دراسة حالة: كيف تتفادى الوقوع في فخّ التخفيضات؟

12 دقيقة
استراتيجية بيع الحلول
shutterstock.com/ADragan
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعرض دراسات الحالة التي تصيغها هارفارد بزنس ريفيو على هيئة قصص خيالية المشكلات التي يواجهها القادة في الشركات الحقيقية وتطرح الحلول التي يقترحها الخبراء. وهذه القصة مبنية على دراسة حالة أجرتها كلية كيلوغ للإدارة حول اعتماد استراتيجية بيع الحلول في إحدى الشركات بعنوان “مجموعة توبيلو الطبية: إدارة تآكل الأسعار” (Tupelo Medical: Managing Price Erosion) من تأليف إيريك أندرسون ودانييل أبراهام وغاس سانتاييّا وإليزابيث أندرسون.

قالت كورا ميلانو: “هذا جميل!” وهي تجول بأنظارها بين الأبراج المرتفعة والأقواس المبنية على النمط القوطي في المستشفى الخيري الضخم.

لكن زميلها أوغستو تولينتينو لم يتوقف، فقد كان في عجلة من أمره مشغولاً بالوصول إلى الاجتماع وإثبات وجهة نظره لكورا.

يعمل الاثنان معاً في شركة “بوسي إيفاورا” (Bosi e Faora)، وهي شركة تصنيع أجهزة طبية في مدينة ساو باولو البرازيلية. دور أوغستو الرسمي في الشركة هو رئيس العمليات، لكنه في الحقيقة اليد اليمنى لرئيس الشركة التنفيذي الذي سماه بصورة غير رسمية “رئيس قسم رضا العملاء”. وكورا هي مديرة قسم المبيعات.

كان أوغستو وكورا في طريقهما للقاء سيرجيو لينز، مدير المشتريات في مستشفى “سانتا كازا دي ميزيريكورديا” (Santa Casa de Misericórdia) الذي يقع على مسافة بضع مئات من الكيلومترات من العاصمة البرازيلية. ومثل كثير من كبار عملاء الشركة، يهدف هذا المستشفى العام الذي تموله التبرعات الخيرية إلى خدمة أكبر عدد من المرضى بأقل تكلفة ممكنة. سيرجيو هو شخص مقتصد للغاية، يختار الحدّ الأدنى من الطلبات دوماً ويلحّ في التفاوض على الأسعار المنخفضة.

قضى أوغستو أسابيع وهو يستعد لهذا الاجتماع، لأنه كان يرجو أن يغير علاقة شركته “بوسي إيفاورا” مع هذا العميل، ويثبت لكورا أنه بالإمكان التعامل معه باستخدام استراتيجية البيع والتسعير بناء على الحلول الجديدة التي تبنتها شركتهم مؤخراً في تعاملها مع عملائها من الشركات المتخصصة الأكثر ثراءً وحققت نجاحاً كبيراً. يرى أوغستو أن تخفيض الأسعار أشبه بفتحات المجاري الكبيرة التي تفتح في شوارع البرازيل في مواسم الأمطار لتتحول إلى فخاخ تصطاد السيارات وسائقيها. في الحقيقة، كانا قد سمعا تقريراً إخبارياً عن حادثة مماثلة في وقت سابق من اليوم، واستوحى أوغستو الصورة منه ليقنع كورا بفكرته.

قال لها: “تلك السيارة شبيهة بشركتنا. كان مندوبو المبيعات يقدمون تخفيضات متزايدة على مدى أعوام بهدف بيع المزيد من المنتجات فأخذت أسعارنا وهوامش ربحنا بالانخفاض على نحو مطّرد، ووقعت شركتنا بأكملها في فخ الأسعار. وكما تعلمين، فإن هدف رئيسنا التنفيذي هو زيادة هوامش الربح بقيمة 3%، وبيع الحلول هو الطريقة الوحيدة لتحقيقه”.

لكن كورا لم تكن مقتنعة بأن استراتيجية بيع الحلول ستنجح في التعامل مع مؤسسات مثل التي كانا على وشك زيارتها. قالت: “أعلم أننا تمكنا من إقناع بعض عملائنا من المستشفيات المتخصصة بإنفاق مزيد من الأموال على مجموعة من المنتجات والخدمات و’نقاط التماس‘ التي تحب التحدث عنها. لكن المستشفيات العامة تفتقر إلى الموارد ولا تهتم بنقاط التماس التي نتحدث عنها”.

قال أوغستو: “كورا، مع احترامي الشديد، يجب أن نتمكن من تغيير موقف هذا العميل إذا أردنا زيادة هوامش الربح”.

فأجابت: “أحاول أن أكون واقعية ليس إلا، فأنا أتحدث إلى هؤلاء العملاء أكثر منك”.

الحدّ الأدنى غير المقبول

لم يكن أوغستو هو من ابتكر فكرة بيع الحلول بل أحد عملاء الشركة، وهو طبيب ذو شخصية براقة يدير مستشفى للأمراض القلبية في مدينة ساو باولو ولديه اهتمام شديد بصناعة الأجهزة الطبية. كان الطبيب قد اشتكى قبل عام إلى مندوب المبيعات من عدم تفاعل شركة “بوسي إيفاورا”.

عندما أوصلت كورا الرسالة إلى أوغستو قال بغضب: “بل نحن نتفاعل بشدة وسنبيعه ما يريد. أخبريه أن يسمي المنتج الذي يريده وسنؤمنه له”.

لكن مدير المستشفى لم يكن يتحدث عن المنتجات فقط، بل كان يريد من شركة “بوسي إيفاورا” مساعدته في تقديم خدمة أفضل لمرضاه، وكان يبحث عن أفكار جديدة.

لم يكن لدى مندوب المبيعات أي فكرة جديدة، وكذلك الأمر بالنسبة لكورا. ومع استياء مدير المستشفى، اقترح أول فكرة خطرت له وقال لمندوب المبيعات: “تبيعني شركة بوسي إيفاورا آخر صيحات أجهزة فحص ضغط الدم الجميلة، هل بإمكانكم بيع أجهزة مماثلة رخيصة الثمن كي أبيعها بدوري إلى المرضى الأكثر عرضة للسكتات القلبية والجلطات ليتمكنوا من مراقبة ضغط الدم يومياً؟ وهل يمكنكم جعلها إلكترونية كي تتمكن الممرضات من مراجعة البيانات والاتصال بالمريض إذا كانت لديه مشكلة؟”.

نقل مندوب المبيعات المذهول الفكرة إلى مقرّ الشركة وكأنه اكتشف قبيلة تتحدث بلغة مجهولة، لكن هذه اللغة لم تكن غريبة تماماً بالنسبة لأوغستو الذي أدرك أن العميل يرغب بتخطي العلاقة القائمة على المعاملات التجارية الصرفة بينه وبين الشركة، أي “سأدفع لك هذا المبلغ إذا بعتني هذا المنتج”، واستبدالها بعمل تعاوني لحلّ مشكلات المرضى.

“كان مندوبو المبيعات يقدمون تخفيضات متزايدة على مدى أعوام بهدف بيع المزيد من المنتجات، وأخذت أسعارنا وهوامش ربحنا بالانخفاض على نحو مطّرد”.

أدت فكرة الطبيب إلى إحداث سلسلة من التغييرات الكبيرة في شركة “بوسي إيفاورا”. كانت الشركة قد صنعت بالفعل مجموعة واسعة من أجهزة قياس ضغط الدم المؤتمتة وسهلة الاستخدام، بعضها كان مكلفاً للغاية (ولكنها لا تتمتع بدقة كبيرة)، وكانت تبيع أنظمة بسيطة للقياس عن بعد تستخدم في مراقبة ضغط الدم. وتبين أن دمج الفكرتين معاً بسيط جداً، وفي غضون عام طبقت شركة “بوسي إيفاورا” فكرة الطبيب مدير المستشفى على نطاق ضيق.

بناء على هذا النجاح، اقترح أوغستو أن توسع شركة “بوسي إيفاورا” “نقاط التماس” مع العملاء، أي الفرص المتاحة لمساعدة المستشفيات وغيرها من العيادات الطبية في تحسين صحة المرضى. وبدأت الشركة تدريجياً بإعادة توجيه نفسها، وبعد أن كانت شركة تقدم منتجات فقط أصبحت تقدم خدمات كالتدريب، وأصبح مندوبو المبيعات فيها أكثر مهارة في اقتراح الابتكارات مثل المواد الإعلامية ذات العلامات التجارية المشتركة.

ومع ذلك لم تتحسن أرباح الشركة، وكان جزء من السبب في ذلك هو أن أوغستو لم يتجرأ على توسيع نطاق استراتيجية الحلول الجديدة لتشمل المستشفيات الخيرية والخاصة في ولاية ساو باولو بأكملها بدلاً من إبقائها ضمن نطاق المستشفيات المتخصصة في مدينة ساو باولو فقط، علماً أن المستشفيات الخيرية تشكل 60% من أعمال الشركة.

تتنافس شركات تصنيع الأجهزة بشراسة على بيع منتجاتها لهذه المؤسسات عن طريق اكتساب أكبر عدد ممكن من العملاء باستخدام التخفيضات الكبيرة التي تمثل العامل الحاسم في المنافسة. وكان مندوبو المبيعات في شركة “بوسي إيفاورا” المسؤولون عن التفاوض على الأسعار يحصلون على مكافآت بناء على كمية المبيعات وليس هامش الأرباح، وكانوا يتمتعون بسلطة كبيرة في تحديد العرض النهائي. في الحقيقة، بالنسبة للمستشفيات التي لم يزد عدد الأطباء في كادرها عن 10 أطباء، لم يكن مندوبو المبيعات بحاجة أساساً لأخذ موافقة شركتهم على تقديم الحسم. وبالنتيجة، اختلفت الأسعار بدرجة كبيرة، ووصلت نسبة التفاوت في سعر نظام شركة “بوسي إيفاورا” الرائد لمراقبة ضغط الدم عن بعد بين مناطق البرازيل إلى 40%. كان التوجه الكلي آخذاً بالهبوط، وأدى تآكل الأسعار إلى انخفاض مطّرد في هوامش الربح.

لذلك حاولت الشركة مؤخراً تأسيس “السعر الأدنى المقبول”، لكن لم يبد أي من العملاء أو مندوبي المبيعات التزاماً بهذا المعيار واستمروا بالالتفاف حوله علانية. حتى أن أوغستو طرح فكرة التخلي عن بعض المستشفيات التي لا تكاد تدرّ أرباحاً تذكر لكن الرئيس التنفيذي رفض، فهو مفتون بالنجاح الأولي الذي حققه في المستشفيات المتخصصة، ولذلك أصدر توجيهاته لأوغستو باتباع استراتيجية بيع الحلول مع جميع العملاء، وأوغستو قبِل التحدي.

هل ضاعت أعوام من العمل هباء؟

وهكذا، أصبح أوغستو وكورا مستعدين لاختبار المفهوم في مستشفى عام أقلّ ثراء. رحب سيرجيو بهما في ساحة بدت وكأنها جزء من مدينة ليزبون في القرن الخامس عشر، وكان مندوب مبيعات شركة “بوسي إيفاورا”، روبرتو، حاضراً.

مال روبرتو والتوتر باد عليه نحو كورا وتحدث إليها همساً مشيراً إلى رجلين يتحدثان على هواتفهما في الجانب المقابل من الساحة، فنظرت إليهما ورفعت حاجباها. على الرغم من ارتباك أوغستو، فقد ركز انتباهه على سيرجيو الذي رسم على وجهه ابتسامة ودودة ساحرة.

وعندما عُقد الاجتماع في مكتب سيرجيو، أخذ الأخير يتحدث برصانة عن ديون المستشفى الملحة ومشهد الأعمال الخيرية المتغير وغيرها من القضايا المهمة. وأخيراً، أتى على ذكر عرض الشركة الذي أرسل إليه في وقت سابق والذي يتعلق بتوسيع خدمات المستشفى عن طريق سلسلة من التطبيقات التعليمية الذكية على هواتف المرضى ومكتبة الإعارة والتأجير الخارجيين للأجهزة الطبية البسيطة التي يمكن للمرضى استخدامها في منازلهم. وشمل العرض تقديم شركة “بوسي إيفاورا” تطبيقاً وأجهزة متعلقة بمرض تسمم الحمل، وبيّن بحث الشركة أن هذا المرض الخطير والمميت أحياناً والذي يعتبر ارتفاع ضغط الدم أبرز علاماته لا يتم تشخيصه إلا في مرحلة متأخرة جداً أو لا يتم تشخيصه على الإطلاق في المستشفيات العامة التي تعالج عدداً كبيراً من الحوامل. لذا، يمكن للمرضى استعارة أجهزة قياس ضغط الدم من المعصم أو استئجارها واستخدام التطبيق لمعرفة معلومات عن الحالة وطرح أسئلة على خبراء من كادر المستشفى.

قال سيرجيو بنبرة فظة: “هذا مكلف جداً. ولا شك في أنكم ستقدّرون موقفي بعد عملكم في مجال الرعاية الصحية على مدى كل هذه الأعوام. انظروا حولكم، لدينا عدد كبير جداً من المرضى ومواردنا ليست كافية”.

أومأ روبرتو رأسه معرباً عن موافقته، في حين نظرت كورا إلى أوغستو والتزمت الصمت. رأى أوغستو بوضوح أن زميليه لن يقدما له أي مساعدة، لذا انتقل إلى دور مندوب المبيعات، وأخذ يشرح لسيرجيو بحماس كيف ترغب شركة “بوسي إيفاورا” بأن تحول علاقتها مع المستشفى إلى شراكة وألا تكتفي ببيع منتجاتها له فحسب، وقال إن العرض المتمثل بحزمة من الخدمات والمنتجات ملائم بصورة مثالية لاحتياجات المستشفى.

“أنت تحاول الارتقاء بمبيعاتك ليس إلا…. نحن ببساطة لا نملك سيولة نقدية كافية لشراء معدات إضافية”.

لوّح سيرجيو بيده رافضاً وقال: “أنت تحاول الارتقاء بمبيعاتك ليس إلا، أين تظن نفسك؟ نحن في البرازيل، ونحن ببساطة لا نملك سيولة نقدية كافية لشراء معدات إضافية. ولذلك فالسعر هو أهمّ ما في الأمر”.

قال أوغستو: “أنت تمنح السعر أفضلية على القيمة”، وفاجأ نفسه بنبرته الفظة.

وبدا سيرجيو متفاجئاً أيضاً، لكن أوغستو قرر أن يضغط عليه أكثر فقال: “يجب أن تكون علاقة العمل مفيدة للطرفين، وإذا لم يكن بإمكاننا توسيع أساس عملنا معكم ليشمل تطوير الحلول لمرضاكم فقد نضطر لإعادة النظر في علاقتنا معكم”.

انفجر سيرجيو ضاحكاً، وقال: “علاقتكم معي مستمرة منذ 15 عاماً، والسبب في ذلك وجيه. فأنا أهم عملائكم في هذه المنطقة والمستشفيات الأخرى تطلب مني النصح والتوجيه، وهي تعرف بشأن العلاقة الطيبة التي تربطني بكم، وبسبب تأثيري أنا شخصياً تواصل كثير منها مع روبرتو طلباً لمنتجاتكم. ستخسرون كثيراً من عملائكم في هذه المنطقة من دون هذا المستشفى، لذا لا يمكن أن تكون جاداً في موضوع التخلي عني.

لكن إذا كنت جاداً بالفعل فاعذرني، كما يعلم روبرتو، الرجلان اللذان كانا في الساحة قبل قليل هما مندوبا مبيعات شركة ’برودوتوس ميديكوس‘ التي هي أهمّ الشركات المنافسة لكم. وهم يبيعون لنا بعض منتجاتهم على مستوى منخفض منذ أعوام، لكنهم يحاولون بشدة مضاعفة مبيعاتهم لنا، وهم يتحدثون عن أسعار مثيرة للاهتمام ويقدمون لنا تخفيضات مغرية. وبالطبع، أنا أرفض عروضهم بسبب علاقتي الوثيقة بشركتكم بوسي إيفاورا، أما الآن…”.

[su_expand more_text=”المزيد” less_text=”الأقل” height=”50″ link_color=”#66abe8″ link_style=”button” link_align=”right”]

كيف تتصرف في هذا الموقف؟ نصائح من مجتمع هارفارد بزنس ريفيو

الخطة المناسبة هي التركيز على خلق القيمة لمستشفيات المستوى الاقتصادي الأدنى ذات الحساسية للسعر. وبدلاً من بيع حلّ محدد مسبقاً، احرص على مناقشة المشكلات المحددة التي يمكن للشركة مساعدة عميلها في معالجتها. هكذا يكون بيع الحلول بحق. جوي مالاري، مدير مكتب إدارة المشاريع في شركة “نوفاريه تكنولوجيز” (Novare Technologies) في الفلبين.

يجب على أوغستو تقديم حلّ يهدف لتقليل تكاليف مستشفى “سانتا كازا” إلى الحدّ الأدنى مع رفع هوامش ربح شركة “بوسي إيفاورا” إلى الحدّ الأقصى في نفس الوقت. مثلاً، يمكنه أن يعرض على المستشفى معدات ذات جودة عالية ويمكن استخدامها بصورة متكررة. ولا ضير في اتباع أسلوب الإقناع مع ابتسامة في البيع أيضاً. يوغِش أدكيه، طالب في فرع الإدارة بالمعهد الهندي للإدارة (Indian Institute of Management) في مدينة إندور الهندية.

قد يبدو أن الحل الذي يعرضه أوغستو يتمتع بالقيمة بادئ الأمر، لكن ربما لم يكن تركيز المستشفى موجهاً نحو مرض تسمم الحمل. يجب أن يجري أوغستو محادثة أعمق مع العميل ليفهم احتياجاته الفعلية ويتوصل معه إلى حلّ ذي قيمة يرغب العميل في دفع المال للحصول عليه. ميلاني غيلبرت، القائدة السابقة لفريق مبيعات البرمجيات للزبائن الخاص بالتعامل مع الحكومة الفيدرالية الكندية، شركة “آي بي إم” في كندا.

يجب على شركة “بوسي إيفاورا” أولاً التفكير فيما إذا كان تأثير مستشفى “سانتا كازا” في المنطقة يستحق استثمار الوقت. وإذا كان كذلك، يستطيع أوغستو أن يقدم لسيرجيو حسماً خاصاً طويل الأجل يسدّ الطريق على الشركات المنافسة. شرافان رونغتا، أستاذ مساعد لمادة التسويق، معهد “إن إل دالميا” لدراسات الإدارة وبحوثها في مدينة مومباي، الهند.

[/su_expand]

السؤال: هل يتعين على شركة “بوسي إيفاورا” التخلي عن “بيع الحلول” لبعض عملائها؟

رأي الخبراء

ديفيد موك مدير التسعير العالمي في شركة “ديبيو سينثيز سباين” (DePuy Synthes Spine) التابعة لشركة “جونسون آند جونسون”.

قد يصعب التعامل مع العميل المركز على السعر فقط مثل سيرجيو لينز، لكن يجب ألا تتخلى شركة “بوسي إيفاورا” عن بيع الحلول، مهما كان دربها المقبل شاقاً.

يواجه عدد كبير من شركات الأجهزة الطبية الأميركية معارك مماثلة حول التسعير. في الماضي، كان مندوب المبيعات يقول للمدير الطبي إن الأسعار سترتفع بنسبة 5% مثلاً العام المقبل، ولم يكن الأطباء يناقشون الأمر كثيراً لأنهم يعرفون مندوب المبيعات جيداً ويثقون في المنتج، هذا النوع من العلاقات كان روتينياً.

لكن أدى قانون الرعاية ميسورة التكلفة ومبادرات الإصلاح الأصغر حجماً التي سبقته إلى إدخال ممارسات قياس التكاليف بدلاً من النتائج الصحية. وأصبح تأثير مدراء المشتريات أكبر، وهم الآن يعملون عن قرب أكثر مع المدراء الطبيين في اختيار المعدات اللازمة. بالطبع، يجب على أوغستو تولينتينو أن يميّز من يتمتع بالسلطة في عملية صنع القرار في المستشفى التي يزورها، هل هو سيرجيو لينز أم المدير الطبي؟ يتصرف مدراء المشتريات عادة وكأنهم أصحاب القول الفصل، لكن لا يزال الأطباء المعالجون يتمتعون بنفوذ كبير.

ومع ذلك فإن قطاع الرعاية الصحية مثل أي قطاع آخر يهدف لخفض التكاليف إلى حدها الأدنى في سلسلة التوريد، ولم يعد بإمكان المدراء الطبيين الموافقة على زيادة الأسعار أو طلب أجهزة باهظة الثمن لأنها تعجبهم. ويشعر مصنعو الأجهزة بضغط لإبقاء الأسعار منخفضة، وأصبحت علاقاتهم المبنية على معاملات البيع هي القاعدة.

يمكن تسمية نهج بيع الحلول الموصوف في هذه القصة بعدة أسماء، في شركتي نستخدم مصطلح “التسعير بناء على القيمة” أو “تخطيط سعر الحساب الرئيس” الذي يركز على القيمة التي نحققها لعملائنا. على وجه الخصوص، يجب على مندوبي المبيعات تحديد عرض القيمة المناسب لحساب معين ومعرفة السبب المحدد الذي يدفع كل عميل لشراء منتجاتنا. بالنسبة لبعض أهمّ حساباتنا، أسسنا فرقاً متعددة الاختصاصات تضم موظفين من قسم التسعير والتسويق وخبراء تقنيين تتمثل مهمتها في تحديد أهمّ احتياجات عميلنا وتلبيتها. لكن لا يمكنك البدء باتباع هذا المنهج في اللحظة الأخيرة قبل إجراء اتصال المبيعات، بل يحتاج إلى تنظيم وتخطيط مسبقين.

على المدى الطويل، ستساعدك استراتيجيتك القائمة على بيع القيمة في الخروج من فخ التعامل على أساس السعر فقط.

فلنفترض أن خبير التحليل في الفريق وضح أن خسارة المال هي أهمّ مخاوف العميل. عندئذ ستتمثل أول خطوة لنا في مساعدة المسؤولين التنفيذيين في المؤسسة على فهم تكاليفهم (ونكتشف أن كثيراً منهم لا يعرفون أين تصرف أموالهم على وجه التحديد). وقد نساعدهم في تطبيق عملية حساب التكاليف بناء على الأنشطة كي يتمكنوا من التركيز بصورة مباشرة على خفض تكاليف رعاية المرضى. بالطبع يستمر مندوبو المبيعات بالتعامل مع العملاء بصورة مباشرة، لكن عمل الفرق متعددة الاختصاصات يساعدهم في أداء وظيفتهم على نحو أفضل.

وبعض العملاء لا يهتمون بحلولك أو القيمة التي تنشئها بل يهتمون بالسعر فقط، وهذا ما اكتشفه أوغستو، وهنا تجد نفسك مضطراً للتفكير بالتنازلات. فلنفترض أنك قدمت لأحد المستشفيات تخفيضاً كبيراً تفادياً لخسارة أعمالك معه والتي تبلغ 500,000 دولار، قد يفضي بك الأمر إلى تخفيض أسعارك بقيمة مليوني دولار إضافيين عندما يكتشف عملاؤك الآخرون الأمر (وسيكتشفونه حتماً، فالمستشارون بارعون في الكشف عن تفاوت الأسعار). لذا، بدلاً من ذلك يمكن أن تعرض على العميل منتجات تلائم نطاقه السعري. بعبارة أخرى، لا تحاول بيع أغلى منتجاتك للعميل الذي يسعى للحصول على أسعار مخفضة.

لكن إياك أن تبعد أنظارك عن استراتيجية بيع القيمة، لأنها على المدى الطويل ستتيح لك مساعدة عملائك في تقديم الخدمة لمرضاهم وتحسين هوامش ربحك والخروج من فخ التعامل على أساس السعر فقط.

نانداكومار جايرام، طبيب، وهو رئيس مجلس الإدارة في مجموعة مستشفيات كولومبيا آسيا في الهند ومديرها الطبي.

أنا أفهم بالتأكيد السبب الذي يدفع المستشفى للتشكيك في استراتيجية بيع الحلول التي تتبعها شركة “بوسي إيفاورا”، لأن الشركة على ما يبدو لا تدعم توصياتها بدليل علمي.

قبل التخطيط لتوزيع أجهزة مراقبة ضغط الدم باهظة الثمن بهدف الاستخدام المنزلي، يجب على الشركة المصنعة للأجهزة الطبية إجراء دراسة على احتمالات مشاركة المرضى في هذا البرنامج، والتدريب الذي يحتاج إليه الكادر الطبي وموظفو الدعم، وما إذا كان البرنامج الجديد سيحسن النتائج الصحية. قبل تسويق الجهاز يجب على الشركة إجراء دراسات تجريبية أولاً بمفردها أو بالتشارك مع باحثين أكاديميين من أجل إعداد عملية نقل البيانات ومراقبة التقدم، ويجب نشر هذه الدراسات ليراها الجميع.

من حق المستشفيات ذات الموارد المالية المحدودة، مثل مستشفى “سانتا كازا دي ميزيريكورديا” أن ترى دليلاً على كفاءة المنتج وفاعليته من ناحية التكلفة قبل الالتزام بشراء “حلّ” جديد، ويجب أن يعترض المستشفى على الخطة في غياب الأدلة الملموسة. السعر ببساطة ليس القضية الأساسية، لكن يبدو أن سيرجيو لينز لا يشاركني تحفظاتي حول الافتقار إلى الدليل على فاعلية عرض شركة “بوسي إيفاورا”، بل السعر هو الأهم بالنسبة له.

صحيح أنه من الضروري التفكير في تكلفة المعدات لاسيما في الأنظمة الاقتصادية النامية، لكن في كثير من الحالات يؤدي تدفق الإيرادات المحدود إلى تضييق الخناق على المستشفيات والعيادات الطبية، سواء كانت هذه الإيرادات آتية من التأمين الخاص أو الحكومي أو من جيب المريض نفسه كما هو الحال في كثير من أجزاء الهند. حققت أفضل المستشفيات الهندية نجاحاً كبيراً في خفض التكاليف، وعلى الرغم من تكافؤ مستوى الرعاية التي تقدمها مع مستوى الرعاية التي تقدمها المؤسسات الطبية في العالم المتطور فهي تتقاضى أسعاراً أقلّ بكثير. على سبيل المثال، يمكن إجراء عملية مجازة الشريان التاجي الجراحية التي تكلف أكثر من 50,000 دولار في الولايات المتحدة بعُشر هذا السعر في الهند.

يجب أن تدعم شركة تصنيع الأجهزة الطبية توصياتها بأبحاث علمية.

لكن، أفضل مستشفيات الهند ترغب بشدة في العمل مع شركات تصنيع الأجهزة الطبية من أجل تطبيق حلول مثل الحلّ الذي تعرضه شركة “بوسي إيفاورا”. والأمثلة كثيرة، خذ مثلاً مرضى السكري، فهم الآن يتلقون تنبيهات آلية تذكرهم بتفقد مستوى السكر في دمهم وإرسال النتائج إلى المستشفى عبر الهاتف أو الإنترنت. توفر شركة تصنيع أجهزة طبية هذه التكنولوجيا مع التدريب والتثقيف المستمرين للمرضى والمستشفيات على حدّ سواء. كما بدأت شركة تصنيع أخرى بالعمل مع شركة خدمات مالية كي تتيح للمرضى فرصة سداد ثمن الدعامات القلبية على شكل أقساط شهرية صغيرة.

هذا النوع من البرامج يتيح لشركات تصنيع الأجهزة الطبية فرصة توسيع أعمالها وتحسين هوامش ربحها، إلى جانب أنها تتيح للمستشفيات فرصة لتقديم خدمات لا يمكنها تقديمها بفردها. يرحب كثير من المستشفيات بهذا النوع من الحلول بشرط أن تكون قد خضعت للاختبار العلمي. وإذا كانت شركة “بوسي إيفاورا” ترغب في المتابعة وفقاً لاستراتيجيتها الجديدة فعليها أن تدعمها بأبحاث سليمة، وهذا حلّ يمكن للجميع تبنيه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .