كيف يضمن القادة استمرار مؤسساتهم غير الربحية؟

5 دقائق
shutterstock.com/TAW4
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

من الصعب تخيل درجة ما سيتسبب به فيروس “كوفيد-19” من دمار وألم للناس في العالم أجمع. ففي الولايات المتحدة وحدها، حصدت الجائحة أرواح 103,781 شخصاً حتى الآن، وخسر الملايين وظائفهم، وما هذه إلا البداية. ستشكل المؤسسات غير الربحية شريان حياة يساعد الناس في تجاوز هذه الأزمة، وستكون جزءاً أساسياً من جهود التعافي. في الأزمات، نحتاج إلى المعارف والمهارات والخدمات التي تقدمها هذه المؤسسات، نظراً لاعتبارها عنصراً مهماً كالحكومات تماماً، وحركتها أسرع وأكثر رشاقة منها، فهي تعتبر الآن أداة أساسية لتلبية الاحتياجات الأساسية في المجتمعات.

فكثير من هذه الشركات غير الربحية تتبنى رسالة سامية ومهمة، لكن عدداً أكبر منها يعاني من نقص الموارد. يوجد في الولايات المتحدة مليون ونصف مؤسسة غير ربحية، تعمل نسبة 65% منها برأسمال أقل من 500 ألف دولار. كما تعمل مؤسسات مثل مراكز الحماية من العنف المنزلي ومراكز إطعام المحتاجين والعيادات المحلية المجانية بميزانية محدودة وكوادر من الموظفين المتطوعين. وسيذهلك عدد المدراء التنفيذيين الذين يعملون 65 ساعة في الأسبوع ولا يتقاضون إلا أجرة 20 ساعة منها فقط. مجدداً، ما ذكرته هو الواقع في الأيام الجيدة، ونحن اليوم أبعد ما نكون عن الأيام الجيدة.

تصارع المؤسسات غير الربحية اليوم صعوبات على نحو غير مسبوق لم أشهد لها مثيلاً في خبرتي الطويلة في المجال. خذ مثلاً مؤسسة “بادجر بريري نيتوورك” (Badger Prairie Network) في مدينة فيرونا بولاية ويسكونسن، فهي غير قادرة على تلبية الطلب الكبير على خدماتها لإطعام المحتاجين، إذ تراجعت التبرعات النقدية والعينية وتناقص عدد ساعات عمل المتبرعين جميعها. وفي مؤسسة “راي أوف سانشاين” (Ray of Sunshine)، وهي مؤسسة تقدم خدمات علاج بالاستعانة بالخيول لمرضى السرطان في مدينة سان دييغو، لا يستطيع المرضى الذين يعانون من ضعف الجهاز المناعي الحضور إلى المركز، ويعاني القادة من صعوبات في جمع الأموال اللازمة من أجل الاستمرار بدفع أجور الموظفين الذين يهتمون بالخيول.

كيف ستتمكن المؤسسات غير الربحية التي تعاني من نقص في التمويل والموظفين من الاستمرار بخدمة مجتمعاتها خلال هذه الأوقات العصيبة؟

توقع

تدير كاثي (لن أذكر اسمها الحقيقي بناء على طلبها) دار رعاية للنساء اللاتي يعانين من العته في منطقة دالاس فورت وورث، وكثير من النزيلات يعانين من مشاكل صحية خطيرة، بكل تأكيد، فإن نزيلات هذه الدار هنّ الأكثر عرضة للإصابة بفيروس “كوفيد-19”. وعلى الرغم من توخي كاثي وجميع موظفيها الحذر الشديد، وعدم إصابة أي منهم حتى الآن، فإنها قد أعدت بالفعل مسودة الرسالة التي سترسلها إلى مجتمع مؤسستها في حال أصيبت إحدى النزيلات بالمرض.

تؤكد الرسالة أن مؤسستها تعمل على تقديم الرعاية وأن خدمتها عالية الجودة لم تنقص. وتقول فيها: “إن سلامة نزيلاتنا كانت وما زالت في المقام الأول”، وتتابع في توضيح جميع التدابير الاحتياطية التي يتبعها فريقها حتى الآن، بالإضافة إلى بعض التدابير الإضافية التي تتعدى التوصيات الحكومية، والتي ستبدأ باتباعها على إثر هذه المأساة. كما تعد باستمرار التواصل المفتوح والالتزام برسالتها.

القائد الجيد يحل المشكلات، والقائد العظيم يتوقعها. والآن، يجب على قادة المؤسسات غير الربحية طرح الأسئلة الصعبة، والتفكير بالتصور الأسوأ للوضع وجمع الأفكار حول الإجراءات المختلفة التي يمكن اتباعها من الآن استعداداً للتصرف إذا ما تحقق هذا التصور.

ابتكر

بدأت إيلين لابوينت عملها كرئيسة تنفيذية في مؤسسة “فينواي هيلث” (Fenway Health) للرعاية الطبية منذ شهرين. وتعلمت في هذين الشهرين أكثر مما يتعلمه معظم القادة الجدد في عامهم الأول عن قدرة الموظفين على التحمل والتزامهم العميق المشترك الذي يبدونه لعملائهم. تقدم إيلين الكثير لفريقها الجديد فيما يتعلق بالإدارة القوية ومهارات القيادة، ولكن في هذه المرحلة المبكرة تمكن فريقها من تعليمها عما هو ممكن.

قبل الجائحة، كانت مؤسسة “فينواي” قد قررت أن تحول بعض خدمات الاستشارات الطبية إلى خدمات افتراضية، وتوقع الفريق أن تستغرق عملية التحويل هذه عاماً من الزمن. ولكن عندما واجه الفريق قاعدة التباعد الاجتماعي الجديدة، أدركوا أنه يجب عليهم تسريع هذه العملية. لذا، عملوا بلا توقف وقدموا برنامج الرعاية الصحية عن بعد في خمسة أيام فقط.

في الأزمات، يجب أن يسارع القادة للابتكار والتنفيذ وتلبية احتياجات الناس.

ادعم وشجّع

كارين بيرل هي الرئيسة التنفيذية لمؤسسة “نقوم بإيصال حب الله” (God’s Love We Deliver) في نيويورك، وهي مؤسسة تعمل على تحضير وجبات تغذية وتوصيلها لمن يعانون من أمراض مزمنة ولا يستطيعون مغادرة منازلهم في المدينة. وعندما أصبحت مدينة نيويورك بؤرة لتفشي الجائحة، عقدت كارين اجتماعاً افتراضياً مع مجموعة متنوعة من المساهمين، بمن فيهم الموظفون والمتبرعون، عبر اتصال الفيديو بهدف الدعم والتشجيع، وكان الاجتماع شيئاً شبيهاً بجلسات الدردشة غير الرسمية التي أقامها فرانكلين روزفلت في الثلاثينيات.

شرحت كارين بالتفصيل كيف تغيرت العمليات، وروت قصصاً عن سائقين بذلوا جهوداً إضافية، ووصفت كيف عمل المتطوعون في المطبخ على تحضير الوجبات وتعبئتها بحذر شديد. وهكذا، قربت المساهمين من المؤسسة أكثر، ولا يسعنا إلا أن نتوقع منها أن تستمر بتقريبهم.

في أثناء الأوقات الصعبة، يجب عليك كقائد جمع المساهمين والتقريب بينهم وبين مؤسستك، لأنه بمجرد انتهاء الأزمة، سيكون تعافي المؤسسة مرتبطاً مباشرة بمدى قدرتك على القيام بذلك.

أجر التغييرات

حان الوقت لنعمل بليونة وسرعة فيما يتعلق بتقديم الخدمات والتوظيف في أوقات الأزمات. هل هناك طرق جديدة مفيدة لمجموعة عملائك وغيرهم من المحتاجين؟ هل يمكن للمتطوعين الأكبر سناً، المعرضين لخطورة الإصابة أكثر من غيرهم المساهمة عبر الإنترنت؟ أو هل بإمكانك العثور على متطوعين أصغر سناً ممن أصبح لديهم المزيد من الوقت أكثر مما مضى؟ (كطلاب الجامعات أو الفنانين أو القوة العاملة في اقتصاد الأعمال المستقلة).

قام درو دايسن، المدير التنفيذي لمركز برنستن لموارد المسنين (Princeton Senior Resource Center)، بتحويل البرنامج التعليمي لدى المركز، “إيفرغرين فورَم” (Evergreen Forum)، إلى برنامج افتراضي، وقدم دعماً تقنياً للأساتذة والعملاء أثناء عملية الانتقال. إذ قام فريق من المتطوعين بالعمل عن بعد مع مئات المسنين من أجل تعريفهم على منصة “زوم”، وحققت هذه المبادرة نجاحاً باهراً. كان من المتوقع أن يتم تسجيل 200 شخص في البرنامج، إلا أن عدد المشتركين تجاوز التوقعات وازداد عن 500 شخص. وليس هناك أدنى شك أن مركز برنستن سيقدم المزيد من البرامج عبر الإنترنت لتصل إلى مزيد من العملاء الذين لم يتمكنوا سابقاً من زيارة المركز بصورة شخصية، حتى بعد انتهاء الجائحة.

قام أميت بالي وفريقه بتغيير مماثل في مشروع “تريفور” (Trevor)، وهو عبارة عن خط اتصال ساخن مجاني وسري لمن تراودهم أفكار انتحارية من المنتمين إلى فئات الأقليات. ففي أقل من أسبوع جهزوا 40 جهاز كمبيوتر (لاب توب) آمن للمتطوعين الذين يتلقون الاتصالات على الخط الساخن كي يعملوا من منازلهم.

اسأل

مجموعة “غيفتد ويشز” (Gifted Wishes) هي مجموعة مقرها في مدينة سياتل، وتعمل على خلق لحظات مهمة لإسعاد المرضى في دور العجزة. وتشكل عائدات حفلات جمع التبرعات النسبة الأكبر من ميزانيتها الصغيرة. وكما هو الحال في كثير من المؤسسات الأخرى، فقد ألغيت حفلات جمع التبرعات في كل مكان.

إذا كانت مؤسستك تصارع في مواجهة الصعوبات، فمن الضروري أن تكون صادقاً مع المتبرعين بشأن ما تحتاج إليه من أجل استمرارها بالعمل. إلا أن هذا الطلب صعب في الوقت الذي يواجه فيه كثير من الناس تحديات مالية غير متوقعة. لكن، سيكون هناك بعض الأشخاص أو المؤسسات المانحة التي يمكنها مساعدتك على تغطية النقص المحتمل. تذكر أيضاً أن تطلب من أعضاء مجلس إدارة المؤسسة النصح والمساعدة في تأمين قروض المساعدة الحكومية التي قد تكون مؤهلاً لتلقيها، وأن تتواصل أيضاً مع المستثمرين المؤثرين الذين يركزون على الإغاثة والتعافي من جائحة “كوفيد-19”.

لن يؤدي إغلاق أبواب مؤسستك وإيقاف خدماتها إلا إلى تعقيد الأزمة بالنسبة لكثير من الناس، لذا، لا تخف من الاستمرار في جمع التبرعات.

يجب أن تتمكن مؤسساتنا غير الربحية من الاستمرار كي يتعافى المتضررون الأقل حظاً من هذه الجائحة. حتى وإن بدت قضيتك أقل أهمية الآن، كإدارة ملجأ حيوانات أو فرقة أوركسترا، فمؤسستك ستصبح ذات أهمية أكبر عندما يعاود المجتمع نشاطه ويعود الناس للبحث عن الحب والمشاركة والجمال في العالم.

لذا، استمر بتذكير الجميع بما يجعل مؤسستك فريدة من نوعها، وبعملك الرامي لإصلاح العالم، وبسبب حاجتك للمساعدة الآن.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .