4 قيود تمنعك من إعادة اكتشاف حياتك المهنية

7 دقائق
المسار المهني
shutterstock.com/

ملخص: من خلال عمل المؤلفَين في التدريس لآلاف المدراء وتدريبهم، حددا 4 فخاخ، وهي الاكتفاء الذاتي والتفكير المفرط والتسويف والبحث عن الإجابة المناسبة، تمنع القادة من اتخاذ الخطوات الأولى اللازمة للتفكير في النُسخ الجديدة المحتملة من أنفسهم واستكشافها من أجل المستقبل. وقد وجد المؤلفان خلال عملهما طرقاً لمساعدة القادة على معرفة الفخاخ التي يقعون فيها خلال المسار المهني والبدء بتخيُّل السبيل للخروج، وهي مستوحاة إلى حد كبير من مبادئ التفكير التصميمي مثل النماذج الأولية السريعة وجعل الأفكار مرئية والحصول على ملاحظات سريعة.

 

كشفت دراسة حديثة أجرتها شركة مايكروسوفت شملت 30 ألف شخص أن 46% من العاملين يفكرون في إجراء تغيير محوري في المسار المهني الخاص بهم أو انتقال وظيفي بعد سنوات جائحة كوفيد. بالنسبة إلى الكثيرين، يذهب هذا البحث إلى ما هو أبعد من مجرد تغيير الدور الوظيفي، فهو يتناول نطاق إجراء تجديد أو إعادة اكتشاف على الصعيد الشخصي. من واقع خبرتنا، فإن العديد من العاملين الذين أعربوا عن اهتمامهم بإعادة اكتشاف أنفسهم يفشلون في التنفيذ في نهاية المطاف.

وجدنا أن الجزء الأصعب الذي يتعثر فيه العديد من العاملين هو ببساطة البدء بترك الوضع الراهن. وينطبق ذلك بوجه خاص على كبار المسؤولين التنفيذيين. إذ تتطلب إعادة اكتشاف الذات إعادة تقييم الخيارات الحياتية وتخيُّل مسارات بديلة، ولكن تزداد صعوبة ذلك عندما يُنظر إلى المسار المهني الذي يسلكه القائد على أنه ناجح، على الأقل ظاهرياً. ونظراً إلى أن هويات القادة تعتمد اعتماداً كبيراً على عملهم، فقد يكون من الصعب عليهم أيضاً النظر في احتمالات مختلفة. وفي حين أن هؤلاء المسؤولين التنفيذيين تعلموا التخطيط الاستراتيجي وإجراء تغيير على المستوى التنظيمي، فإن إعادة الاكتشاف على المستوى الشخصي ليست جزءاً من المناهج الدراسية في معظم كليات إدارة الأعمال.

من المفارقة أن هناك أيضاً عادات أساسية لنجاح المسؤولين التنفيذيين تحول بشكل مباشر دون إعادة اكتشاف أنفسهم. من خلال عملنا في التدريس لآلاف المدراء وتدريبهم، حددنا 4 فخاخ، وهي الاكتفاء الذاتي والتفكير المفرط والتسويف والبحث عن الإجابة الصحيحة، تمنع القادة من اتخاذ الخطوات الأولى اللازمة للتفكير في النُسخ الجديدة المحتملة من أنفسهم واستكشافها من أجل المستقبل.

وجدنا خلال عملنا طرقاً لمساعدة القادة على معرفة أي من هذه الفخاخ يقعون فيها والبدء بتخيُّل السبيل للخروج، وهي مستوحاة إلى حد كبير من مبادئ التفكير التصميمي مثل النماذج الأولية السريعة وجعل الأفكار مرئية والحصول على ملاحظات سريعة. إذ يمكن أن تساعدك معرفة هذه الفخاخ على اتخاذ تلك الخطوات الأولى والنجاح في سعيك إلى إعادة اكتشاف نفسك.

الاكتفاء الذاتي

غالباً ما يتحدث القادة عن اكتفائهم الذاتي بفخر. إذ يعتمد هؤلاء القادة على إسهاماتهم، ويستطيعون العمل جيداً بصورة مستقلة ونادراً ما يحتاجون إلى حافز أو إدارة من الآخرين، وهذه هي السلوكيات التي حصلوا بفضلها على مناصبهم العليا. ولكن للاكتفاء الذاتي ناحية سلبية: يمكن أن يحد من التواصل مع الآخرين، ما يؤدي إلى تقييد الحصول على الأفكار الجديدة والملاحظات والتشجيع. ويمكن أيضاً أن يخفي شكوك القائد ومخاوفه عن الآخرين. يحتاج الأفراد الذين يتمتعون بدرجة عالية من الاكتفاء الذاتي إلى الآخرين لمساعدتهم في التغلب على هذا الفخ، وقد يبدو أن طلب المساعدة واضح لكنه يحتاج إلى شجاعة أيضاً، لا سيما عند الاعتراف بوجود نقاط ضعف وظيفية.

فريد (اسم مستعار) هو مسؤول تنفيذي مالي في قطاع الأدوية التقينا به في إحدى ورش العمل التي نعقدها، وهو مثال كلاسيكي لمسؤول تنفيذي وقع في فخ الاكتفاء الذاتي. نظراً إلى اعتماده الكبير على ذاته كان يتولى زمام القيادة في معظم مشاريع العمل والعروض التقديمية، واعتقد أن العمل مع الآخرين وتفويض المهمات والمسؤوليات يبطئ من سرعته عندما يمكنه إنجاز العمل بنفسه. في البداية ساعده اعتماده على ذاته على النجاح في حياته المهنية واكتسب سمعة بأنه “الخبير”.

ولكن عادة الاعتماد على ذاته لم تكن مفيدة خاصة عندما بدأت الشركة التي كان يعمل بها بإجراء عملية إعادة هيكلة، فقد شعر بالضياع وعدم الإلمام بالتغييرات التي تحدث. وكان يشعر أنه تتم الإطاحة به، ولم يكن لديه أحد لمناقشة هذا الوضع معه. كاد اعتماده على نفسه أن يقف في الطريق عندما سأله زميله عما إذا كان يريد تناول الغداء معه والدردشة.

كان على وشك الرد بقوله المعتاد “لا، أنا بخير، شكراً لك”، لكنه أدرك أنه لم يكن بخير وأن المحادثة قد تكون مفيدة لأنه سيسمع وجهات نظر أخرى حول ما يحدث في الشركة. كان رده بالموافقة على إجراء تلك المحادثة بداية التخلي عن طريقته المعتادة واستكشاف أعمق لذاته.

إذا كنت عادة ما تتردد في طلب المساعدة أو قبولها عندما تُعرَض عليك، فقد يكون ذلك علامة على وقوعك في فخ الاكتفاء الذاتي. إذا وجدت أن هذا يحدث لك، فابحث عن شخص تثق به وأخبره أنك ترغب في مناقشة بعض الأمور معه. وسَّع الرئيس التنفيذي السابق لشركة جنرال إلكتريك، جاك ويلش، نطاق هذا الحل ليشمل التوجيه العكسي (reverse mentoring) حيث يلجأ كبار المسؤولين التنفيذيين إلى الجيل الرقمي الأصغر سناً من أجل إتقان الاندماج الرقمي.

التفكير المفرط

المهارات التحليلية القوية ضرورية لحل المشكلات بطريقة جيدة والقيادة خلال المواقف المعقدة. ومع ذلك، عند يحاول المسؤولون التنفيذيون إعادة اكتشاف أنفسهم، يمكن أن يتعثروا بدعوى أنهم يحتاجون ببساطة إلى “مزيد من الوقت للتفكير في الأمور ملياً” قبل اتخاذ أي خطوات لإجراء تغيير فعلياً. إذ ينشأ فخ التفكير المفرط من الاعتماد على التحليل والمنطق كطريقة لحل المشكلات تتجاهل طرق المعرفة الأخرى: العاطفية أو الحدسية أو البصرية أو الملموسة. وهذا التفكير المفرط يدفع المسؤولين التنفيذيين إلى عدم الانتباه إلى الإشارات الصادرة من مصادر البيانات المهمَلة هذه ويحول دون التعلم من التجارب. ولكن إعادة اكتشاف الذات تُعد عملية تجريبية وملموسة، ولا يمكن للمسؤولين التنفيذيين ببساطة التفكير في طريقهم نحو المستقبل.

لنأخذ إيناس (اسم مستعار) مثالاً، وهي مسؤولة تنفيذية أخرى عملنا معها. كموظفة مخضرمة تعمل منذ 15 عاماً ومسؤولة عن التوجيه الاستراتيجي لمنظمة خيرية، وجدت أن حجم عملها يرهقها ويحد من الوقت الذي يمكن أن تمضيه مع أسرتها الصغيرة. وقد تفاجأت عندما اكتشفت أنها لم تعد مندمجة في عملها بالوظيفة التي كانت تحبها. وفي كل مرة كانت تتخيل فيها أنها تعمل في وظيفة أخرى، كانت تقول إن الوظيفة كانت ذات يوم جذابة وأن هناك آخرين يصطفون لشغل دورها هذا. وقد منعتها تبريراتها من الانتباه إلى شعورها بعدم الارتياح ومن تخيُّل مستقبل جديد.

طلبنا من إيناس أن ترسم “حرفياً” نموذجاً أولياً لخطوة تالية محتملة يمكن أن تتخذها. وقد رسمت رحلة ذات مسارات متباينة وتصورت أن بداخلها بوصلة يحركها الحدس. وبعد ذلك فكرت في كل مسار من المسارات المستقبلية المحتملة، وسألت نفسها: إلى أي مدى سيكون هذا المسار محفِّزاً؟ وإلى أي مدى يتوافق مع مهاراتها؟ وكيف سيؤثر على معدل تقدمها الوظيفي واتجاهه؟ ونتيجة لذلك أدركت أن الوقت قد حان لترك المنظمة التي أحبتها. اتبعت إيناس حدسها، واستقالت من دورها التنفيذي للحصول على درجة علمية متقدمة في علم النفس للاستعداد للخطوة التالية في حياتها وقضاء المزيد من الوقت مع عائلتها. وقد قالت لنا إن توقفها عن التفكير المفرط في دورها السابق جعلها تتجرأ على تخيُّل مستقبل محتمل ترى أنه مشرق ومشجِّع.

إذا وجدت أنك كثيراً ما تقول “دعني أفكر ملياً في هذا الأمر”، فأنت على الأرجح تفرط في التفكير. بدلاً من ذلك، لاحظ مصادر البيانات الأخرى التي غالباً ما يتم تجاهلها، مثل المشاعر والحدس، واتبع نهجاً تجريبياً. إذ إن أفضل طريقة لإعادة اكتشاف نفسك هي من خلال الأفعال لا التفكير؛ أي من خلال تجربة الأشياء والتعلم من النتيجة. والانتباه إلى الإشارات المادية وحدسك حول كيفية سير التجربة، بالإضافة إلى ردود أفعال الآخرين، جميعها أمور يمكن أن توفر مصادر للبيانات التي يمكن أن تساعدك على الخروج من فخ التفكير المفرط.

الإجابة الصحيحة

يعلمنا مجتمعنا أن هناك إجابات “صحيحة” و”خاطئة”، منذ أيام المدرسة وحتى وصلنا إلى مكان العمل. ولكن في كثير من الأحيان لا تكون هناك إجابات واضحة عند إعادة اكتشاف الحياة الشخصية أو المهنية. فالمسؤولون التنفيذيون الذين يجيبون بثقة عن أي سؤال في سياق أدوارهم الحالية يصمتون فجأة عندما يُسألون عن مستقبلهم الشخصي.

تعلَّم سامي (اسم مستعار) أن يبحث عن “الإجابة الصحيحة” للمشكلات التي تواجهه، بوصفه عالماً. وبعد 20 عاماً من العمل كعالم كيمياء في شركة ألمانية كبيرة، بدأ يشعر أنه مستعد لتغيير اتجاهه، ولكن وجد أنه يبحث عن الإجابة الصحيحة “البعيدة المنال” عما يجب أن يكون عليه هذا الاتجاه. ونتيجة لذلك، ظلَّ في منصبه على الرغم من شعوره أن هناك ما يجب تغييره.

عندما بدأنا العمل مع سامي، كان من الواضح أنه يفهم لغة التجارب جيداً لأنه عالم. لذلك، أكدنا خلال عملنا معه أنه ستكون هناك حاجة إلى إجراء تجارب من أجل إحراز تقدم في عملية إعادة الاكتشاف. طلبنا من سامي أن يفحص حياته بالمستوى نفسه من الفضول الذي يجري به تجاربه. وشجعناه على إجراء تجارب لتحديد مصادر شعوره بالرضا في الحياة الشخصية والعمل. وبمرور الوقت أدرك أنه لا توجد “معادلة” ولا إجابة صحيحة، ولكن هناك العديد من الخيارات المثيرة وأنه هو صاحب القرار. قرر البقاء في منصبه للعامين المقبلين وتخصيص بعض الوقت عن عمد لإجراء بعض التجارب لاستكشاف الخيارات. وأجرى تجربة مهنية من خلال تقديم الدعم لشركة ناشئة محلية، وتجربة شخصية من خلال إحياء حبه للموسيقى بالانضمام إلى فرقة موسيقية.

إذا كنت تميل إلى البحث عن الإجابة “الصحيحة” عند تقييم الخيارات، فقد تكون هذه علامة على أنك تحجم عن التجريب أو تقبُّل الأخطاء كمسار للتعلم والنمو. لذا، قد يكون من المفيد أن تتساءل عن المسارات البديلة المتاحة.

التسويف

أسهل عذر يستخدمه المسؤولون التنفيذيون لتجنب بدء عملية إعادة الاكتشاف هو جميع الأعمال العاجلة الأخرى التي يتعين عليهم القيام بها. يُكافأ القادة الناجحون عن طريق منحهم مسؤوليات أكبر، وبالتالي يصبح لديهم وقت أقل للتركيز على تطلعاتهم الطويلة الأجل. يمكن أن يؤدي هذا النطاق المحدود أيضاً إلى شعورهم بالقلق؛ إذ قد يكون من الصعب تخيُّل مستقبل غامض عندما نكون مثقلين بمتطلبات اليوم الملحَّة للغاية. والأكثر من ذلك هو أن عملية إعادة اكتشاف الذات يمكن أن تكون مخيفة. فمَن منا لم يتردد عندما كان عليه اتخاذ قرار مهم، ليس من أجل الحصول على مزيد من المعلومات، ولكن ببساطة أملاً في تجنب ما يصاحب اتخاذ القرار من قلق وشك. نعرف أيضاً من علم النفس أن الأشخاص يُسوِّفون لتجنب المواقف أو القرارات الغامضة والصعبة والعفوية، وكل ذلك يحدث عند إعادة اكتشاف الذات.

تسبب عمل بسنت (اسم مستعار) في مجال التسويق في شعورها بخيبة الأمل؛ إذ لم يكن لديها الكثير من الوقت لتحقيق تطلعاتها بسبب متطلبات الوظيفة والاهتمام بأطفالها الصغار. تعرفت من صديقة على إحدى ورش العمل التي نعقدها، وأدركت خلالها أن المشكلة الحقيقية لم تكن في ضيق الوقت، بل في أنها لم تكن تعرف من أين تبدأ. في ورشة العمل شجعنا بسنت على تحديد عدة مسارات مستقبلية محتملة ثم تصورها بدقة، كما فعلنا مع إيناس، ثم تقييمها بطريقة تحليلية حتى تتمكن من المقارنة بين مدى جاذبيتها وملاءمتها. القيام بذلك أتاح لبسنت اختبار هذه المسارات المهنية المحتملة، واختيار المسار الذي شعرت أنه الأنسب لأهدافها وقدراتها. خصصت بسنت بعض الوقت لاختبار بعض الأفكار التي تصورتها، ووجدت في النهاية مسارها الجديد: العمل في مجال التسجيل البياني.

إذا كنت تميل إلى التسويف، فاسأل نفسك لماذا تؤجل اتخاذ القرارات المهمة بشأن حياتك؟ ولماذا تختار إيلاء الأولوية للمهمات الأخرى؟ يمكن أن يساعدك القول المأثور “افعلها فحسب” على اتخاذ الخطوة الأولى، وأن يكون بمثابة تذكير بأن إعادة الاكتشاف عملية تكرارية، لذا فإن اتخاذ هذه الخطوة الأولى مهما كانت صغيرة أفضل من فكرة مثالية غير مختبَرة.

القاسم المشترك بين هذه الفخاخ هو أنها ليست عادات سيئة في حد ذاتها، بل هي عكس ذلك تماماً. يتبع المسؤولون التنفيذيون الاستراتيجيات التي نجحت معهم على مدار حياتهم: الاعتماد على الذات والتفكير في المسار المؤدي إلى الإجابات والقيام بالعمل الذي يثبت ولاءهم للوضع الراهن. لكنها أيضاً تبقيهم في مأمن من العمل العاطفي الفوضوي الذي ينطوي عليه استكشاف الفرص الجديدة.

وفقط عندما يدرك المسؤولون التنفيذيون التنافر بين ما يتوقون إليه والوضع الراهن، سيتمكنون من الإجابة عن الأسئلة الوجودية بشأن هويتهم وما يريدون القيام به في حياتهم. ومواجهة هذه الفخاخ ومعتقداتهم الموروثة التي تمنعهم من القيام بذلك يمكن أن تساعدهم في النهاية على تخيُّل ما يودون أن يكونوا عليه في المستقبل وبدء طريقهم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .