4 طرق للاعتناء بنفسك في العمل دون أن تضُر بمسارك المهني

7 دقائق
إعطاء الأولوية لحياتنا
فريق هارفارد بزنس ريفيو/رينات خيريدينوف/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: عندما ننضم إلى عالم العمل، غالباً ما نربط الإنتاجية بعدد الساعات التي نقضيها في العمل، لكن هذه الفكرة غير صحيحة البتة؛ فإعطاء الأولوية لعملك على حساب صحتك الجسدية والعاطفية في بداية مسارك المهني يؤدي حتماً إلى الاحتراق الوظيفي. تقدّم المؤلفة 4 طرق لتحديد أولويات نفسك بطريقة لا تضر بنموك المهني.

  • لا تفعل شيئاً. تتمثل إحدى الطرق لبناء لحظة من الانفصال الحقيقي عن العمل في تدوين أفكارك أو رسمها على الورق، وانظر إلى الأمر على أنه تنظيف يومي لذهنك أو تفريغ لعقلك من الأشياء المتعلقة بالعمل حرفياً والتخلص من ضغوطها للتركيز على هذه الأفكار أو المشاعر.
  • تعلّم أن تقول “لا”، ووضّح الحدود. ينطوي ذلك على فهم حدود قدراتك والانخراط في الأنشطة أو المهام التي تُشعرك بالإلهام والتحفيز بدلاً من استنزافك. قد يكون القيام بذلك صعباً عندما تكون شاباً، ولكن يجب أن تعلم أن تنمية مهارة الرفض بأدب تعزز علاقاتك مع زملائك وحتى مع أصدقائك وأقرانك.
  • استخدم المساحات المختلفة داخل منزلك على نحو مدروس. ابحث عن مساحات محددة يمكنك العمل فيها، وتجنب العمل على الأريكة أو في السرير.
  • أخيراً، افهم رؤيتك المهنية وأهدافها، وملاءمتها للسياق الأكبر لحياتك. تأمّل كيف يمكنك تنمية شغفك واهتماماتك خارج العمل، وأدرك أن العمل هو مجرد جزء من هويتك الكاملة.

 

من الطبيعي أن تشعر بالإثارة والحماس وحتى القلق عندما تنضم إلى قوة العمل وأنت شاب صغير السن، فقد تكون لديك توقعات محددة لما تريد تحقيقه وكيف ستنمو في مسارك المهني، ويشيع في هذه المرحلة أيضاً الإيمان بأن العمل الجاد ولساعات طويلة هو مفتاح الاعتراف بك والنجاح في مسارك المهني.

لكن هذه الفكرة غير صحيحة. فإعطاء الأولوية لعملك على حساب صحتك الجسدية والعقلية والعاطفية في أي مرحلة من مسارك المهني يؤدي حتماً إلى الاحتراق الوظيفي. كلما انغمست في دوامة العمل لساعات طويلة على حساب صحتك، أصبح التعافي من الآثار الطويلة المدى للعمل الإضافي أصعب.

لماذا نشعر بالذنب حيال إعطاء الأولوية لحياتنا على العمل؟

لا يزال الكثير في مجتمعنا ينظر إلى مستوى الإنتاجية من خلال عدد ساعات العمل، وبصورة عامة أكثر يربط الإنتاجية بإنجاز المهام. كم مرة لمت نفسك لأنك قضيت عطلة نهاية الأسبوع في الراحة بدلاً من وضع الخطط؟ يجعلنا هذه الاعتقاد الخاطئ عن الانشغال الدائم نشعر بالخجل والعار لتفضلينا الراحة بدلاً من العمل، ويمكن لإلقاء نظرة سريعة على تاريخ العمل أن يفسر هذه النظرة القاصرة.

كان يُطلب من العمال خلال الثورة الصناعية العمل نحو 14 ساعة يومياً لمدة 6 إلى 7 أيام في الأسبوع، وظل الأمر كذلك حتى أوائل القرن العشرين عندما قام مؤسس شركة فورد موتورز (Ford Motor)، هنري فورد، بتبني أسبوع العمل المحدد بـ 40 ساعة لأول مرة. ولكن قراره هذا لم يكن بدافع مساعدة العمال؛ بل كان مدفوعاً باعتقاده أنه إذا كان لدى الموظفين إجازات أطول، فمن المرجح أن يشتروا سياراته.

اكتسب مفهوم “ثقافة العمل المستمر” شعبية خلال فترة الركود الاقتصادي الكبير عام 2008، حيث اضطر الكثير من الناس إلى تولي وظائف متعددة لتغطية نفقاتهم بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية. عززت معدلات البطالة المرتفعة والظروف المالية الصعبة التي مر بها الناس فكرة أن العمل لساعات طويلة هو علامة على التفاني والتصميم اللذين يؤديان في النهاية إلى النجاح.

لم تغير الشركات والموظفون هذه العقلية إلا بعد أن ضربت جائحة كوفيد العالم أجمع، وبات أصحاب العمل اليوم يتبنون نماذج العمل عن بُعد أو العمل الهجين، وبدؤوا يدركون أهمية عاملي الارتباط والتحفيز أساساً لرفاهة الموظفين، حتى إن الحديث عن المرونة والثقة ازداد باعتبارهما مكونين رئيسيين للإنتاجية.

الفكرة الأساسية هي أن تعريفنا للإنتاجية قد تطور. بدأت الشركات في العامين الماضيين التركيز على تحقيق المزيد من التأثير بدلاً من مجرد زيادة ساعات العمل. يمكن الاستمرار في هذا المسار، لكن التاريخ أظهر لنا أننا نتعرض خلال الأوقات الاقتصادية الصعبة لضغوط تعيدنا إلى عقلية خطيرة تعطي الأولوية للعمل على حساب الرفاهة. ومع ذلك، هذا ليس حتمياً ويمكن تجنبه.

يمكن أن تتحدد قيمتك أو موهبتك بصفتك موظفاً من خلال القيمة التي تخلقها مخرجاتك، وليس المدة التي تستغرقها في إنشائها. ولكن لتحقيق أفضل ما لديك وإنشاء عمل مؤثر، يجب بناء توازن مستدام بين العمل والحياة يعطي الأولوية لك ولصحتك ولسعادتك.

كيف يمكنك تحديد أولويات نفسك؟

ثمة حقيقة بديهية باقية يجب الالتزام بها على الرغم من المتطلبات التي يخلقها عالمنا المتقلب باستمرار: الاهتمام بصحتك أمر بالغ الأهمية لنموك ونجاحك بغض النظر عما تفرضه الثقافة. ليس عليك إثبات نفسك قبل تحديد أولويات ذاتك، بل العكس هو الصحيح في الواقع: يجب عليك تحديد أولويات ذاتك لتقديم أفضل أداء لديك. كلما بدأت في بناء عادات صحية مبكراً، عشت حياة أكثر سعادة ورضا.

قد يكون إعطاء الأولوية للرعاية الذاتية مع التركيز أيضاً على النمو المهني صعباً، لكن اتخاذ خطوات صغيرة ومدروسة هو مفتاح بناء هوية شاملة ومستدامة وممكّنة. فيما يلي 4 أشياء يمكنك القيام بها لإتاحة الوقت لنفسك دون إعاقة نموك المهني.

1) خصص وقتاً لعدم القيام بأي شيء

نعم؛ لا تفعل أي شيء. هل تتذكر آخر مرة كنت جالساً على الأريكة، غارقاً في أحلام اليقظة بعيداً عن التلفاز أو هاتفك؟ كيف كان هذا الشعور؟ في الواقع، قد يكون من الصعب قضاء وقت هادئ مع أنفسنا مع الكثير من الأشياء التي تتنافس على جذب انتباهنا من حولنا، لكن تنمية هذه المهارة ستعلمك كيفية البقاء في اللحظة الحالية دون اجترار الماضي أو التفكير في المستقبل. قد يكون البقاء مع أفكارك أمراً مربكاً، ولكن ثمة طرق لإدارة المشاعر غير المريحة التي قد تظهر.

تتمثل إحدى طرق بناء لحظة من الانفصال الحقيقي مع ذاتك في كتابة الأشياء عندما تفكر فيها أو تشعر بها. استعن بمفكرة أو دفتر يوميات لرسم أو كتابة كل ما يخطر ببالك أو تشعر به بصدق ودون بذل مجهود كبير، وانظر إلى الأمر على أنه “تفريغ يومي لعقلك”. يمكن أن يساعدك هذا النشاط في تصفية ذهنك والتخلص من الضغط الذي يدفعك إلى اجترار الأفكار والمشاعر السلبية وتهويلها.

على سبيل المثال، إذا كنت قلقاً بشأن اجتماع مع أحد العملاء غداً، فاكتب عنه. يمكن أن يؤدي تفريغ أفكارك أو مخاوفك على الورق إلى نزع سطوتها وتسهيل التعرف إليها وإدارتها. فرؤية أفكارك على الورق أقل خطورة بكثير من الغمامة المظلمة التي تخلقها في ذهنك.

حاول أن تبدأ يومك أو تنهيه بهذه الممارسة.

نصيحة احترافية: يمكنك أيضاً استخدام هذه الممارسة لتسجيل الأشياء التي تتطلب انتباهك أو تحتاج إلى تنظيم أو تريد الوصول الفوري إليها، مثل اجتماعات العملاء وقوائم التسوق والأفكار الكبيرة التي تخطر على ذهنك فجأة واستراتيجية العمل وتتبع عادة جديدة تحاول بناءها وحتى تدوين اقتباس أعجبك.

2) تعلّم أن تقول “لا”

تبدو أشياء كثيرة ذات أهمية حاسمة عندما تنضم إلى قوة العمل لأول مرة، من تولي مشروع جديد إلى حضور الاجتماعات وتنفيذ المهمات الإنمائية. قد تكون كل فرصة جديدة وسيلة لترسيخ مصداقيتك وإثبات نفسك في العمل، وغالباً ما يؤدي هذا الضغط إلى رغبتنا بقبول كل فرصة وقول “نعم” أكثر مما نقول “لا”.

هذا الشعور طبيعي، والتدفق الصحي للعمل سيبقيك متحمساً ومشاركاً، لكن من المهم التعرف على حدودك وقدراتك. لتجنب إرهاق نفسك والشعور بالذنب بشأن رفض الطلبات، اعتبر قول “لا” بمثابة وضع حدود، ولكي تكون هذه الحدود صحية، تحتاج إلى فهم قدرتك على تحمل المهام والمسؤوليات دون المساس بصحتك الجسدية والعقلية. اسأل نفسك:

  • من الذي أرغب (أو لا أرغب) في منحه الوقت؟
  • ما الذي أريد (أو لا أريد) فعله أو تحقيقه؟
  • متى يجب وضع حدود لجدول مواعيدي، ومتى يناسبني أن أكون متاحاً.
  • لماذا سأعطي شخصاً أو نشاطاً ما الأولوية؟
  • ما المهام أو الأنشطة التي ستساعدني (أو لن تساعدني) في الوصول إلى النتائج التي أطمح إلى تحقيقها؟

ستساعدك الإجابة عن هذه الأسئلة في إدراك ما يمنحك الطاقة وما يستنزفها، وفي النهاية، أين يجب تركيز وقتك. تنطوي هذه العملية على الوعي باهتماماتك والمهام التي ستساعدك في الوصول إلى أهدافك، ويجب عليك الاعتراف بحدود قدرتك وأن تكون صادقاً بشأنها مع نفسك ومع الآخرين. ستعزز هذه الممارسة موقعك في الفريق وعلاقاتك مع زملائك وحتى مع أصدقائك وشريكك، وستمنحك الثقة لرفض الطلبات بأدب.

نصيحة احترافية: عندما يطلب منا زميل في منصب أعلى تنفيذ مهمة ما، نفترض أن لا خيار أمامنا سوى قبولها، ولكن لماذا لا تفترض أنه شخص عقلاني وعلى استعداد لإجراء محادثة معك حول أولوياتك والتوصل إلى حل وسط بشأن المهمة. إذا كنت تريد قول “لا” لشخص ما، فما عليك سوى شرح السبب واقتراح حل بديل والسؤال عن إمكانية تأجيل إنجاز المهمة إلى وقت لاحق، أو اشرح له بوضوح أنه يجب عليك تعديل أولوياتك بناءً على احتياجات الفريق والعمل إذا كانت المهمة مستعجلة.

مثال على اللغة التي يمكنك استخدامها في هذه الحالة: “شكراً لك على التفكير بي من أجل هذه المهمة، ولكن للأسف، ليست لدي القدرة على تولي مهمة إضافية هذا الأسبوع، ولكن إذا كانت مستعجلة فتسعدني مناقشة الجدول الزمني لمشاريعي الأخرى لمعرفة كيف يمكننا تنفيذها”.

3) احرص على الفصل التام بين عملك وحياتك

من الصعب في الواقع فصل عملك عن حياتك الشخصية، خاصة إذا كنت تعمل في بيئة مختلطة أو عن بُعد. لقد أدى العمل من المنزل إلى طمس الخطوط الفاصلة بين مساحات الاسترخاء ومساحات العمل، ما جعل رسم حدود مادية واضحة بين هوياتنا المختلفة والحفاظ عليها صعباً.

ما الحل؟ استخدم المساحات المختلفة داخل منزلك على نحو مدروس. يشكل دماغنا ارتباطاً ويطور إشارات محددة تسمح لنا بالتركيز وزيادة الإنتاجية عندما نعمل في نفس المكان كل يوم، ويسهّل هذا الاتساق علينا فصل عملنا عن بقية منزلنا. إذا كنت تستخدم مساحة مشتركة مثل غرفة الطعام أو طاولة المطبخ للعمل، فمن المهم أن تحزم كل معدات العمل وتنقلها بعيداً في نهاية اليوم. فمن خلال إيقاف تشغيل الكمبيوتر المحمول وإبعاد ملاحظات العمل عنك، تساعد عقلك على الانتقال إلى وضع الاسترخاء والانفصال عن العمل بسهولة أكبر. وبالمثل، يمكنك تخصيص مساحة لا تعمل فيها أبداً، مثل سريرك أو أريكتك.

نصيحة احترافية: يُفضل إيقاف التنبيهات أو الإشعارات على هاتفك بعد الانتهاء من العمل، حتى إذا كنت ترغب في قضاء الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي، فتعلّم كتم رسائل البريد الإلكتروني أو إشعارات تطبيقات العمل الأخرى لمساعدتك في الاسترخاء والانفصال عن العمل فعلياً.

4) افهم ما يعنيه العمل فعلاً بالنسبة لك

ما الذي تريد تحقيقه في حياتك المهنية؟ قد تبدو الإجابة عن هذا السؤال صعبة، لكن الوضوح بشأن ما تريد تحقيقه الآن وعلى المدى الطويل ضروري لبناء العادات الصحيحة التي ستساعدك في تحقيق هذه الأهداف. قد يكون تحديد تطلعاتك المهنية في الحال مربكاً، ولكن اسأل نفسك بعض الأسئلة كخطوة أولى:

  • ما الأثر الذي أريد تركه خلال مسيرتي المهنية؟ وما الإرث الذي أريد بناءه؟
  • ماذا عن جوانب وظيفتي (بخلاف المهام الفعلية التي أؤديها فعلياً) التي تمنحني الطاقة والدافع؟
  • ما العمل الذي سأقوم به إذا علمت أنه لا توجد قيود؟
  • ما الأنشطة التي أستمتع بها خارج حدود العمل؟ وهل تتيح لي وظيفتي الوقت للقيام بها؟
  • كيف سأملأ وقتي إذا لم أضطر إلى العمل؟

يمكن أن يساعدك هذا التأمل الذاتي في اكتساب فهم أوضح للرؤية الطويلة المدى لمسارك المهني، بالإضافة إلى اكتشاف شغفك واهتماماتك خارج حدود وظيفتك. كلما زاد الوقت الذي تقضيه في التأمل حول ما تعنيه حياتك المهنية بالنسبة لك، أدركت أن العمل يشكل جزءاً من هويتك، وليس كلها، وستساعدك هذه الحقيقة التي تدركها في استغلال وقتك على أفضل وجه وتجنب إضاعته مع الآخرين أو في الأنشطة التي لا تسير بك في الاتجاه الصحيح.

نصيحة احترافية: هذا ليس تمريناً تقوم به لمرة واحدة وينتهي الأمر. قد تتغير رؤيتك المهنية وتتطور بمرور الوقت وفي مراحل مختلفة من حياتك مع تغير أولوياتك وقيمك وأهدافك، ولا بأس بذلك. ضع في اعتبارك مراجعة قيمك وأهدافك مرة أو عدة مرات في العام، ومع نموك، ضع أهدافاً محددة حول ما تريده من الوظيفة أو صاحب العمل: يمكن أن يشمل ذلك ثقافة عمل صحية أو توازناً أفضل بين العمل والحياة، أو زملاء داعمين أو مديراً أو موجهاً مُلهماً أو الحصول على تعويضات أفضل أو حزم أجور أكثر إنصافاً.

***

يجب أن تعلم أنه لا يوجد وقت محدد للاعتناء بنفسك. حين تتعلم إعطاء الأولوية لصحتك ورفاهتك في وقت مبكر سيكون شعورك أفضل تجاه عملك وهويتك المهنية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .