كيف تسهم تكنولوجيا إنترنت الأشياء في تحضير المدن لمواجهة الكوارث الطبيعية؟

5 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

عندما تقع الكوارث، تحتاج السلطات المحلية وحكومة الولاية والحكومة الفيدرالية إلى استراتيجية منسقة وبيانات موثوقة وكافية وقوة عمل ماهرة لتدبير إجراءات الاستجابة. للكوارث الطبيعية، مثل العواصف والأعاصير والفيضانات آثارها المدمرة على مجتمعاتنا المحلية في كل أنحاء بلدنا. ومنذ العام 1980 تعرضت الولايات المتحدة لأكثر من 200 كارثة مرتبطة بالطقس والمناخ، بتكاليف تراكمية بلغت 1.1 تريليون دولار.

حري بالهيئات الحكومية أن يفكروا في الاستفادة من تكنولوجيا إنترنت الأشياء وغيرها من التكنولوجيات التي تعمل بوساطة الشبكة العنكبوتية، وذلك للحصول على البيانات الدقيقة في الوقت المناسب والتي من شأنها ضمان اتخاذ القرارات والإجراءات الأفضل. وباستخدام التكنولوجيا الأحدث تستطيع تلك الهيئات أن تتعامل مع تلك الكوارث المكلفة بطريقة أكثر فاعلية وأماناً. بيد أن هذا النوع من التطور سيتطلب أكثر من مجرد تطبيق تكنولوجيا إنترنت الأشياء لتحسين مدى التأهب لحالات الطوارئ والاستجابة لها؛ بل لا بد لفرق الاستجابة أن تكون على أهبة الاستعداد لاستقبال البيانات وتفسيرها واتخاذ الإجراءات المناسبة بناءً عليها.

جمع البيانات قبل وقوع الكارثة

في الوقت الراهن لا تحصل الفرق المستجيبة للكوارث على المعلومات الموثوقة في الوقت المناسب إلا بعد تقييم حالة المنطقة المعنية وإعلانها منطقة طوارئ. وفي حالة الأعاصير والظواهر الجوية الحادة، كثيراً ما تمنع العوائق الطبيعية والتقنية فرق الاستجابة من الحصول على البيانات الحساسة التي تسمح لها بتعقب أثر الأضرار وترتيب حاجات الاستجابة وفق الأولويات وإبقاء عامة الناس على اطلاع بكل جديد بحيث يعرفون كيف يحافظون على أنفسهم وعلى ممتلكاتهم. ومن شأن قنوات التواصل غير الفعالة وأنظمة الاستجابة المرهقة وتعطل الإنترنت، أن تضع المزيد من العراقيل في طريق حصول الناس على المساعدة التي يحتاجونها.

وهنا يأتي دور أجهزة استشعار إنترنت الأشياء التي تستطيع جمع البيانات واستقبال الإشارات بشكل منهجي من مناطق الطوارئ. فبمقدور أجهزة الاستشعار تلك أن تبث مباشرة معلومات لحظية تفصيلية حول المنطقة الموجودة فيها إلى الهيئات الحكومية وفرق الإنقاذ. فعلى سبيل المثال يمكن لتلك الأجهزة أن تقيس درجة الحرارة ونوعية المياه ومستوى سطحها والضغط الجوي والدخان والرطوبة على سبيل المثال لا الحصر. وفي حال اندلاع الحرائق في الغابات، يمكن لأجهزة الاستشعار أن تحدد مدى اتساع الحريق وسرعة انتشاره. وأثناء الأعاصير البحرية يمكن لتلك الأجهزة أن تراقب مستويات سطح البحر لإرسال التحذيرات لدى بروز أولى علامات حدوث الفيضانات. كما بإمكان الأجهزة نفسها اكتشاف وجود الغازات والمواد الكيماوية الضارة المتسربة من الخزانات والمنشآت والمصانع الواقعة في مسار العاصفة. فضلاً عن أن هذه الأجهزة ذات أهمية كبيرة وحاسمة بالنسبة للقرارات العاجلة كقرار إخلاء إحدى المناطق المهددة بخطر الفيضان، أو توجيه المواطنين نحو المخرج الأكثر أماناً في حالات الطوارئ.

ومن الناحية العملية يبدأ هذا الإجراء بتركيب أنظمة مخصصة لربط البيانات المحلية إلى جهات الاستجابة الحكومية، حيث تقوم فرق العمل التقنية بنشر أجهزة الاستشعار أو الحساسات التي ترسل البيانات عن طريق الشبكة إلى مركز القيادة الرقمية الذي يستطيع المسؤولون الحكوميون الدخول إليه من مكان وجودهم. وبإمكان الطائرات بلا طيار أن ترصد المناطق المتضررة من الكارثة أثناء مرحلة البحث والإنقاذ ومن ثم تنتقل إلى جمع المعلومات ودعم جهود تجاوز الكارثة بعد زوال أخطارها المباشرة.

ولتحقيق أكبر فعالية ممكنة، يتعين على الجهات المعنية نشر أجهزة الاستشعار المربوطة على شبكة الإنترنت في الأماكن الاستراتيجية والحساسة كالسدود والجسور والأعمدة الكهربائية لرصد عوامل الخطر مثل ارتفاع مستويات المياه في المناطق المنخفضة ولتحذير السلطات المختصة عندما تتعرض البنى التحتية الأساسية للخطر. ففي المناطق المعرضة لخطر الفيضانات على سبيل المثال يتعين على فرق الاستجابة أن توزع أجهزة الاستشعار على عدة أمكنة بحيث لا يؤدي غرق أحد الأجهزة إلى تعطل شبكة الرصد بمجملها. ومن شأن ضمان تدفق البيانات من الحساسات المنشورة في مناطق الخطر أن يساعد أيضاً في تحديد المناطق الأكثر تعرضاً للمخاطر وتلك الأولى بجهود الإغاثة.

ويمكن لفرق الاستجابة أن تحصل على صورة أكثر وضوحاً حول حالة الطوارئ عندما تكون بيانات أجهزة الاستشعار مدعومة ببيانات ديموغرافية قائمة على تعداد موثوق به للسكان وبيانات أخرى ذات صلة صادرة عن أطراف ثالثة. ومن شأن أكبر قدر ممكن من البيانات الاجتماعية الاقتصادية والديموغرافية أن تساعد في تحديد تكتيكات التواصل الأمثل، كما هي الحال في المجتمعات المحلية التي يتكلم سكانها لغات عدة مختلفة على سبيل المثال. فضلاً عن ذلك تعد المعلومات المدعومة ببرمجيات التحليل مفيدة بالنسبة لفرق الاستجابة المحلية وعلى مستوى الولايات والحكومة الفيدرالية لكي توجه رسائلها إلى أكثر المناطق تعرضاً للمخاطر – كالمناطق الأكثر تركيزاً للسكان الكبار في السن الذين لا تتوفر لديهم إمكانات التنقل على سبيل المثال.

وصل الناس فيما بينهم وإيصال المعلومات أثناء الكارثة

لكي تكون الاستجابة دقيقة ومناسبة يتعين على الهيئات الحكومية وأطقم العمل في الحالات الطارئة أن تنشئ نظم تواصل بين أجهزة الهاتف الجوال للساكنين في المنطقة المنكوبة وأجهزة الاستشعار المزروعة في المنطقة. فمن شأن تلك النظم أن تيسر وتسرع الاستجابة المحلية أثناء الكارثة. ويتعين على تلك النظم أن تستجيب للمعلومات الواردة وفقاً للبيانات التي تتلقاها من أجهزة استشعار إنترنت الأشياء والإشارات الواردة من الهواتف الجوالة للسكان. فعلى سبيل المثال عندما يبعث أحد السكان عبر هاتفه الجوال برسالة نصية على أحد خطوط الطوارئ العامة ليسأل إلى أين يذهب حتى يتفادى الفيضانات المحلية، يمكن للنظام أن يزوده بنصيحة مبنية على بيانات مستويات المياه التي ترده من أجهزة الاستشعار المنتشرة في المنطقة. ومن شأن نظام الاستجابة المدعوم بالبيانات الموثوقة أن يضمن وصول المعلومات الضرورية إلى الأشخاص الذين هم بأمس الحاجة إليها. ومن الضروري أن يتم جمع البيانات بشكل مركزي، وأن تتم مراقبتها بشكل دوري ومنتظم من قبل موظفي الاستجابة، وأن تستعمل لإطلاق إخطارات آلية على نحو استباقي وإرسالها إلى الهواتف الجوالة للمواطنين الساكنين ضمن مساحة محددة من منطقة الخطر.

وبوسع فرق الاستجابة أن يستخدموا بيانات أجهزة الاستشعار أيضاً لعمليات التنسيق والتحليل واستراتيجيات التواصل الميداني وتكتيكات الاستجابة على الأرض. وقد تتنوع هذه الإجراءات من حالة إلى أخرى. ففي حالة برنامج قسائم الطعام، يمكن للمسؤولين الحكوميين أن يستخدموا المعلومات لاتخاذ القرارات بشأن (1) كيفية التواصل مع السكان المتضررين والوقت المناسب لذلك، و(2) الأمكنة المناسبة لإقامة المراكز المؤقتة لتوزيع الإعانات، حيث إن المراكز الأولية (كأسواق السوبرماركت ومتاجر البقالة وغيرها) قد لا تكون جاهزة للعمل، و(3) كيفية ضمان التوزيع السليم للإعانات.

كما يتعين على مؤسسات الاستجابة أيضاً أن تعرف أي قنوات اتصال هي الأفضل للوصول إلى السكان المتضررين. فعلى سبيل المثال عندما يكون غالبية السكان المتضررين يتحدثون اللغة الإسبانية، فإن رسائل التأهب والجاهزية يجب أن تكون بالإسبانية. وعندما يتم التعامل مع شريحة السكان الكبار في السن، فإن التواصل معهم يجب أن يكون عبر البرامج التلفزيونية والإذاعية والصحف اليومية، لا عبر القنوات الأكثر تطوراً من الناحية التكنولوجية كالرسائل النصية وتطبيقات الهاتف الجوال الأخرى. وعلى العموم فإن هذا النمط من التواصل يعد ابتعاداً واضحاً عن نهج القناة الواحدة التي تناسب جميع الشرائح. وسيكون لزاماً على الجهات المعنية القيام بخطوتين مهمتين: الأولى، إجراء تغيير جذري في عملية الإدارة لتوضيح فوائد وفعالية نهج التواصل القائم على تكنولوجيا إنترنت الأشياء؛ والثانية، إجراء التدريبات اللازمة لاعتماد ذلك النهج.

وإننا لنشهد المراحل المبكرة لنهج الاستجابة القائمة على تكنولوجيا إنترنت الأشياء على أرض الواقع من خلال ما يسمى “نظام معلومات محفظة الأصول والاستدامة الموحد” (CAPSIS) التابع لوزارة الأمن الوطني. فقد استفاد المستجيبون لإعصاري تكساس وبورتوريكو وحريق كاليفورنيا من تدفق البيانات الحقلية إلى نظام المعلومات المذكور آنفاً في مقر الوزارة لتكوين فكرة واقعية عن الأضرار الناجمة. وعلى مستوى الولاية أطلقت وزارة النقل في ولاية وايومينغ برنامجاً أولياً لاستخدام أشكال التواصل المتعددة “من مركبة إلى مركبة” و”من مركبة إلى بنية تحتية” و”من بنية تحتية إلى مركبة” لتحسين عملية مراقبة حالة الطرق وإبلاغ السائقين بها على طول الطريق السريع بين الولايات I-80.

إن التوقيت هو العامل الأهم في حالات الكوارث. ومن خلال إدخال بيانات تكنولوجيا إنترنت الأشياء إلى خطط الاستجابة للكوارث، بات بمقدور الهيئات العامة وفرق الاستجابة على الأرض الاستفادة من المعلومات المناسبة الآنية والدقيقة لوضع خطط فعالة والوصول إلى المواطنين الذين يحتاجون للمساعدة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .