$User->is_logged_in:  bool(false)
$User->user_info:  NULL
$User->check_post:  object(stdClass)#7067 (18) {
  ["is_valid"]=>
  int(1)
  ["global_remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["remaining_posts_to_view"]=>
  int(0)
  ["number_all_post"]=>
  int(0)
  ["number_post_read"]=>
  int(0)
  ["is_from_gifts_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["all_gifts_articles_balance"]=>
  int(0)
  ["gifts_read_articles"]=>
  int(0)
  ["exceeded_daily_limit"]=>
  int(0)
  ["is_watched_before"]=>
  int(0)
  ["sso_id"]=>
  int(8951)
  ["user_agent"]=>
  string(9) "claudebot"
  ["user_ip"]=>
  string(11) "50.17.63.57"
  ["user_header"]=>
  object(stdClass)#7074 (45) {
    ["SERVER_SOFTWARE"]=>
    string(22) "Apache/2.4.57 (Debian)"
    ["REQUEST_URI"]=>
    string(169) "/%D8%A7%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%B0-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%85%D8%A7-%D9%8A%D8%AC%D8%A8-%D9%81%D8%B9%D9%84%D9%87-%D9%84%D8%B0%D9%84%D9%83/"
    ["REDIRECT_HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["REDIRECT_STATUS"]=>
    string(3) "200"
    ["HTTP_AUTHORIZATION"]=>
    NULL
    ["HTTP_HOST"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_ACCEPT_ENCODING"]=>
    string(8) "gzip, br"
    ["HTTP_X_FORWARDED_FOR"]=>
    string(11) "50.17.63.57"
    ["HTTP_CF_RAY"]=>
    string(20) "86c098586f792087-FRA"
    ["HTTP_X_FORWARDED_PROTO"]=>
    string(5) "https"
    ["HTTP_CF_VISITOR"]=>
    string(22) "{\"scheme\":\"https\"}"
    ["HTTP_ACCEPT"]=>
    string(3) "*/*"
    ["HTTP_USER_AGENT"]=>
    string(9) "claudebot"
    ["HTTP_REFERER"]=>
    string(189) "https://hbrarabic.com/%D8%A7%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%B0-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%85%D8%A7-%D9%8A%D8%AC%D8%A8-%D9%81%D8%B9%D9%84%D9%87-%D9%84%D8%B0%D9%84%D9%83"
    ["HTTP_CF_CONNECTING_IP"]=>
    string(11) "50.17.63.57"
    ["HTTP_CDN_LOOP"]=>
    string(10) "cloudflare"
    ["HTTP_CF_IPCOUNTRY"]=>
    string(2) "US"
    ["HTTP_X_FORWARDED_HOST"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_X_FORWARDED_SERVER"]=>
    string(13) "hbrarabic.com"
    ["HTTP_CONNECTION"]=>
    string(10) "Keep-Alive"
    ["PATH"]=>
    string(60) "/usr/local/sbin:/usr/local/bin:/usr/sbin:/usr/bin:/sbin:/bin"
    ["SERVER_SIGNATURE"]=>
    string(73) "
Apache/2.4.57 (Debian) Server at hbrarabic.com Port 80
" ["SERVER_NAME"]=> string(13) "hbrarabic.com" ["SERVER_ADDR"]=> string(10) "172.21.0.5" ["SERVER_PORT"]=> string(2) "80" ["REMOTE_ADDR"]=> string(14) "162.158.86.137" ["DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["REQUEST_SCHEME"]=> string(4) "http" ["CONTEXT_PREFIX"]=> NULL ["CONTEXT_DOCUMENT_ROOT"]=> string(13) "/var/www/html" ["SERVER_ADMIN"]=> string(19) "webmaster@localhost" ["SCRIPT_FILENAME"]=> string(23) "/var/www/html/index.php" ["REMOTE_PORT"]=> string(5) "35416" ["REDIRECT_URL"]=> string(61) "/اتخاذ-القرارات-وما-يجب-فعله-لذلك/" ["GATEWAY_INTERFACE"]=> string(7) "CGI/1.1" ["SERVER_PROTOCOL"]=> string(8) "HTTP/1.1" ["REQUEST_METHOD"]=> string(3) "GET" ["QUERY_STRING"]=> NULL ["SCRIPT_NAME"]=> string(10) "/index.php" ["PHP_SELF"]=> string(10) "/index.php" ["REQUEST_TIME_FLOAT"]=> float(1711723017.09429) ["REQUEST_TIME"]=> int(1711723017) ["argv"]=> array(0) { } ["argc"]=> int(0) ["HTTPS"]=> string(2) "on" } ["content_user_category"]=> string(16) "paid_subscribers" ["content_cookies"]=> object(stdClass)#7075 (3) { ["status"]=> int(0) ["sso"]=> object(stdClass)#7076 (2) { ["content_id"]=> int(8951) ["client_id"]=> string(36) "e2b36148-fa88-11eb-8499-0242ac120007" } ["count_read"]=> NULL } ["is_agent_bot"]=> int(1) }
$User->gift_id:  NULL

الأمور التي تجهلها فيما يتعلق باتخاذ القرارات

19 دقيقة
أسرار اتخاذ القرارات الصحيحة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تظهر قوة شخصية القادة في حالات كثيرة، منها وضع الاستراتيجية وتحفيز الناس وما إلى ذلك؛ إلا أننا نعرف أنه يتم تقدير القادة عادة بناء على جودة قراراتهم، فهل هذا صحيح؟ إذا كانت إجابتك عن هذا السؤال بـ “أجل، صحيح”، ستتفاجأ على الأرجح بعدد المسؤولين التنفيذيين الذين يتعاملون مع اتخاذ القرارات بطريقة إما أنها لا تضع خيارات كافية على الطاولة أو لا تعطي التقييم الكافي لضمان قدرتهم على اختيار القرار الأفضل. وتشير أبحاثنا التي تحدثت عن أسرار اتخاذ القرارات والتي أجريناها على مدار السنوات القليلة الماضية بقوة إلى أن معظم القادة يقومون باتخاذ القرارات بطريقة غير مناسبة، ويعود السبب في ذلك إلى أن معظم رجال الأعمال يتعاملون مع عملية اتخاذ القرار على أنها “حدث”، أي أنه بمعنى آخر خيار بمعزل عن البقية يحدث في نقطة زمنية محددة وهم جالسون مثلاً على مكاتبهم أو يديرون اجتماعاً أو يحدقون في جداول البيانات. ويظهر القرار فجأة في رأس القائد مثل مصباح مضيء نتاجاً للخبرة أو الإحساس أو البحث أو كل ما سبق. ولنفترض أن الأمر مثار الدراسة هو هل يجب سحب منتج مبيعاته ضعيفة من السوق. سيقوم القائد الذي يتعامل مع اتخاذ القرار “كحدث” بالتفكير في القضية بمعزل عن باقي الأمور، ويطلب النصيحة ويقرأ التقارير، ثم يصدر قراره بسحب المنتج أو إبقائه مع إرسال نسخة من القرار إلى المؤسسة للتنفيذ. لكن اتخاذ القرارات بهذه الطريقة يتغاضى عن سياقات اجتماعية وتنظيمية أكبر، والتي تحدد في النهاية نجاح أي قرار من عدمه.

وفي الحقيقة، فإن صنع القرار ليس حدثاً، بل عملية تتكشف على مدار أسابيع أو أشهر أو حتى سنوات؛ وهو عملية متصلة بالأدوار التي تؤديها السلطة والسياسة، فضلاً عن أنها حُبلى بالفروق الشخصية والتاريخ المؤسسي؛ إنها عملية تعج بالنقاش والمناظرة؛ عملية تتطلب دعماً على جميع مستويات المؤسسة عندما يحين وقت التنفيذ. ويظهر بحثنا وجود فرق لافت للنظر بين القائد الذي يتخذ قراراً جيداً وآخر يتخذ قراراً سيئاً؛ إذ يُدرك الأول أن جميع القرارات هي بمثابة عمليات، وأن عليه تصميمها وإدارتها وفقاً لذلك؛ في حين يرى الثاني، وهماً، أن القرارات هي أحداث يسيطر عليها وحده.

أسرار اتخاذ القرارات السليمة والفعالة

نستكشف في هذه المقالة كيف يمكن للقادة تصميم وإدارة عملية سليمة وفعالة لصنع القرار في نهج ندعوه الاستقصاء (inquiry)، وسنوجز مجموعة من المعايير لتقييم جودة عملية صنع القرار. ولنبدأ بادئ ذي بدء بإلقاء نظرة على العملية نفسها.

القرارات كعملية: الاستقصاء مقابل المناصرة

لا تتشابه عمليات صنع القرار فيما بينها، لاسيما في الدرجة التي تسمح بها للمجموعة بتحديد طيف واسع من الأفكار للنظر فيها. ورأينا في بحثنا نهجين واسعين؛ الأول هو “الاستقصاء”، الذي نحبذه، والذي هو عملية منفتحة للغاية مصممة لتوليد بدائل متعددة، وتشجيع تبادل الأفكار، وإنتاج حل مُختبر بشكل جيد. ولكن ولسوء الحظ، لا يأتي هذه النهج بسهولة أو بشكل طبيعي لمعظم الناس، إذ تميل مجموعات اتخاذ القرار بدلاً من ذلك إلى النهج الثاني والذي ندعوه المناصرة (advocacy). وظاهرياً، يبدو كلا الأمرين متشابهين، إذ إن كليهما يشمل مجموعة من الأفراد المنغمسين في النقاش والجدال في محاولتهم تحديد مسار العمل معتمدين على ما يعتقدون أنه أفضل دليل متاح. لكن على الرغم من أوجه التشابه بينهما، يسفر الاستقصاء والمناصرة عن نتائج مختلفة فيما بينهما إلى حد كبير.

فعندما تتبنى المجموعة وجهة نظر المناصرة، تكون آلية صنع القرار بالنسبة للمشاركين بمثابة مسابقة، وذلك على الرغم من أنهم لا يتنافسون بالضرورة علناً أو وعياً، إذ تقوم المجموعات دقيقة التحديد ومتخصصة الاهتمامات بمناصرة مواقف معينة بحثاً عن زيادة في الميزانية مثلاً. ويكون المشاركون متحمسين لحلولهم المفضلة، ما يجعلهم يتمسكون بها بحزم في مهب أي خلاف. ويصعّب هذا المستوى من العاطفة عليهم البقاء موضوعيين، ما يحد من قدرتهم على تلقي الحجج المعارضة بالاهتمام الكافي. وغالباً ما يقدم المؤيدون المعلومات بشكل انتقائي، مبرزين تلك التي تدعم حججهم وموارين تلك التي تتضارب معها. ويكون هدفهم في نهاية المطاف إثارة قضية مقنعة، وليس التعبير عن وجهة نظر متساوية أو متوازنة. فعلى سبيل المثال، قد يكون اثنان من مدراء المصانع المختلفين الذين يؤيدون برامج التحسين الخاصة بهم، حذرين من الإبلاغ عن نقاط ضعف محتملة في خططهما مخافةَ أن يتسبب كشفها في تقويض فرصهما بالفوز في المناقشات وتعريض الموارد التي يحتاجونها إلى الخطر.

ما هو أكثر من ذلك، تكون الخلافات التي تنشأ في كثير من الأحيان نكدة وحتى عدائية، حيث تلعب الشخصيات و”الأنا” دوراً كبيراً. ويتم حل الاختلافات عادة عبر معارك الإرادات والمناورات خلف الكواليس، ويكون الافتراض الضمني أن الحل المتفوق سينشأ من اختبار القوة بين المراكز المتنافسة. ولكن هذا النهج في الواقع يقمع الابتكار ويشجع المشاركين على مسايرة الرأي المهيمن لتجنب المزيد من النزاع.

أما المجموعة التي تركز على الاستقصاء، فتقوم على النقيض من ذلك بدراسة مجموعة متنوعة من الخيارات وتعمل معاً لاكتشاف أفضل الحلول. صحيح أن الأشخاص ما يزالون يسعون لتحقيق مصالحهم الخاصة، لكن لا يكون الهدف هنا متمثلاً في إقناع المجموعة بتبني وجهة نظر معينة، إنما التوصل بدلاً من ذلك إلى اتفاق حول أفضل مسار للعمل. ويتشارك الأشخاص المعلومات على نطاق واسع، ويُفضّل أن يكون ذلك في شكلها الأولي للسماح للمشاركين باستخلاص استنتاجاتهم الخاصة. ويشجع الاستقصاء التفكير النقدي بدلاً من قمع الخلاف، كما يُشعر جميع المشاركين بالراحة عند اقتراح حلول بديلة وطرح أسئلة صعبة حول الاحتمالات الموجودة بالفعل.

ويطرح الأشخاص الذين يشاركون في عملية استقصاء كلاً من مقترحاتهم وافتراضاتهم التي يستندون إليها بدقة، بالتالي قد يكون النزاع شديداً، إنما نادراً ما يأخذ طابعاً شخصياً. وفي الواقع، يكون النزاع صحياً بشكل عام، نظراً لأن الخلافات تدور حول الأفكار والتفسيرات بدلاً من المواقف المتأصلة. ويحل أعضاء الفريق خلافاتهم عبر تحكيم عقولهم، حيث يكون الافتراض الضمني أن الحل البارز سينشأ من اختبار قوة الأفكار المتنافسة بدلاً من المواقف المتضاربة. ويشير مقدار القرارات الناجحة المتعاقبة التي اتخذها أعضاء مجلس إدارة شركة جنرال إلكتريك خلال محاولتهم انتقاء مرشحين لشغل منصب في الشركة إلى نجاعة هذا النهج المنفتح، إذ كان جميع الأعضاء يلتقون بشكل متكرر مع المرشحين الرئيسين ويجتمعون بانتظام لمراجعة نقاط القوة والضعف للمرشحين، من دون جاك ويلش في غالب الوقت، مع محاولة ضئيلة أو معدومة للضغط في وقت مبكر لاختيار مرشح معين.

وتميل العملية المتسمة بالاستقصاء بدلاً من التأييد إلى اتخاذ قرارات أعلى جودة، وهي قرارات تدفع بأهداف الشركة من ناحية، ومن ناحية أخرى يتم التوصل إليها أيضاً في الوقت المناسب ويمكن تنفيذها بكفاءة. بالتالي، نعتقد أن على القادة الساعين إلى تحسين قدرات مؤسساتهم على صنع القرار البدء بهدف واحد: الانتقال بأسرع ما يمكن من عملية المناصرة إلى عملية الاستقصاء. ويتطلب ذلك اهتماماً دقيقاً بثلاثة عوامل أساسية لاتخاذ القرارات الكفؤ، وهي كل من: النزاع والاعتبار والخاتمة. ويجب الموازنة فيما بين تلك الأمور الثلاثة بشكل دقيق.

النزاع البناء

سيقود التفكير النقدي والمناظرة الدقيقة لا محالة إلى النزاع، لكن هناك جانب مشرق يتمثل في أن النزاع يضع القضايا موضع التركيز، الأمر الذي يسمح للقادة باتخاذ خيارات أكثر استنارة. أما الجانب السيئ فيتمثل في أن النزاع الخاطئ قادر على أن يُحيد عملية صنع القرار عن مسارها.

وفي الواقع، يأتي النزاع في شكلين: معرفي وعاطفي. ويتعلق النزاع المعرفي أو الموضوعي بالعمل الجاري، إذ إنه ينطوي على خلافات حول الأفكار والافتراضات ووجهات النظر المختلفة حيال أفضل طريقة للمضي قدماً. ويعتبر هذا النزاع صحياً وأيضاً ضرورياً لتحقيق استقصاء فعال، إذ إنه وعندما يعبر الناس عن الاختلافات بشكل صريح ويتحدون الافتراضات الأساسية، سيتمكنون من الإشارة إلى نقاط الضعف الحقيقية وتقديم أفكار جديدة. وسواء كان النزاع وجدانياً أم شخصياً، سيأخذ صبغة عاطفية؛ فهو ينطوي على احتكاكات شخصية ومنافسات وشخصيات متصادمة، ويتسبب في تقليل رغبة الناس في التعاون أثناء التنفيذ، ما يجعل عملية صنع القرار أقل فعالية. بالتالي ليس من المستغرب أن يكون سمة شائعة في عمليات المناصرة.

وخلال الفحص المتعمق، يبدو من السهل التمييز فيما بين الاثنين، فعندما يتذكر أحد أعضاء الفريق “نقاشات صعبة حول المزايا الاستراتيجية والمالية والتشغيلية لمرشحي الاستحواذ الثلاثة”، فإنه يشير إلى النزاع المعرفي؛ وعندما يعلق أحد أعضاء الفريق على “النقاشات الحادة التي انحدر مستواها ليصبح هجوماً شخصياً”، فإنه يعني النزاع العاطفي. لكن يصعب عملياً الفصل بين نوعي النزاع، إذ يميل الناس إلى تلقي أي نقد بشكل شخصي والرد عليه بشكل دفاعي، الأمر الذي يجعل الجو مشحوناً بسرعة. وحتى إذا ظهر قرار ذي جودة عالية، تميل الآثار العاطفية إلى البروز، مما يصعّب على أعضاء الفريق العمل معاً أثناء التنفيذ.

ويتمثل التحدي الذي يواجه القادة هنا في زيادة النزاع المعرفي مع إبقاء النزاع العاطفي منخفضاً، وهو أمر لا يصعب تنفيذه. ويعتبر وضع معايير تجعل المناظرة النشطة هي القاعدة وليست الاستثناء من إحدى أكثر الأساليب نجاعة. وقد قام تشاك نايت، الرئيس التنفيذي لشركة إيمرسون إلكتريك (Emerson Electric)، بإنجاز ذلك لمدة 27 عاماً من خلال استجواب المدراء بلا هوادة أثناء مراجعات التخطيط، بغض النظر عن رأيه الفعلي في الاقتراح المطروح على الطاولة؛ إذ كان يطرح أسئلة صعبة متتالية، متوقعاً ردوداً جيدة الإعداد عليها. وكانت العملية، والتي أطلق عليها نايت “منطق غير منطقي” ناتجة من رغبته في اختبار حتى الحجج المصاغة جيداً من خلال إثارة مخاوف غير متوقعة، وأحياناً خيالية، الأمر الذي كان يثير الرهبة بشكل لا شك فيه. ولكن خلال فترة ولايته، صدرت سلسلة ثابتة من قرارات الاستثمار الذكية وتحققت سلسلة غير مسبوقة من الزيادات الفصلية في صافي الدخل.

وعندما كان بوب جالفين يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة موتورولا في الثمانينيات، اتخذ نهجاً مختلفاً بعض الشيء، إذ كان يطرح في العادة أسئلة افتراضية غير متوقعة تُحفز التفكير الإبداعي. بعد ذلك، وكرئيس لمجلس إدارة برنامج “مالكوم بالدريج ناشيونال كواليتي”، أخذ جالفين زملائه على حين غرة عندما اقترح تضييق معايير منح تلك الجائزة بدل الانصياع لضغوط من الناخبين وتوسيعها. وفي النهاية، قام مجلس الإدارة في الواقع بتوسيع المعايير، لكن أثار اقتراحه الذي ظهر من دون سبب جدلاً مثمراً ومبدعاً للغاية.

طريقتا اتخاذ القرار

وثمّة طريقة أخرى تتمثل في تنظيم المحادثة بحيث تعزز العملية بطبيعتها النقاش. ويمكن القيام بذلك عن طريق تقسيم الأشخاص إلى مجموعات ذات مسؤوليات مختلفة، وغالباً متنافسة. فعلى سبيل المثال، قد يُطلب من إحدى المجموعات تطوير مقترح بينما تقوم المجموعة الأخرى بإنشاء توصيات بديلة. ثم تقوم المجموعات بتبادل المقترحات ومناقشة الخيارات المختلفة. وتضمن هذه التقنيات عملياً مستويات عالية من النزاع المعرفي. (ويحدد معرض “هيكلة المناظرة” طريقتين لاستخدام مجموعات مختلفة لتحفيز التفكير الإبداعي).

ولكن حتى لو قمت بتنظيم العملية مع التركيز على تشجيع النزاع المعرفي، فهناك دائماً خطر أن تصبح شخصية الطابع. ويستخدم القادة المهرة عدداً من التقنيات الإبداعية للارتقاء بوتيرة النقاش ليبقى معرفياً مع تقليل النزاع العاطفي إلى حده الأدنى، مع استخدام تقنيات على غرار تقنية “الاستراحات القصيرة” والتي تعمل على تهدئة النقاش والأعصاب.

كما أن القادة المهرة يولون اهتماماً دقيقاً للطريقة التي يتم فيها صياغة القضايا، وكذلك اللغة المستخدمة أثناء المناقشات، إذ يستبقون الملاحظات أو الأسئلة المتضاربة بعبارات تزيل الطابع الشخصي منها على غرار قولهم “حججك منطقية، لكن دعني ألعب دور واضع العصي في العجلات للحظة”. كما أنها تضع قواعد أساسية حول اللغة، ويصرون على أن يتجنب أعضاء الفريق الكلمات والسلوكيات التي تتسبب في حالة دفاعية. فعلى سبيل المثال، وفي مراجعات ما بعد العمليات التي يقوم بها الجيش الأميركي، والتي تُجرى مباشرة بعد المهمات لتحديد الأخطاء بحيث يمكن تجنبها في المرة القادمة، يقول ميسرو الجلسات “لا نستخدم كلمة (خ)، ولا نستخدم كلمة (ذ). فنحن لا نضع الذنب، ولا نعثر على خطأ”.

ويمكن أيضاً للقادة مساعدة الناس على التراجع عن مواقفهم المسبقة عبر تفكيك الائتلافات التي نشأت سابقاً وتعيين الأشخاص بحسب المهام، وبحسب الولاءات التقليدية. ففي إحدى شركات الطيران الرائدة، كان لدى رئيس وحدة ائتلافين قوييّن داخل مؤسسته، الأمر الذي اضطره إلى اتباع آلية مختلفة خلال قرار حاسم يتعلق بالانضمام إلى تحالف استراتيجي. فقد قام القائد بإنشاء مجموعتين جديدتين للنظر في تحالفين استراتيجيين معروضين على الشركة، وقام بتوزيع أعضاء الائتلافين على المجموعتين الجديدتين، مفرقاً أعضاء أولئك الائتلافين، ما أجبر الأشخاص مختلفي المصالح على العمل معاً. ثم طلب من المجموعتين تقييم طيف الخيارات الواسع نفسه إنما باستخدام معايير مختلفة (مثل القدرة التكنولوجية أو براعة التصنيع أو مهارات إدارة المشروع). ثم شاركت المجموعتان التقييمات التي قامت بها وعملتا معاً لانتقاء الشريك الأفضل للشركة في تحالفها الاستراتيجي. ونظراً لافتقار كلتا المجموعتين لإجمالي المعلومات، كانتا مجبرتين على الاستماع لبعضهما عن كثب.

ويمكن للقادة أيضاً أن يجذبوا الأفراد بعيداً عن الأنماط التي اعتادوا عليها جيداً في الماضي تجاه أخرى تحقق مصالح أسمى، حيث يمكنهم، على سبيل المثال، مطالبة أعضاء الفريق بإجراء أبحاث وتأييد موقف لم يوافقوا عليه خلال المناقشات الأولية. وبالمثل، يمكن للقادة تعيين أعضاء الفريق للقيام بأدوار وظيفية أو إدارية مختلفة عن أدوارهم، مثل مطالبة مسؤول تنفيذي في قسم العمليات تبني وجهة نظر قسم التسويق، أو مطالبة موظف من المستوى الأدنى أخذ منظور المدير التنفيذي الاستراتيجي.

هيكلية المناظرة

وأخيراً، يمكن للقادة الطلب من المشاركين العالقين في نقاش ما إعادة النظر في الحقائق والافتراضات الرئيسة وجمع المزيد من المعلومات، إذ إنه غالباً ما يركز الناس على الاختلافات بين المواقف المتعارضة لدرجة يصلون فيها إلى طريق مسدود، ما يجعل النزاع العاطفي الخطوة المنطقية اللاحقة. ويمكن لمطالبة الناس بفحص الافتراضات الكامنة نزع فتيل التوتر وإعادة الفريق إلى المسار الصحيح. فعلى سبيل المثال، وعندما كان الناس يختلفون بشدة في شركة إنرون حول ما إذا كان ينبغي تطبيق مهاراتهم التجارية على سلعة أو سوق جديدة، كان المسؤولون التنفيذيون الكبار يعيدون تركيز المناقشة بسرعة ليصبح على خصائص هيكل الصناعة والافتراضات حول حجم السوق وتفضيلات العملاء. ويتعرف الناس بسرعة على مجالات الاتفاق، ويكتشفون بدقة كيف ولماذا يختلفون، ثم يركزون على نقاشهم حول قضايا محددة.

مثال حي حول المناصرة في مقابل الاستقصاء: أزمة الصواريخ الكوبية وخليج الخنازير

ولعل أفضل دليل على المناصرة مقابل الاستقصاء يأتي من خلال الاطلاع على فترة الرئيس جون كينيدي. فخلال السنتين الأوليين من توليه منصبه، تصارع كينيدي مع قرارين حاسمين في السياسة الخارجية: غزو خليج الخنازير وأزمة الصواريخ الكوبية. وتم في كلا الأمرين تكليف فريق عمل على أعلى مستوى ممكن ضم عدداً لا بأس به من نفس اللاعبين، وكانت المصالح السياسية نفسها، والمخاطر مرتفعة جداً، لكن اختلفت النتائج إلى حد كبير نظراً لأن المجموعتين كانتا تعملان في أوضاع مختلفة.

كانت المجموعة الأولى مكلفة بتحديد فيما إذا كانت الولايات المتحدة ستدعم غزو جيش صغير مؤلف من منفيين كوبيين مدرَبين أميركياً لكوبا. وقد عملت المجموعة في نمط المناصرة، وتعتبر النتيجة على نطاق واسع مثالاً على عملية صنع القرار السيئة. فبعد وقت قصير من تولي الرئيس كينيدي منصبه، علم بالهجوم المخطط له على كوبا والذي قامت به وكالة المخابرات المركزية أثناء إدارة أيزنهاور، حيث جادلت وكالة المخابرات المركزية، بدعم من رئاسة الأركان المشتركة، بقوة للغزو، مقللةً من المخاطرة مع غربلتها للمعلومات المقدمة إلى الرئيس لتجعلها تميل لصالح تعزيز موقف الوكالة. وتم استبعاد الأفراد ذوي الخبرة بوضع أميركا اللاتينية ضمن وزارة الخارجية من المداولات بسبب معارضتهم المحتملة للغزو.

وعارض بعض أعضاء فريق كينيدي الخطة لكنهم أبقوا تلك المعارضة لأنفسهم خوفاً من الظهور بمظهر ضعيف في مواجهة المناصرة القوية من قبل وكالة المخابرات المركزية. ونتيجة لذلك، كان ثمّة نقاش قليل، وفشلت المجموعة في اختبار بعض الافتراضات الأساسية الحاسمة. فعلى سبيل المثال، لم يتساءلوا عما إذا كان الهبوط سيؤدي بالفعل إلى انتفاضة محلية سريعة ضد كاسترو، وفشلوا في معرفة ما إذا في إمكان المنفيين الاختباء في الجبال (التي تبعد 80 ميلاً عن موقع الهبوط) إذا ما واجهوا مقاومة قوية. ويعتبر الغزو الناتج عموماً أحد أسوأ نتائج الحرب الباردة، إذ قُتل حوالي 100 شخص، وأُخذ البقية كرهائن. وكان هذا الحرج بمثابة إحراج كبير لإدارة كينيدي ووجّه ضربة لمكانة أميركا العالمية.

وبعد الغزو الفاشل، أجرى كينيدي مراجعة لعملية صنع القرار في السياسة الخارجية مدخلاً خمسة تغييرات رئيسة، ومحولاً العملية بشكل أساسي إلى عملية استقصاء. أولاً، تم حث الناس على المشاركة في المناقشات بوصفهم “عموميين متشككين”، ويعني هذا كمفكرين ناقدين لا غاية لديهم في الموضوع بخلاف وجودهم فيه كممثلين لإدارات مختلفة. ثانياً، تم تكليف روبرت كينيدي وتيودور سورنسن بدور الرقيب الفكري، حيث كان يُتوقع منهما متابعة كل نقطة خلاف ممكنة، واكتشاف نقاط الضعف والافتراضات غير المختبرة. ثالثاً، تم حث فرق العمل على التخلي عن قواعد البروتوكول، والقضاء على جداول الأعمال الرسمية والالتزام بالترتيب. رابعاً، كان من المتوقع أن ينقسم المشاركون من حين لآخر إلى مجموعات فرعية لتطوير مجموعة واسعة من الخيارات. وأخيراً، قرر الرئيس كينيدي أن يتغيب عن بعض اجتماعات فرق العمل المبكرة لتجنب التأثير على المشاركين الآخرين وتوجيه النقاش.

تم استخدام وضع الاستقصاء بشكل كبير عندما علم الرئيس كينيدي في أكتوبر/تشرين الأول 1962 بقيام الاتحاد السوفيتي بوضع صواريخ نووية على الأراضي الكوبية، على الرغم من نفي السفير السوفيتي المتكرر لذلك. وشكّل كينيدي على الفور فريق عمل رفيع المستوى ضم العديد من الرجال أنفسهم الذين كانوا مسؤولين عن غزو خليج الخنازير، وطلب منهم وضع إطار للرد. واجتمعت المجموعة ليلاً ونهاراً لمدة أسبوعين، وغالباً ما دعت أعضاء إضافيين للانضمام إلى مداولاتها لتوسيع منظورها. وكانت تلتقي في بعض الأحيان من دون الرئيس لتشجيع التدفق الحر للأفكار. ولعب روبرت كينيدي دوره الجديد بعناية، وانتقد الخيارات بشكل متكرر وشجع المجموعة على تطوير بدائل إضافية. وحث المجموعة، على وجه الخصوص، على عدم الاقتصار فقط على مناقشة قرار بسيط يتمثل بتوجيه ضربة عسكرية أو لا. 

وفي النهاية، طورت المجموعات الفرعية موقفين، الأول يفضّل الحصار في حين يتبنى الثاني غارة جوية. وقامت المجموعتين بجمع معلومات من مجموعة واسعة من المصادر، وشاهدت وفسرت نفس الصور الاستخباراتية، وحرصت على تحديد واختبار الافتراضات الأساسية، مثل ما إذا كانت القيادة الجوية التكتيكية كانت قادرة بالفعل على إزالة جميع الصواريخ السوفيتية في غارة جوية جراحية. وتبادلت المجموعتان الفرعيتان المواقف، وانتقدت اقتراحات بعضها، واجتمعت معاً لمناقشة البدائل. وزودتا الرئيس كينيدي بكلا الخيارين، وتركوه لاتخاذ الخيار النهائي. وكانت النتيجة استجابة مؤطرة بعناية، مما أدى إلى حصار ناجح ووضع حد سلمي للأزمة.

الاعتبار

بمجرد اتخاذ قرار وصرف النظر عن البدائل، سيتعين على بعض الأشخاص التخلي عن الحل الذي يفضلونه، وهو الأمر الذي يقاومه البعض أحياناً، وفي أحيان أخرى، يُظهرون قبولاً مع حقد مبطّن. لكن كيف يمكن معرفة الفرق؟ يبدو أن العامل الحاسم هو تصور الإنصاف، أي ما يسميه العلماء هنا “العدالة الإجرائية”. والحقيقة هي أن القائد سيتخذ القرار النهائي، ولكن ينبغي للأشخاص المشاركين في العملية الإيمان بأنه قد نُظر في آرائهم وأنهم امتلكوا فرصة حقيقية للتأثير على القرار النهائي. ولقد وجد الباحثون أنه إذا كان المشاركون يعتقدون أن العملية كانت عادلة، فإنهم أكثر استعداداً للتسليم بالقرار الناتج حتى لو لم يتبن وجهات نظرهم.

ويرى العديد من المدراء الإنصاف والصوت أنهما الأمر نفسه؛ والصوت هنا هو إعطاء الجميع فرصة للتعبير عن آرائهم. ويقوم القادة بالعمل جاهدين لمحادثة الجميع والحصول على مدخلاتهم، إلا أن الصوت ليس بنفس أهمية الاعتبار، والذي هو إيمان المشاركين بأن القائد استمع إليهم بفاعلية أثناء المناقشات ونظر في آرائهم بعناية قبل التوصل إلى قرار. ويصف رئيس شركة “إنتل” أندرو غروف، في كتابه الصادر عام 1999 بعنوان “ينجو فقط المرتابون” (Only the Paranoid Survive)، كيف يفسر الفرق لمدراء الطبقة الإدارية الوسطى حيث يقول: “ينبغي أن يكون معيارك حيال الانخراط هو أن تُسمع وتُفهم… فلا يمكن أن تسود جميع الآراء في النقاش، ولكن لكل الآراء قيمة في صياغة الإجابة الصحيحة”.

وفي الواقع، وعندما يتم أخذ الصوت من دون النظر فيه، سيؤدي ذلك إلى نتائج سيئة، إذ يتسبب في الاستياء والإحباط بدلاً من القبول. وعندما يحين الوقت لتنفيذ القرار، من المرجح أن يجر الناس أنفسهم إليه جراً إذا ما شعروا أن عملية صنع القرار كانت زائفة، بمعنى أنها كتنت بمثابة تمرين حول النظر في الاقتراحات للتحقق من صحة الحل المفضل للقائد. وحدث ذلك في حالة دمج دايملر-كرايسلر، إذ طلب الرئيس التنفيذي لشركة ديملر يورغن شريمب إجراء تحليل وتقييم مكثف لمرشحي الاندماج المحتملين، لكنه كان خياره قد وقع بالفعل على كرايسلر منذ فترة طويلة. وفي الواقع، وعندما أخبره الاستشاريون أن من غير المرجح لاستراتيجيته خلق قيمة للمساهمين، رفض البيانات ومضى في خطته. صحيح أن شريمب طلب وجهات نظر أطراف عدة، لكنه فشل بوضوح في منحها وزناً.

ويمكن للقادة إظهار الاعتبار خلال عملية صنع القرار. ففي البداية، عليهم أن يُظهروا انفتاحهم على الأفكار الجديدة واستعدادهم لقبول الآراء التي تختلف عن وجهات نظرهم. وينبغي عليهم على وجه الخصوص تجنب الإيحاء بأنهم اتخذوا قرارهم بالفعل. ويجب عليهم تجنب الإفصاح عن تفضيلاتهم الشخصية في وقت مبكر من العملية، أو عليهم الذكر بوضوح أن أي آراء أولية لهم هي آراء مؤقتة وقابلة للتغيير. وهناك خيار ثالث يتمثل في نأيهم بأنفسهم عن المداولات المبكرة برمتها.

لقد وجد الباحثون أنه إذا اعتقد المشاركون أن العملية كانت عادلة، فإنهم أكثر استعداداً للتسليم بالقرار الناتج، حتى لو لم يحوِ وجهات نظرهم.

ويجب على القادة خلال المناقشات الحرص على إظهار أنهم يستعمون بنشاط وباهتمام، ويمكن إظهار ذلك من خلال طرح الأسئلة، والبحث عن تفسيرات أكثر عمقاً، وإعادة سرد التعليقات، وإجراء تواصل بصري، وإظهار الصبر عندما يشرح المشاركون مواقفهم. كما يعتبر تدوين الملاحظات إشارة قوية بشكل خاص، لكونه يشير إلى أن القائد يبذل مجهوداً حقيقياً لالتقاط أفكار الناس وفهمها وتقييمها.

وبعد اتخاذ القرار النهائي، يجب على القادة شرح أسبابهم؛ أي يجب عليهم وصف مبررات قرارهم، مع توضيح المعايير التي استخدموها لتحديد مسار العمل. وربما الأهم من ذلك كله أن عليهم توضيح كيف أثرت حجج كل مشارك على القرار النهائي أو التوضيح بوضوح سبب اختيارهم للاختلاف مع تلك الآراء.

الخاتمة

ويعتبر من الصعوبة بمكان معرفة كيف يجب إنهاء المداولات؛ إذ غالباً ما تُسرع هيئات صنع القرار إلى الخاتمة أو تبقى في حالة تردد إلى ما لا نهاية وتقرر بعد فوات الأوان. ويعتبر اتخاذ القرار في وقت مبكر جداً أمرٌ ضار حاله حال اتخاذ القرار في وقت متأخر جداً، ويمكن عادة عزو كلتا المشكلتين إلى المناصرة غير المنضبطة.

البت في وقت مبكر جداً

في بعض الأحيان، تؤدي رغبة الناس في النظر إليهم كأشخاص مسايرين لعمل الفريق إلى تخطيهم الانخراط في التفكير النقدي والتحليل المدروس، ما يجعل المجموعة تقبل بسهولة أول خيار معقول مطروح. تُدعى هذه العقلية على نطاق واسع باسم “تفكير القطيع” (groupthink)، حيث تسود في العادة في ظل وجود دعاة أقوياء، لاسيما ضمن الفرق الجديدة التي ما يزال أعضاؤها يتعلمون القواعد، وقد لا يحبذون كثيراً أن يُنظر إليهم على أنهم المعارضين.

ويتسبب خطر تفكير القطيع في عدم النظر إلى الطيف الكامل للخيارات، فضلاً عن بروز الاعتراضات غير المعلنة سابقاً على السطح في لحظة حرجة تكون فيها الحاجة أشد ما يمكن إلى العمل المتضافر بين الجميع للتنفيذ. وتعلّم قائد أحد الأقسام الكبرى لسلسلة متاجر تجزئة سريعة النمو هذا بالطريقة الصعبة. أحب هذا القائد العمل مع مجموعة فرعية صغيرة من الحرس القديم لإنشاء خيارات وتقييم البدائل ووضع خطة عمل، ثم عرض الاقتراح برمته أمام كامل أعضاء الفريق للمصادقة عليه، ما يجعل البقية عرضة للتفكير بأنهم أمام أمر واقع عليهم قبوله، وبالتالي يحجمون عن إثارة مخاوفهم. وكما قال أحدهم: “نحن لا نخرج من تلك القاعة كمجموعة موحدة لأن على الاجتماع ألا يكون مكان اعتراضنا على ما هو مطروح”. ويتسبب ذلك في قيام المجموعة بإثارة النقاش ثانيةً أثناء التنفيذ، مما يؤدي إلى تأخير المبادرات الهامة عدة أشهر.

ويحتاج القادة، كخط دفاعي أول ضد تفكير القطيع، إلى تعلم كيفية التعرف على السخط المخفي، وإيلاء اهتمام خاص للغة الجسد على غرار ملاحظة عقد الحاجبين، أو تقاطع الذراعين، أو تقطيب الجبهة. وقد تكون الطريقة الأفضل لإعادة الأشخاص الساخطين إلى المناقشة الدعوة إلى استراحة، والتعامل مع المعارضين واحداً تلو الآخر وتشجيعهم على التحدث ثم العودة إلى الاجتماع. واشتهر ألفريد سلون من جنرال موتورز بهذا النهج والذي يلخصه بالكلمات التالية: “أفترض أننا جميعاً متفقون تماماً على القرار. ثم أقترح أن نؤجل إجراء مزيد من المناقشة حول المسألة حتى اجتماعنا القادم لمنح أنفسنا وقتاً لنمو أي خلاف وربما اكتساب فهم إضافي لما يدور القرار حوله”.

وهناك طريقة أخرى لتجنب الخاتمة المبكرة تتمثل في معرفة آراء الأقلية، إما من خلال أخذ ذلك كعادة أو عبر وضع قواعد واضحة. وتعمق وجهات نظر الأقليات النقاش وتوسعه، وتمدد من تفكير المجموعة، رغم أنه نادراً ما يتم تبنيها كما هي. ولهذا السبب، يسعى آندي غروف بشكل آلي إلى الحصول على مدخلات من “نذير الشؤم المفيد”، وهم أشخاص معروفون بإثارتهم لأسئلة صعبة وتقديمهم لوجهات نظر جديدة حول مخاطر السياسات المقترحة.

اتخاذ قرار في وقت متأخر جداً

وهنا، قد تكون أيضاً المناصرة من دون ضوابط مصدر مشكلة في كثير من الأحيان، وقد تتخذ في هذه الحالات شكلين رئيسين. أحياناً، قد يصيب الفريق حالة من الجمود، إذ ترفض الفصائل المتحاربة التنازل، وتتمترس في مواقعها بشدة لتصبح المناقشات حلقة لا نهاية لها وبدون آلية لكسر الجمود. وفي أحيان أخرى، يبذل الناس مجهوداً فوق طاقتهم لضمان المشاركة المتساوية، حيث يصر أعضاء الفريق على سماع كل رأي وحل كل سؤال قبل الوصول إلى نتيجة سعياً لتحقيق العدالة. وطلب اليقين هذا، أي حجج كاملة مدعومة ببيانات لا يمكن التشكيك فيها، هو بدوره شكل خاص من أشكال المناصرة، حيث تكون النتيجة مرة أخرى حلقة لا نهائية يتم فيها تكرار نفس البدائل والاعتراضات وطلبات الحصول على مزيد من المعلومات مرة بعد مرة، كما يمكن لأي عضو في المجموعة أن يُحيد النقاش عن مساره عبر التعبير عن شكوكه. وفي الوقت نفسه، قد تتطلب الضغوط التنافسية استجابة فورية، أو قد يكون المشاركون قد توقفوا عن الإنصات منذ فترة طويلة على اعتبار أن تكرار سماع نفس الحجج سيؤدي إلى الغثيان.

وفي هذه المرحلة، تغدو مهمة القائد هنا “طرح السؤال”. واخترع جيمي هوتون، الرئيس التنفيذي لشركة كورنينغ، منذ فترة طويلة، استعارة حية لوصف هذا الدور، حيث تحدث عن ارتداء قبعتين عند العمل مع أفراد فريقه. فقد كان يرتدي قبعة رعاة البقر الخاصة به كلما أراد إجراء مناقشة مع فريقه كفرد مثله مثلهم، وارتداء قبعة لاعب البولينغ كلما أراد التصرف بصفته الرئيس التنفيذي. ويسمح الدور الأول له بالتحدي ومتابعة النقاش، في حين يسمح له الدور الثاني بإنهاء ذاك النقاش.

وتتلخص العبرة هنا في أن على القادة وفرقهم الاستعداد لأن يصبحوا أكثر راحة مع الغموض وأن يكونوا مستعدين لاتخاذ قرارات سريعة في غياب البيانات أو الدعم الواضح، حيث كان دين ستانلي تيلي من كلية هارفارد للأعمال مولعاً بالقول للطلاب على الدوام: “فن الإدارة هو فن صنع تعميمات ذات معنى من حقائق غير كافية”.

المِحَك 

ويصعب لسوء الحظ تقييم عملية صنع قرار متفوقة في الوقت الحقيقي، إذ لا يمكن تقييم النتائج الناجحة إلا بعد حدوثها، ونعني بها القرارات عالية الجودة التي يتم إجراؤها في الوقت المناسب وتُنفذ بكفاءة. ولكن بحلول الوقت الذي تظهر فيه النتائج، يكون من المعتاد عادة اتخاذ إجراء تصحيحي. لكن هل هناك أي طريقة لمعرفة ما إذا كنت في المسار الصحيح في وقت سابق؟

ثمة بالفعل طريقة لذلك، وتتمثل، حسب اعتقادنا، في إجراء تقييم دوري لعملية صنع القرار، حتى أثناء العمل به. ولدى الباحثون الآن أدلة مهمة توضح ارتباط مجموعة صغيرة من سمات العملية بشكل وثيق بتحقيق نتائج متفوقة، يحث يحسّن وجودها المشترك بشكل كبير من احتمالات اتخاذ قرار جيد على الرغم من أنها لا تضمن النجاح.

بدائل متعددة

عندما تفكر المجموعات في بدائل مختلفة، تنخرط عادة في تحليل معمّق وتتجنب عادة الاستقرار بسرعة على الإجابة السهلة والواضحة. ويفسر ما سبق أسباب استخدام تقنيات على غرار “فكرة-فكرة مضادة” والتي تتطلب من المجموعات إنشاء بديلين على الأقل في حالات اتخاذ القرارات المتفوقة. وسيقوم تتبع عدد الخيارات قيد النظر في العادة بتقديم دلائل عما إذا كان ذاك هذا الاختبار قد تحقق. ولكن احرص على عدم أخذ الخيار نفسه مرتين، كما أن خيارات “ناجح/غير ناجح” تتضمن بدورها خياراً واحداً فقط ولا يمكن النظر إليها عن أنها ذات خيارين.

اختبار الافتراض

وتأتي “الحقائق” في نوعين: تلك التي تم اختبارها بعناية وتلك التي تم التأكيد عليها أو افتراضها. ولا تخلط مجموعات اتخاذ القرار الفعالة بين الاثنين، حيث إنها تتراجع بشكل دوري عن حججها وتحاول تأكيد افتراضاتها عن طريق تفحصها بشكل نقدي. فإذا وجدت أن البعض لا يزال يفتقر إلى أدلة دامغة، فقد تختار المضي قدماً، لكنها ستعلم على الأقل أنها تخوض في منطقة غير مستقرة. بدلاً من ذلك، قد تقوم المجموعة بتعيين “هيئات مراقبة فكرية” يتم تكليفها بمهمة التدقيق في عملية الافتراضات التي لم يتم التحقق منها وتحديها فوراً.

معايير محددة جيداً

يسهل الوقوع في فخ مقارنة المتناقضين من دون أهداف واضحة وجلية، وقد يصعب الحكم على الحجج المتنافسة نظراً لأن الدعاة سيقترحون استخدام تلك التدابير (صافي الدخل، والعائد على رأس المال، والوجود في السوق، وما إلى ذلك) التي تميل إلى البديل المفضل لديهم، مما يتسبب في التفكير الضبابي والتأخير الطويل.

ويجب على الفريق لتجنب المشكلة تحديد الأهداف سلفاً وإعادة النظر فيها مراراً أثناء عملية صنع القرار. ويمكن أن تكون هذه الأهداف معقدة ومتعددة الجوانب، وكمية ونوعية؛ ولكن أياً كان شكلها، فيجب أن تظل في المقدمة. ولقد وجدت الدراسات المتعلقة بقرارات الاندماج أنه مع بلوغ العملية مراحلها النهائية وشعور المدراء بضغوط المواعيد النهائية والاندفاع نحو الخاتمة، غالباً ما يقومون بتسوية أو تعديل المعايير التي أنشأوها في الأصل للحكم على ملاءمة الصفقة.

المعارضة والمناظرة

دافع ديفيد هيوم، الفيلسوف الأسكتلندي العظيم، بشكل مقنع عن مزايا المناظرة عندما لاحظ أن “الحقيقة تنبع من المحاجة بين الأصدقاء”. وثمّة طريقتان لقياس صحة مناظرة: الأولى بنوعية الأسئلة المطروحة، والثانية بمستوى الاستماع.

وتثير بعض الأسئلة النقاش، بينما تضيّقه أخرى وتنهي المداولات. وعادة ما تثير الأسئلة الافتراضية المتناقضة جدلاً صحياً. ويشير شخص عمل لدى هارفي غولوب، الرئيس التنفيذي السابق لشركة أميركان إكسبرس، إلى الفترة التي عزمت فيها الشركة تخفيض رسوم بطاقات الائتمان ليقترح غولوب بشكل غير متوقع رفع الرسوم. ويضيف المدير: “لا أعتقد أنه كان يعني ذلك بجدية، لكنه علمنا بالتأكيد أن نفكر في تلك الرسوم”.

ويعد مستوى الاستماع مؤشراً بنفس القدر من الأهمية لعملية اتخاذ القرارات الصحية، إذ يُنتج ضعف الاستماع تحليلاً معيباً وكذلك احتكاكات شخصية. فإذا قام المشاركون بمقاطعة بعضهم البعض طوال الوقت أو زادوا من معدلات الرفض قبل محاولة استيعاب التعليقات السابقة، فمن المحتمل أن ينشأ النزاع العاطفي؛ وسرعان ما تصبح المناقشات الحضارية مستحيلة، مع اختفاء الزمالة والوئام الجماعي في غياب الاستماع النشط.

العدالة المتصورة

يتم قياس العدالة المتصورة في الزمن الحقيقي عبر قياس مستوى بقاء المشاركين على تفاعلهم بعد الوصول إلى نقطة وسط أو مرحلة رئيسة. وغالباً ما يكون انخفاض المشاركة بمثابة تحذير مبكر لمشكلات في التنفيذ حيث يُظهر البعض استيائهم فعلياً عبر عدم انخراطهم بفعالية.

وفي الواقع، قد يكون إبقاء الأشخاص المشاركين في العملية، في نهاية المطاف، العامل الأكثر أهمية في أسرار اتخاذ القرارات – وجعله ملزماً. إنها وظيفة تقع في قلب القيادة وتجمع بشكل فريد بين مواهب القائد العديدة. وهي تتطلب الثبات لتعزيز النزاع مع قبول الغموض، والحكمة لمعرفة متى يتم ختام المحادثات، والصبر لمساعدة الآخرين على فهم السبب وراء اختيارك كقائد، وأخيراً تحقيق التوازن والذي هو القدرة على تبني الاختلاف الذي قد يميز المناقشات المبكرة من ناحية، ومن ناحية أخرى الوحدة اللازمة للتنفيذ الفعال. ولقد فهم سايروس الكبير، مؤسس الإمبراطورية الفارسية والقائد العسكري المشهور، السمة الحقيقية للقيادة في القرن السادس قبل الميلاد، عندما أرجع نجاحه إلى “التنوع في الاستشارة والوحدة في القيادة”.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

Content is protected !!