الاستجابة الرشيقة لقطاع التعليم العالي في مواجهة الأحداث غير المتوقعة

3 دقائق
shutterstock.com/Foxy burrow
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في هذه الأيام، أضحى حتماً على الجامعات والكليات أن تكون أكثر رشاقة في استجابتها للأحداث الطارئة وغير المتوقعة عن أي وقت مضى. ويُقصد بالاستجابة الرشيقة بالنسبة لقطاع التعليم أن تتحلى هذه المؤسسات بالقدرة على مواصلة العملية التعليمية حتى لو كان أعضاء هيئة التدريس والعاملون بالمنظومة التعليمية والطلاب غير قادرين على الحضور بأنفسهم إلى الجامعة. ومن منطلق ضرورة ضمان استمرارية الأعمال (Business Continuity) لا بد أن تنطوي خطة إدارة المخاطر داخل المؤسسات التعليمية على الاستجابة السريعة لأي طارئ كي تستطيع هذه المؤسسات أن تتكيف مع الظروف المتغيرة وغير المتوقعة في أغلب الأحيان. حيث يرى ايكمكسي وبيرغستراند أن الرشاقة للمؤسسات هي القدرة على التكيف مع الظروف سريعة التغير، ولذلك تستلزم تأقلماً سريعاً مع الظروف الداخلية والخارجية، مما يؤدي إلى تحسين الأداء التشغيلي ورفع مستوى الجودة وتعزيز رضا المستفيدين. وعليه فإن نيومارك وآخرون يرون أن الرشاقة هي قدرة المؤسسات على التكيف السريع لبيئة الأعمال المتغيرة. وتفترض نظرية الإدارة المؤسسية أن المؤسسات الناجحة هي التي تتوافق مع بيئتها الخارجية إلى حد كبير، لذا قد يؤدي تطبيق فكرة الرشاقة المؤسسية إلى إتاحة الفرصة للمؤسسات كي تصبح أكثر توافقاً مع بيئتها. وتتطلب هذه الرشاقة تعميم تغييرات على مستوى المؤسسة فيما يخص الثقافة والعقلية (القناعات) والسلوكيات (المهارات) والعمليات الهيكلية. فأي تغيير في الثقافة أو العقلية لن يدوم ما لم يصاحبه تغيير مماثل في السلوكيات الفعلية والهيكل المؤسسي. لهذا علّق كريس ورلي وآخرون أنه من الأفضل أن تكون المؤسسة مُجهّزة هيكلياً للاستجابة الرشيقة بدلاً من أن تبدر منها هذه الاستجابة في حالات الضرورة فقط.

وقد انطلقت في السنوات الأخيرة دعوات متزايدة من هيئات الاعتماد الدولية تنادي بدمج مبدأ الاستجابة الرشيقة في البرامج التعليمية لإدارة الأعمال. ففي أبريل/ نيسان 2018، أصدرت جمعية تطوير كليات إدارة الأعمال الدولية (AACSB) معيار A5 الذي ينادي باستخدام نهج تعليمي أكثر شمولية ودمج تحليلات البيانات في البرامج المحاسبية. وتشترط الجمعية أن تزود البرامج المحاسبية كلها طلاب الجامعة بمجموعة متنوعة من المهارات في مجالي تكنولوجيا المعلومات وتحليلات البيانات. وتعزز المعايير التي تضعها الجمعية ذلك الهدف من خلال قيام برامج الشهادات المحاسبية بدمج ممارسات العمل والممارسات المحاسبية الحالية والناشئة في 3 مكونات أساسية للمنهج الدراسي، وذلك بما يتوافق مع المهمة الموضوعة.

  • نظم المعلومات وإجراءات العمل، بما في ذلك إنشاء البيانات ومعالجتها وإدارتها وتأمينها وتخزينها.
  • تحليلات البيانات، بما في ذلك على سبيل المثال التقنيات الإحصائية والتحليلات العنقودية وإدارة البيانات والنمذجة والتحليل وتحليل النصوص والتحليلات التنبؤية ونظم التعليم والوسائل البصرية.
  • غرس المرونة في استخدام تكنولوجيا المعلومات بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، مع إدراك الحاجة المستمرة إلى اكتساب مهارات جديدة يحتاجها المتخصصون في مجال المحاسبة. ويمكن أن تدعم أقسام إدارة الأعمال والمحاسبة وغيرها من الأقسام الأكاديمية هذه التجارب التعليمية (مع التشديد على أهمية ذلك). وذلك بحسب (جمعية تطوير كليات إدارة الأعمال الدولية، 2018).

يمكن رصد الاستجابة الرشيقة بوضوح في المنظومة التعليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة. ففي إطار اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة لمواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19” على مستوى العالم، أمرت وزارة التربية والتعليم الإماراتية المدارس والجامعات بتعديل الجدول الدراسي وتقديم عطلة الربيع هذا العام واستغلالها بشكل أمثل لضمان جاهزية البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات وكذلك جاهزية أعضاء هيئة التدريس للعمل عن بُعد، ثم بدء عملية التعليم عن بُعد بالنسبة لدروس الفصل الدراسي الحالي لمدة أسبوعين اعتباراً من 22 مارس/ آذار 2020. وتستعين المؤسسات التعليمية بمنصات مختلفة لتحقيق هذه الغاية مثل: “بلاك بورد” (Blackboard)، وفرق “مايكروسوفت” (Microsoft Teams)، وفصول “جوجل” (Google Class)، إلخ. حتى مدارس رياض الأطفال تستخدم تطبيقات مختلفة مثل “سيسو فاميلي” (Seesaw Family).

أياً كانت الظروف، يتعين على المؤسسات التعليمية تسخير قوة التقنيات الحديثة لتتحلى بالاستجابة الرشيقة والقدرة على التكيف مع أي ظرف طارئ في المستقبل. كما ينبغي أن تضع خطط إدارة المخاطر في الحسبان إمكانية الاستفادة من التقنيات الحديثة والاستثمار في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات إلى جانب تدريب أعضاء الهيئتين التعليمية والإدارية على الاستعداد دائماً لاحتمالية العمل عن بُعد عبر الإنترنت. رشاقة المؤسسات في مواجهة الظروف الاستثنائية ستحدد استمرارية أعمالها، و على المؤسسات ان تستغل ما يحدث الآن ليكون فرصة للتغيير. من الجدير بالذكر أن تكنولوجيا المعلومات لن تستبدل الموارد البشرية في المؤسسات، ولكن سيكون حتما ومن الضرورة في الوقت الراهن على المؤسسات ان تستبدل الموارد البشرية الغير مؤهلة على استخدام التكنولوجيا الحديثة. 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .