لماذا ترتفع أجور الرؤساء التنفيذيين؟

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قد يتنامى إلى سمعك، بشكل مزايد، المناقشات الغاضبة عن أجور الرؤساء التنفيذيين مؤخراً، خاصة مع تقاضي الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات المسجلة في مؤشر “إس آند بي 500” أجراً إجمالياً بقيمة 11 مليون دولار، إذ رأى الكثيرون أن رواتب الرؤساء التنفيذيين أصبحت “خارجة عن السيطرة”.

ومع ذلك، نادراً ما يُطرح السؤال التالي: “كم عدد الأشخاص القادرين فعلياً على إدارة شركة ضخمة ذات أسهمٍ مطروحة للتداول العام في البورصة؟”. وتعد الإجابة عن هذا السؤال مهمة للغاية، لأنها تحدد ما إذا كانت أجور الرؤساء التنفيذيين مرتفعة بالفعل، حيث أن جزءاً كبيراً من معادلة القيمة لأي من مناصب الرؤساء التنفيذيين يكمن في عدد المدراء المؤهلين جيداً والمتاحين للتنافس على هذا المنصب في سوق العمل. فإذا كانت الكفاءات اللازمة لمنصب الرئيس التنفيذي متوفرة بشكل كافٍ، فإن الأجر المخصص لشاغل هذا المنصب سيحدَد وفق عملية تفاوض بسيطة وبحسب سعر السوق السائد على أسس تجارية بحتة. أما إذا كانت الكفاءات اللازمة لهذا المنصب نادرة، سيكون من المنطقي أن تتنافس الشركات على تعيين هؤلاء الأفراد من خلال زيادة الأجور المعروضة، تماماً كما يحدث في أي مهنة أخرى. كما تحمل إجابة هذا السؤال أيضاً العديد من التداعيات بشأن كيفية تقييم أعضاء مجلس الإدارة لعوامل الأداء، وتطوير الكفاءات المستقبلية، وكذلك التخطيط لمن سيشغل المنصب لاحقاً.

وبدورنا، أردنا فهم حجم ونوعية سوق العمل للرؤساء التنفيذيين بشكل أفضل، لذلك، قمنا باستطلاع لآراء 113 من أعضاء مجالس الإدارة، والذين لا يشغلون مناصب إدارية تنفيذية، في العديد من الشركات ضمن قائمة “فورتشن 250”. وقد وجدنا أدلة دامغة على أن أعضاء مجالس الإدارة يعتقدون أن عمل الرئيس التنفيذي أمر بالغ التعقيد، وأن قلة قليلة من المدراء فقط هم المؤهلون للإدارة في القطاعات الخاصة بهذه الشركات.

إذ وصف جميع أعضاء مجالس الإدارة المشاركين في هذا الاستبيان تقريباً (98%) منصب الرئيس التنفيذي في شركاتهم بأنه منصب صعب للغاية. بينما وجد 2% فقط أن منصب الرئيس التنفيذيّ يعتبر ذا صعوبة متوسطة أو منخفضة أو لا ينطوي على أي صعوبة على الإطلاق.

وعندما طُلب منهم تقدير عدد التنفيذيين القادرين على شغل منصب الرئيس التنفيذي في شركاتهم، وتقديم أداء العمل بنفس الكفاءة – على الأقل – التي يتمتع بها الرئيس التنفيذي الحالي، قدّر أعضاء مجالس الإدارة بأن أقل من 4 فقط يملكون المهارات المطلوبة لهذا المنصب. ولم يكن هذا التقييم الذي يتضمن عدداً محدوداً من المدراء الأكفاء مقصوراً على شركاتهم الخاصة، بل يمتد ليشمل شركات أخرى في نفس القطاع أيضاً. إذ طُلب منهم تقدير عدد المدراء القادرين على شغل منصب الرئيس التنفيذي لدى أكبر منافسيهم، وأداء العمل بنفس الكفاءة – على الأقل – التي يتمتع بها الرئيس التنفيذي الحالي للشركة المعنية، فقدّر أعضاء مجالس الإدارة عدد المدراء المحتملين بحوالي 6 فقط ممن يمتلكون المؤهلات لذلك. كما اعتقدوا أن 9 فقط من المدراء المحتملين ستكون لديهم الكفاءات اللازمة لتغيير أوضاع أيّ شركةٍ تعاني من أزمات في القطاع التجاري المعنيّ. تُعتبر هذه الأرقام منخفضة بشكل صادم.

ويتفق أعضاء مجالس الإدارة في شركات “قائمة فورتشن 250” على أن الرؤساء التنفيذيين في مجالاتهم التجارية يمتلكون “مهارات خاصة يندر تواجدها إلى حد كبير”. وإضافة لذلك، فإنهم يعتقدون أن حصولهم على أفضل الكفاءات أمر حاسم لنجاح شركاتهم، ويتفقون على أنه “من المستحيل أن تكون أي شركة هي الأفضل في المجال، دون أن يكون لديها الرئيس التنفيذي الأفضل في هذا المجال”. وبصفة عامة، يؤمن أعضاء مجالس الإدارة “أنه من الصعب تقييم كفاءة الرئيس التنفيذي المرتقب خلال عملية البحث، حيث إن الشخص المرشح قد يستوفي كافة المعايير المتعلقة بالخبرات السابقة، ولكن يظل من الصعب تحديد ما إذا كان الشخص المعنيّ سيكون رئيساً تنفيذياً ناجحاً للشركة بشكل فعليّ”.

وإجمالاً، تشير هذه النتائج إلى أن سوق العمل الذي يتضمن الكفاءات المميزة للرؤساء التنفيذيين هو أكثر إحكاماً، وأكثر تنافسية مما قد يظنه خبراء الحوكمة. وتمتلك هذه الحقيقة عدة تداعيات هامة:

  • قد يكون سوق العمل الذي يتضمن الرؤساء التنفيذيين الأكفاء غير فعال بما يكفي. نظراً للندرة المتصورة للرؤساء التنفيذيين الأكفاء المميزين لدى الشركات الكبرى، فإنه من المرجح أن سوق العمل للرؤساء التنفيذيين لا يعمل بالكفاءة اللازمة، بمعنى أن عملية المطابقة لربط الكفاءات المؤهلة بفرص العمل المناسبة لا تتم على الأرجح بأسلوب اقتصاديّ كما يحدث بالنسبة لأنواع الوظائف الأخرى. ومع عدم كفاءة سوق العمل، قد تواجه الإدارة ضغوطاً أقل للأداء، ويمكن أن يحدث بعض الاختلال في ميزان القوى بين الرئيس التنفيذيّ ومجلس الإدارة، وكذلك فيما يتعلق بالأجور.
  • من المرجح أن الندرة المتصورة للكفاءات تؤدي إلى ارتفاع الأجور. قد يفسر سوق العمل المحدود للرؤساء التنفيذيين ارتفاع مستويات الأجور، وخاصة لدى كبرى الشركات في الولايات المتحدة الأميركية. فإذا كان عدد محدود من المدراء هم المؤهلون فقط لإدارة هذه الشركات – وإذا كانت الكفاءات المميزة للرؤساء التنفيذيين تعتبر عاملاً حاسماً لنجاح الشركات – فإنه من المنطقي أن نتوقع أن أعضاء مجالس الإدارة سيعرضون أجوراً ضخمة لجذب أفضل المرشحين لشغل المنصب أو من أجل الاحتفاظ بالرئيس التنفيذي الحالي في منصبه. إذ ستحمل تكلفة خسارة الرئيس التنفيذي وانتقاله إلى الشركة المنافسة ثمناً باهظاً للغاية.
  • قد لا تكون تقييمات الأداء موضوعية. إذا اعتقد أعضاء مجلس الإدارة أن عدد المرشحين لشغل منصب الرئيس التنفيذي محدود للغاية، من المرجح أن يؤثر ذلك على تقييمهم لأداء الرئيس التنفيذي في شركاتهم، لأن أي تقييم يتضمن احتمالية استبدال الرئيس التنفيذي الحالي يعني أن مجلس الإدارة سيتحمل مخاطرة العثور على البديل المناسب وسط هذه الندرة. وبالتالي، فإن عدم الرغبة في المخاطرة قد يشجع مجلس الإدارة على تحمل كلّ من الأداء والسلوك، الذي قد لا يكون مقبولاً، إذا اعتقدوا بوجود مجموعة كبيرة من المرشحين الأكفاء المؤهلين لشغل هذا المنصب.
  • التخطيط من أجل الإحلال الوظيفيّ يعتبر أمراً حاسماً. إذا كان أعضاء مجلس الإدارة يعتقدون أن المدراء التنفيذيين ينبغي أن تتوافر لديهم مجموعة خاصة ونادرة من السمات صعبة الاكتشاف (بما في ذلك المجموعة المناسبة من الخبرات الوظيفية، والإدارية، والخبرات المتعلقة بمجال العمل، إلى جانب المهارات القيادية، والملائمة الثقافية)، فإن تحديد هؤلاء المرشحين في المستقبل يصبح أكثر أهمية، ويعزز الحاجة إلى الدقة الشديدة في التخطيط لشاغل المنصب القادم.
  • قد يكون تطوير المرشحين الداخليين أكثر فاعلية. عندما يتعلق الأمر بالإحلال الوظيفي في المستقبل، يظل المدراء الداخليون مصدراً واعداً للعثور على المرشحين في معظم الشركات. ونظراً لمعرفة مجالس الإدارة بهم، ووضوح سجل إنجازاتهم، وملائمتهم الثقافية المثبتة، فقد يكون القرار الأفضل على المستوى الاقتصادي لمعظم الشركات هو الاستثمار في أفضل الكفاءات الداخلية لدى الشركة والاحتفاظ بها.

في الوقت نفسه، يعتبر هذا الاستطلاع بمثابة مؤشر تنبيه لأعضاء مجالس الإدارة للتحقق من صحة افتراضاتهم بشأن ندرة الرؤساء التنفيذيين الأكفاء، والتأكد من أن هذا التصور لا يؤثر سلباً على القرارات التي يتخذونها بخصوص الأجور، وعوامل الأداء، وتطوير الكفاءات، والتخطيط للإحلال الوظيفيّ.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .