كيف تساعد الحلقات القيادية في اغتنام الفرص التي تظهر أمام الشركات؟

5 دقائق
الحلقة القيادية
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

كانت شركة صيدلانية عالمية على وشك أن تفقد الميزة الاستراتيجية للعديد من العقاقير الرائجة التي ستصبح غير محمية ببراءات الاختراع. وفي غضون 5 سنوات، سيكون النقص في الإيرادات كبيراً. شكّل كبار المدراء التجاريين والعلميين “حلقة من القادة” ضمت 23 مديراً من كبار المدراء الذين ليس لديهم تاريخ ملموس من التعاون في المبادرات الاستراتيجية. وكان الأمل معقوداً على أن يؤدي تنوع القدرات العقلية ووجهات النظر إلى استحداث طرق مبتكرة للتغلب على هذا النقص المتوقع.

ونجحت شركة إعلامية دولية في الانتقال من الطباعة الورقية إلى الإنترنت، لكنها واجهت منافسة جديدة من أمثال شركة “جوجل” وشركة “باز فيد” (BuzzFeed). ومع أن جمهور قرائها بلغ مستويات قياسية، فقد قرر الرئيس التنفيذي مضاعفة قاعدة اشتراكاتها على مدار السنوات الخمس المقبلة. لذا، شكّل رؤساء الاستراتيجية والتكنولوجيا حلقة فريدة من الأقران، تتألف من 18 عضواً من مختلف أنحاء المؤسسة كانت مهمتهم خلال الأشهر الستة المقبلة هي طرح الأسئلة التي شعروا أنها أكثر الأسئلة الاستراتيجية إلحاحاً التي تواجه الشركة، وتقديم إجابات عنها.

يعد هذا النوع من النُهج إزاء التحديات الخاصة التي تواجه الشركات، نهجاً حديث العهد. لكن مشكلة حمل أجزاء مختلفة من المؤسسات على التحدث مع بعضها البعض بشكل هادف، تعد مشكلة قديمة.

عندما أصبح لي ياكوكا الرئيس التنفيذي لشركة “كرايسلر” (Chrysler)، كان هذا ما توصل إليه: “لم تكن شركة “كرايسلر” تعمل فعلاً بصفتها شركة على الإطلاق. إذ كانت شركة “كرايسلر” في عام 1978 مثل إيطاليا في ستينيات القرن التاسع عشر؛ عبارة عن مجموعة من الأقسام الصغيرة التي يدير كل منها مدير متعجرف. وكانت أشبه بمجموعة من الإمبراطوريات الصغيرة، حيث لا أحد يهتم بما يفعله غيره، فقد كان الجميع يعملون بشكل مستقل”.

ويعد مثل هذا التطرف في عدم التواصل داخل الشركات اليوم أمراً نادر الحدوث. لكن، من النادر بالقدر نفسه الاستفادة من القدرات العقلية لمجموعة من الموظفين والمدراء الذين يتسمون بسعة الخيال والعقليات المتفتحة للبحث عن الفرص الاستراتيجية المحتملة. هذا، باختصار، هو مفهوم الحلقة القيادية.

يلجأ العديد من القادة إلى مرؤوسيهم المباشرين للتوجيه. وعلى الرغم من أن هذا التوجه طبيعي، فإن هذه المجموعة تمثل (من حيث تصميمها) الوحدات والوظائف التشغيلية الحالية، التي غالباً ما يكون لها وضع قائم تدافع عنه. فضلاً عن أنه من المرجح أيضاً أن تتمتع هذه المجموعة بخبرة عميقة في المهارات والميزات الأساسية في عالم اليوم، ولكنها تتمتع فقط بمعرفة قليلة أو لا تتمتع بأي معرفة عن الفرص الجديدة خارج نطاق خبراتها. وأخيراً، يمكن أن تكون هذه المجموعة أكثر توافقاً مع المصالح الفردية (بما في ذلك مقاييس الأداء وحوافز الأجور) وليس الاحتياجات الجماعية والأطول أجلاً للشركة. باختصار، جرى تصميم هيكل القيادة الحالية وخبراتها والغرض منها لمواجهة التحديات الحالية وليس المستقبلية.

يعد إنشاء الحلقة القيادية خطوة نحو معالجة أوجه القصور هذه. ولنكن واضحين بشأن بعض الأشياء منذ البداية: هذه ليست دعوة لإعادة الهيكلة المؤسسية، ولا هي إضافة مستوى آخر من المستويات الإدارية أو إنشاء لجنة جديدة في حد ذاتها. بل يتعلق الأمر، بالأحرى، بالجمع بين الأشخاص (بغض النظر عن أدوارهم ومسؤولياتهم الوظيفية الحالية) للتركيز بشكل صريح على فرصة مستقبلية تعد أساسية لاستمرارية الشركة على المدى الطويل. إذ تتمثل مهمة الحلقة القيادية في التفكير بشكل مختلف إزاء المستقبل، وأن تتحلى بالطموح والتطلع في الوقت الذي تستهدف فيه مواجهة تحديات الوضع الراهن.

وللشروع في هذا النهج:

أنشئ فريقاً مخصصاً ومتنوعاً من 15 إلى 18 شخصاً من جميع أنحاء الشركة للعمل معاً لمدة ستة أشهر تقريباً.

ويمكن أن يكون هناك مشاركة من المناصب التنفيذية العليا، ولكن فقط بصفتهم أقراناً، ويجب استبعاد الرئيس التنفيذي وأعضاء مجلس الإدارة. الغرض من الحلقة هو مشاركة وجهات النظر واستكشاف الإمكانات فيما لا يزيد على ثلاثة أسئلة مهمة للغاية تواجه الشركة. على سبيل المثال، قد يكون هناك سؤال اعتيادي عن كيفية تحول المشهد التنافسي ومن هم المنافسون في المستقبل، وما سيتعين على الشركة القيام به استعداداً لمثل هذه الحاجة الماسة. أو قد تسأل الحلقة عن المنتجات أو الخدمات الجديدة التي يمكن أن توفرها الشركة باقتدار كبير للدخول في سوق جديدة تماماً. الأسئلة الوحيدة التي ينبغي للدائرة تجنبها هي المتعلقة بما يجب فعله حيال المشكلات التشغيلية الحالية.

وهكذا، فإن الحلقة هي “مجتمع انخراط” أكثر من صفتها لجنة دائمة. ويتمتع كل عضو، داخل الحلقة، بمكانة متساوية وينبغي ألا يشعر بأنه يُطلب منه تمثيل وجهة نظر قسم المحاسبة أو المبيعات أو الشحن أو أي قسم من الأقسام. علاوة على ذلك، ينبغي ألا يكون تركيز الحلقة على العمليات اليومية. بل، في الواقع، ينبغي أن يكون الأمر عكس ذلك تماماً. والقاسم المشترك الوحيد الذي يجب التأكيد عليه لهذه المهمة هو أن الجميع يجب أن يكونوا متحمسين للتفكير في مستقبل الشركة. والعقد الوحيد بين الأعضاء هو أن يكونوا منفتحين وصادقين وملتزمين بوضع أفكار الآخرين في الاعتبار.

ثانياً، تبنّي القاعدة التي تقضي بتشجيع النزاعات فيما يتعلق بهذه المهمة. 

وما ينبغي تشجيعه هو النزاعات وليس الصراعات. حيث إن أوجه الهجوم الشخصية، والانتقادات المهينة، والإهانات القاسية، وإبداء التأفف والضجر جميعها سلوكيات غير مقبولة في الحلقة. فالمطلوب هو وسيلة لتعزيز قيمة التنوع الموجود في الحلقة، بل واغتنامها. وأفضل طريقة للقيام بذلك هي السماح للأشخاص بأن يقولوا، على سبيل المثال، إنهم يقدّرون آراء الآخرين في الحلقة، لكن ثمة طريقة أخرى (ومن الممكن أن تكون متعارضة) للتفكير في السؤال المطروح. وينبغي أن يفكر الجميع في أنفسهم بصفتهم أمناء على الشركة. وهكذا، فإن قبول الخلاف باعتباره نتيجة طبيعية (ومستحسنة) لمجموعة متنوعة من وجهات النظر حيال الشؤون الحالية أو الإمكانات المستقبلية سوف يوفر زاداً إيجابياً للنزاعات البناءة.

ولا تعد الحلقة القيادية ذات قيمة تذكر لأي شركة إذا كان الأشخاص لا يستطيعون الاختلاف علانية دون أن يتعرضوا للاستهجان. وإذا كانت الحلقة قد جُمّعت بعناية من مجموعة متنوعة، فمن المهم أن ينجح هذا التنوع طالما وافق الجميع على أن مستقبل الشركة، وليس هذه الحلقة المخصصة، هو الذي يوحد الجميع.

أخيراً، نظراً لأن الحلقة ليس لها سلطة رسمية، ولأنها لا تتحكم في أي موارد، فإن قيمتها تعتمد على استيعاب ما جرى تعلّمه وإطلاع الآخرين عليه، خاصةً في المستويات العليا.

ومع أنه ما من حلقة قيادية تصمم لتوفير توجيهات استراتيجية قاطعة ودامغة للشركة، هناك احتمال أنها ستقدم بعض وجهات النظر التي ربما لم يسمع بها أحد، خاصة على مستويات المناصب التنفيذية العليا ومجلس الإدارة. ويمكن لوجهات النظر هذه، بدورها، أن تستحدث تفكيراً أكثر حداثة وابتكاراً، ومن ذلك، قد تظهر آفاق مؤسسية جديدة بسهولة.

ويتمثل أحد أكبر الأخطاء التي يمكن أن ترتكبها أي شركة في قمع الخيال والتفكير الإبداعي. ومهما تكن الأفكار التي تتوصل إليها الحلقة القيادية، فينبغي التعامل معها بالطريقة نفسها التي جرى بها التوصل إليها، والمتمثلة في أنه ينبغي مناقشة الأفكار والحوار بشأنها واستكشافها بشكل دقيق ومنهجي. وفي كثير من الأحيان، يتحول الهيكل والرتبة داخل الشركات إلى تبجيل غير سليم لمن هم في المستويات العليا. فقد يكون الأشخاص في المناصب التنفيذية العليا يتحلون بالذكاء والموهبة والعمل الدؤوب؛ لكن من المرجح للغاية أن يكونوا مثقلين بالعمل ومستهلَكين للغاية في المسائل التي تحدث اليوم أو التي حدثت في العام الماضي. ولا يمكن لأي مسؤول تنفيذي أن يحتكر ما قد يحدث في المستقبل الذي قد يؤثر في استمرارية الشركة.

تعد الحلقة القيادية انخراطاً فريداً من نوعه لأفراد العائلة المؤسسية. وهي بمثابة ملتقى ينطوي على قدر كبير من التفكير أنشئ لتوسيع الآفاق وإتاحة فرص جديدة. وعلّق لي أحد مدراء وحدات الأعمال في الشركة الإعلامية – التي أشرت إليها آنفاً – بأنه بعد الاجتماعات القليلة الأولى التي عقدتها الحلقة القيادية، لم تكن المناقشات التي تجري موجودة في الماضي في جميع الحوارات الاستراتيجية السابقة. حيث أطلعني ذات يوم بقوله: “لم يكن لدينا ملتقى على الإطلاق لإجراء مثل هذا النقاش بين الأقران من جميع أنحاء المؤسسة، وما إن بدأنا، أصبحت الفوائد واضحة لنا جميعاً”. في ضوء وجود حاجة شاملة للشركات لإيجاد طرق جديدة إما لتطوير الإمكانات الحالية للشركة ونقلها في اتجاهات جديدة، أو للبدء بتطوير القدرات اللازمة للاستمرار في دفع مسيرة تقدم الشركة، يمكن أن يكون تكوين الحلقات القيادية هو أفضل طريقة للبدء في تلبية هذه الحاجة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .