استخدام المراقبة الطبية عن بُعد لتقليل زيارات المستشفيات لمرضى السرطان

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

حتى تسعينيات القرن العشرين، كان مرضى السرطان الخاضعون للعلاج الكيميائي يضطرون في العادة إلى البقاء في المستشفى لتلقي العلاج. كان هذا الشكل من الرعاية الذي يستلزم حجز المرضى بالمستشفى مرهقاً ومكلفاً بالنسبة لهم. منذ ذلك الحين، وبفضل التحسينات التي طالت كيفية تلقي العلاج الكيميائي والسيطرة على أعراض المرض، انتقل الجانب الأكبر من العملية العلاجية من العيادات الداخلية إلى العيادات الخارجية، ما يعكس اهتماماً أكبر براحة المرضى وقدرة أكبر على توفير الرعاية بأعلى جودة وأقل تكلفة. واليوم، بمساعدة التطورات المستمرة في تقنيات العلاج والمتابعة، أصبحت رعاية مرضى السرطان جاهزة لنقلة أخرى: من المستشفى إلى منازل المرضى.

في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، دشن مركز “ميموريال سلون كيتيرينغ” لعلاج السرطان برنامجاً تجريبياً تحت مسمى “إنسايت كير” (InSight Care) لمتابعة المرضى عن بُعد، حيث يوفر تواصلاً سلساً مع مرضى المركز أينما كانوا ووقتما احتاجوا إلى المساعدة. حقق هذا البرنامج نتائج علاجية مبكرة مبشرة، ولا يقل عن ذلك أهمية أنه لاقى ترحاباً من المرضى. فقد قال أحد المرضى المتمتعين برعايته: “أفضل شيء أنني لا أشعر بالوحدة في مرضي. لقد أنقذوا حياتي”.

قبل أن نصف كيف يعمل هذا البرنامج، سنلقي نظرة على القوى المحركة لتلك النقلة نحو رعاية مرضى السرطان عن بُعد. معظم النماذج الحالية لرعاية مرضى السرطان لا تستطيع إدارة المرضى من المنزل بفاعلية. وكنتيجة لذلك، فإن المرضى الذين يتلقون العلاج الكيميائي في المستشفى، تعقبه فترات راحة في المنزل بين الفترات العلاجية، قد يتعرضون لآثار جانبية أو غيرها من المشكلات التي تعيدهم إلى المستشفى من أجل زيارة رعاية حادة كان يمكن تجنبها بالمتابعة والإدارة الاستباقية، ففي المتوسط، يُحجزون في المستشفى بشكل غير مخطط مرة، بينما يدخلون الطوارئ مرتين سنوياً. علاوة على أثر ذلك في تقليل جودة حياتهم وتأخير العلاج، فإن حجز هذه الحالات الحرجة مكلف، حيث تمثل 48% من إجمالي تكاليف رعاية مرضى السرطان.

ينتهي المطاف بالمرضى الذين يتلقون الرعاية التقليدية لمرض السرطان في المستشفى لسببين رئيسين: فغالباً ما تفشل الأساليب التقليدية في تحديد المرضى الأكثر عرضة لدخول المستشفى، كما أنها غير مصممة لإدارة هؤلاء المرضى بمجرد خروجهم من المستشفى. لهذا يسعى برنامج “إنسايت كير” إلى تحديد المرضى الأكثر عرضة للخطر، وتوفير رعاية استباقية ومنسّقة ومعززة رقمياً قبل أن يصبحوا بحاجة إلى دخول المستشفى فعلياً. تتيح لنا الاتصالات الرقمية إبقاء المرضى تحت نظرنا فيما وراء جدران المستشفى، كما تهدم حواجز التواصل بين المريض وأعضاء الفريق الطبي. تحقيقاً لهذه الغاية، يعزز البرنامج ثلاثة عناصر متشابكة:

1. نموذج جديد للتنبؤ بعوامل الخطورة

صُمم إطار “إنسايت كير” للتحليلات التنبؤية بناء على 10 آلاف ملاحظة عن المرضى الذين بدؤوا تلقي العلاج الكيميائي، وقد تم تنقيحه للتنبؤ باحتمالية تلقي الرعاية الحادة اعتماداً على 270 من خصائص المرضى، من بينها: الديموغرافيا الاجتماعية، وطبيعة الورم والعلاج ونتائج المختبر والتاريخ الاجتماعي والطبي والأدوية وزيارات قسم الطوارئ السابقة ومرات تلقي العلاج بالمستشفى. يُطبق هذا النموذج كل ليلة على المرضى الذين من المقرر لهم أن يبدؤوا العلاج الكيميائي، ويبعث رسالة إلكترونية إلى الفريق الطبي تحتوي على تقييم المخاطر لكل مريض، من الأعلى خطورة إلى الأقل، على سبيل المثال: “يحمل هذا المريض درجة خطورة عالية (احتمالية 40.8%) بالقدوم إلى الرعاية العاجلة عن أعراض يمكن الوقاية منها خلال الشهور الستة القادمة”. تُدمج درجة الخطورة أيضاً في منصة “إنسايت كير” الرقمية عن طريق أحد تطبيقات الويب، وهو (RiskExplorer)، الذي يعرض أهم عشر خصائص تساهم في تعريض المريض للخطورة. يمثل المرضى الذين يقعون في مربع الخطورة العلوي أكثر من 50% من أيام الإقامة بالعيادة الداخلية التي كان يمكن تجنبها ويمكن أن يستفيدوا من السيطرة على الأعراض بشكل مكثف.

2. المراقبة الرقمية

يتلقى المرضى المسجلون في البرنامج استبياناً يومياً للأعراض عبر بوابة إلكترونية للمرضى بناء على تحليلنا للأعراض الشائعة التي تؤدي إلى زيارات الرعاية الحادة. تشمل هذه الأعراض: الألم والإعياء أو الخمول وصعوبة في الأكل أو الشرب والغثيان والتقيؤ والإمساك والإسهال والجفاف والقلق والاكتئاب. ينبه النظام فريق الرعاية حين يبلّغ المريض عن أعراض خفيفة ومتوسطة (تنبيه أصفر) أو أعراض حادة (تنبيه أحمر)، مع العلم أن التنبيهات الحمراء تتطلب استجابة فورية من فريق الرعاية. كشفت أبحاث سابقة في مركز “ميموريال سلون كيترينغ” أن التعامل الاستباقي مع الأعراض لدى المرضى الذين يتلقون العلاج الكيميائي يؤدي إلى تحسن بنسبة 30% في جودة حياتهم، وتراجع بنسبة 7% في عدد مرات زيارتهم لقسم الطوارئ، والأهم من ذلك، تحسن لمدة خمسة أشهر في شفائهم العام. ويُعتقد أن ميزة الشفاء تنبع من تخفيف أعراض المرضى، فإذا خضعت الأعراض للسيطرة التامة، يستطيع المرضى أن يكرسوا وقتاً أطول للعلاج. هناك أيضاً عامل نفسي اجتماعي محتمل، فحين يتم إشراك المرضى وتثقيفهم بشأن أعراضهم، يصبحون أكثر التزاماً بالعلاج وأكثر قدرة على التأقلم مع أعراضهم، مما يؤدي إلى تحسن النتائج العلاجية.

3. فريق الرعاية الرقمية

إن الفريق المركزي المتفاني لإدارة فئات المرضى والمكون من ممرضات معتمدات وممارسي تمريض في مجال الأورام يعتبر بمثابة امتداد لفريق الأورام الأساسي الذي يتعاونون معه. على عكس الفريق الأساسي، يتفاعل هؤلاء الممارسون الطبيون مع المرضى بشكل حصري عبر المنصة الرقمية التي تتضمن لوحة معلومات لمتابعة المرضى الأكثر عرضة للخطر، وتتيح للممرضات تتبع الأعراض. باستخدام تطبيق ويب داخلي يسمى “متعقب أعراض داروين” (Darwin Symptom Tracker)، يستطيع الفريق متابعة تقدُّم الأعراض وكيفية ارتباطها بالعلاج الكيميائي. يمكنهم عندئذ التواصل تليفونياً مع المرضى في أي وقت على مدار الأسبوع إذا لزم الأمر، عبر البوابة الإلكترونية للمرضى أو من خلال زيارة عن بُعد. فإذا كان المريض بحاجة إلى فحص جسدي، يمكن أن يحدد الفريق البيئة المناسبة للتقييم.

نتائج مبشرة

ابتداءً من شهر أغسطس/ آب الماضي، شارك 106 مرضى في البرنامج منذ انطلاق نسخته التجريبية. في المتوسط، يكمل المرضى أكثر من 50% من تقييمات الأعراض اليومية. خلال فترة التجربة، كان أكثر عرض شائع يتسبب في انطلاق التنبيه الأحمر ويتطلب متابعة فورية هو الألم (حيث أبلغ 64% من المرضى المشاركين عن ألم حاد خلال تسجيلهم). وتكشف المقابلات التي أُجريت مع المرضى أنهم قدّروا الاستجابة السريعة للأعراض المحيرة، وإمكانية التواصل مع الفريق الطبي في أي وقت، والراحة الناتجة عن تجنب الزيارات المباشرة وجهاً لوجه.

لم تكن النسخة التجريبية مصممة لدراسة أثر البرنامج على زيارات المستشفى للرعاية الحادة، إلا أن البيانات تشير إلى أثر إيجابي مهم: 14 مريضاً فقط من الـ 106 الأكثر عرضة للخطر (أي 13%) في المجموعة المسجلة بالبرنامج ذهبوا إلى مركز “ميموريال سلون كيترينغ” لتلقي الرعاية الحادة، مقارنة بـ 32% من المرضى الأكثر عرضة للخطر وغير مسجلين بالبرنامج.

في المستقبل، ننوي إلحاق المزيد من المرضى بالبرنامج لتأكيد هذه النتائج وتحسين النموذج. سنركز على جوانب عديدة بما في ذلك تحسين عملية تحديد المرضى الذين يمكنهم تحقيق استفادة أكبر من نموذج “إنسايت كير”، وتحديد الإيقاع الأمثل لتقييمات أعراض المرضى، وتحسين الإجراءات التدخلية بناءً على هذه التقييمات. وبصورة أعم، نعمل جاهدين على تحويل برنامج “إنسايت كير” إلى نموذج تعليمي يشجع المرضى ومقدمي الرعاية على تقييمه باستمرار، فيتحسن نتيجة لذلك. يتضمن ذلك إيجاد أفضل الطرق لنقل تحليل بيانات الأعراض التي نجمعها إلى المرضى ومقدمي الرعاية. إذ يمكن أن يتأقلم المرضى بصورة أفضل مع الأعراض حين يفهمونها، كما يمكن أن يدمج مقدمو الرعاية بيانات الأعراض مع تقارير علاجية أخرى لتحسين خططهم العلاجية.

إن وجود منظومة أكثر استباقية وتواصلاً لرعاية مرضى السرطان سيفيد في نهاية الأمر المرضى ومقدمي الرعاية والمجتمع ككل، نتيجة تحسن جودة رعاية مرضى السرطان وتحسن تجارب المرضى وانخفاض التكاليف العلاجية. ويعتبر برنامجنا “إنسايت كير” للمراقبة الطبية عن بُعد مبادرة طموحة على هذا الطريق، ونأمل أن يتعلم منه مقدمو الرعاية الآخرون. فالجميع يربح حين يستطيع مرضى السرطان تجنب غرفة الطوارئ، فتتحسن صحتهم نتيجة لذلك.

يود المؤلفون الاعتراف بجهود كل من ساهم في تأليف هذه المقالة: ديان ريدي لاغونيس الحاصلة على دكتوراه في الطب، وبريت سيمون الطبيب الحاصل على دكتوراه في الطب، وروري سالفاجيو الممرضة المعتمدة والحاصلة على شهادة متخصصة في التمريض، وجيلاد كوبرمان الطبيب الحاصل على دكتوراه في الطب، وأوفيليا تشو الحاصلة على ماجستير في إدارة الصحة، وإسحاق واغنر الحاصل على ماجستير في العلوم، وجميع أفراد فريق “إنسايت” للرعاية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .