استراتيجيات الأسواق ذات الوجهين

25 دقيقة
الأسواق ذات الوجهين
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ماذا تعرف عن الأسواق ذات الوجهين تحديداً؟ إذا قمت باستعراض المنتجات والخدمات ذات الأهمية الكبيرة، التي أعادت تعريف مشهد الأعمال حول العالم، ستجد أن العديد منها يربط بين مجموعتين متباعدتين من المستخدمين ضمن شبكة ما. فعلى سبيل المثال فما هو أهم ابتكار في الخدمات المالية منذ الحرب العالمية الثانية؟ بطاقة الائتمان بالطبع، والتي تربط بين المستهلكين والتجار. وبالمثل تندرج الصحف، ومنظمات الرعاية الصحية، وأنظمة تشغيل الكمبيوتر ضمن ما يدعوها الاقتصاديون بالأسواق ذات الوجهين أو الشبكات ذات الوجهين. فعلى سبيل المثال، تجمع الصحف بين المشتركين والمعلنين، في حين تربط منظمات الرعاية الصحية بين المرضى وشبكة من مقدمي الرعاية الصحية، كما تقوم أنظمة التشغيل بالربط بين مستخدمي الكمبيوتر ومطوري التطبيقات.

وتُدعى المنتجات والخدمات التي تربط بين مجموعتين متباينتين من المستخدمين في الشبكات ذات الوجهين بـ”المنصات”. وتوفر المنصات البنية التحتية والقواعد اللازمة لتسهيل التعاملات بين المجموعتين، ويمكن أن تتخذ أشكالاً متعددة. ففي بعض الحالات، تعتمد المنصات على منتجات ملموسة، كما هو الحال مع بطاقات ائتمان المستهلكين ومقاسم الاتصالات. وفي حالات أخرى، تكون المنصات عبارة عن أماكن تقدم خدمات، على غرار مراكز التسوق أو مواقع الويب مثل “مونستر” (Monster) للتوظيف، وموقع “إيباي”.

وتوجد الأسواق ذات الوجهين في العديد من الصناعات، إذ تتشارك القطاع مع المنتجات والخدمات التقليدية الأخرى. ولكن تختلف تلك الشبكات عن العروض التقليدية بطريقة جوهرية. ففي سلسلة القيمة التقليدية، تنتقل القيمة من اليسار إلى اليمين، حيث تكون التكلفة في الجانب الأيسر، والإيرادات في الجانب الأيمن. أما في الشبكات ذات الوجهين، فتكون التكلفة والإيرادات في الجانب الأيسر وأيضاً في الجانب الأيمن، إذ تمتلك المنصة مجموعتين متباينتين من المستخدمين على الجانبين. وتتكبد المنصة التكاليف خلال تقديمها الخدمات لكلتا المجموعتين، وكذلك يمكنها تحصيل إيرادات من كلتا المجموعتين، رغم ميلها إلى تحصيل المال من جانب واحد، في حين يكون الآخر مدعوماً بشكل ما، كما سنرى.

وتنجذب المجموعتان إلى بعضهما البعض في ظاهرة يُطلق عليها الاقتصاديون اسم “تأثير الشبكة”. وفي تأثيرات الشبكة ذات الوجهين، ستكون القيمة التي يعطيها المستخدم للمنصة مستندة بشكل كبير على وجود عدد المستخدمين على الجانب الآخر من الشبكة. وتنمو القيمة عندما تقوم المنصة بمطابقة الطلب من الجانبين. فعلى سبيل المثال، ينشئ مطورو ألعاب الفيديو ألعاباً فقط للمنصات التي تحتوي على عدد كبير من اللاعبين، نظراً لحاجة هؤلاء المطورين إلى عدد عملاء كُثر بما يكفي لاسترداد تكاليف برمجة الألعاب. وفي المقابل، يفضل اللاعبون المنصات التي تضم أكبر مجموعة ممكنة من الألعاب.

وبسبب هذه التأثيرات، تتمتع الأنظمة الأساسية الناجحة بعوائد تتزايد باستمرار، حيث سيدفع المستخدمون أكثر مقابل الوصول إلى شبكة أكبر، وبالتالي ستتزايد هوامش الأرباح بدورها مع ازدياد عدد المستخدمين. ويعتبر ذلك أحد الأمور التي تميز منصات الشبكات عن معظم شركات التصنيع والخدمات التقليدية. ففي الأعمال التقليدية، عادة ما تتناقص العوائد بعد تخطي النمو نقطة محددة، إذ يصبح اجتذاب عملاء جدد أكثر صعوبة، مع قلة عدد الأشخاص الذي يرون أن عرض القيمة الذي تقدمه الشركة جذاب.

وبسبب تلك الوعود بزيادة العائدات، تصبح المنافسة في صناعات الأسواق ذات الوجهين شرسة. كما يمكن لقادة المنصة توظيف هوامش أرباحهم المرتفعة سواء في الاستثمار بشكل أكبر في البحث والتطوير، أو تقليل أسعارهم، وفي كلتا الحالتين، سيتسبب ذلك في هزيمة منافسيهم الأضعف. ولذلك، عادة ما تهيمن بضع منصات كبيرة على صناعات الأسواق ذات الوجهين الناضجة، كما هو الحال في صناعة بطاقات الائتمان. وفي حالات أخرى أكثر تطرفاً، تبرز شركة واحدة كفائز، وتستحوذ على كامل السوق تقريباً، على غرار أنظمة تشغيل الكمبيوتر الشخصي.

في سلسلة القيمة التقليدية، تنتقل القيمة من اليسار إلى اليمين، حيث تكون التكلفة إلى الجانب الأيسر والإيرادات في الجانب الأيمن. أما في الأسواق ذات الوجهين، فتكون التكلفة والإيرادات في الجانب الأيسر وأيضاً في الجانب الأيمن.

ومع ذلك، لا تعتبر المنصات التي تخدم الأسواق ذات الوجهين ظاهرة جديدة، إذ تربط شركات الوقود وشركات صناعة السيارات، على سبيل المثال، بين سائقي السيارات العاملة بالوقود من ناحية، ومحطات التزود بالوقود في الأرجاء من ناحية أخرى. ولكن بفضل التكنولوجيا، زاد انتشار المنصات في السنوات الأخيرة، إذ تم إنشاء منصات جديدة بالكامل، مثل “جوجل”، الذي يربط بين المعلنين والباحثين على الويب، وكذلك تم إعادة تعريف قطاعات كانت تقليدية لتصبح منصات، كما حدث في قطاع الكهرباء، الذي تطور من سوق تقليدي إلى منصة تربط بين منتجي الطاقة والمستهلكين بحسب احتياجاتهم، مما يتيح لهم اختيار الفحم الأرخص أو الطاقة المتجددة الأكثر كلفة. ورغم كل الإمكانات المكتشفة فيها، ناضل مزوّدو المنصات من أجل إنشاء ودعم شبكاتهم ذات الوجهين رغم كل الإمكانات المكتشفة فيها، ويعود سبب إخفاقاتهم في المقام الأول إلى خطأ شائع، وهو اعتماد الكثير من المدراء عند إنشاء الاستراتيجيات الخاصة بالشبكات ذات الوجهين، على الافتراضات والنماذج التي تنطبق على المنتجات، من دون دراسة “تأثير الشبكة” أي العلاقة بين المجموعتين، وانجذابهما إلى بعضهما. ونتيجةً لذلك، اتخذ العديد منهم قرارات غير مناسبة بالكامل لاقتصاديات صناعاتهم.

وسنعتمد خلال الأسطر القادمة على العمل النظري المقدّم مؤخراً فيما يتعلق بتوجيه المدراء التنفيذيين خلال خوضهم تحديات الشبكات ذات الوجهين، وسنبدأ كخطوة أولى بالبحث في العوامل التي يجب على كبار المدراء مراعاتها عند تصميم نماذج أعمال منصاتهم. ويتمثل القرار الرئيس هنا في التسعير. فكما لاحظنا، فإن مزودي المنصات للشبكات ذات الوجهين قادرون على جني إيرادات من الجانبين، لكن قد يكون من المنطقي في معظم الحالات تقديم بعض الدعم لبعض المستخدمين. ويبرز السؤال الاستراتيجي الحاسم هنا: وهو “أي الجانبين يستحق الدعم وإلى متى؟”

أما الخطوة التالية، فتتمثل في معرفة كيفية إدارة ديناميكية “الفائز ينال كل الشيء”. إذ يكون ضمن معظم قطاعات الأسواق ذات الوجهين في العادة، منصة وحيدة تقدم خدماتها لمعظم القطاع. وفي بعض الحالات، تُحكم شركة واحدة قبضتها على ذاك القطاع بالكامل، كما هو الحال في المزادات وموقع “إيباي” أو نظام ويندوز من “مايكروسوفت”. وفي حالات أخرى، تتقاسم شركات متعددة تلك المنصة المهيمنة، كما هو الحال مع معايير أقراص دي في دي أو الفاكس أو خدمة الإدراج المتعدد الإقليمي في العقارات. (راجع فقرة “أمثلة على الشبكات ثنائية الاتجاه” في نهاية المقال). وعندما تظهر احتمالية قيام منصة واحدة بخدمة قطاع أو صناعة معينة، يتعيّن على مقدمي الخدمات المتنافسين اتخاذ قرار مصيري، بمعنى آخر، هل عليهم القتال فيما بينهم على ذاك الموقع الوحيد، أم تقاسمه فيما بينهم؟

ولكن حتى إن فاز أحد مقدمي الخدمات على منافسيه، فلا يمكن الركون إلى النصر، والاعتماد على هذا المجد. ففي الواقع، قد يواجه تهديداً تنافسياً كبيراً من شركات كبيرة ناشطة في أسواق محاذية لأسواقه، ممن لديها القدرة على تقديم مجموعة خدمات عابرة للمنصات. وسنقوم في القسم الأخير بالتطرق إلى ذلك، وتقديم الحلول الناجحة للشركات التي تواجهه. وكما سنرى، فإن التحرك أولاً أو النمو بسرعة ليسا بالضرورة الخيارين الأصح.

التحدي 1: تسعير المنصة

في الصناعات التنافسية، تُحدد الأسعار إلى حد كبير من خلال حساب تكلفة إنتاج الوحدة، مضافاً إليها هامش ربحي، وتميل تلك الهوامش إلى أن تكون قليلة. أما في الصناعات ذات الحواجز العالية التي تحول دون دخول منافسين جُدد، يُحدد سقف السعر من خلال ما يمكن للعملاء أن يدفعوه، والأرجح هنا أن تكون هوامش الربح أكبر.

وبالعودة إلى الأسواق ذات الوجهين، يعتبر التسعير أمراً أكثر تعقيداً من ذلك، إذ يتعين على مزودي المنصات اختيار سعر لكل جانب، مع مراعاة تأثير ذلك على نمو الجانب الآخر، واستعداده للدفع بدوره. وعادةً ما يكون للشبكات ذات الوجهين “جانب مدعوم”، بمعنى آخر، مجموعة من المستخدمين يراهم الجانب الآخر “جانب المال” على أنهم ذو قيمة عندما يأتون بأعداد كبيرة. و”جانب المال” هو مجموعة المستخدمين الآخرين على الطرف الثاني من الشبكة. ونظراً إلى أن إحداث تأثيرات قوية على الشبكة يتحدد عادةً في جانب المستخدمين، يحدد موفر المنصة أسعاراً لهذا الجانب أقل مما كان ليتقاضاه لو نظر إليه كسوق مستقل. وفي الطرف الآخر، يدفع جانب المال أكثر مما كان ليدفع لو نظر لتلك المنصة كسوق مستقل. ويتمثل الهدف هنا في إنشاء تقاطع ناتج عن تلك الشبكة بين الجانبين، بمعنى آخر، إذا كان بمقدور مقدم المنصة جذب عدد كافٍ من المستخدمين من جانب المدعومين، سيدفع المستخدمون من جانب المال مبالغ كبيرة للوصول إليهم. وتعمل تأثيرات التقاطع أيضاً في الاتجاه المعاكس، إذ يجعل وجود المستخدمين من جانب المال المنصة أكثر جاذبية للمستخدمين من جانب الدعم، الأمر الذي يحثهم على التسجيل بأعداد أكبر. ويتمثل التحدي الذي يواجه مقدم المنصة الذي يتمتع بقدرة تسعير كلا الجانبين في تحديد الدرجة التي ينبغي تشجيع مجموعة من خلال دعمها، ومقدار ما يدفعه الجانب الآخر مقابل الحصول على إمكانية الوصول إلى تلك المجموعة.

وتكون عملية التسعير أكثر تعقيداً نتيجةً لتأثيرات الشبكة “في الجانب الواحد”، والتي تنشأ عندما يساهم جذب مستخدمين إلى جانب ما في جذب المزيد من المستخدمين إلى الجانب نفسه. فعلى سبيل المثال، ومع زيادة عدد الأشخاص الذين يشترون أجهزة “بلايستايشن”، سيجد المستخدمون الجدد أنه بات من الأسهل اللعب مع الأصدقاء أو البحث عن شركاء يلعبون عبر الإنترنت. ويدعو الاقتصاديون نمط كرة الثلج هذا بالتأثير الإيجابي على الشبكة من الجانب نفسه. ويمكن أن تكون هناك تأثيرات سلبية من الجانب نفسه أيضاً. (وللحصول على شرح أكثر تفصيلاً حول كيف يمكن لتأثيرات الشبكة جذب المستخدمين أو إبعادهم، راجع الفقرة الجانبية، “ديناميات الشبكات ثنائية الوجه”).

وليس من الواضح دائماً أي جانب يجب على المنصة دعمه، إن كان عليها ذلك، وأيهما يجب عليها أن تتقاضى رسوماً منه. فخلال طفرة شركات الإنترنت، على سبيل المثال، لم تكن الشركات التي تقدم خدماتها إلى شركات أخرى تدري إن كان عليها فرض رسوم على المشترين أو البائعين أو على كليهما، وكيف يمكن تقسيم الرسوم بين مدفوعات الاشتراك الثابت ورسوم المعاملات المتغيرة. (راجع الفقرة الجانبية “شبكات متشابهة، تسعير مختلف” للحصول على توضيح حول كيف قد تتطلب شبكتان متشابهتان نظرياً استراتيجيات تسعير مختلفة تماماً).

ويحتاج مدراء المنصة، بغرض اتخاذ القرارات الصحيحة حول التسعير، إلى النظر إلى العوامل التالية عن كثب:

  • القدرة على التقاط تأثيرات التقاطع في الشبكة

ستخسر خسارة كبيرة، وستضيع فرصة واعدة، إذا استطاع جانب الدعم من شبكتك، إجراء صفقة مالية مع جانب المال في منصة منافسة. وهذا ما حدث مع “نتسكيب” (Netscape)، التي قدمت متصفحها للأفراد مجاناً على أمل بيع خوادم ويب للشركات التي تدير مواقع الويب. ومع ذلك، لم يكن يتعين على مشغلي مواقع الويب شراء خوادم من “نتسكيب” إن أرادوا إرسال روابط مواقعهم إلى قاعدة مستخدمي “نتسكيب” الكبيرة، بالتالي، كان في إمكانهم شراء خادم الويب من أي منافس بدلاً من ذلك.

  • حساسية المستخدم للسعر

بشكل عام، من المنطقي تقديم الدعم للجانب الأكثر حساسية بشأن السعر في الشبكة، وفرض الرسوم على الجانب الذي يزداد الطلب من طرفه بشكل يتناسب طردياً مع زيادة نمو الجانب الآخر. وتتبع شركة “أدوبي” في برنامجها أدوبي أكروبات قاعدة التسعير هذه. إذ يدعم أكروبات تنسيق بي دي إف (PDF) للمستندات الإلكترونية، وهو معيار عالمي يمكن من خلاله طباعة المستند أو عرضه تماماً كما يظهر في تطبيقه الأصلي. وتتكون شبكة بي دي إف من مجموعتين من المستخدمين: الكُتَّاب، الذين ينشئون المستندات، والقُرَّاء، الذين يطالعون تلك المستندات مستخدمين برمجيات مختلفة. ويعتبر القُرَّاء حساسين للغاية للأسعار، بالتالي فهم لا يدفعون شيئاً مقابل برمجياتهم. ولو قامت “أدوبي” باستيفاء مبلغ صغير من القُرَّاء، لكانت قاعدة مستخدمي أدوبي ريدر، التي يبلغ تعداد أفرادها حالياً 500 مليون شخص، أقل بكثير. أما الكُتَّاب، الذين يقدرُّون هذا الجمهور الكبير، فسيدفعون رسوماً مقابل برمجياتهم. ولو قامت “أدوبي” بتغيير هذا النظام، وفرضت رسوماً على القُرَّاء مقابل تقديم الدعم للكُتَّاب، لانهارت شبكتها بالكامل. إن الكُتَّاب أقل حساسية للسعر، بالتالي، لن يزيد تقديم البرمجيات مجاناً لهم من أعدادهم كثيراً، كما أن القُرَّاء بدورهم لن يدفعوا الكثير للوصول إلى قاعدة كُتَّاب أكبر، وإنما العكس.

  • حساسية المستخدم للجودة

ومن معايير اختيار الجانب الواجب دعمه هو حساسية ذاك الجانب للجودة. ويمكن أن تكون قاعدة التسعير هذه معاكسة للتفكير البديهي: إذ تفرض الرسوم على الجانب الذي يجب أن يوفر الجودة، بدلاً من فرضها على الجانب التوّاق بشدة للجودة. ولكن نرى هذه الاستراتيجية بوضوح في ألعاب الفيديو، إذ يتحمل مطورو الألعاب تكاليف ثابتة هائلة لتوفير جودة مقنعة. ويريدون التأكد من أن لدى المنصة مستخدمين كُثر ليتمكنوا من استرداد هذه التكاليف. ومن هنا كانت الحاجة إلى دعم المستهلك، إذ يتأكد مزوّدو المنصات من أن مطوري الألعاب يستوفون معايير الجودة العالية عبر فرض شروط ترخيص صارمة واستيفاء عوائد ملكية (Royalty) مرتفعة. ولا يتم تمرير هذه “الضريبة” للمستهلكين، إذ يستوفي المطورون أعلى أسعار يمكن للسوق أن يتحملها بغض النظر عن معدل عوائد الملكية. ومع ذلك، تساعد عوائد الملكية في التخلص من الألعاب ذات الجودة المحدودة، إذ أنه وبمجرد إضافة “الضريبة”، لا يمكن للألعاب ذات فرص المبيعات الضعيفة توليد هامش مساهمة كافٍ لتغطية تكاليفها الثابتة، بالتالي لا يتم إنتاجها في المقام الأول.

  • تكاليف الإنتاج

وتكون قرارات التسعير أكثر وضوحاً عندما لا يتكبد مقدم المنصة أي شيء مقابل كل مستخدم جديد يستخدم المنصة في جانب الدعم. وينطبق ذلك على أمور مثل السلع الرقمية كما في حالة شراء برمجية أو خدمة رخيصة لا تأخذ أي وقت. ولكن، وعندما يكون للمنتج تكاليف وحدة ملموسة، كما هو الحال مع السلع المادية، حينها يتعيّن على مقدمي المنصة أن يكونوا حذرين، إذ يمكن أن تتكبد المنصة خسائر كبيرة بسرعة مع التكاليف في حال لم تُترجم الرغبة القوية في المشاركة إلى أموال من جانب المال في الشبكة. وتعلمت شركة “فري بي سي” (FreePC) هذا الدرس في عام 1999، عندما قدمت أجهزة حواسيب، وأتاحت إمكانية الوصول إلى الإنترنت بشكل مجاني للمستهلكين مقابل موافقتهم على رؤية إعلانات تُعرض عليهم على تلك الأجهزة ولا يمكن تقليلها أو إزالتها. ولسوء الحظ، كان عدد قليل من المسوقين راغبين في استهداف مستهلكين يرغبون في أقل الأسعار دائماً. وتخلت “فري بي سي” عن عرضها بعدما تكبدت خسائر بقيمة 80 مليون دولار.

  • تأثيرات الشبكة في الجانب نفسه

ومن المثير للدهشة، أنه قد يكون من المنطقي أحياناً استبعاد بعض المستخدمين من الشبكة عمداً، إذ عادةً ما يرحب مزودو المنصات بنمو قاعدة المستخدمين على أي من الجانبين، لأنه يشجع بدوره النمو على الجانب الآخر. ولكن إلى جانب التأثيرات الإيجابية للتقاطعات بين الجانبين، ينبغي على مدراء المنصات وضع احتمالية حدوث تأثيرات سلبية لأحد جانبي الشبكة، والتي يمكن أن تكون شديدة الوطأة. ففي معظم الأسواق، سيكون البائعون سعداء لرؤية عدد أقل من المنافسين المباشرين لهم. ويمكن أن يكون الشيء نفسه صحيحاً بالنسبة للمشترين عندما تكون البضائع شحيحة. فعلى سبيل المثال، رفض العديد من مصنعي قطع غيار السيارات، الواقعين تحت وطأة تخفيض الأسعار، المشاركة في بورصة “كوفيسنت” (Covisint)، وهي بورصة شركة إلى شركة (B2B) تنظمها شركات تصنيع السيارات. وفشلت “كوفيسينت”، كما هو الحال مع العديد من الجهات الأخرى، في استقطاب عدد كاف من البائعين. وفي مواجهة الآثار السلبية للغاية لأحد جانبي الشبكة، ينبغي لمدراء المنصات التفكير في منح حقوق حصرية لمستخدم واحد في كل فئة من الفئات في مقابل تلقي مقابل مادي مرتفع لهذا الامتياز. وكذلك لابد أن يتأكد من عدم إساءة البائعين لوجودهم الحصري، على اعتبار أن قيامهم بذلك سيجعل المشترين يتجنبون الشبكة. فقد نجحت خدمات شراء السيارات عبر الإنترنت مثل “أوتوبيتل” (Autobytel)، في تنفيذ هذه الاستراتيجية، إذ كانت ترسل استفسارات المستهلكين إلى وكيل واحد في أي منطقة جغرافية محددة. وبالفعل حصلت “أوتوبيتل” على ربح لا بأس به على مدار السنوات الثلاث الماضية، وأكثر من ذلك، فقد نجت من انهيار فقاعة الدوت كوم التي تسببت في إنهاء أعمال شركات إنترنت عديدة اتبعت استراتيجيات خاطئة.

  • تقييم المستخدمين للعلامة التجارية

لا يعتبر جميع مستخدمي الشبكات ذات الوجهين على قدم المساواة، إذ قد يمكن أن تكون مشاركة ما يوصفون بـ”المستخدمين الاستثنائيين” مهمة بشكل خاص لجذب المشاركين إلى الجانب الآخر من الشبكة. وقد يكون المستخدمون الاستثنائيون مشترين كبار بشكل لا غبار عليهم، مثل حكومة الولايات المتحدة، أو ربما يكونون من الموردين البارزين، مثل متاجر الربط في مراكز التسوق. وإذا أراد مزود المنصة تسريع نموها، فإن اللجوء إلى ضمان المشاركة الحصرية للمستخدمين الاستثنائيين في شكل التزام من جانبهم بعدم الانضمام إلى منصات منافسة، ستكون خطوة مهمة لتحقيق هذا الهدف. ولسنوات عديدة، كان هذا النوع من الترتيبات الحصرية في صلب الحملات التسويقية لشركة “فيزا” (ولا تُقبل هنا “أميركان إكسبرس”). بالطبع، قد يكون من المكلف جداً إقناع هؤلاء المستخدمين الاستثنائيين بخسارة الفرص المقدّمة في الشبكات الأخرى، خاصة إذا كان العرض مقدماً من منصة صغيرة. وعندما تكون مشاركة عدد قليل من المستخدمين الكبار أمراً حيوياً لملء شبكة، قد يتنازع مزودو المنصة والمستخدمون الكبار حول تقسيم القيمة بينهم. وهو ما حدث مع شركة “مايكروسوفت”، حينما رفضت شركة “إلكترونيك آرتس” إنشاء إصدارات متعددة اللاعبين عبر الإنترنت من ألعابها لخدمة “إكس بوكس” التابعة لـ”مايكروسوفت”. وتعد “إلكترونيك آرتس” أكبر مطور لألعاب الفيديو، وبالتالي هي مستخدم كبير محتمل من جانب المال في منصة “إكس بوكس”. واعترضت الشركة على رفض “مايكروسوفت” مشاركة رسوم الاشتراك القادمة من “إكس بوكس لايف” معها، فضلاً عن وجود خلافات حول أمور أخرى متفرقة. ولكن بعد تباعد دام 18 شهراً، وافقت “إلكترونيك آرتس” أخيراً على تقديم ألعابها لـ”إكس بوكس لايف”. ولم يتم الإعلان عن شروط الاتفاقية، ولكن وقتها، أعلنت “مايكروسوفت” أنها ستوقف التطوير الداخلي لألعاب جديدة تنافس الألعاب الرياضية الرائدة التي تقدمها “إلكترونيك آرتس”.

يمكن للفشل في إدراك اختلاف قواعد تسعير الأسواق ذات الوجهين عن الشركات التقليدية أن يُودي حتى بالمنصات الأكثر جاذبية إلى الهلاك، ويمكننا أن نرى مثالاً حول التسعير الخاطئ مع ما حدث مع “آبل”. فلطالما نال نظام التشغيل “ماكينتوش” من “آبل”، الاحترام الكبير من المستهلكين الذين كانوا يحبذونه جداً. وعندما أطلقت “آبل” حاسب ماك، حاولت أيضاً الحصول على عوائد ملكية من الجانب الآخر من شبكتها، إذ فرضت على مطوري التطبيقات الخارجية مبلغاً وقدره 10 آلاف دولار للحصول على “مجموعات تطوير البرامج” (SDK) الضرورية لإنشاء تطبيقات لماكينتوش. وعلى النقيض من ذلك، منحت منافستها “مايكروسوفت” مجموعات تطوير البرامج الخاصة بنظام ويندوز مجاناً. ومن الواضح أنه وبحلول وقت محاكمة “مايكروسوفت” بتهمة الاحتكار، كان عدد التطبيقات الموجودة على ويندوز ستة أضعاف تلك الموجودة على ماكينتوش. وجعل هذا ويندوز أكثر جاذبية للمستهلكين، على الرغم من أوجه القصور الوظيفية فيه.

التحدي 2: ديناميات الفائز يأخذ كل شيء

مثلما ذكرنا فيما سبق، يمكن أن تؤدي إمكانية زيادة العوائد على نطاق واسع في صناعات الأسواق ذات الوجهين إلى معارك من نمط “الفائز يأخذ كل شيء”، لذا يجب على مقدم المنصة الطموح أن ينظر إما في مشاركة منصته مع المنافسين، أو القتال من أجلها حتى الموت. وغالباً ما تخطئ الشركات في اتخاذ القرار الصحيح في هذا الشأن، كما حدث في معركة شركة “سوني” لترسيخ معيار بيتاماكس للفيديو.

وتتألف عملية التعامل مع المنافسة من خطوتين: الأولى، يجب أن يحدد المسؤولون التنفيذيون إن كان سوق الصناعة يمكن أن يُخدم بأكمله بمنصة واحدة أم لا. وعندما تكون الإجابة على ذاك السؤال هي “نعم”، ستتمثل الخطوة الثانية في تحديد ما إذا كانت الشركة ستقاتل دفاعاً عن منصتها، أم ستفتحها للمشاركة، وهو رهان على الشركة التفكير به ملياً. وتكون الأمور على المحك أكثر عندما يكون السوق المتصل بالشبكة غير قادر على تحمّل منصات متعددة متنافسة.

وبالعودة إلى الخطوة الأولى، متى يمكن أن تكون منصة واحدة قادرة على تخديم كامل السوق؟.. والإجابة هي: “في حال تحققت الشروط الثلاثة التالية”:

الشرط الأول يكمن في التكاليف المرتفعة، وبمعنى أوضح حينما تكون تكاليف الاقتناء أو المشاركة في أكثر من منصة واحدة مرتفعة جداً على المستخدم الواحد، على الأقل من إحدى جهتي الشبكة. وتضم قائمة التكاليف هنا جميع النفقات التي يتكبدها المستخدم من أجل الانضمام إلى المنصة والمحافظة على وجوده فيها بما في ذلك الإعداد والتشغيل والوقت المستغرق عموماً. وعندما يقوم المستخدمون “بالانضمام” إلى منصات متعددة، ستزداد نفقاتهم بشكل مضطرد. فعلى سبيل المثال، يعتمد أغلب مستخدمي الحاسوب الشخصي على نظام تشغيل واحد، ويكون دائماً نظام تشغيل ويندوز، على اعتبار أن استخدام أنظمة تشغيل متعددة يعد مُكلفاً من ناحية الأجهزة والبرامج والتدريب المطلوب. وبالمثل، تحد المسافة من عدد مراكز التسوق التي يمكن للمستهلكين زيارتها في أي وقت، مما يحد بدوره من عدد مراكز التسوق. وعندما تكون التكاليف الخاصة بالانضمام إلى منصات متعددة مرتفعة، سيحتاج المستخدمون إلى سبب وجيه للانضمام إلى تلك المنصات المتعددة.

والشرط الثاني هو أن تكون تأثيرات الشبكة أمراً إيجابياً وقوياً، على الأقل بالنسبة للمستخدمين من أحد جانبي الشبكة ممن سيتوجب عليهم تكبّد تكاليف هائلة للانضمام إلى إحدى الشبكات. إذ أنه عندما تكون تأثيرات التقاطع في الشبكة إيجابية وقوية، يميل مستخدمو الشبكة هؤلاء إلى الالتفاف حول منصة واحدة. ولن تثير أي منصة صغيرة الحجم اهتمام المستخدمين ما لم تشكل الطريقة الوحيدة لهم للوصول إلى بعض المستخدمين على الجانب الآخر منها. وتزداد احتمالات سيادة منصة واحدة عندما تكون تأثيرات الشبكة من الجانب نفسه إيجابية: فعلى سبيل المثال، عندما يحتاج مستخدمو برنامج ما إلى مشاركة الملفات مع بعضهم البعض.

والشرط الثالث هنا، ألا يوجد هناك أي تفضيل قوي لميزات خاصة على أي من جانبي الشبكة. فإذا كان لدى بعض المستخدمين احتياجات فريدة، فيمكن للمنصات الأصغر والمتباينة التركيز على تلك الاحتياجات واقتحام منافذ في ظل وجود منافس أكبر. فـ”أميركان إكسبرس”، على سبيل المثال، تكسب هوامش عالية على الرغم من أن حجم سوقها من بطاقات الائتمان هو 5% فقط مقارنةً بشركة “فيزا”، إذ لا تملك بطاقات “أميركان إكسبرس” حداً أعلى للإنفاق، وهي ميزة يراها رجال الأعمال قيّمة جداً لهم خلال ترحالهم، والتي أصبحت ممكنة نظراً لأن على حاملي بطاقات الائتمان دفع رصيدهم بالكامل شهرياً. ولا يمكن أن تقدم “فيزا” هذه الميزة على اعتبار أن الائتمان الممنوح إلى حاملي البطاقات لديها ذو سقف محدد. وفي الحالات التي لا تكون فيها الميزات الخاصة الأخرى مهمة، يميل المستخدمون إلى الالتقاء على منصة واحدة.

وتلبي صناعة أقراص دي في دي هذه الشروط الثلاثة. أولاً، ستكون تكاليف الانضمام إلى عدة شبكات باهظة على المستهلكين لأنه سيكون من المكلف لهم شراء عدة مشغلات أقراص. وبالمثل، ستكون تكاليف الانضمام إلى عدة شبكات مرتفعة بالنسبة للإستوديوهات، إذ سيتوجب عليها توفير نفس المحتوى بتنسيقات متعددة غير متوافقة، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من المخزونات وتكاليف التوزيع. ثانياً، تكون تأثيرات الشبكة المتقاطعة قوية لكلا جانبي الشبكة، إذ يُقدّر معظم المستهلكين ميزة الوصول إلى مجموعة واسعة من العناوين، في حين تُدرك الإستوديوهات التوفير الناتج عن الحجم الكبير عندما تكون قادرة على البيع إلى مستهلكين أكثر. ثالثاً، فرص التمايز التقني متواضعة، لأن مشغلات أقراص دي في دي تتصل بأجهزة التلفزيون، والتي بدورها ذات معايير ثابتة الأمر الذي يجعلها تقدّم صورة وصوت أقراص الدي في دي بشكل واضح محدد.

ولهذه الأسباب، كان من الحكمة تقديم سوق أقراص دي في دي عبر منصة وحيدة. وتوقّع مقدمو المنصة المحتملون هذا، لذلك كان عليهم مواجهة واحد من احتمالين: إما القتال من أجل السيطرة على ملكية المنصة، أو الاتحاد معاً وتوحيد تقنياتهم. واختار المشاركون في الصناعة النهج الأخير، حيث اشتركوا في إنشاء تنسيق دي في دي في عام 1995، وتجنبوا تكرار معركة معايير “في إتش إس-بيتاماكس”.

ربما يخطر ببالك هنا تساؤل مهم، ما الذي يجبر منصة على التشارك في ملكية شبكة، وتتنازل عن إمكانية تملكها بالكامل بشكل حصري ونيل أرباح احتكارية بمجرد هزيمة المنافسين؟ تبدو الإجابة واضحة هنا، حيث كان المدراء يؤمنون بأنه من غير المرجح أن تتسيّد منصات شركاتهم على حساب البقية، فضلاً عن أن حتى الشركات الراغبة في القتال للحصول على الملكية الكاملة، ستنال فوائد أكبر إن قامت بالمشاركة بدلاً من ذلك لأسباب متعددة منها، أنه سيكون إجمالي حجم السوق أكبر إن كانت المنصة مشتركة بين الجميع. كما أنه خلال معركة الهيمنة على السوق في شبكة ذات جانبين، سيؤخر بعض المستخدمين انضمامهم إلى طرف ما، خوفاً من أن يقوم بالاستثمار في شبكة مهزومة ليخسر في ذلك مالاً وجهداً، كما حدث في قصة مسجل الفيديو الرقمي “بيتاماكس”. وهناك سبب آخر يتعلق بتكاليف التسويق، إذ لأن المخاطر كبيرة للغاية في معارك هيمنة الشبكات، ستنفق الشركات مبالغ هائلة على التسويق، بينما يميل التنافس إلى أن يكون أقل حدة في حالة وجود منصة مشتركة، مما يقلل من نفقات التسويق.

كسب المعركة

ستحتاج الشركات، لكي تتمكن من القتال بنجاح، إلى التميز من ناحية التكلفة، أو التفرّد من ناحية الميزات. وهناك ثلاثة أمور مهمة يتعيّن على الشركات النظر إليها خلال محاولة إحكام السيطرة الكاملة على السوق: أولها، يكتسب مزودو المنصات ميزة، عندما يكون لديهم علاقات سابقة مع المستخدمين المحتملين، وغالباً تكون في مجالات عمل ذات صلة. فقد قامت “أدوبي”، على سبيل المثال، بزيادة قاعدة مستخدميها لمنتجات “بوست سكريبت” (PostScript) الخاصة بالطباعة عندما أطلقت بي دي إف. ثانياً، تولد التوقعات العالية زخماً في حروب المنصات، لذا تساعد السمعة السابقة الناجحة كثيراً، إذ يُنظر حالياً إلى “مايكروسوفت” بنظرة مليئة بالاحترام والرهبة باعتبار أنها منافس متخصص لا يرحم بعد انتصارها في حرب أنظمة تشغيل أجهزة الحواسيب الشخصية. ثالثاً، في حرب الاستنزاف، يجب امتلاك احتياطي مالي كبير. ومن جديد، اسأل “مايكروسوفت” أيضاً!

وعلى الرغم من ذلك، قد يمتلك مقتحمو المجال الجديد أفضلية في معارك المنصات، لكنها قد لا تكون دائماً عامل النصر الحاسم. ففي الواقع، ومع نمو السوق ببطء، قد يكون الانتقال المتأخر أفضل، إذ قد تتجنب الشركات التي تنتقل لاحقاً إلى تلك المنصة مثلاً الأخطاء التي ارتكبتها الجهات التي سبقتها، أو قد تكون في وضع أفضل لدمج أحدث التقنيات في تصميمات ما تقدمه، أو قد تكون قادرة على إنجاز هندسة عكسية لمنتجات الموجة الأولى وتقديم منتجاتها بتكلفة أقل. وهذا ما فعلته “جوجل”، التي تخلفت عن رواد البحث على شبكة الإنترنت لعدة سنوات، وتجنبت فوضى البوابات لصالح صفحة رئيسة بسيطة وسريعة التحميل. كما قامت بنسخ نموذج “أوفرترو” (Overture) الخاص بالقائمة المدفوعة ثم تحسينه لتوليد إيرادات من عمليات البحث.

وفي معركة السيطرة على المنصة، سواء كنت في الموجة الأولى وفي الموجات اللاحقة سيقع على عاتقك ضغوطات قوية لحشد المستخدمين في أسرع وقت ممكن، حيث يكون ذلك ضرورياً جداً في معظم الحالات. إذ يكون لتوصيات الأشخاص بتلك المنصة مفعول السحر، لكن في الوقت ذاته، لابد أن تكون حذراً، إذ يمكن أن يكون السباق لاكتساب المستخدمين إجراءً خاطئاً في حالتين: الأولى، يتعيّن على المسؤولين التنفيذيين في البداية سؤال أنفسهم إن كانوا قادرين على مواكبة التوسع في الحجم بسهولة. فعلى سبيل المثال، تتطلب المنصات التي عليها دعم تفاعلات معقدة خلال خدمتها للعملاء، مثل أوامر وقف الخسارة أو صفقات الهامش في شركة وساطة عبر الإنترنت، أشخاصاً مدرَّبين ذي مهارة، وقد تتسبب الحاجة إلى استقطاب وتدريب هؤلاء الموظفين في إبطاء النمو السريع وإيقافه. ثانياً، تتعرض الشبكات التي تلعب فيها المنصة دور الوسيط لدورات طفرة زائدة، أو تراجع شديد، نظراً لإمكانية نموها الهائل. فعند إطلاق استراتيجيات تمويل كبيرة – للوصول إلى حجم كبير بسرعة – يجب على كبار المدراء التأكد من أن التمويل مستمر حتى لو تحول السوق إلى الجانب السلبي.

التحدي 3: تهديد التطويق

وقد تتمكن من القيام بعمل رائع في معالجتك للتحدي الأول المتعلق بالتسعير، والتحدي الثاني المتصل بصعوبات “الفائز ينال كل شيء”، وقد تتمكن أيضاً من إنشاء منصة جديدة ناجحة، ومع ذلك لا تزال هناك احتمالية مواجهتك لخطر كبير. لماذا إذاً؟ قد تكون منصتك “مطوّقة” بمزود منصة في سوق مجاور يحاول دخول سوقك. وتحتوي المنصات الأساسية في كثير من الأحيان على قواعد مستخدم متداخلة، ويمكن أن تسهل القدرة على الاستفادة من هذه الروابط المشتركة قدوم مزود خارجي ينافس المزود الحالي، وحتى قد يبتلعه. ويأتي الضرر الحقيقي عندما يقدِّم منافسك الجديد نفس وظائف منصتك كجزء من حزمة متعددة المنصات. إذ تقوم عملية التجميع هذه بالتسبب بالضرر للمنصة المفردة عندما يدرك جانب المال أن حزمة المنافس توفر وظائف أكثر بسعر إجمالي أقل. ولا يمكن لمزود المنصة المفردة الرد على عرض القيمة هذا، لأنه لا يستطيع تحمل تكلفة تخفيض السعر من جانب المال من ناحية، ولا يمكنه تجميع حزمة منافِسة للطرف الآخر من ناحية أخرى. وتعتبر الأسواق الشبكية، خاصة تلك التي تتطور فيها التكنولوجيا بسرعة، غنية بفرص التطويق التي يمكن أن تطمس حدود السوق. وتسمى هذه الضبابية بـ”التقارب”. فعلى سبيل المثال، تضم الهواتف المحمولة القدرة على الاستماع للموسيقى، ومشاهدة الفيديو، وقدرات أجهزة حواسيب شخصية، وحتى بطاقات الائتمان. وبالمثل، فإن “إيباي” – بعدما استحوذت على “باي بال” وشركة تشغيل بروتوكول الصوت عبر الإنترنت الناشئة “سكايب”، فضلاً عن شرائها حقوق ملكية في “كريغزليست” (Craigslist) – باتت في مسار تصادمي مع “جوجل”، والتي تقدم أيضاً خدمة دفع “جوجل تشك آوت” (Google Checkout) والصوت عبر الإنترنت “جوجل توك” (Google Talk)، وخدمة إدراج “جوجل بايس” (Google Base).

وفي الكثير من الحالات، يكون أمام شركة الأعمال المستقلة التي تواجه محاولة التطويق خيارات محدودة، على غرار بيع نفسها للمهاجم، أو مغادرة السوق. لكن، رغم ذلك تمكنت بعض تلك الشركات من البقاء على قيد الحياة، كما في حالة شركة “ريل نتوركس” (RealNetworks)، أحد الشركات الرائدة في برمجيات الوسائط المتدفقة.

وكان نموذج العمل الأصلي لشركة “ريل” مناسباً بشكل مثالي لاحتياجات شبكتها ذات الوجهين: إذ قام المستهلكون بتنزيل مشغل الوسائط المتدفق مجاناً، بينما كانت شركات المحتوى تدفع رسوماً مقابل برنامج الخادم الخاص بشركة “ريل”. ونتيجةً لذلك، سيطرت الشركة بسرعة على السوق الجديد وحققت أرباحاً جيدة في عامي 1999 و2000. ولكن في وقت مبكر من عام 1998، تعرض سوق “ريل” لهجوم من “مايكروسوفت”، والتي قدمت ويندوز ميديا بلاير للمستهلكين مجاناً كما فعلت “ريل” مع مستهلكيها. ليس هذا فقط، وإنما قامت “مايكروسوفت” أيضاً بدمج برنامجها من دون أي تكلفة إضافية كميزة قياسية لنظام “إن تي” الخاص بها، وهو نظام تشغيل متعدد الغايات يتضمن أيضاً خوادم ملفات وقدرة الطباعة والبريد الإلكتروني والإنترنت ووظائف أخرى.

ونظراً لحاجة شركات المحتوى إلى خادم متعدد الغايات على أي حال، بخلاف فكرة أن عليهم الدفع لشركة “ريل”، فقد كان بإمكانهم شراء خادم إن تي والحصول على خادم بث الوسائط مجاناً. ونظراً لأن شركات المحتوى تبنت هذا الاقتراح الجذاب، تحول المستهلكون معهم على اعتبار أن خوادم الوسائط المتدفقة من “مايكروسوفت” تعمل فقط مع مشغلات الوسائط الخاصة بها، والعكس صحيح. وبحلول عام 2003، كان 42% من مستخدمي الإنترنت في أميركا الشمالية يستخدمون ويندوز ميديا بلاير من “مايكروسوفت” كمشغل وسائط رئيس، مقابل 19% يستخدمون مشغل “ريل”.

ولم تكن “مايكروسوفت” التهديد الوحيد، إذ أصبحت خدمة اشتراك الموسيقى من “ريل”، “ريلز رابسودي” (Real’s Rhapsody) مهددة من قِبل “ياهو” ثم من “آبل” نفسها. ففي عام 2005، قدمت “ياهو” خدمة موسيقية مدفوعة، تضم إمكانية تنزيل مشغلات موسيقى محمولة، مقابل 5 دولارات شهرياً. وتستطيع “ياهو” تحمّل إبقاء السعر منخفضاً، نظراً لقدرتها على ضم ميزة الاشتراك بالموسيقى إلى باقي خدمات بوابتها، وهو ما سيزيد من معدلات بقاء المستخدمين، ومن خلال التسويق المتبادل، تزداد إيراداتها من خدماتها الأخرى. وبالمثل، قد تختار “آبل” تقديم نسخة اشتراك موسيقي من آيتونز، بالاعتماد على آيبود المربح للغاية، والذي يمثل جانب المال الخاص بها، لإعانة هجوم التطويق الذي تقوم به. ولا يمكن لـ”ريل” تقديم ما يقدمه منافسوها لأنها لا تملك بوابة إنترنت ولا تبيع مشغلات “إم بي 3” (MP3).

لكن لا يزال لدى “ريل” بعض الخطوات، إذ يُظهر دفاعها ضد “مايكروسوفت” ومؤخراً ضد “آبل” و”ياهو” ما يمكن أن تفعله شركة تضع نصب عينيها البقاء قيد العمل.

تغيير نماذج الأعمال

كان رد فعل “ريل” على هجوم “مايكروسوفت” نموذجاً مثالياً، إذا اعتمدت على نقل جانب المال الخاص بها من طرف إلى طرف. بمعنى أنه مع تجاوبها مع قطاع الوسائط المتدفقة، استفادت “ريل” من علاقاتها الحالية مع المستهلكين وشركات الموسيقى لإطلاق خدمة “رابسودي” في عام 2003، بتكلفة 10 دولارات شهرياً مقابل البث غير المحدود لأي حاسوب من مكتبة تضم نصف مليون أغنية، وبذلك حولت “ريل” المستهلكين من جانب الدعم إلى جانب المال. وهناك طريقة شائعة أخرى للمتخصصين مثل “ريل” لتنشيط نماذج أعمالهم، تتمثل في تقديم الخدمات بشكل متكامل، مما يساعد المؤسسات على دمج أنظمة وتقنيات متنوعة معاً. وفي الواقع، كانت “ريل” تفعل ذلك مع عدد من شركات الموسيقى الكبرى حتى قبل إطلاقها رابسودي. وليس من قبيل المصادفة أن “آي بي إم”، المزود المهيمن لمنصات الحوسبة خلال منتصف الثمانينيات، ركزت مؤخراً على تكامل النظم أيضاً. ويتطلب تسهيل المعاملات عبر شبكة ذات وجهين قيام مزودي المنصات بتنسيق أنشطة المستخدمين. وبالتالي، فإن إدارة المنصة تبني مهارات تكامل النظام التي يمكن استغلالها.

العثور على “الأخ الأكبر”

إذا واجه شاب ضعيف تنمراً في الملعب، فسيكون بحاجة إلى صديق ضخم يحميه. ولقد وجدت “ريل” حلفاء لها من خلال شراكاتها مع مشغلي أنظمة تلفزيون الكابل وشركات الهاتف الخلوي، إذ تقوم خدمة الاشتراك في الموسيقى، التي تتطلب اتصالاً واسع النطاق، بجعل خدمة مودم الكابل أقل قابلية للاستبدال: فبمجرد التزام المستهلكين بخدمة الموسيقى، سيكون من الصعب عليهم تبديل مزود الكابل، إذ سيتسبب تغييرهم للمورد في إجبارهم على تنزيل مشغلات موسيقى جديدة وإعادة إنشاء قوائم التشغيل الخاصة بهم. كما تقوم “ريل” أيضاً بدمج منتج راديو “رابسودي” على الإنترنت الخاص بها مع خدمة الهاتف اللاسلكي الخاصة بشركة “سبرينت” والفيديو المتدفق مع خدمة سنغولار (Cingular). وكانت شركات الهاتف الخلوي حلفاء جذابين لـ”ريل”، نظراً لقدرتهم على شن هجمات تطويق خاصة بهم لمنافسة “آبل”، في حال قررت دخول سوق الاشتراك بالموسيقى. ولدى شركات الهواتف الخلوية القدرة على تقديم الدعم فيما يتعلق بتشغيل الموسيقى الرقمية على الهواتف التابعة لشبكاتها، حيث سيؤدي ذلك على الأرجح إلى خفض استهلاك الإنترنت، الأمر الذي من شأنه أن يشكل تهديداً كبيراً لجانب المال لدى “آبل”.

التقاضي

وقد يكون من الحكمة محاولة الشركات التي تواجه التطويق السعي إلى سبل إنصاف قانونية. وكان قانون مكافحة الاحتكار مثار خلاف فيما يتعلق بالشبكات ذات الوجهين، إذ تم إصدار القانون لتقييد سلوك شركات التصنيع التقليدية، بالتالي لم يكن يعكس بالكامل الضرورات الاقتصادية للشبكات التي تتوسط فيها المنصات. ولهذا السبب، كان مزودو المنصات المهيمنين الذين يقدمون باقات خدمات أو أسعاراً أقل من السعر السائد لاختراق السوق عرضةً لخطر اتهامهم بمحاولة احتكار أو إفلاس الخصم بشكل غير قانوني. وقد استفادت “ريل” من ذلك في محاولتها جلب “مايكروسوفت” إلى محكمة مكافحة الاحتكار لتتلقى في عام 2005 مبلغ 760 مليون دولار من “مايكروسوفت” في مقابل سحب الدعوى. وبالمثل حصدت كل من شركتي “صن ميكروسيستمز” و”تايم وارنر”، المالكتان الحاليتان لـشركة “نتسكيب”، مكافآت متشابهة بعد أن تحديا سلوك “مايكروسوفت” غير التنافسي في المحكمة.

ويعني تهديد التطويق أن الفحص النافي للجهالة أمر حاسم لمزود منصة يضع نصب عينيه البقاء قيد العمل. ويمكننا تشبيه صياغة الاستراتيجية للشبكات الوسيطة للمنصات بلعبة شطرنج ثلاثية الأبعاد: فعندما تتلاشى حدود السوق، يمكن أن تأتي هجمات التطويق من أي اتجاه. ومع ذلك، يوجد في جعبة الشركات ذات التركيز ميزات كثيرة عند التنافس مع الشركات الكبيرة والمتنوعة، إذ يمكن للشركات الكبيرة أن تكون بطيئة في التعرف على فرص التطويق، بل وقد تكون أبطأ في محاولتها حشد الموارد اللازمة لاستغلالها. كما تتطلب عملية التطويق أيضاً تعاوناً بين وحدات الأعمال، وهو عائق كبير ضمن العديد من الشركات. لقد ناضلت “سوني”، على سبيل المثال، لتنسيق الاستراتيجية عبر أعمالها الإلكترونية الاستهلاكية، وألعاب الفيديو، والأفلام، والموسيقى عندما قلبت الصناعة رأساً على عقب مع منتجها جهاز “ووكمان” (Walkman) ولم تنجح، في حين نجحت “آبل” بذلك. وأخطاء من هذا القبيل من جانب الشركات المنشأة هي بالتحديد السبب نمو شركات ناشئة سابقة مثل “جوجل” و”إيباي” و”ياهو” لتصبح شركات عملاقة.

على الرغم من انتشار صناعات الشبكات في كل مكان، وجاذبية امتلاك منصة ناجحة، لم يتم استكشاف الآثار الاستراتيجية للشبكات ذات الوجهين إلى حد كبير. في الماضي، كان هذا الافتقار إلى الفهم أقل إشكالية، بسبب امتلاك المدراء التنفيذيين وقتها ترف صياغة استراتيجيات للشبكات ذات الوجهين مستخدمين أسلوب التجربة والخطأ. أما اليوم فالأسواق أقل تسامحاً، حيث تنشأ العديد من الفرص لإنشاء المنصات في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة مع دورات حياة قصيرة للمنتج. كما أن الفرص كثيرة أيضاً في الصناعات التقليدية التي أعيد تشكيلها كشبكات ذات جانبين. وبفضل الإنترنت، تتمتع الشركات بسهولة الوصول إلى الجانبين ضمن أسواق جديدة. وفي هذه البيئة، إذا لفتت الانتباه إلى فرصة منصة ولم تحصل عليها بشكل صحيح في المرة الأولى، فإن شخصاً آخر سيفعل ذلك. وسيمنحك التفكير ملياً بالقضايا الاستراتيجية التي أوضحناها هنا انطلاقة أفضل.

أمثلة على الأسواق ذات الوجهين

تنطبق الأفكار حول اقتصاديات الأسواق ذات الوجهين على مجموعة متنوعة من الصناعات. ففي الحالات التي تكون فيها المنصات، أي المنتجات والخدمات التي تجمع مجموعات من المستخدمين، مملوكة ملكية خاصة، فهناك دائماً جانب دعم واضح وجانب مال واضح. فعلى سبيل المثال، يوافق الأطباء على أسعار أقل في مقابل الوصول إلى عدد أكبر من المرضى، مقارنةً بالأسعار التي يمكنهم تحصيلها إذا لم يتبعوا منظمة رعاية صحية.

ويحدث في العادة نقص في جانب الدعم لدى الشبكات التي تخدمها منصات مشتركة، إذ يصعب على مزودي المنصة استرداد الدعم إذا شاركهم المنافسون في الرسوم التي يتم تحصيلها من جانب المال في الشبكة. ويتجنب وسطاء العقارات هذه المشكلة عن طريق تقسيم عمولة البائع بالتساوي بين وكيل البائع العقاري ووكيل المشتري العقاري. ويختفي الدعم أيضاً عندما لا يكون لدى مزودي المنصة المشتركة قوة تسعير على جانبي الشبكة، كما في حالة النقل الذي يعمل بالبنزين.

ديناميات الأسواق ذات الوجهين

تستلزم المعاملات في الأسواق ذات الوجهين دائماً مجموعة من العلاقات الثلاثية، حيث تتفاعل مجموعتان من المستخدمين، “جانبي” الشبكة، مع بعضهما البعض من خلال وسيط أو أكثر يسمى مزود المنصة. وتجسد المنصة هيكلية، والتي هي تصميم للمنتجات والخدمات والبنية التحتية التي تسهل تفاعلات مستخدمي الشبكة، بالإضافة إلى مجموعة من القواعد، أي البروتوكولات والحقوق وشروط التسعير التي تحكم المعاملات. وتعرض هذه المنصات نوعين من تأثيرات الشبكة، والتي قد تكون إما إيجابية أو سلبية: تأثير من الجانب نفسه، حيث تؤدي زيادة عدد المستخدمين على جانب من الشبكة إلى جعلها إما أكثر أو أقل قيمة للمستخدمين على الجانب نفسه، وتأثير متقاطع، حيث تؤدي زيادة عدد المستخدمين على جانب من الشبكة إلى جعلها إما أكثر أو أقل قيمة للمستخدمين على الجانب الآخر. وعادةً ما تكون تأثيرات الشبكة المتقاطعة إيجابية، لكنها قد تكون سلبية، فمثلاً يفضل مشاهدو التلفاز عدداً أقل من الإعلانات. وغالباً ما تكون تأثيرات الشبكة الجانبية سلبية، إذ يفضل البائعون عدداً أقل من المنافسين في بورصة شركة إلى شركة، ولكنها قد تكون إيجابية، إذ يُقدِّر ملاك “مايكروسوفت إكس بوكس” حقيقة قدرتهم على لعب الألعاب مع الأصدقاء.

شبكات مماثلة، تسعير مختلف

عند الفحص الأول، تبدو شبكات ألعاب الحاسوب والفيديو متماثلتين. ففي كلتا الحالتين، يرغب المستخدمون النهائيون في أحد الجانبين في اقتناء برنامج أو لعبة من الجانب الآخر عبر شراء منصة تتكون من نظام تشغيل (OS) وجهاز— إما حاسوب شخصي أو جهاز تشغيل ألعاب. ويعرض القطاعان تأثيرات شبكة متقاطعة إيجابية مماثلة: إذ يفضِّل المستخدمون المنصات التي تقدم مجموعة واسعة من الخيارات. ويفضل المطورون المنصات التي تحتوي على عدد أكبر من المستخدمين النهائيين لأن هذا يزيد من أرجحية استردادهم للتكاليف الثابتة المتكبدة لإنشاء تلك الخيارات.

على الرغم من أوجه التشابه هذه، تستخدم صناعتا أجهزة الحواسيب والألعاب نموذجي تسعير مختلفين للغاية. ففي ألعاب الفيديو، يتم دعم المستخدمين النهائيين. فتاريخياً، قام مقدمو المنصات مثل “سوني بلايستايشن” و”مايكروسوفت إكس بوكس” بتسعير أجهزة تشغيل الألعاب بسعر يقارب الكلفة أو أقل. أما بالنسبة لمطوري الألعاب على جانب المال من الشبكة، فعليهم دفع رسوم لجهتي التصنيع هاتين تقارب 20% من سعر البيع بالتجزئة للعبة. أما في صناعة أجهزة الكمبيوتر، فيكون جانب المال وجانب الإعانة معكوسين، حيث يكون المستخدمون النهائيون هم جانب المال، على اعتبار أنهم يدفعون تكلفة أعلى بكثير للعنصر الأساسي للمنصة، نظام التشغيل، الذي يأتي مزوداً بأجهزة الكمبيوتر التي توفرها شركات مثل “غايتواي”. ويكون مطورو التطبيق هنا في جانب الدعم، إذ لا يدفعون أي جُعالات ويحصلون على مجموعات مجانية لتطوير البرمجيات من طرف بائعي نظام التشغيل.

ولماذا تختلف هياكل التسعير اختلافاً جذرياً في شبكتين متماثلتين إلى حد كبير؟ إن مستخدمي أجهزة تشغيل الألعاب، وهم عادةً من فئة المراهقين، حساسون للغاية للأسعار، ويريدون جودة أعلى مقارنة بمستخدمي أجهزة الحاسوب التقليديين. ففي المتوسط​​، يشتري كل مالك جهاز تشغيل ألعاب ثماني ألعاب فقط، تكلف الواحدة منها حوالي 50 دولاراً، ويتم استهلاك هذه العناوين الغالية على مدار سنتين إلى ثلاث سنوات، وهي عمر جهاز تشغيل الألعاب هذا، حيث يتم اللعب بها بشكل شديد ومكثّف مع قضاء اللاعبين وقت طويل جداً، من 40 إلى 100 ساعة، في كل لعبة.

ولتوفير جودة مقنعة، يتحمل مطورو الألعاب تكاليف ثابتة هائلة. ولاسترداد هذه التكاليف، يجب عليهم الركون إلى حقيقة أن لدى منصة تشغيل الألعاب تلك العديد من المستخدمين: وبالتالي تكون هناك حاجة إلى دعم المستهلك. ويوفر مزودو أجهزة تشغيل الألعاب سياسة جودة تضع شروط ترخيص صارمة وتفرض عوائد ملكية عالية. وتساعد هذه “الضريبة”، التي يتحملها المطورون، في التخلص من الألعاب ذات الجودة المحدودة. فلا يمكن للمطورين تحمل تكلفة عرض عناوين ذات احتمالية لأن تولّد مبيعات ضعيفة، حالما تُضاف تلك الضريبة إلى سعر تلك اللعبة.

وعلى النقيض من ذلك، غالباً ما يتم شراء أجهزة الكمبيوتر الشخصية بهدف العمل، وغالباً ما يُنظر إليها على أنها ضرورات منزلية أكثر منها أجهزة تشغيل ألعاب، لذلك تكون الحساسية للأسعار أقل. ويتم استخدام عشرات التطبيقات على مدار حياة أجهزة الحواسيب تتراوح من تلك التي لا غنى عنها (مثل معالجة النصوص) إلى تلك القابلة للاستغناء عنها (على سبيل المثال، بعض الألعاب الاعتيادية). وفقاً لذلك، نلاحظ التفاوت الكبيرة للجودة والأسعار للتطبيقات والألعاب المختلفة.

وصحيح أن مستخدمي الكمبيوتر الشخصي واللاعبين يقدِّرون التنوع والجودة، وأن المطورين في كلتا الشبكتين يقدِّرون القدرة على الوصول إلى قاعدة كبيرة. لكن تبدو حاجة اللاعبين للجودة أقوى، وكذلك حاجة مطوري الألعاب إلى أعداد كبيرة من المستهلكين.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .