهم شعور بالانفصال بين التزاماتهم المهنية والأسرية.

في بحثنا ومقابلاتنا مع مئات الأمهات العاملات، إضافة إلى تجربتنا الخاصة في العمل والأمومة، تبين لنا أنّ الأمومة لا تمثل مساراً خطياً موحداً. عندما تعتقد أنك فهمت الأمر، تتحول أسرتك أو وظيفتك ويكون عليك أن تضع أنماطاً جديدة للعمل والأسرة. وكما نقول في كتابنا الجديد “تفاؤل أمومي” (Maternal Optimism)، فقد حان الوقت للآباء والأمهات العاملين والمؤسسات للنظر إلى ما هو أبعد من الحمل والولادة والطفولة لمعالجة الكيفية التي تتحول بها الحياة المهنية والأسرية مع نمو الأطفال ونضج الأعمال.

التعقيدات المتزايدة لرعاية الأطفال

بعد الحمل والعودة إلى العمل، يحدث الاضطراب الكبير التالي لدى معظم الآباء والأمهات العاملين عندما يدخل طفلهم المدرسة وتتغير فجأة ترتيبات الرعاية بالطفل التي كانوا قد قرروا الاعتماد عليها. لا يرقى نظام التعليم الأميركي إلى مستوى تقديم الرعاية الدائمة. فالمدرسة العادية تُغلق أبوابها لمدة 29 يوماً خلال الأشهر العشرة من العام أثناء موسم الدراسة. وتسبب جميع هذه الإجازات، إلى جانب العطل الصيفية وعدم الاتساق الدائم بين أيام الدراسة وأيام العمل، فجوات في رعاية الأطفال.

لقد وجدنا أنّ التعامل مع “الفجوات في الرعاية” أصعب في أحوال كثيرة بالنسبة للآباء والأمهات العاملين من الحصول على رعاية دائمة للأطفال الأصغر سناً. تحدثت الكثير من الأمهات عن شعور بالصدمة من تحدي تأمين رعاية جيدة للأطفال في عمر المدرسة وتسديد ثمن هذه الخدمة. وعبرت إحدى الأمهات اللواتي قابلناهن عن دهشتها من معرفة أنّ تكاليف رعاية الأطفال لم تتقلص بشكل كبير منذ انتقال طفلتها إلى رياض الأطفال، ما اضطرها هي وزوجها إلى إعادة توجيه ميزانية الأسرة.

يظل الأطفال في حاجة إلى الرعاية حتى مع انتقالهم إلى المدرسة الإعدادية والثانوية وتمتعهم باستقلال أكبر. لكن لا يتوفر سوى القليل جداً من برامج ما بعد المدرسة وخيارات الرعاية للمراهقين والمراهقات. يتطلب تلاميذ المدارس الثانوية متابعة أقل، لكنهم غالباً ما يعيشون حياة مفعمة أكثر ويحتاجون إلى التنقل بين الأنشطة ووظائف ما بعد المدرسة والتفاعلات الاجتماعية. تظهر الأبحاث أنّ هذه المسؤوليات تظل ملقاة بشكل رئيس على عاتق الأمهات بدلاً من الآباء كغيرها من مهمات الرعاية بالأطفال. وبينما تتطلب رعاية المراهقين مجهوداً بدنياً ووقتاً أقل، إلا أنها تستلزم في أحوال كثيرة قدراً أكبر من العمل العاطفي مع تطوير الأطفال لهوياتهم وتعاملهم مع مسائل اجتماعية وعاطفية معقدة.

للأسف، فإنّ المدراء والزملاء الذين قد يتأقلمون مع احتياج الأم الجديدة إلى ضخ الحليب أو أخذ إجازة أمومة، غالباً ما يكونون أقل وعياً وتقبلاً للمتطلبات التي تواجهها الأم العاملة مع نمو أطفالها. وفي الوقت نفسه، تزداد مسؤوليات الوظيفة عندما يتقدم الآباء والأمهات العاملون في وظائفهم. وفي بعض الأحيان قد تبدو الخيارات التي تتخذها النساء إزاء العمل والأسرة خيارات أكثر صعوبة نظراً لحالة التغيب عن القيام بواجباتهن كأمهات لأطفالهن الأكبر سناً.

على سبيل المثال، احتارت مستشارة مبيعات فنية ممن قابلناهم عندما عُرض عليها ترقية تتطلب منها السفر كثيراً. وكانت مترددة إزاء قبول المنصب لأنّ ابنها الأصغر كان في السنة الأخيرة من دراسته الثانوية. عندما كان أطفالها أصغر سناً، كان مديرها يساعدها دائماً في التفكير ملياً في الدمج بين حياتها المهنية والأسرية كلما فكرت في فرص جديدة. وعلى أي حال، في هذا الوقت كان الأمر كما لو أنّ الجميع نسوا أنها أم، وقد شعرت بالقلق من أنها لن تتمكن من مصارحتهم بشأن مخاوفها. وفي نهاية الأمر رفضت الترقية.

الجانب المشرق في تقديم الرعاية الأبوية للأطفال الأكبر سناً

بالطبع، لا يعتبر نمو الأطفال أمراً محزناً بالكامل. قال الآباء والأمهات الذين قابلناهم أنه بينما لم تقل طلبات العمل والأسرة إلا أنهم أصبحوا مستعدين على نحو أفضل للدمج بين حياتهم المهنية والأسرية، وأكثر تسامحاً مع عثراتهم. أصبحوا ينجزون مهامهم المتعددة بمهارة ويديرون وقتهم، ويركزون بشكل دقيق على ما يتعين إنجازه سواء في العمل أم في المنزل. كما أنهم بدؤوا يدركون الطرق الكثيرة التي يمكن أن يترتب عليها فائدة مشتركة من أنهم موظفون وآباء في الوقت ذاته. تعزو “روث بادر غينسبورغ” نجاحها في كلية القانون بشكل كبير إلى أنها أماً، فتكتب: “كل جزء من حياتي شكّل فترة راحة من الجزء الآخر وأكسبني نظرة واقعية افتقر إليها الزملاء الذين تدربوا في دراسات القانون فحسب”.

تتطور التوقعات أيضاً مع نمو الأطفال، حيث أخبرتنا العديد من النساء أنهنّ بدأن بالشعور براحة وثقة أكبر في هوياتهن كأمهات عاملات. يتلاشى القلق من أنهن “أمهات مثاليات” وموظفات متميزات الأداء في العمل مع إيجاد الانسجام بين الحياة المهنية والأسرية المناسب لهن. وتصبح الملاحظات من أطفالهن إيجابية أكثر، فبدلاً من السؤال عن سبب عمل الآباء والأمهات، يُظهر المراهقون في أحوال كثيرة شعوراً بالفخر والاهتمام إزاء وظائف آبائهم وأمهاتهم. تبدأ الأمهات العاملات بإدراك ما أثبتته الأبحاث بالفعل، وهو أنّ وظائفهنّ لها تأثير إيجابي عظيم على أطفالهن على المدى الطويل.

كيفية المضي في التحول

ماذا يمكن للآباء والأمهات أن يفعلوا للتجهز للتحول الذي سيأتي حتماً مع نمو أطفالهم؟ وكيف يمكنهم التعامل مع التحديات الجديدة في أثناء جني الفوائد؟.

أولاً، يتعين على الأسر توقع ترتيبات جديدة للرعاية بالأطفال (وإعداد الميزانيات لها) عندما يدخل أطفالهم المدرسة، وقد تكون هذه الأسر بحاجة إلى تأمين رعاية لما بعد المدرسة والعطلات الصيفية مسبقاً. ستكون ثمة فجوات غير متوقعة في الرعاية بسبب أيام تساقط الثلوج والتسريح المبكر والاجتماعات غير المتوقعة، لذلك يتعين على الوالدين تحضير واحد أو اثنين من خيارات الرعاية البديلة على سبيل الاحتياط. ومع نمو الأطفال، يتعين على الوالدين أن يضعوا في الحسبان ترتيبات إبداعية. قد يحتاج المراهق إلى سائق أو مرشد بصورة أكبر من شخص يراقبه. والأهم من ذلك، بدلاً من التفكير في رعاية الأطفال على أنها تكلفة، اعتبرها كاستثمار في حياتك المهنية ورفاهة طفلك على حد سواء.

ونحن نشجع الآباء والأمهات العاملين أيضاً على إقامة شبكات دعم، تماماً كما يطورون شبكات مهنية للتقدم في مسارهم المهني. تبين الأبحاث أنّ الدعم المجتمعي يؤدي إلى توتر أقل وجودة عمل أعلى لدى الأمهات العاملات. عندما يقوم الآباء والأمهات العاملون باختيار المكان الذين يعيشون ويعملون فيه، غالباً ما يركزون على مدارس ذات تصنيف عال ولكنهم يتجاهلون غير ذلك من الأصول المجتمعية مثل برامج ما بعد المدرسة أو الزملاء من الآباء والأمهات العاملين الذين يمكنهم تقاسم واجبات مشاركة الركوب أو رعاية الأطفال في أيام تساقط الثلوج. ومن المهم أيضاً تطوير حلفاء في المكتب يدعمون جهودك لدمج العمل وتقديم الرعاية. كمدراء وزملاء، يتعين علينا أن نكون أكثر وعياً تجاه أنّ الالتزامات الأبوية لا تنتهي بمجرد التحاق الأطفال بالمدرسة.

وبالنسبة لجهات التوظيف، فمن الضروري أن توسع سياساتها وممارساتها لدعم الآباء والأمهات العاملين مع أطفالهم من مختلف الأعمار. الإجازة الوالدية السخية بعد الولادة هي نقطة البداية، لكن الوالدين بحاجة أيضاً إلى مرونة في حضور عروض أداء أبنائهم المراهقين أو الخروج من اجتماع ما لحل مشكلة تتعلق بنقل أطفالهم من المدرسة. سيتطلب آباء المراهقين ذوي الاحتياجات الخاصة وأمهاتهم مرونة أكبر لمقابلة المعلمين والمعالجين ودعم طفلهم. إنّ دعم احتياجات أسر الموظفين يساعدهم على الازدهار في العمل، ما يؤدي بدوره إلى خفض دوران الموظفين والتغيب عن العمل، ويزيد الإنتاجية.

لقد أصبحت بعض المؤسسات أكثر إبداعاً في دعم الآباء والأمهات ذوي الأطفال الأكبر سناً. أقامت شركة “جينينتيك” (Genentech) المتخصصة في التكنولوجيا الحيوية شراكة مع مؤسسة تساعد الموظفين على إيجاد برامج عالية الجودة لأطفالهم عند انتهاء موسم الدراسة. وتقدِّم شركة “جونسون آند جونسون” مساعدة مالية لاحتياجات أطفال الموظفين على صعيد علاج النطق والعلاج الوظيفي والصحة العقلية والعلاج الطبيعي.

أثبت بحثنا باستمرار أنّ الأبوة هي مسار تطور متواصل، ولكل أب أو أم تجارب واحتياجات فريدة. الأبوة لا تنتهي، ولكن يتغير شكلها. ومن خلال الاعتراف بهذا وتقديم دعم مناسب للآباء والأمهات في جميع مراحل حياة أطفالهم، فإننا نستطيع إيجاد أماكن عمل أفضل وعائلات أقوى ومجتمعات أوفر صحة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .