تعلّم فنّ إلقاء العروض التقديمية من مارتن لوثر كينغ

3 دقائق
مارتن لوثر كينغ
shutterstock.com/Uncle Leo
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

“ثمة ضغط بنّاء وغير عنيف، وهو ضروري للنمو”، هكذا وصف مارتن لوثر كينغ الابن في رسالته الشهيرة من سجن برمنغهام رؤيته للضغط الذي يشعر به أي شخص يسعى إلى تطوير ذاته، وهي رؤية تتسّم بالإيجابية على غرار رؤيته لمختلف القضايا الاجتماعية الأخرى التي لطالما ناضل لتحقيقها باستخدام الوسائل السلميّة. تميّز مارتن بقدرته الفائقة على الإقناع في أثناء العروض التقديمية، وبكاريزما لافتة جعلته أبرز  شخصية ارتبط اسمها بحركة الحقوق المدنية الأميركية.

وفقاً لأستاذ جامعة هارفارد والكاتب كارماين غالو، فإن مارتن ألقى 2,500 خطاب طوال حياته، بافتراض أن كلّ خطاب استغرق ساعتين لكتابته والتدرّب عليه (وفي أغلب الحالات، فقد قضى وقتاً أطول بكثير من ذلك)، أي إنّ مارتن أمضى 5 آلاف ساعة من التدريب على أقل تقدير. لكن هذه تمثل الخطابات فقط، ولا تشمل مناظرات المدارس الثانوية التي خاضها ومئات المواعظ التي ألقاها، لذلك فإن كارماين غالو يؤكد إن مارتن لوثر كينغ أمضى 10 آلاف ساعة من التدريب بحلول أغسطس/ آب من عام 1963.

فيما يلي، 3 من أهم السمات التي ميّزت خطاباته الجذابة، والتي يمكن أن يستفيد منها أيّ شخص يسعى إلى تطوير قدراته في إلقاء العروض التقديمية:

  1. التدريب: جعل المؤلف مالكولم غلادويل قاعدة الـ 10 آلاف ساعة مشهورة باعتبارها مقياساً معيارياً للتميز، وأكدّ إن التدرب لمدة 20 ساعة في الأسبوع طوال عشر سنوات يمكن أن يجعل أي شخص خبيراً في مجاله. طبّق مارتن هذه القاعدة حرفياً؛ إذ وكما ذكرنا أعلاه، فقد مارس فنّ الإلقاء وتدرّب عليه لمدة تتجاوز هذه القاعدة، وكذلك فإنّ أفضل المتحدثين في مجال الأعمال عُرف عنهم التدرّب لساعات طويلة قبل أي عرض لمنتج جديدة أو فكرة جديدة، على غرار ستيف جوبز الذي كان يتدرب لساعات يومياً على مدى أسابيع قبل عرض أي منتج جديد.
  2. عنصر المفاجأة والارتجال: تجتذب اللحظات غير المتوقعة انتباه الجمهور لأن العقل البشري يصاب بالملل بسهولة. ووفق المتخصص في علم الأعصاب، أيه كيه براديب، فإن “التعرف إلى الأمور المستحدثة يُعدّ أداة متأصلة من أدوات الحياة التي يتشاطرها جميع البشر؛ إذ إن عقولنا مجبولة على البحث عن شيء ذكي وجديد وبارز ويبدو ممتعاً”.

ارتجل مارتن الجزء الذي لا يُنسى ويُعرف الآن بـ “خطاب الحلم” الذي ألقاه عند نصب لنكولن التذكاري، فعندما شرع في عبارة “لديّ حلم” أصيب الصحفيون الحاضرون بالحيرة؛ إذ لم تكن هذه العبارات مدرجة في الصيغة الرسمية للخطاب التي سُلّمت لهم. وما حدث هو أن مارتن فهِم المزاج العام لجمهوره ودمج، في تلك اللحظة، بين الكلمات والأفكار التي طرحها في الخطابات السابقة.

في عام 2009، أضفى بيل غيتس عنصر المفاجأة على عرضه الشهير على منصة “تيد”، إذ وفي أثناء حديثه عن جهود مؤسسته الخيرية للحدّ من انتشار مرض الملاريا، قال: “البعوض، بالطبع، هو الذي ينقل الملاريا. وقد أحضرت بعضاً منه معي لكي تشاهدوه”، ثم سار إلى منتصف المسرح، وفتح غطاء وعاء صغير يحتوي على بعوض غير ناقل للمرض وقال: “سندع هذا البعوض يجول في القاعة لوقت قصير”، ونجحت هذه اللحظة في اجتذاب انتباه الجمهور لأنها كانت بمثابة مفاجأة. إذ إن جمهوره كان يتوقع عرضاً تقديمياً اعتيادياً باستخدام برنامج باور بوينت، تستكمله الرسوم البيانية والبيانات. لكن ما شاهدوه كان تعريفاً متعمقاً بالموضوع وتجربة غامرة تلاعبت بمشاعرهم.

  1. وضوح الرؤية والتعاطف: الكثير من مقولات ومؤلفات مارتن تُبرز قوة الحبّ والسلام في التغلب على الشر والكراهية، وهي قِيم تتوافق مع فطرة البشر الذين يحرصون على بقائهم وسلامتهم وعلاقتهم بمن يحبّون. يؤكد كارمن غالو في مقال آخر أنه توجد عدة طرائق يمكن اتباعها لإظهار التعاطف؛ فاستخدام لغة شاملة أكثر مثل “لقد حققنا ذلك معاً” بدلاً من “حققت ذلك لأجلكم” يجذب انتباه الجمهور، وعندما يضع القائد نفسه في مكان جمهوره ويبدي مشاركة وجدانية لما يشعرون به فسيولد لديهم شعوراً بأنه يسمعهم ويفهمهم، كما أن التعاطف يتعلق بتخصيص وقت قبل العرض التقديمي للاستعداد له وتنظيمه، ما سيظهر أن القائد يهتم بجمهوره لدرجة أن يعمل على تحضير محتوى يهمه. يستخدم المتحدث المتعاطف باستمرار لغة مثل “ما يعنيه ذلك لكم هو”. في إحدى خطاباته عام 1964 بمدينة سانت لويس، قال هذه العبارة التي تُبرز بوضوح أهمية التعاطف: “علينا أن نتعلم كيف نعيش معاً كالأخوة، أو أن نهلك معاً كالحمقى”، أما رؤية مارتن، فينطبق عليها ما ينطبق على بيان رؤية الشركة المُصاغ على نحو جيّد: سهلة الفهم والتذكر، وتبعث على التحدي، وذات هدف محدد، ومتجهة نحو المستقبل، وذات طابع جذاب وملهم ويتميز بالإيجابية والتحفيز. أحد أشهر مقتطفات خطابه الشهير “لدي حلم“: “لدي حلم بأنه في يوم ما سيعيش أطفالي الأربعة في أمة لا يُحكم فيها على الفرد من لون بشرته، إنما من ما تحويه شخصيته”.

ليس من السهل أن تصبح متحدثاً بارعاً في وقت وجيز، لكن ما أنت تبدأ في التدرب والتطبيق سيزول الخوف من مخاطبة الجمهور شيئاً فشيئاً. عندما تأخذ الوقت الكافي للتحضير لعرض تقديمي أو خطاب أو رسالة صعبة، خذ الوقت لتسأل نفسك عن مدى جاذبية رؤيتك واستخدم عنصر المفاجأة لصالحك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .